جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: منتديات الجامعة و البحث العلمي :: منتدى البحوث العلمية والأدبية و الخطابات و السير الذاتيه الجاهزه :: للغة و اللسانيات. |
الأربعاء 11 يونيو - 0:52:59 | المشاركة رقم: | ||||||||
عضو نشيط
| موضوع: اللغة والخطاب اللغة والخطاب اللغة والخطاب مقتطف من محاضرة للاستاذ بوشيبة بوبكر غني عن القول أن اللغة هي الكيان الثقافي للمجتمع الذي ينتمي إليه الفرد المستخدم لتلك اللغة ، أما الخطاب فله استخدامات كثيرة ، لكننا هنا نستخدم هذا المصطلح في الدلالة على توظيف الفرد للغة في سياق معين يريد الحديث فيه عن حالة أو موقف يتواصل فيه مع غيره . فتراث اللغة – أي لغة – مليء بالنصوص الجاهزة أو الممكنة التجهيز ، لكن الموقف هو البيئة التي يأتي فيها النص إلى الحياة ، من أجل ذلك توظف الخصائص العامة للموقف بوصفها محددات للنص ؛ بمعنى أنها تشكل تكوينه الدلالي الذي يسعى إليه المتكلم عادة عند إنتاج نص في ذلك النوع من المواقف . ومن سياق الموقف تؤخذ إمكانات المعنى المتعددة التي يتعامل معها مخاطب مباشر أو متلقٍ مفترض للنص ؛ وتتفاوت هذه الإمكانات في مدى نمطي من الخيارات يوجد في كل نوع من المواقف ، وتتباين سعة ذلك المدى حسب اللغة والموقف والمستخدم . كيف يتحدد ذلك المدى من الخيارات ؟ وهل هو مفتوح لمن أراد أن يوسعه مستخدماً عبارات اللغة؟ وكيف يسهم امتلاك المهارات اللغوية في الارتقاء بالخطاب إلى المرحلة التي يريدها المتكلم ؟ كل تلك الأسئلة وتساؤلات فرعية أخرى يمكن الإجابة عنها في إطار استعراض لمراحل امتلاك الوسائل اللغوية اللازمة لحذق الخطاب وهي غير مراحل التحصيل اللغوي البيولوجي التي تتداخل في بعض آلياتها مع هذه المراحل ، لكنها تعنى بتكوين الملكة اللغوية وليس بإنجاز الخطاب . إذ يمكننا تقسيم مراحل امتلاك الوسائل اللغوية إلى الخطوات التالية : مرحلة النسخ تبعاً لاختلاف هذه المراحل عن تحصيل اللغة الأم لدى الطفل – كما ذكر أعلاه - فإن هذه المرحلة لا تعني بالضرورة مراحل الطفل الأولى في تقليد الأصوات التي يسمعها في محيطه ، بل تشمل أيضاً لغة الكبار التي توجد فيها في بعض الحالات خطابات تكون نتاجاً لهذه المرحلة ؛ يكون منشئ الخطاب قد سمع نصاً أنتجه أحد من قبل في سياق مشابه ، فيعيد إنتاجه في الموقف الجديد . وتوجد فئتان مختلفتان من مستخدمي هذه الدرجة من الخطاب ؛ إحداهما تكون قدراتها على اكتساب الوسائل اللغوية قد توقفت عند هذه المرحلة ، فهي لا تستطيع سوى إنتاج ما سبق إنتاجه من قبل في جميع المواقف ، وفئة أخرى تستخدم هذه الدرجة من الخطاب في حالات معينة يكون المجتمع قد وضع فيها أعرافاً ذات طقوس لغوية ؛ وفي مثل تلك المواقف تستخدم الفئة الثانية النصوص المنسوخة، لكنها في مواقف أخرى تكون غير مقيدة بما أنتج من قبل . مرحلة الامتصاص المعرفي أثار في ذهني تصنيف هذه المرحلة ما لم أجد له مصطلحاً آنذاك ، فأسميته نظرية الصابون ؛ يرى الطفل مشروباً لم يعرفه من قبل ، لونه يشبه لون عصير التفاح ، لكن الجدة تكمن في وجود رغوة أعلاه . وهذه الرغوة غير موجودة في العصائر التي يتناولها ، ولم يعرف تكونها إلا في المحاليل التي تحتوي الصابون ؛ فيطلق على ذلك المشروب