جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: منتدى جواهر الأدب العربي :: مُنتدَى الأدبِ واللغةِ العَربيةِ العَام |
الأربعاء 15 أبريل - 23:15:59 | المشاركة رقم: | |||||||
مشرف
| موضوع: تحليل بنيوي لمجموعة " كلّ الدروب تؤدي إلى نخلة "* بقلم: الشاذلي السّاكر تحليل بنيوي لمجموعة " كلّ الدروب تؤدي إلى نخلة "* بقلم: الشاذلي السّاكر النّقد التحليلي – النفسي والنقد الاجتماعي ينصبّان على فهم وتقويم ما يتضمنه النص الإبداعي الأدبي ( الشعري أو النثري) من مضامين سيكولوجية و اجتماعية وأخلاقية و فلسفية وهكذا. فأمّا الأوّل فيتقصى الدّوافع السيكولوجية لدى المبدع، و الآخر الدوافع الاجتماعية لديه. أمّا النقد النّصي (وهو ما وظّفناه في دراستنا هذه فانه يدور على لغة النص كعنصر أساسي لتشكيله وواسطة لها الأولوية المطلقة في تكوين كلّ عناصره دون التّوغل في الأبعاد والمقاصد و الدوافع . و هذا النمط من النقد يستمدّ قواعده الأساسية من اللسانيات و العلوم الرّافدة و المشابهة ، و يبقى الشّكليّون الرّوس ثمّ البنيويّون هم المصدر الرئيس لنظريات النقد الصّوري و لشروحاته و تطبيقاته. يعتبر هذا النقد أولا و قبل كلّ شيء نظاما للدّلالة يعتمد أوّلا و قبل كلّ شيء على النّص اعتبارا أن اللغة هي أداة الوصف و التحليل-و حتّى الاستنتاج- و خصوصا بعدما أصبحت اللسانيات علما قائم الذات. والنقد بالنسبة لهذه المدرسة أوّلا و قبل كلّ شيء عمل تفسيـري لنصّ أدبي معيّن. والّلغة الأدبيّة هي حزمة من العلامات من المفروض تفسيرها للعثورعلى الحدّ الأقصى لمدلولها . وتذهب هذه المدرسة إلى استحالة دراسة نصّ إبداعي دون التركيز بصفة جوهرية على اللغة التي هي نفسها إبداع يوظّف الإبداع. وهذه المدرسة تؤكد على الناقد الراغب في اعتماد النقد النّصي أن تكون لغته لها نفس الطاقة الإبداعية للنّص المنقول (الشعري منه و النثري) وأن تكون اللغة الموظفة خاصة بالناقد تميّزه عن غيره، و أن تكون غير ثابتة ولا موروثة – كلّما أمكن ذلك – اعتبارا أنّها لن تكون فاعلة إن لم تكن متطابقة تمام التطابق مع النّص المنقول. و قد اقتصرنا في دراستنا هذه على التركيز على الكلمات المفاتيح المشكلة لنصوص مجموعة " كلّ الدروب تؤدي إلى نخلة " على المستوييْن ألمضموني و الإنشائي . تحليل المعنى: منذ بدايات كل قصيد من مجموعة " كلّ الدروب تؤدي إلى نخلة " يرتفع صوت الشاعر محمد علي الهانـي مخاطبا أو صائحا أو جاهشا مستعملا بعضا من أدوات التحسّر والتأوه ، و صوته يرنّ إلى نهايات القصيد و يختلف الرنين باختلاف المواقف: اِغْضَبْ... اِغْضَبْ... يَتَأَلَّقْ فَجْرُكَ، يَبْتَسِمِ الآتِــــي ( " البنفسجة الذاوية " ص 21) هذا الرنين حركة داخلية في الشاعر يتفجّر منها السخط والألم وهي حركة احتجاج على واقع بات مهزوما وعلى إنسان بات مشنوقا: المشْنُوقُ يُوَلْوِلُ يشدو الْمُسْتَنْقَعُ... والنَهْرُ الْمُتُجَمِّدُ يستَقْبِلُ أَوْجَاعَــــهْ وتَدُقُّ وئِِيدًا في أحْضانِ الظلُمَاتِ السَّاعَهْ (" و تدقّ الساعة " ص 25 ). و يبقى صوت الشاعر هو وحده الذي يتحكم في جميع حركات نصوصه مازجا الذات بالموضوع و السيكولوجي بالاجتماعي . لكن هذا الصوت يبقى مجرّد تصحيح سلبي لهذا الواقع المهزوم و لهذا الإنسان المشنوق، لأنّ الشاعر لا ينادي أبدا بالتثوير بل يلوّح بإرهاصات فجر جديد لا ريب فيه: ربيعُكِ آتٍ... فَإِنَّ السَّماءَ إذا رجَّها طِفْلُكِ انْتَعَشَتْ و ذابتْ على قَدَمَيْهِ السُّحُبْ (" بين جمر الصقيع و جمر اللّهب " ص 40 ) وَ يا هِلاَلَ الخَمِِيلَةِ... لاَ حُلْمَ لِي غَيْرَ أَنْ أَتَلاشَى ضِيَاءً بِلََيْلِكَ حتَّى نَمُوتَ مَعًا ثَمَّ تُبْعَثَ فِيَّ وأُبْعَثَ فِيكَ رَبِيعَيْنِ بَيْنَ سَمَاءَيْنِ مِنْ أَلَقٍ واخْضِرَارْ ( "هلال الخميلة" ص 31 ) هذه النّبرة التّفجّعيّة التي تلفّ النصوص تمكنها من استيعاب حركة الصراع ببعديْها الذاتي – الوجودي و الاجتماعي - الجماعي فتتحوّل النصوص بموجب التضاد إلى حركة تستوعب في صلبها مفارقات الحياة ، فكلّ ما فيها يوحي بحركة الجدل التي تعمل في الواقع بتشكيل من الفكر و تشمل هذه الظاهرة جميع العناصر المكوّنة للنصوص ، لأن أول ما نلاحظه هو أن الألفاظ جميعها تقريبا تأتي موظّفة للإيحاء بالمفارقة الضاربة بجذورها في عمق الوجود و ما ينتج عنها من صراع: الفجر /الأحلاك، النار/الثلج، اللظى/الرماد ،الحلم/الكابوس ،الدجى /البدر، اللّهب/ الصقيع ، الاخضرار/السواد ، الضوء الأسود / الضوء . فكأنه تصبّ أو تشير إلى المتضادّيْن: موت / انبعاث : نَزِيفِي لَذِيذٌ وجِسْمِي انْتِشَارُ الرِّيَاح أَلُوبُ ومَاؤُكَ يا وطنِي حَاوَرَتْهُ الْجِرَاحْ أَلُوبُ ... أَلُوبُ وبَيْنِي وبَيْنَكَ حَلْمٌ يُضِيءُ الصَّبَاحْ (" الطقوس المضيئة" ص 19 ) إن العناصر التي تشير إلى الحركة المتولّدة رمز لها الشاعر بأربعـة طيور هي النـورس و القبّرة والشحرور والعندليب هذه الحركة الحيّة المتحرّرة الدائمة تنبئ في الحقيقة بحركة أشدّ عمقا هي التحوّلات الداخلية أي أنّها مجرّد امتدادها التفصيلي و الملموس في الواقع، هذه الحركة هي في الأساس حركة تخطٍّ و خاصية التخطّي أن ينفجر مفاجئا مدهشا ، هذه خاصية الطيور : جَسَدِي النَّوْرَسُ يَسْتَلْقِي فِي الظُّلْمَةِ والْموْجَةُ شُبَّاكُ ( " العاشق " ص 23 ) . وَ الْعصافيرُ أُرْجُوحَةٌ مِنْ قَنَادِيلَ ( "جسد البحر مشتعل بالمواعيد " ص 54) . ثمّ إن العناصر التي تشير إلى التّمزّقات و الانشطار الدرامي اكتفى الشاعر بالترميز إليها بالفراشات وحدها لجمال هذه الكائنات وهشاشة حياتها، فهي – بنت يوم وليلة – وحدها القادرة على خلق أجواء درامية مشحونة بالعبث و اللاّجدوى والضياع : يَتَفَجَّرُ لُغْمٌ أًَعْمَى فِي فِرْدَوْسِ الأَحْلاَمِ ؛ فَتََحْتَرِقُ الأَزْهَارُ جَمْيعاً وتَظَلُّ فَرَاشَاتُ الْعِطْرِ ( " فراشات العطر "ص 24 ) وَ الْفَرَاشَاتُ تَطْلُعُ مِنْ لُغَةِ الْجَمْرِ قَبْلَ انْطِفَائِي("جسد البحر مشتعل بالمواعيد" ص54). هذه العناصر الخمسة التي ذكرنا ، و كلّها ذات جناح قادرة على الارتفاع تعبّر عن صراع التغيير الأزلي و المصيري بين الموت و الحياة : شحرورٌ نارِيٌّ في المنفى يرسُمُ فوق مرايا الرَّمْلِ صهيلاً وصليلاً بنجومِ عبيرْ ( " الشحرور والصاعقة " ص 13 ) أما العناصر التي تشير إلى العواطف السلبية التي يعاني منها الشاعر نتيجة لمحفّزات خارجية فقد رمّز إليها بطائر واحد هو الغراب لسواده بدرجة أولى : أيُّها الحُلمُ لا تـنْطفِئْ... فإذا سكت العندليبُ تشبّهَ بالعندليبِ الغرابُ. ( " الفراشات تلبسني ص 61 ) وقد توقف الشاعر قليلا عند فصليْ الربيع و الشتاء لأن الأول هو فصل الحياة والآخر هو فصل الموت ، ولم يتوقّف مطلقا عند فصل الصيف وهو فصل النماء و النضج والعطاء . الخريف يبقى وحده الذي تأسست عليه مضامين القصائد لأنه وحده الفصل الوسط بين جميع الفصول ، هو فصل دبيب الحياة بعد عنفوانها في الصيف وعند مَوَتَانِهَا في الشتاء : اِنْحَنَى حَجَرٌ لِخَرِيفٍ مَضَى اِنْحَنَى شجرٌ لِربيعٍ أَتَى لمْ يَكُنْ جسدي حجرًا لمْ يَكُنْ جسدي شجرًا كان فوق الحجارةِ والشَّجَر ِالمُنْحَنِي في السَّماءِ بُرَاقًا بلا جَسَدِ. ( " زمجرة العطر " ص 32 ). وَ وَرْدَةُ الْبَرْقِ تكبُرُ بين الرُّعودِ ، وهذا الْخريفُ يُحاصرُ نََخْلَتَنَا بالنَّشيدِ ( " جسد البحر مشتعل بالمواعيد" ص 54 ) واللونان الأسود و الخضر الوحيدان المستعملان في كلّ فضاءات هذه القصائد بالإضافة إلى اللون الأحمر الذي ينوب اللونين المذكورين فانه يشير عند الشاعر تارة إلى القتيل والجراح والنّجيع أي إلى اللّون الأسود وهو الموت كما أنه يشير إلى تدفق الحياة والعنفوان أي إلى اللون الأخضر و هو الانبعاث تارة أخرى. باستثناء هذه الألوان فان القصائد لا تعكس أي لون آخر فحتى عند و صف أشياء أخرى فإنها توصف بالفردوس أو ما شاكل : باسِقاتُ النَّخيلِ تُظلِّلُ قبري، وكُلُّ الفراديسِ في جُثَّتِي اخْتَبَأَتْ... ( " الزهرة الذابلة " ص 35 ) ثمّ إن غالبية الأشياء المشكِّلة للصور هي في مجموعها حمراء ومثالها الشظايا ، الشهب ، البرق، اللهب و هكذا. إن الرسم بهذه الألوان الثلاثة وحدها هو ما يعطي المتقبل انطباعا باليباس والجفاف والكآبة والضيق والحصر والعقد والقتامة كما تعني الإحساس بالحرق والاشتعال وقابلية النفاذ. هذه الرموز التي حصرنا و الموظفّة دون غيرها في مجموع النصوص ليست من طبيعة الأساطير أو ما شابه ، بل هي تولد عفويا في تفاعل الكتابة مع الذات المبدعة وهي في حالات الاهتزاز و الحنق أو اليأس فكلّها عواطف سلبيّة مرتبطة بالموت وحده . كلّها عواطف زعزعة ، فاجعة وارتجاج ، وتمزّق ما بين الزمن والأزل أي ما بين الممكـن و المحال و الذي يكشف عن إرادة التحوّل عبر الموت : سَتَفْنَى