التواصل والتواصل الآلي
بقلم: ذ. حمادي الموقت
إن خير مبرر على نزوع هذا المفهوم وتجلياته داخل المنظومة المعرفية للغة، يُسطره بعض الباحثين، وعلى رأسهم Mirta B.GORDON و Hélène PAUGAM-MOISY في بعض كتاباتهما المتعلقة بالموضوع ذاته ؛ حين يقولان :" إن أهم الأبحات المرصودة لمفهوم التواصل الآلي ، تحاول في مجملها إيجاد نموذج أكفى لدراسـة التفاعل التواصلي الحاصل بين الإنسان فيما بينه؛ من أجل فهم أعمق لمساراته من جهة ، و إدراك مدى قدرة الآلة على التفاعل أيضا مع المقدرة البشرية من جهة ثانية ". مع الدفع بمثل هذه الأبحاث نحو مجالات معرفية أصبحت مع مرور الزمن موضوعات كلاسيكية كالإدراك La perception والتعرفLa reconnaissance والفهمLa compréhension والتأويلL’interprétation ...إلى غيرها من الموضوعات، إما بطرق لغوية محضة (كالكتابة سواء أكانت نصية أم شفهية )، أو غير لغوية (كالصور والإيحاءات و الرسومات ...). إضافة إلى محاولة جعل الأنظمة المعلوماتية أكثر استعمالا وأسهل تداولا لاكتسابٍ معرفي أعمق ونشرٍ معلوماتي أضخم في زمن أقل؛ مع تعبيد الطريق للمتخصصين والمهتمين عل حد سواء في سبيل سبر أغوار هذا التوجه المعرفي الجديد.
فالشركة العربية صخر Sakhr أكدت على أن أهمية التخاطب مع الحاسوب؛ يشكل حلقة تتوسطها نظرية الطلب بأقل جهد وكلفة (الإقتصاد). وعليه فمن خلال تطوير محرك النطق الآلي والتعرف الآلي على الكلام، الذي يُحول مختلف الأصوات والكتابات إلى أوامر، وأنظمة الإستجابة الصوتية وأنظمة تحويل الإتصالات هاتفيا وغيرها؛ لمن شأنها أن تزيد من إنتاجية وفاعلية العنصر البشري مع توفير الجهد العضلي والمادي في الآن ذاته. ومما تورده في موقعها على الشبكة العنكبوتية مايلي: " إن تكاليف تشغيل أي نظام يستخدم التخاطب الآلي ؛ يبلغ 10% تقريبا من تكاليف تلقي المكالمات المشابهة التي يديرها الموظفون ، ثم السرعة في استخدام النظام ممن يعرفون التعامل معه مسبقا" . لكن نبيل علي ينبه على أن الأنظمة الآلية للتحليل اللغوي؛ مادام هدفها الأساس هو الوصول إلى نظام آلي يفهم السياق اللغوي في صورته المنطوقة والمكتوبة ، فإنه يتعذر تحقيقه طالما ظل عنصر الدلالة بعيدا عن متناول التحليل الآلي.
أعتقد أن مفهوم التواصل بشكل عام، أصبح يستأثر باهتمام جل الباحثين كل من موقعه المعرفي، ولعله بهذا المعنى يكون نتيجة تراكمات إديولوجية أو سياسية دافعت عن وجودها باسم العولمةLa mondialisation ، ربما في سبيل التخطيط Planification لخلق لغة كونية أو لسان واحد موحد يتجاوز كل الإختلافات خاصة اللغوية، ويُكسر حواجز الخصيصات، عبر نظام رقمي يمنح شفرة موحدة بين لغاتنا الطبيعية.
سوف لن أسمح لنفسي بالخروج عن محددات العمل، وسأعود أدراجي لأقتصر على تشخيص البنية المكونية لمفهوم التواصل والتواصل الآلي بشكل خاص؛ حيث تبادل المعلومات وتداول المعارف يشكلان اللبنة الأساس في دلالاته ومعانيه وأهدافه، عبر نظام رقمي يُجسده الحاسوب كقناة Canal يتمثل دورها في إيصال المعلومة إلى الطرف الثاني من أطراف العملية التواصلية، ولايمكن أن تصل إلى هذا الأخير إلا بعدما يتم تشفيرها في مرحلتين اثنتين هامتين هما على التوالي :
- التشفير اللغوي المشترك بين الطرفينCodage linguistique
- التشفير الرقمي المتعلق بالآلة Codage numérique
وقبل الحديث عن مبادئه وأطرافه الفاعلة في إنتاجه، وجب أولا البحث في دلالة مفهوم التواصل على اعتباره كيان متعلق بالآلة. فهذاPeter Winkler وصاحبه Marcus Linke في معجمهما : LE DICO INFORMATIQUE يعرفانه على أنه " تبادل معلومات بين مجموعة من الحواسيب والأجهزة والبرامج إما عبر شبكة عصبونية أو آليات متعددة الوسائط أو أسلاك إلكترونية..." ثم يضيفان إلى هذا؛ على أن التواصل الآلي لايتحدد فقط من خلال مميزات رقمية تتعلق بالكتابة؛ وإنما يخص كذلك بتبادل وانتقال الرسومات والصور والصوت، عبر معالجات معلوماتية خاصة.
أما Mirta B.GORDON و Hélène PAUGAM-MOISY فيصفانه كمصطلح فئوي يشمل نخبة من الموضوعات تلك المعالِجة لبعض جوانب التواصل الإنساني في بيئته . مع العلم أن جوهر هذه التعاريف مُسْتقى من كتابات رومان جاكبسون لسبب بسيط؛ هو أن نموذجه التواصلي أصبح مرجعا لايمكن لأي باحث في مجال التواصل أن يتحاشاه أو يتجاوزه.
وإن أردتَ رؤية شبه عامة وشامله للخطاطة التواصلية، أقترح عليك نموذجا لـ Bernard POTTIER (1987)، (الرسم 4)حيث يرى أن طرفي الخطاب تتجادبهما مجموعة من المكونات رسمها –بتصرف- كما يلي:

العلاقة بالعالم العلاقة بالعالم
أنا أنت
إرادة القول قدرة الفهم








الكفاية الكفاية
الإنتاج / التوليد التعرف / الفهم
و لما كان التواصل كذلك؛ فإن تحقيقه - من حيث هو مبدأ تشاركي- لايتم إلا بوجود عناصر وأطراف تُكوِّن منظومته البنيوية، إذ أن كل فعل تواصلي لفظي أو شفهي، أو كل سيرورة لسانية؛ فهي تتكون من مجموعة من الفواعل المنظمة للتواصل، قد يصل عددها إلى ستة(6) فواعل؛ طبقا لكل نمط من أنماطه الأربعة المتمثلة في :
1- تواصل إنسان – إنسان La communication homme-homme.
2- تواصل إنسان – آلة La communication homme-machine .
3- تواصل إنسان – آلة - إنسان La communication homme- machine- homme .
4- تواصل آلة – آلة• La communication machine- machine .
إذن؛ ما دام التواصل قد أخذ هذا البعد؛ فإن فواعله عندما يُصبح الحاسوب جزءا أساسا منها؛ تتشكل على ذات هيكلة رباعية في المرحلة الأولى اعتبارا لهذا المقام، أي بين: المرسِل( هنا الأستاذ) من جهة، والمرسَل إليه (هنا الطالب) من جهة ثانية، وهذا الحاسوب(القناة) كرابط موصل بينهما من جهة ثالثة، في حين تجد الرسالة(الخطاب اللغوي) تمثل تمام الجهة الرابعة .
بمعنى آخر، إذا كان التواصل يروم جعل الطالب قادرا على توظيف مكتسباته المعرفية، في جل أنشطته التواصلية، فإن هذه المكتسبات لم يكن ليستمدها أو ليدركها إلا من خلال منطلقات لسانية مؤسسة على تمكين الطالب من أدواته وآلياته التي سيجاري بها استعمال اللغة العربية وتوظيفها في جميع مواقفه التواصلية؛ بشكل سليم وفعال.

جزاك الله الف خير