مصطلحاً جديداً في دلالته ، لكنه قديم في لغة الطفل . وفي مرحلة لاحقة يرى الطفل صور علب ذلك المشروب أو قواريره في ملصق دعائي أو في جريدة أو مجلة أو تلفزيون ، فيشير إليه بمصطلح " الصابون " ، حتى وإن لم ير له رغوة ( وهي مصدر الجدة في ذلك المشروب بالنسبة إلى الطفل ) . وهذه الظاهرة ليست خاصة بلغة الأطفال ، فالانطلاق في اللغة عند تسمية الأشياء – وتتسع الظاهرة لتشمل الأحداث والعلاقات – يكون مما يعرفه الطفل أو الراشد من مصطلحات تدل على أشياء ذات علاقة بما يبحث له عن تسمية . من ذلك مثلاً إطلاق شؤون الكنيسة على كل ما له علاقة بالدين في الثقافات الغربية سواءً كان الحديث عن شؤون الدين المسيحي أو عن ديانات أخرى توجد مصطلحات تدل على مؤسساتها الدينية . حيث يتصور الناس الأشياء – حتى في الثقافات الأخرى – من خلال جزئيات ثقافتهم . وفي انتشار لهذه الظاهرة في الصحافة العربية المحكومة بأنساق جامدة نجد الانطلاق في الحكم المسبق عند كتابة خبر أو تعليق من قناعات المجتمع المحلي حتى لو كان الموضوع يتعلق بمجتمعات أخرى لا توجد فيها تلك القناعات ، ولا يشارك هذا المجتمع في الحكم على القضية أو في تصنيفها ضمن الأمور السلبية . ومن أمثلة ذلك: " عاقبة الخلوة المحرمة : ماكينة نشر الخشب تبتلع شاباً اختلى بخطيبته في مصنع " (جريدة الرياض (2) 2/11/1421 ( 27 / 1 / 2001 ) ، الصفحة الأخيرة ) [الشاب والشابة أمريكيان وغير مسلمين ، والمكان في أمريكا ] " تثقيف المراهقات البريطانيات حول أضرار الرذيلة : قررت الحكومة البريطانية القيام بحملة دعائية لتثقيف المراهقات بضرورة الابتعاد عن ممارسة الرذيلة " (جريدة الرياض 14 / 7 / 1421 ( 11/ 10 / 2000 ) ، ص 43 ) [ بكل تأكيد أنه لم يدر بذهن أحد في الحكومة البريطانية أن ممارسة المراهقات للجنس رذيلة ] " وقال 53 في المائة ممن شملهم الاستطلاع أنهم ليس لديهم ثقة في المجرم شارون " ( جريدة الرياض 26 / 12 / 1422 ( 10 / 3 / 2002 ) ، ص 6 ) [الاستطلاع شمل إسرائيليين فقط ، ومن المستبعد أن ينظر أحدهم إلى شارون بوصفه مجرماً ، حتى وإن عارضوه ] " ونفى مناقشة الجانبين [ العراقي والسعودي ] للأسرى السعوديين الآخرين ... ويضيف أن الدلائل التي لدينا تشير أنه [ الطيار السعودي ] بالفعل على قيد الحياة ولكن الجانب العراقي يؤكد استشهاده" ( جريدة الرياض 23 / 7 / 1421 ( 20 / 10 / 2000 ) ، ص 7 ) [ لو أكد العراقيون استشهاد الطيار السعودي لأثبتوا أنهم كفار ، لكنه الخلط بين ما يقوله الطرفان وإدخال ما يقوله أحدهم ضمن مقولة الآخر ] . ويتصل بهذه الظاهرة في الصحافة أيضاً استخدام كليشات جاهزة لوصم الآخرين بكل السلبيات لعدم اتفاقهم مع أعراف المجتمع المحلي ، مثل : " في مجتمع بلا حياء : توأمتان تتطلعان للاقتران بزوج واحد " ( جريدة الرياض 25 / 12 / 1418 ( 22 / 4 / 1998 ) ، ص 39 ) ومثلها أيضاً : " في مجتمع بلا أخلاق ... " أو " في مجتمع بلا قيم ولا أخلاق ... " " في مجتمع حرم من نعمة الإسلام : فتاة تصلي نيابة عن الغافلين مقابل سعر معلوم " ( جريدة الرياض 15 / 1 / 1421 ( 20 / 4 / 2000 ) ، الصفحة الأخيرة ) " في مجتمع حرم من نعمة الإسلام : إيرلندا تقيم مهرجاناً عالمياً للنميمة " ( جريدة