الْخُمُورُ قَرِيبًا و تَبْقَى دوالِي الْعِنَبْ. ( " بين جمر الصقيع و جمر اللهب " ص 40 ) هذه العواطف المرتبطة بالموت حكمت على الشاعر أن تصب كلّ رموزه في نقطة بؤرية واحدة هي الموت. الموت بكلّ طقوسه و شعائره و نتائجه تشهد على ذلك وفرة المفردات المنثورة على كامل فضاءات القصائد و هي الجثّة ، القتيل، المشنوق ، الكفن ، القبر، البكاء، الحشرجة، الحمى، المواجع، النشيج، و قد حولها الشاعر جميعها من دلالاتها المعجمية إلى دلالة جديدة وهي قلب الدلالة لتصبح تشير إلى الموت ذاته: أَثْخَنَتْنِي الجراح ُوسال دمِي في خريفِ البيادِرِ لمْ أنسحبْ . . . كُنْتُ أغزِلُ نجْمَ الأغانِي على ضفَّةِ الموتِ فوقَ فمِي، والشَّظَايَا تُحاصِرُنِي، وتُطاردني … آهِ، يا شفتي القاتِلهْ ( " الزهرة الذابلة " ص 35 ) أمّا إرادة التحوّل عبر الموت فقد استعمل الشاعر مفردة الانبعاث ذات المضمون الأسطوري أحيانا والديني أحيانا أخرى موظّفا لها بعض الرموز ذات الوجهين. الوجه الأول عبّر عنه بواسطة الأشرعة و الساحل والموج والتيار والبحر وكلّها أدوات أو ظواهر أو عناصر متحرّكة: ...وأُبْحِرُ بين الوردةِ والسَّيْفِ شِراعَ خريرْ ("الشحروروالصاعقة " ص 13 ) وَ يا غابةَ عِشقِي الخضراءَ احْتَرِقِــــي مَنْفَايَ شِراعٌ و صليبي قِيثَارُ الشَّفَقِ ("آيات من سورة الحريق" ص 15 ) و الوجه الآخر أشار به إلى شعلة الحياة نفسها و أيضا إلى هشاشتها – حتى وإن كان بعضها جبّارا – وهي الشفق و الشموع والفوانيس والقناديل والبرق : ورمادُ البرقِ يُجمِّعُ تحت الصَّحراءِ تباشيرَ اللَّهبِ ( " رماد البرق " ص 29* ) . أصناف المفردات التي ضبطناها فهي المرجعية القاموسية التي بنيت منها رموز القصائد التي تشير إلى مضامينها و كلّها مرتبطة بالثنائية : موت / انبعاث . أما الرمز في هذه القصائد فهو مستتر يمتزج مع الواقع دون أن يكتشفه و كذلك دون أن يحجبه , فهذه المفردات القاموسية المرجعية هي رموز واقعية لكنها ليست الواقع عاريا. وهذا ينسحب أيضا على القصائد ذات الدلالات السياسية التي تبقى جميعها محافظة على إطار موحد تنقلب نحوه. و هذا الإطار الموحد يؤلّف كلّ العناصر المختلفة في حركة تصاعدية من لحظة نباتها إلى لحظة امّحائها . فكلّ القصائد تسير في تداعيات منفصلة أحيانا و متلاحمة أحيانا أخرى لتبلغ نفس المقصد. و هذه الرموز لا توظف كي تبشّر بميلاد الإنسان الجديد الذي يصنع بنفسه طرقه الجديدة للقبض على مصيره و لبناء عالم لا أقول طُوبَاوِيّا بل على الأقل جديد. هذا البعث – بالنسبة للشاعر لن يكون بفعل بطل منقذ مهدويّ منتظر يبدأ عملية الخلق بعد إحراق العالم ثم إغراقه بالطوفان لأن الشاعر يدرك إدراكا لا واعيا استحالة عملية التغيير بواسطة هذا البطل الأسطوري. اقتصرت الرموز على التبشير بهذا البعث و التلويح به كأن هذا البعث سيحدث كنتيجة طبيعية أو كنتيجة الجدل " الهيجلي " الذي يحكم الحياة: أنتَ يا طِفْلَُ حُلْمُكَ لاَ يَنْتَهِي بِانْتِهاءِ الْقصِيدةِ في الْوَرَقَهْ أنتَ يا طِفْلَُ حُلْمُكَ لاَ يَنْتَهِي بِانْتِهاءِ الرّصاصةِ في الْحَدََقَهْ (" بين جمر الصقيع وجمر اللّهب " ص40 ) . و بناء القصائد لا يشكل نقطة انقطاع بين التراث و الحداثة انّه حلقة وسيطة بين زمنيْن شعريّيْن . و قد توصّل الشاعر إلى تأسيس معان و صور حديثة بلغة تراثيّة مثل الصهيل و الهلال والفرس و الفلوات والوشم والخيمة والنخيل والصهوة والحمحمة والرطب ، يتوكأ عليها دون أن تجرفه في أطرها الجاهزة ، فهو يعي لغته التراثية فيرتكز على عناصرها الرامزة و يعي الحداثة فيفيد من مضامينها دون أن ينقل نماذجها بَبَّغائيّا : كُنْتُ أغزِلُ نجْمَ الأغانِي على ضفَّةِ الموتِ فوقَ فمِي، والشَّظَايَا تُحاصِرُنِي، وتُطاردني … آهِ، يا شفتي القاتِلهْ ! ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... لماذا يمُوتُ العبيرُ وتبْقَى مع الشَّوكِ - في روْضتِي- زهرةٌ ذابِلَهْ ؟ ( " الزهرة الذابلة " ص 35 ) . شاعرنا اشترط على قصائده لكي تظل ممتازة و مميّزة أن تتناسل من رحم التراث فكانت كذلك ، لكن بالرغم من ذلك فقد صفى شعره من التقليدية. بالإمكان حصر المفردات المفاتيح التي بُنِيَتْ بها القصائد فقد توزعت كالتالي: بالنسبة للحالات اقتصر الشاعر على الحلم ، بالنسبة للشجر اكتفى بالنخلة و الكرمة، بالنسبة إلى الجوامد اقتصر على البحر و الثلج و السفن و المرايا و بالنسبة للفصول شدّد على الخريف ، بالنسبة للنباتات اقتصر على السنابل ، بالنسبة للألوان اكتفى بالأخضر والأسود والأحمر. وأغلب ما وظّف في القصائد لا تخرج ألوانه عن هذه الألوان مثل الجمر والجراح والدّوالي و اليخضور . و تبقى عناصر رسم الصور و رموز المعاني وأدوات البناء هي تقريبا نفسها. وهذه الحزمة القليلة من المفردات ساعدت على خلق موسيقى داخليّة للقصائد لأن هذه الموسيقى لم تتحدد فقط بالتفعيلة أو الروي و بالاستناد إلى الموروث العربي من طباق و جناس و استعارة و كناية بل و خصوصا من المفارقات الضدّية التي تخلقها المفردات من قبيل ضوء أسود و ضوء ، و نورس و غراب، و موت و انبعاث . هذه المفارقات الضدّية كوّنت توازنا في النغم الداخلي و تنظيما : وَطَنٌ لِلْعَصَافِيرِ فِي كُوخِ فَلاَّحَةٍ زَخْرَفَتْ بِالسَّنَابِلِ والسَّوْسَنَاتِ مَفَاتِنَهَا، وَاسْتَوَتْ تَغْزِلُ الانْتِظَارَ قَمِيصًا لِفَارِسِهَا بَيْنَ دَالِيَتَيْنْ. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... تَنَامُ الْمَوَاجِعُ فِي بَيْدَرٍ أَحْرَقَتْهُ السَّنَابِلُ، تَصْحُو الزَّغَارِيدُ فِي مُقْلَةٍ وتُرَفْرِفُ لَحْنًا خَلُوبًا تَوَالَدَ مِنْ بَرْقِ قِيثَارَتَيْنْ (" كلّ الدروب تؤدي إلى نخلة " ص 62 ). ثمّ ان كل القصائد وعناوينها تختزن مسحة رومانسية شاركت في إغناء النغم والارتفاع به. هذه القصائد تتمحور حول الذات ، لكنها توحد