نصيحة حمار لثور
" ألف ليلة وليلة " ذلك الكتاب الساحر الأخاذ.. بوابة عالم السحر والخيال الذي ما أن تدخله حتى تتوه في زحام تقابل فيه الجميلات الفاتنات والعجائز الماكرات والرجال المغامرين واللصوص والشطار والملوك والصعاليك والحكماء والمجانين والحمقى والمتحامقين والعشاق والفساق والعباد والزنادقة.. وهو عالم رحيب يسع الإنس والجن تتعرف فيه علي اللامرئي وتعانق المستحيل.. عالم تمتطي فيه حصان خيالك وتبدأ رحلة استكشاف ذلك العالم الرحيب الذي لا تمل أبداً من التنقل في جنباته.
من عالم ألف ليلة و ليلة الساحر يطل علينا الحمار من خلال حكاية نتبين منها أن الحمار يتعاطف مع الآخرين و لا يبخل عليهم بالنصيحة التي تحل لهم المشكلة التي يعانون منها و لكنه ذكي فإذا أوقع نفسه في ورطة نتيجة تعاطفه و نصيحته فإنه يعمل عقله ليخرج منها..
حكاية الحمار والثور مع صاحب الزرع
قال الوزير لابنته شهرزاد : اعلمي يا ابنتي أنه كان لبعض التجار أموال ومواش وكان له زوجة وأولاد وكان الله تعالى أعطاه معرفة ألسن الحيوانات والطير وكان مسكن ذلك التاجر الأرياف وكان عنده في داره حمار وثور فأتى يوماً الثور إلى مكان الحمار فوجده مكنوساً مرشوشاً وفي معلفه شعير مغربل وتبن مغربل وهو راقد مستريح وفي بعض الأوقات يركبه صاحبه لحاجة تعرض له ويرجع على حاله فلما كان في بعض الأيام سمع التاجر الثور وهو يقول للحمار: هنيئاً لك ذلك أنا تعبان وأنت مستريح تأكل الشعير مغربلاً ويخدمونك وفي بعض الأوقات يركبك صاحبك ويرجع وأنا دائماً للحرث. فقال له الحمار: إذا خرجت إلى الغيط ووضعوا على رقبتك الناف فارقد ولا تقم ولو ضربوك فإن قمت فارقد ثانياً فإذا رجعوا بك ووضعوا لك الفول فلا تأكله كأنك ضعيف وامتنع عن الأكل والشرب يوماً أو يومين أو ثلاثة فإنك تستريح من التعب والجهد وكان التاجر يسمع كلامهما فلما جاء السواق إلى الثور بعلفه أكل منه شيئاً يسيراً.. وفي الصباح جاء السواق ليأخذ الثور إلى الحرث فوجده ضعيفاً فقال له التاجر: خذ الحمار وحرثه مكانه اليوم كله فلما رجع آخر النهار شكره الثور على نصيحته التي أراحته من التعب في ذلك اليوم فلم يرد عليه الحمار جواباً وندم أشد الندامة .. وفي اليوم التالي جاء المزارع وأخذ الحمار وحرثه إلى آخر النهار فلم يرجع إلا مسلوخ الرقبة شديد الضعف فتأمله الثور وشكره فقال له الحمار: أعلم أني لك ناصح وقد سمعت صاحبنا يقول : إن لم يقم الثور من موضعه فأعطوه للجزار ليذبحه ويعمل جلده قطعاً وأنا خائف عليك ونصحتك والسلام. فلما سمع الثور كلام الحمار شكره وقال في غد أسرح معهم ثم أن الثور أكل علفه بتمامه حتى لحس المذود بلسانه كل ذلك وصاحبهما يسمع كلامهما.. فلما طلع النهار وخرج التاجر وزوجه إلى الزريبة وجلسا فجاء السواق وأخذ الثور وخرج فلما رأى الثور صاحبه حرك ذنبه وضرط وبرطع فضحك التاجر حتى استلقى على قفاه.