الرياض 2 / 4 / 1421 ( 4 / 7 / 2000 ) ، ص 35 ) " في مجتمع حرم نعمة الإسلام : اعتقال روسي اشترى فتاة في الحادية عشرة من العمر " ( جريدة الجزيرة 30 / 3 / 1421 ( 2 / 7 / 2000 ) ، ص 34 ) " في مجتمعات حرمت من نعمة الإسلام : مكب على غرار مقلب النفايات للتخلص من المواليد غير المرغوب فيهم " [ ونجد التناقض الذي لا ينتبه إليه الكاتب لأنه مفروض عليه الهجوم على الحضارة الغربية بين بداية الخبر ووسطه حيث يقول في البداية : " بلا شك أنه تصرف يدل على مدى الانحطاط الذي وصلت إليه الحضارة الغربية ... " وفي الوسط : " ويختفي الطفل داخل أنبوب مائل ليسقط على سرير ناعم دافئ حيث يجد في انتظاره ممرضة من مستشفى في الجوار يتم استدعاؤها تلقائياً بانطلاق جرس تنبيه لتأتي وتقدم له العناية والرعاية اللازمتين " ] ( جريدة الرياض 14 / 3 / 1421 ( 16 / 6 / 2000 ) ، ص 34 ) . كما لا تستطيع مثل هذه الصحافة الإتيان بخبر عن تكهن بالأحداث إلا بتقديم تلك التعويذة فوق الخبر " كذب المنجمون ولو صدقوا " في مثل : " كذب المنجمون ولو صدقوا : عالم بريطاني يتوقع نهاية مأساوية للأرض " (جريدة الرياض 4 / 7/ 1421 ( 1 / 10 / 2000 ) ، ص 39 ) " كذب المنجمون ولو صدقوا : منجم تكهن بحرب تحرير الكويت ووفاة الأميرة ديانا يتوقع اغتيال الرئيس الأمريكي المقبل وسقوط صدام حسين " ( جريدة الرياض 7 / 10 / 1419 ( 24 / 1 / 1999 ) ، ص 39 ) . مرحلة المعرفة الحسية استمراراً لقصة الطفل ونظرية الصابون ، يستمر الطفل في استخدام ذلك المصطلح رغم أن أخاه أبلغه بالمصطلح العام الدال عليه في اللغة ، ورغم أن مصطلحه الذي ابتكره لا يفهمه سوى ثلاثة أشخاص. فلا يصحح المصطلح لأن إثارة الاكتشاف وابتكار الاسم الدال عليه قد انتهت ، وهو ما يمكن أن ندخله في إطار هذه المرحلة. وفي الواقع تستقر في هذه المرحلة من مراحل تكوين مستلزمات الخطاب مجموعات كثيرة من الألفاظ والعبارات المترادفة ومصطلحات التساوق في كل من لغة الفرد واللغة المحلية العامة ، خاصة في بعض الموضوعات التي تتنوع طرق الحديث عنها كالجنس والحب والسياسة . وكثير من تلك المصطلحات يندثر ، لأنه ليست له دلالة إلا بوجود قرائن أخرى مرتبطة بالموقف أو السياق اللغوي الذي ترد فيه، أو لأن مجموعة صغيرة جداً هي التي تدرك ذلك المعنى ، ولا تمثل بالتالي البيئة اللغوية . ومنها بالطبع ما يدخل في المرحلة الرابعة ويستقر ضمن تراث اللغة ( لاتساع قاعدة من يدركون معناه ، أو لاستمرار تلك القرائن التي تصاحب اللفظ ) . وإذا نظرنا إلى معجمات اللغة العربية ، نجد أن عدداً من المعجميين لم يدركوا هذه الظاهرة ، فدونوا كل ما فسر في إطار من تلك الموضوعات ، خاصة الإطار الجنسي ، على أن ذلك المعنى متضمن في الكلمة أو العبارة ، إذا خوطب بها أحد ، مهما كان السياق . وذلك يعني أنها لم تعد عبارة خطاب ، بل أصبحت عبارة لغوية . وفي كثير من مواد المعجم نجد التفسير الجنسي موضوعاً بوصفه أحد معاني جذر الكلمة ، وكأنهم يثبتون المقولة الغربية عن العربية أن لكل كلمة فيها ثلاثة معانٍ ؛ معناها العام ومعنى جنسي ومعنى يتعلق بالجَمَل . وقد تكون تلك المقولة منطلقة مما دونه المعجميون العرب وتناقلوه بوصفه حقائق عن استخدام اللغة ، وهو