الأبعاد الذاتية بالأبعاد الجماعية لا توحيد ذوبان بل توحيد تآزر و تفاعل ، فإذا كان محور هذه النصوص هو بعدها الذاتي فانّ البعد الاجتماعي يبقى منبعها و مصدرها و طاقتها المحفّزة و المولدة: إِنَّ جسمي المُدّجَّجَ بالسَّوسناتِ مُشَاعٌ لِطيْرِ الفضاءِ وللسَّابِلَهْ ( " الزهرة الذابلة " ص 35 ) . تحليل الشكل: بعد أن حصرنا حزمة المفردات - و كانت قليلة جدّا – التي تمكّن الشاعر بواسطتها من تبليغ مضامين مجموعته سننتقل إلى حصر الوحدات العروضية و النحوية و الصرفية التي وظفّها الشاعر في بناء المضامين المذكورة - و هي بدورها قليلة جدّا-. على مستوى التفعيلة هذه المجموعة المتكوّنة من إحدى و عشرين قصيدة اثنتان منها فقط كُتِبَتَا على تفعيلة بحر المتقـارب ( فعول) و بقيّتها كتب على تفعيلتي المتدارك تسع قصائد على تفعيلة المحدث ( فعـل) و عشر قصائد على تفعيلة الخبب ( فاعل). و لأن المتدارك يعطي الإحساس بالحركة ( = يوحي بركض الخيل عند الأخفش ) فقد وظفه الشاعر عن قصد لإعطائنا الإحساس بالحركة و قد حلّلنا مكوناته اللغوية – و لمزيد تفعيل هذا الانطباع لم يقتصر الشاعر على هذه التفعيلة و حدها بل دعمها بعنونة اغلب قصائده بعناوين تتجلى في بعضها الحركة بمصطلحها القاموسي ( الفراشة- و تدق الساعة – البحار- العاشق-هلال الخميلة- للنوارس أجنحة من لظى...)،و في بعضها الآخر تتجلى الحركة و هي في حالة "حركة هابطة" ( الزهرة الذابلة – البنفسجة الذاوية - رماد البرق...). على مستوى الصياغة النحوية وظف الشاعر بكثافة المضاف و المضاف إليه و بدرجة أقل أسماء الإشارة و النداء و الأدوات التي تفيد التحسّر و التأوه و الانفعال مع انتفاء شبه كلّي لمتممات الجملة ( نعت –حال – تمييز...) وقد استهل الشاعر سبع عشر قصيدة بجمل اسمية كان المبتدأ معرّفة بأل في ستّ منها ، ونكرة في أربع منها ، ومضافا إليه في خمس منها، ونعتا و منعوتا في قصيدتين منها مع انتفاء كلّي للنواسخ . أما بقية القصائد و هي أربعة فقد استهلّ أحداها بحرف نداء و الثلاث الأخرى بجمل فعلية مع انتفاء كلّي لفعل الأمر لكن و في المقابل أنهى الشاعر كلّ قصائده بجمل فعليّة. و قصيد الفراشة يعطينا فكرة جليّة عن استعمال المضاف والمضاف إليه: فََرَاشَةُ ضَوْءٍ علَى سَاحِلٍ لاَزَوَرْدِي بِلَيْل الْمَتَارِيسِ كَانَتْ فََرَاشَةَ رَعْـدِ تَحُطُّ علَى وَجَعِ الْيَاسَمِينِ / صَهِِيلاً مِنَ الانْتِظَارِ وتَجْرَحُ سُودَ الْمَرَايَا / بِشَمْسٍ مِنَ الاخْضِرارِ وبَيْنَ الْمَقَاصِلِ فِي وَضَحِ الْعِشْقِ ظَلَّتْ / تُهَرِّبُ نَجْمَ الأَغَانِي وتحْمِلُ لِلْحُلْمِ لَفْحًا،/ ولِلمَيِّتِينَ شَظَايَا الأَمَانِي. وعلى مستوى أزمنة الأفعال فقد استعمل الشاعر المضارع المرفوع مئتيْ مرّة و مرّة ، و الماضي سبعين مرّة و المضارع المنصوب ثلاث عشر مرة، و المضارع المجزوم إحدى عشر مرة مع العلم أنه لم يقع اعتماد الأفعال المعادة