[rtl]استيقظ باكرا وأشعة الشمس الذهبية يملأها الشوق لتداعب سفوح الجبال الموشحة بثوب البياض، نور النهار يطل برأسه المرتجف ليتنفس و يغتسل من مجون الظلام التليد، ويمد يده الطولى لينزع آخر زر من أزرار سترة الليل المهترئة بكل تأن و رفق، ويسطو عاريا على مملكة الوجود،[/rtl]
[rtl]يهز رأسه بقوة لينفض آخر حفنة من غبار النوم، يغسل وجهه بالماء و يرقب شخصا ثغره باسم في المرآة. يتوجه نحو المطبخ بسرعة خاطفة ليحضر فنجان قهوة، ومن تم يعرج إلى شرفة غرفته المطلة على بنايات المدينة الشاهقة، لفت انتباهه مذياعه الذي رمقه بنظرة حزن بغيض، توجه نحوه و حمله ثم مضى مهرولا حتى لاتفوته نشوة الصباح الزاهي، جلس على كرسيه و شغل مذياعه لتهذر كلمات العندليب وتنطلق إلى السماء "قالت له يا ولدي حبيبة قلبك في قصر مرصود..." ارتشف القهوة فإذا به يفاجئ بتلك الكلمات تمد يدها إليه ليرقص معها بكل نشوة و دلال على وتر أنغام الصباح الهادئ. كيف له أن يرفض طلبا كهذا! أمسك يدها و راح يرقص معها رقص اللهيب، بخطوات جد متناغمة، وفجأة وبدون سابق إنذار تعثر و سقط أرضا وأمسك فؤاده بكل قوة، وبدأ يسمع أصوات غريبة تطلب النجدة...حمل سترته وهرع إلى الخارج وبدأ يقتفي آثار تلك الأصوات التي لم ترد أن تفارق مسامعه، يمضي من تيه لتيه حتى وجد نفسه في ساحة مركز المدينة، أرعده الصمت و اغتال الرعب فؤاده، وارتعدت أنفاسه لهول ما رأته عيناه، وضع يديه فوق رأسه ودمعة الحسرة عالقة بأهداب عينيه. كتب مصلوبة بساحة الإعدام تطوف بها الغربان لتقتات من لحمها، أناس يمرون غير مكترثين بما يجري حولهم كصخور صماء، يصرخ عاليا كشخص أصيب بمس: "ما بكم لا تحركون ساكنا؟ هل فقدتم أبصاركم؟ من قام بهدة الفعلة الشنيعة؟ لا يلتفت أحد إليه و الناس يمضون حاملين ثقل العالم على كهولهم، مجردين من أدنى قيم الإحساس الإنسانية، لقد استعمرتهم التكنولوجيا و أردتهم ضحايا و طوقتهم بأصفاد حديدية،[/rtl]
[rtl]يعود أدراجه إلى المنزل و يوضب حقائبه، هو لن يرضى بأن يعيش مع هؤلاء الأشخاص في جو يسوده الإختناق، سوف يشق طريقه إلى الغاب ليرتمي في حضن الطبيعة الأم و يدعها تحقنه بدم الحياة من جديد.حينما وصل استقبله حملة عرش الغاب و هيئؤوا له موكبا يليق بالملوك، فرفرفت روحه وتنشت من رحيق الأزهار الخيالي و حلقت إلى الأعالي كطير كسر قفصه لينتشي غمرة الحرية.[/rtl]