ليس كذلك . ففي لسان العرب – على سبيل المثال- تقابلنا ( دون استقصاء ) الجذور التالية : دربخ : المعنى العام " ذلّ " - المعنى الخاص : " خضعت له وطاوعته للسفاد " ربخ : المعنى العام " الاسترخاء " – المعنى الخاص : ربخت المرأة = غشي عليها عند الجماع زخّ : المعنى العام " دفع " – المعنى الخاص : يزخها أي يجامعها ، وسميت المرأة مزخّة ، لأن الرجل يجامعها . وامرأة زخاخة وزخاء تزخ عند الجماع أقفخ : المعنى العام " استحرم " – المعنى الخاص : أرادت السفاد ومثلها الجذور : " شأز " و " شحز " و " شكز " وكثير من الكلمات القليلة الاستخدام المتعلقة بأي من أوصاف الجسم أو حركاته أو المرتبطة بمعانٍ مجردة تتخاطر مع أي من أحداث الجماع . بل وقد وصل الأمر في بعض فترات اللغة وبعض مجتمعات العرب إلى ربط المرجعية في كل ضمير إحالة مؤنث بالمرأة أو بمؤخرة الإنسان ، حتى لو كان الاسم المحال إليه جماداً أو شيئاً لا علاقة له بالإنسان. مرحلة الشباب عن الطوق هنا تتجلى قدرة اللغة على استيعاب رغبات المجتمع وحصيلته المعرفية ، كما تظهر قوتها في تقسيم مستويات الخطاب وفي وضع حدود القبول في العبارات المركبة . ففي مثل العنوان الموضوع لهذه المرحلة لا تقبله العربية بهذه الصيغة ، لأنه مثل لا تتغير صورته هو " شب عن الطوق " ؛ فهي التي تملي كيفية استخدامها ، خاصة في التعبيرات الجاهزة والاستعارات . ففي العربية نجد عبارة " صاحب صنعتين كذاب " عامة لكل من تعددت نشاطاته ، لكن العبارة الإنجليزية : he has his fingers in a lot of pies تنحصر في تعدد النشاطات للحصول على المال . وحيث يتعلم الإنسان الأشياء من خلال اللغة ، وهو ما يجعلها حفرية معرفية نكتشف من خلالها تاريخ المرء وثقافته وبيئته التي عاش فيها ، فإن المرء ينظر إلى عبارات لغته ، خاصة الأمثال والتعابير الاصطلاحية وعبارات التساوق ، بوصفها الطريقة المثلى أو الوصف المنطقي الوحيد . فلو سئل عربي عن عبارة " اتخذ قراراً " أو " صنع قراراً " لأشار إلى الأولى بوصفها الصحيحة ، حتى وإن دلت الاثنتان على الشيء نفسه . وهذا ما يجعل مستخدم اللغة ( وأي بشر سليم النشأة سيكون مستخدماً للغة ) يربط الأشياء بالألفاظ التي وردت في سياقها في لغته ؛ فيصبح جمال الفتاة لدى العربي مرتبطاً بما ورد في وصفها في ثقافته العربية ، حتى وإن اختلفت معايير الجمال في عصره الذي يعيش فيه ، لأنه أصبح يعيش مع تلك العبارات التي تصف جمالاً في عصر من العصور بوصفه واقعاً ، لا بوصفه خطاباً . وليست القيم هي وحدها التي تتأثر بقوة اللغة وتغلغلها في ذهن من يستخدمها في الخطاب ، بل أيضاً ردود الفعل إزاء ما يجري من أحداث في الواقع وطرق التعبير عن ردود الفعل بأشكال مختلفة ، تبعاً لاختلاف اللغات وتأثيرها في مستخدميها . ففي أغلب اللغات الأوربية توجد فواصل بين ما يشعر به الإنسان في موقف ما ، وما يستلزمه ذلك الموقف من رد الفعل ؛ وهو ما جعل الأوربيين يفصلون بين الحالتين في خطاباتهم العامة أو الخاصة . أما في الشرق فلا يوجد فصل بين تعابير تلك الأحداث ، وإن وجدت كلمات في لغات الشرق تدل على كل منها ، وهو ما جعل الشرقيين لا يفصلون بين مشاعرهم ، وما يجب عليهم أن يفعلوه ؛ وقد انعكس في خطاب الشرقي تلك التناقضات