في القصيد الواحد. أما النواسخ فقد استعمل منها ( كان) خمس مرّات في الماضي و مرّتين في المضارع المجزوم ، و (ظلّ) مرة في الماضي و مرة في المضارع المرفوع و (مازال) مرة واحدة في الماضي و (إنّ) خمس مرات و( لكن) مرة واحدة. أما بالنسب لفعل الأمر فقد استعمله تسع عشر مرة بهدف التحفيز والتحريض والدفع: قِفِي و اشْمَخِرِّي (" بين جمر الصقيع و جمر اللّهب " ص 40 ) . وَ تدثّر بحلمك (" الخريف و الحلم" ص 53 ) . وَ مُدِّي إِلَى الطِّينِ أُمْنِيَتَيْنْ (" كلّ الدروب تؤدي إلى نخلة " ص 62 ). و قد وظف الشاعر الاستفهام عشر مرات في أربع قصائد مستعملا الأدوات التالية ( لماذا ، من ، ماذا ، لماذا، كيف ، هل ) و كان الاستفهام الاستنكاري من أبرزها: لماذا يمُوتُ العبيرُ وتبْقَى مع الشَّوكِ - في روْضتِي- زهرةٌ ذابِلَهْ ؟ ( " الزهرة الذابلة " ص 35 ) . وَ مَنْ سَرَقَ الْبَحْرَ مِنْ جُثُّتِي قَبْلَ مَوْتِي؟ (" جسد البحر مشتعل بالمواعيد" ص 54). أما أفعال المقاربة و الرجاء فان الشاعر لم يستعمل منها إلا فعل شروع واحد ( بدأ) : فَتَبَاشِيرُ فَجْرِكِ قدْ بَدَأتْ تَقْتَرِبْ (" بين جمر الصقيع و جمر اللّهب " ص 40 ) . تحليل العناوين: تتمفصل العناوين إلى عنوانيْن غير مركبين هما على التوالي الفراشة و العاشق ، و تسعة عشر عنوانا مركبا منها ستة عشر تبتدئ باسم و عنوانان يبتدئان بفعل و عنوان هو شبه جملة " بين جمر الصقيع و جمر اللّهب ". بالنسبة للعناوين السّتّة عشر المبدوءة باسم تتمفصل على النحو التالي : تسع أسماء معرّفة بأل ، و خمسة معرفة بالإضافة و الاسمان الباقيان نكرتان . إن الطابع الغالب على العناوين هو التفاؤل الذي يشمل أربعة عشر عنوانا ( " الطقوس المضيئة" ، " فراشات العطر"، "هلال الخميلة"...) ويمثّل التشاؤم ستة عناوين (" البنفسجة الذاوية " ، " رماد البرق" ، " تعبت من الموت يا جثتي "...) أما العنوان المتبقي فهو يوحي بالمعنييْن معا ( " الشحرور و الصاعقة " ) . يبقى عنوان المجموعة " كلّ الدروب تؤدي إلى نخلة " – الذي عنونت به القصيدة الأساسية يحمل بكثافة المضامين التي أراد الشاعر بثّها على كامل فضاء مجموعته و سنعمل على تبيان ذلك: فكلمة (كلّ) هي اسم موضوع لأستغرق عموم أجزاء الواحد أو أفراد المتعدّد (بهذه الصفة وظّفت) و الشاعر في حقيقة الأمر يقصد أن " كلّ الدروب تؤدي إلى نخلة " فتصبح "كل" هنا بهذه الصيغة توكيدا قطعيا – المقصود منه قطع كل شك أو تردد أو إنكار لدى القارئ أو المتلقي- بأن الدروب تؤدي إلى نخلة أي إلى الأصالة و العروبة و الانتماء لا إلى روما- كما يتبادر إلى الذهن – التي ترمز إلى الاستعمار الغربي و السيطرة الاقتصادية و الغزو الثقافي و التبعية و الانبتات و خصوصا إذا عرفنا أنه من بين الاستعمالات القديمة لكلمة الدرب : " كل مدخل إلى روما " (كما جاء في القاموس المحيط ، و" الدرب" معروف ، وأصله المضيق في الجبل و منه قولهم : أدرب القوم ، إذا دخلوا أرض العدو من بلاد الروم " (كما ورد في الصحاح). و النخلة - كما و ظفّها الشاعر – ترمز إلى الأمان و العطاء و الشموخ و هي " أشرف كل شجر ذي ساق "( كما جاء في المنجد في اللغة و الأعلام ) وهي لا تثمر إلاّ في منابتها الحارّة و الصحراوية أي من المحيط إلى الخليج . استنتاجات: على امتداد خمسمائة و اثنين و أربعين سطرا ما يعادل مئة و سبعة و ستين شطرا ( عند نازك الملائكة) عمد الشاعر إلى وصف أزمة الإنسان العربي المعاصر، الحضارية و الثقافية و الوجودية التي لن تزول إلاّ بعد موت يتبعه انبعاث. لهذا الغرض اكتفى باستعمال لبنات بناء جدّ محدودة تمثّلت في حيوانات ذات جناح ( أربعة طيور وفراشات) ، و في فصل الخريف ، و في البحر و الشراع، و في شجرتيْن ( النخلة و الكرمة) ، و في نبتتَيْن ( السنبلة و الزهرة) ، و في ثلاثة ألوان ( الأحمر و الأسود و الأخضر) رسمها جميعها بواسطة تفعيلتيْ المتدارك على صيغتيْ المضاف و المضاف إليه و جار و مجرور ، و بأفعال مضارعة وباستعمال عناوين مركّبة و بعض أدوات الاستفهام الاستنكاري. هذه اللبنات التي شكّلت ما هو ظاهر في النصوص من مضامين – و قد حصرناها – كما أنّها شكّلت ما لم يجهر به الشاعر من مضامين لكنّه ضمّنها لا شعوريّا وآليّا في هذه النصوص نفسها بتوظيفها بكثافة للمضارع قصد تفعيل الحركة و التعجيل بدفعها للتّحوّل من وضع متردٍّ إلى وضع أفضل ، و كذلك باستعماله لا إراديّا في مجموعة كبيرة من عناوين قصائده لمفردات تشي بالتفاؤل و تطمح إلى انبلاج فجر جديد شرط أن تكون " كلّ الدروب تؤدي إلى نخلة ". إنّ هذه المقاربة النّصّيّة ( = البنيويّة) تمنعنا من تقديم حكم معياري ( = تقييمي) على النصوص المنقودة لأنّ مثل هذا الحكم هو من مشمولات النقد الانطباعي أو التحليلي – النفسي أو الاجتماعي. لكنّه من الممكن طرح عديد الأسئلة منها: - هل مضامين نصوص هذه المجموعة مجرّد نموذج و مثال لبقيّة النصوص الشعرية لمحمد علي الهاني ؟ - ما هي نسبة تكرار التراكيب و اللغة و الصور في بقيّة المجاميع؟ - هل هذا الأسلوب من الكتابة ينمّ عن تركيبة نفسيّة بعينها تولّد هذا الأسلوب للإبداع ؟ مراجع البحث : مجموعة " كلّ الدروب تؤدي إلى نخلة " للشاعر محمد علي الهاني ، تحصّلت على جائزة الأولى مفدي زكرياء المغاربية للشعر لسنة 1996، وهي من منشورات " التبيين- الجاحظية – ضمن سلسلة الإبداع الأدبي " ( الجزائر1997) ، و المجموعة تحتوي على اثنتين وسبعين صفحة. الباحث/ الشاذلي السّاكر- تونس *الملحق الثقافي لجريدة الحريّة : 17/ 2 / 2000 - العدد 553. * مجلة الحياة الثقافية : العدد 113- السنة 25 - مارس 2000. الموضوعالأصلي : تحليل بنيوي لمجموعة " كلّ الدروب تؤدي إلى نخلة "* بقلم: الشاذلي السّاكر // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: مستر
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |