ابو حيان التوحيدي
الجمعة 20/1/2006
نجاح حلاس
عصره 00 حياته 00 ثقافته 00 مؤلفاته في عصر الثورات التي لم تهدأ , والفتن , والاضطرابات الدائمة والغليان , والاحقاد التي لم تبق ولم تذر وتحديداً في القرن الرابع للهجرة عاش ابو حيان التوحيدي الذي عرف بسعة علمه وآفاق تفكيره , وفلسفته , وصوفيته رغم اتهامه بالزندقة في عصر كثر فيه التشكيك بسبب تلك التشابكات الثقافية المختلفة كالهندية والفارسية
واليونانية والعربية 000 ولا ندري سبباً مقنعاً لاهمال ذكر التوحيدي بعد وفاته من قبل المؤرخين رغم ما يحمله هذا الاهمال من جور وظلم لمن كانت له مساهماته الادبية والفكرية في عصر ازدهر علمياً وثقافياً ازدهاراً كبيراً رغم الضعف السياسي ورغم الثورات والمطاحنات 000 فكلنا يعلم ان هذا القرن كان ملتقى للفكر والثقافات المتنوعة , ومركز اشعاع نعتز به فالملوك والامراء الذين صاروا قائمين على شؤون الحكم قربوا العلماء منهم وشجعوا الادباء واغدقوا بعطاياهم على الشعراء 0‏
كما تم في هذا القرن نقل الفلسفة والعلوم من اليونانية وغيرها إلى العربية , وقد استوعب المسلمون في عصر ابي حيان التوحيدي ما جاءهم من علوم اليونان والفرس والهنود واعجبوا بها وشغل كثير منهم بطرائقها في التفكير 0 كما أن كثيراً من الهنود والفرس والمتأثرين بالفلسفة اليونانية قد اسلموا وخالطوا المسلمين , واشاعوا بينهم آراءهم 00 ومن مفاخر بني العباس أنهم شجعوا على ترجمة الكتب اليونانية في العلوم والفلسفة , واستجلبوا من بيزنطة الكتب اليونانية التي كانوا يحتاجون إليها0‏
وهكذا نجد أن ابا حيان التوحيدي قد عاش في عصر ازدهر علمياً وخالط الكثير من الادباء والعلماء والفلاسفة والفقهاء 000 الخ‏
واسم أبي حيان علي بن محمد بن العباس ولقب بالتوحيدي لأن أباه كان يبيع نوعاً من التمر يسمى التوحيد 000 وقد رجح العسقلاني أن هذا اللقب جاء من التوحيد في الدين لأن المعتزلة كانوا يسمون أنفسهم أهل العدل والتوحيد 0‏
وقد اختلف المؤرخون في تحديد سنة مولده خصوصاً أن الناس في تلك الايام لم تكن تحفل بمثل هذه الأمور فمنهم من قال أنه ولد سنة 312 للهجرة ومنهم من قال أنه ولد قبل ذلك أو بعد ذلك 000 وكما اختلف المؤرخون في تحديد سنة ميلاده اختلفوا ايضاً في تحديد تاريخ وفاته , لكن القزويني , والمؤرخ الشيرازي ذكرا أنه عاش إلى سنة 414 للهجرة‏
أما أصله فهو عند ياقوت الحموي شيرازي الأصل وقيل نيسابوري وقال بعضهم الآخر أنه واسطي قدم بغداد فأقام بها مدة ومضى إلى الري‏
أما الاستاذ محمد كرد علي فقد ذهب إلى أنه عربي الأصل والأرجح أنه كذلك اذ ليس بين مؤلفات أبي حيان التوحيدي ما يؤكد فارسيته 0‏
أما حرفته التي اشتغل بها فهي الوراقة والنسخ ببغداد قبل أن يرحل إلى ابن عباد 000 وقد عرف عنه انه كان جميل الخط , دقيق النقل , خبيراً بالتصحيف , لكنه مل حرفة النسخ ومل ذكرها , وتمنى ألا يعود إليها ثانية 000 يذكر في كتابه » مثالب الوزيرين « أن الصاحب ابن عباد كلفه ان ينسخ كتاباً فقبل على مضض 00 وقال لبعض الناس في دار الصاحب : » إنما توجهت من العراق إلى هذا الباب , وزاحمت منتجعي هذا الربيع لأتخلص من حرفة الشؤم «‏
بعد ذلك ولي عملاً في البيمارستان من قبل صديقه أبي الوفاء المهندس 0‏
عرف عن أبي حيان بأنه مكتبة جمعت الثقافات التي ازدهرت في ذلك القرن 000 فهو عالم واسع المعرفة , متنوع الثقافة , خبير باللغة والنحو والأدب والكلام والتصوف و الفقة والفلسفة 0 ولكن من اين استقى ينابيع ثقافته?‏
لقد استقاها من الكتب التي قرأها ونسخها كما استقاها من حرفة الوراقة التي اتاحت له الاطلاع على النادر النافع من الكتب ومن ابرز ألوان ثقافته : الفلسفة التي درسها على أبي زكريا يحيى بن عدي المنطقي سنة 361‏
للهجرة وقرأ في بغداد على أبي سليمان المنطقي ( محمد بن طاهر بهرام السجستاني ) كتاب النفس لأرسطو , كما كان على صلة وثيقة بنقلة الفلسفة اليونانية إلى العربية في القرن الرابع للهجرة وعلى صلة وثيقة ايضاً بمؤلفات المناطقة والفلاسفة , أما الفقه والحديث فقد درس الفقة الشافعي على القاضي ابي حامد المروروزي ,وسمع الحديث من ابي بكر الشاشي ,وأبي سعيد السيرافي , وجعفر الخلدي 0‏
وأما اللغة والنحو فإن كتبه تؤكد علمه الواسع باللغة من حيث مفرداتها وخبرته في دقة استعمالها , والمهارة في تركيبها وقد استمدها من مشافهة الأعراب في البادية 0‏
ومن العلماء الذين درس عليهم أبي سعيد السيرافي فقد قرأ عليه شرحه لكتاب سيبويه وكان معجباً بأبي سعيد اعجاباً كبيراً يدل عليه قوله إنه الإمام 0‏
وقوله في كتابه ( تقريظ الجاحظ ) أبو سعيد السيرافي شيخ الشيوخ وإمام الأئمة والشعر والعروض والقوافي والقرآن والفرائض والحديث والكلام والحساب والهندسة 0‏
وأما في الكلام فإن الذي يفهم من كتبه أنه لكم يكن من علماء الكلام الذين استنفذ الكلام جهدهم , ولون آراءهم وطغى على ثقافتهم وتفكيرهم , فهو يعيب المتكلمين وينتقص طريقتهم في البحث ويفضل عليها الفلسفة وقد بلغ شغفه بالمعرفة أن وصفه ياقوت الحموي بأنه فيلسوف الأدباء , وأديب الفلاسفة , ومحقق الكلام , ومتكلم المحققين 0 وتجلى شغفه بالمعرفة أنه كان يقرأ كثيراً , ويستوعب كثيراً مما قرأ و ويغشى مجالس العلماء والادباء على اختلاف ثقافاتهم فيعرف ما يدور فيها , من جدل ونقاش , ثم يسجل ما يسمع ومن هذه المجالس مجلس جدل لابن عباد بالري , وندوات لاستاذه أبي سعيد السيرافي شيخ الدهر , وندوات بمنزل صديقه واستاذه أبي سليمان المنطقي ببغداد 0‏
 
وقد روى في كتابه ( البصائر والذخائر ) عن علماء متعددي الثقافة لغويين وادباء وفلاسفة ومتصوفة ونحاة وغيرهم سمع عنهم وقرأ لهم في خمسة عشر عاماً كالجاحظ , وابن زياد الأعرابي , وابن قتيبة 0000 الخ‏
 
كما سامر الوزير ابن سعدان في سبع وثلاثين ليلة بما دونه في كتابه »الامتاع والمؤانسة« من آراء لبقراط وديوجين وسقراط , وافلاطون وأرسطو , وعلي بن أبي طالب , والأعمش والأصمعي , وأبي سليمان المنطقي وكسرى أنوشروان , وابن المقفع وابن مسكويه 0‏
 
وأخيراً لا يفوتنا ان نذكر أن أبا حيان قد عاش حياة البؤس , والمال القليل وكلما غالب الايام لينال ما يريد غلبته الدنيا وانتصرت عليه الأيام , وكلما اتصل بوزير أو كبير تنكر له الحظ 00‏
 
وقوله لأبي الوفاء المهندس الذي سنورده يدل دلاله قاطعة على حياة البؤس التي عاشها :‏
 
» خلصني من التكفف , انقذني من لبس الفقر , أطلقني من قيد الضر , اكفني مؤونة الغداء والعشاء 0‏
 
إلى متى الكسيرة اليابسة , والبقيلة الذاوية , و القميص المرقع ? إلى متى التأدم بالخبز والزيتون ?‏
 
لقد أذلني السفر من بلد إلى بلد , وخذلني الوقوف على باب باب ونكرني العارف بي , وتباعد عني القريب مني « وكما اسلفت أن الكثيرين قد اغفلوا ذكره وأهملوه بعد وفاته حتى أن ياقوتاً الحموي تعجب من هذا الاهمال قائلاً :‏
 
» لم أر أحداً من أهل العلم ذكره في كتاب ولا دمجه ضمن خطاب , وهذا من العجب العجاب «‏
 
وأخيراً لا بد من ذكر أشهر مؤلفات التوحيدي وأولها :‏
 
- الصداقة والصديق‏
 
- الامتاع والمؤانسة‏
 
- أخلاق الوزيرين‏
 
- البصائر والذخائر‏
 
- المقابسة ( المقابسات )‏
 
- تقريظ الجاحظ‏
 
- رسالة العلوم - الرسالة الصوفية - الرسالة البغدادية - الحج العقلي اذا ضاق الفضاء عن الحج الشرعي‏
 
- الاشارات الإلهية‏
 
- رياض العارفين‏
 
بالاضافة إلى كتب ورسائل أخرى.‏
 
المصدر :‏
 
أبو حيان التوحيدي - د0 أحمد محمد الحوفي‏