التي تتداخل فيها حدود عالمه الداخلي مع العالم الموضوعي في الخارج . وكثيراً ما يدخل الشرقي عباراته التي تدل على مشاعره ، حتى وإن كان خطابه في مرافعة أمام المحكمة . ونظراً لأن الطفل يدرك أهمية اللغة في تعامله مع الآخرين ، فإنه يتعلم منها في كل ما يوجه إليه من خطابات أوامر ونواهٍ ( عدا المضمون ) النسق الاجتماعي والحدود التي تقسم فضاءات المجتمع والعلاقات بين الناس خارج أسرته وداخل أسرته ، كما يتعلم معاني المحظورات من خلال تكرار عبارات النهي . وكل هذه تنعكس في لغة خطابه الذي يستخدمه في المواقف المختلفة ؛ فالطفل الذي لم يتعود على مشاطرة الآخرين في النقاش بالتعبير عن رأيه ، يعتقد أنه لا يملك رأياً ، ويستقر في خلفيته المعرفية التي تكون قاعدة الخطاب لديه أن الرأي محصور في أناس محدودين ؛ وفي هذا الشأن سطعت مقولة في الثقافة العربية تتحدث عن " أصحاب الرأي والمشورة" . وفي المقابل يتعود الطفل الذي يعطى رأيه قيمة على أنه محسوب في المجتمع ، ويعترف بالتصويت ( حتى وإن لم يعرف كلمة الديمقراطية ) ، ويستخدم المصطلحات الدالة على ذلك في خطابه . ويتسع المجاز في هذه المرحلة ، حتى تصبح جميع الكلمات تقريباً ذات الدلالة الحسية لها استخدامات مجازية ، وتركب العبارات في ربط بين الألفاظ غير معهود في المراحل السابقة . فلو نظرنا إلى تعبيرين اصطلاحيين في اللغة الإنجليزية هما : argument is war و time is money حيث يستقر في أذهان مستخدمي اللغة من استخدام التعبير الاصطلاحي الأول أن ادعاءاته لا يمكن الدفاع عنها ، وأنه يهاجم كل نقطة ضعف في حجتي ، وأن نقده كان مصيباً للهدف ، وأني لم أكسب الحجاج معه ، وأن استخدامه لتلك الاستراتيجية ( وهي من مصطلحات المعارك الحربية ) هو الذي أكسبه الجولة ... إلخ . وكل ذلك ينسي الجانب الإيجابي التعاوني في الحجاج ، بسبب استغراقنا في وصف تلك المعارك . أما التعبير الاصطلاحي الثاني ، فتنشأ عنه أفكار مثل : أنت تضيع وقتي ، وهذا يوفر لك وقتاً، وهذا يكلفك وقتاً ، وأنت تصرف وقتاً ... إلخ . وهذه العبارات تجعل الوقت مساوياً للمال ؛ فهو يُصرف ويُوفر ويكلف ، مما تنشأ معه فكرة أهمية الوقت المساوية للمال ، لأن المرء بقدر ما يستثمر من وقته ، يستطيع – ربما – الحصول على المال ؛ لكنه مختلف بالتأكيد عن المال ، فهو لا يسترجع ، وليس له بنك ، مثلما تختلف الحرب عن الحجة . وفي الواقع توجد هوة بين واقع اللغة ودراستها ؛ ففي حين تدرس بوصفها شيئاً ثابتاً وجامداً ، تكون صور الواقع متتابعة ومتغيرة . وهذا الأمر هو ما يجعل فهم المصطلح مرتبطاً بواقعه في عصره ودرجة استخدامه المجازية . مرحلة الأسر والانقياد في هذه المرحلة تتحول اللغة من موضوع إلى فاعل حقيقي ، وتستخدم هذه العبارة ( أو على الأقل الجزء الأول منها ) مقرونة باللغة ؛ فنقول : لغته آسرة أو ممتعة . وقليل من الناس يصلون إلى هذه المرحلة ؛ ففي التاريخ العربي وجد أشخاص مثل المتنبي ونزار قباني وجمال عبد الناصر كانوا ممن اشتهر في هذا الشأن . وفي الواقع أن الآسر ليس من يمتلك ناصية اللغة ، بل من يستخدمها في خطاب يدغدغ المشاعر ، ويسحر به الناس . فما يجري هنا هو جعل اللغة المستخدمة في الخطاب الشعري أو السياسي ، على سبيل