تطور الأدب وازدهاره. بلغ الأدب العربي في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي أدنى مستوياته شعرًا ونثرًا إذا قيس بما كان عليه منذ العصر الجاهلي وخلال العصور الإسلامية المتتالية. وظهرت منذ نهاية القرن الثامن عشر الميلادي عدة عوامل، أدَّت دورًا في تطور الأدب ونهضته، فأخذ يخرج من تلك الوهدة وينفض غبار التخلف ويستوي قويًا مرة أخرى. ويمكن حصر تلك العوامل التي ساعدت على نهضة الأدب العربي في العصر الحديث في الآتي:
الحركات الدينية. نهضت حركات الإصلاح الدينية الحديثة قبل أن يتصل العالم الإسلامي بأوروبا وحضارتها. فخلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بدأ عددٌ من رواد الإصلاح الديني يدركون أن الأمر لن يعود إلى ما كان عليه إلا إذا رد للإسلام اعتباره وعاد مسلمو العصر الحديث إلى جوهر عقيدتهم. واجتمع هؤلاء الرواد عند الشعور بضعف حال المسلمين وفرقتهم وخلافهم وأدركوا أن العلاج في التمسُّك بكتاب الله وتعاليم دينهم وتنقية الدين من الشوائب والبدع وإحياء الإسلام الصحيح.
وكان على رأس هذه الدعوات الإصلاحية دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في نجد، والشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني في مصر والشيخ عبدالرحمن الكواكبي في الشام، والدعوة السنوسية في شمال إفريقيا والدعوة المهديّة في السودان وغيرها. وقد التقت تلك الدَّعوات في الهدف والغاية، وإن اختلفت أساليبها. فجميع أولئك الدُّعاة، سعوا إلى إصلاح أمر المسلمين ورفع راية الإسلام.
ظهر أثر تلك الدعوات في الأدب العربي الحديث في موضوعات الشعر ونثره، فلم يخلُ ديوان شاعر من شعراء تلك الفترة، بين النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، من الدعوة إلى جمع شمل المسلمين وإعلاء كلمة الإسلام ونبذ الفرقة. وكانوا يرون أن الخليفة العثماني هو الرمز لوحدة المسلمين، والقادر على إعلاء كلمة الدين. وعلى كل فقد استطاعت هذه الحركات الدينية المعاصرة إيقاظ الشعور الديني والوطني وبث دماء جديدة في شرايين الأدب العربي.