المثال ، تسيطر على أذهان الناس ، وتجعلهم يتقبلون كل ما يقال على أنه الحقيقة المطلقة . وهو نوع من الهوس يصيب المجتمعات أو بعض فئاتها لفترة من الزمن تجعل من يفكر قليلاً في اللغة المسيطرة تعاديه الأكثرية المنجرفة . وهذا الهوس أو التخدير ليس محصوراً في لغة أشخاص نعرفهم ، بل قد تكون مقولات سائدة ، أو لغة إعلام مسيطر ، أو لغة دعاية لا تدع لغالبية الجمهور الموجهة إليه مجالاً للتفكير . فلننظر الآن مثلاً إلى لغة الدعاية التي تستخدم الأرقام وهي وسيلة إقناع مهمة في ترويج المنتج بالقول : 18 ٪ خالٍ من الدسم ، فيعتقد الناس أن ذلك فرصة كبيرة لمن يريد تجنب الدسم ، دون أن يعوا أن 82 ٪ من هذا المنتج تحتوي الدسم . ومثل ذلك في الأسعار ، عندما يقول الإعلان: فرصتك الحقيقية في توفير 20 ٪ من السعر دون أن يذكر السعر الذي خفض منه خمسه ، فقد يكون أعلى مما هو عند غيره ، لكن وهج التخفيضات تأخذ بلب البسطاء ممن عاشوا في مجتمع استهلاكي، فيسعون إلى التسابق لاغتنام الفرصة . أما تأثير المثل والأثر والقول غير المعروف القائل فهو ثابت في كثير من المجتمعات ؛ إذ يستفتح به كثير من الناس موضوعاتهم في الحديث بوصفها من الحجج التي ينبني عليها النقاش أو المرجعية التي تدعم ما يريد قوله ، أو يضمن حديثه بعض تلك المرجعيات ، مثلما نجد في التراث العربي : " كما قال الشاعر ... " أو " كقول القائل ... " . وفي العصر الحديث أصبحت قراءة المرء أي خبر أو سماعه في وسائل الإعلام بمثابة البديل لقول الشاعر ؛ إذ يقول بعضهم الآن : " لا أدري أين قرأته "، لكنه يؤمن به مجرداً عمن قاله . وعن العلاقة بين هذه المرحلة والمرحلة السابقة يمكن القول إنها علاقة تسببية ( أو إحداثية ) ، بمعنى أن الإمكانات اللغوية المذكورة في تلك المرحلة تستحث ، ويقوم أصحاب القوة في أي من مجالات استغلال الخطاب بالبحث عن نقاط ضعف المتلقي ، لتوجيه تلك الإمكانات بذلك الاتجاه . ونجاح تلك المحاولات لا يقوم دائماً على قوة النفوذ أو المال ، بل توجد عوامل ذكاء تتمثل في القدرة على التقاط صور الواقع المجازية المتغيرة ، وتوظيفها لخدمة تسويق الفكرة داخل الخطاب . لكن لماذا كل هذا ؟ إنها أزلية الصراع الموجودة في الكون ؛ فالحيوانات تتصارع من أجل الحصول على ما تريد : الطعام والجنس والحيز المكاني والتحكم في القطيع . وذلك لأنها دائماً توجد بعض الحيوانات تريد الشيء نفسه الذي يريده بعضها الآخر ، أو تريد أن تمنعها من الحصول عليه . ومثل ذلك يحصل لدى البشر ، مع تعديل يتمثل في تطويرهم طرقاً أكثر ذكاء لسلوك تلك الطريق ؛ فإحدى الطرق الأكثر عقلانية هي السعي إلى ما يريده المرء دون تعريض نفسه لخطر الصراع البدني الذي تستخدمه الحيوانات أو تهدد به . ونتيجة لذلك وجد الإنسان نفسه منغمساً في استغلال إحدى المؤسسات الاجتماعية – وهي اللغة – في ممارسات خطابية تحقق له ما يريد بأقصر الطرق . حتى في الصراع داخل الأسرة ، على سبيل المثال ، بين الزوج والزوجة يحاول كل منهما أن يحصل على ما يريده الآخر ، كأن يحصل على قبول الآخر بوجهة نظر معينة في موضوع ما ، أو أن يسير على الأقل في هذا الاتجاه . كل منهما يرى أنه يكسب شيئاً ويخسر شيئاً آخر ، ويحمي مكتسبات ويدافع عن حيز آخر . وفي ذلك الصراع يستخدمان كل الوسائل الممكنة والمتخيلة من أدوات لفظية تحت تصرفهما من إرهاب وتهديد وتحدٍ وإهانة واستخفاف وحتى محاولة إعطاء أسباب منطقية ؛ غير أن هذه كلها تكتيكات تقدم بوصفها أسباباً منها : ... لأني أكبر ( أو أقوى أو أغنى ) منك . ( إرهاب ) ... لأنه إذا لم تعمل ( تعملي ) ، فسوف ... ( تهديد ) ... لأني أنا الرئيس . ( سلطة ) ... لأنك غبي ( غبية ) . ( إهانة ) ... لأنك عادة تعمله ( تعملينه ) خطأ . ( استخفاف ) ... لأن لدي من الحق مثلما لديك . ( تحدي السلطة ) ... لأني أحبك . ( تهرب من الموضوع ) ... لأنك إذا ... ، فسوف ... ( مساومة ) ... لأنك تكون ( تكونين ) أفضل مني فيه . ( تملق ) مثل هذه التكتيكات المعتادة في أغلب الثقافات لا تلاحظ بوصفها جزءاً من الحياة اليومية ، لكنها قد تتخذ منحى تصاعدياً باستمرار بعض جوانب تلك الاستخدامات في الخطاب . وهي تلاحظ في الغالب عندما تحدث كارثة ، لأن تلك السمات الخطابية التي كان يتغاضى عنها تصبح صفات ثابتة ومضخمة ، فيوصف المرء بأنه غبي أو عنيد ... إلخ . ومن الطرق الأخرى في سعي الإنسان إلى الحصول على مآربه بواسطة اللغة ما يمكن أن نسميه استغلال قوة اللغة وارتباط الناس بها . ويتم ذلك بأن يتخير المتكلم العبارات ذات الأثر الإيجابي ، ويتحين الفرصة المناسبة لإدراجها في خطابه . وبذلك يكسب عطف الناس الموجه إليهم الخطاب ، ويؤدي في كثير من الأحيان إلى اقتناعهم بمضمونه ؛ من أمثلته استدرار عاطفة الأمومة وارتباط كثير من الناس بأمهاتهم باستخدام عبارة : " من رحم ... " أو استدرار العاطفة الوطنية باستخدام عبارة : " على تراب ... " ، وغير ذلك كثير في كل لغة . فالكلمات بمفردها لا تغير الحقيقة ، لكن التغييرات التي تحدثها في تصوراتنا النسقية هي التي تغير ما هو حقيقي بالنسبة إلينا ، وتؤثر في كيفية استقبالنا العالم وتفاعلنا معه . فلو نظرنا إلى مصطلحات وعبارات سادت مؤخراً في لغة الخطاب السياسي عالمياً مثل : " مكافحة الإرهاب " أو " الحيلولة دون تهديد النظام العالمي " ، لوجدنا أن مثل هاتين العبارتين تغليف لمجموعة من المبادئ العملية التي ارتأتها مؤسسات التخطيط الاستراتيجي الأمريكية . وتهدف منها إلى إبقاء الولايات المتحدة الأمريكية في وضعها الحالي المهيمن ، والسيطرة على موارد العالم الرئيسة وممراته المائية ، والحيلولة دون ظهور قوى عالمية جديدة . وأي من هذه المبادئ لا يمكن أن يجد القبول عند غير الأمريكيين ، غير أن الغلاف الذي غلفت به سهل الترويج ، ويوحي بمقاصد إنسانية نبيلة ، مع ما يعرف من التباين بين الإنسانية والسياسة . بل إن رواج تينك العبارتين جعلتهما تتصدر الخطابات السياسية لغير الأمريكيين، وقد أوجدت في بعض اللغات غير الغنية بمصطلحات الزيف السياسي عبارات موائمة لهما ، لأنه لم يعد ممكناً الاستغناء عنهما بوصفهما الوصفة الجديدة للانقياد إلى أسر اللغة . الموضوعالأصلي : اللغة والخطاب // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: نمر مقنع
| ||||||||
السبت 16 أغسطس - 16:37:32 | المشاركة رقم: | |||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: اللغة والخطاب
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |