جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: منتدى جواهر الأدب العربي :: مُنتدَى الأدبِ واللغةِ العَربيةِ العَام |
الأربعاء 15 أبريل - 23:14:54 | المشاركة رقم: | |||||||
مشرف
| موضوع: قراءة في ديوان"يتغمدني بالنشيد الرماد"للشاعرالتونسي محمد علي الهاني-د.مصطفى عطية جمعة(مصر قراءة في ديوان"يتغمدني بالنشيد الرماد"للشاعرالتونسي محمد علي الهاني-د.مصطفى عطية جمعة(مصر قراءة في ديوان"يتغمدني بالنشيد الرماد"للشاعرالتونسي محمد علي الهاني: الهم الذاتي صدى للهمّ الجماعي قراءة في بنية الصورة وسيميوطيقا النص د. مصطفى عطية جمعة( مصر) يصدم محمد علي الهاني المتلقي منذ الوهلة الأولى في ديوانه " يتغمّدني بالنشيد الرّمادُ " (1) بشعرية مختلفة ، تعبّر عن مرحلة من نضوج التجربة ، وتوهّجها ، وتشي بتمكّن لغوي ، وبنية نصّيّة بها الكثير من الجماليات الفارقة ، ولا شكّ أن هذا الديوان يطرح الكثير من الرؤى مصحوبة بتشكيلات جمالية متعددة ، تحتاج إلى تحليل نصّيّ ، يمزج بين الرؤيوي والشكلاني ضمن قراءة واحدة ، وهذا ما يجعلنا نفتتح القراءة بالوقوف على الرؤية التي هي قاسم مشترك بين نصوص الديوان ، وهي رؤية لا يمكن استيعابها إلا بتحليل الجمالي / الصورة ومن ثم يتم تحليل البعد السيموطيقي في البنية الجمالية . جماليات المزج بين الجمعي والذاتي : إن الجمال النصي جزء أساس من الرؤية الكلية المنبثة في ثنايا نصوص الديوان، وهو يعكس في متونه أسس الرؤية التي يرومها المبدع ، وهي هنا لا تنفصل عن همّ جمعيّ ، يتجاوز الفردانية والذاتية التي باتت شائعة في النصوص الشعرية المعاصرة ، تعيدنا إلى الخطاب العروبي / الوطني الذي كان سائدا في سني الخمسينيات والستينيات ، متناغما مع المد القومي آنذاك ، وهو خطاب كانت المباشرة عنوانا له لحفز الهمم ، ومناصرة الثوار . وعندما انكسر الثوار انكسر الخطاب بدوره ، وكفر به ناعقوه ، فمن الطبيعي أن نجد الغرق في الذاتي والنرجسي واليومي ظاهرا في أشعار العقدين الماضيين . محمد علي الهاني ، يصر ومعه كل الحق في تبني الهم الجمعي العربي ، والهمّ الوطني المحلي ، ويمزج بينها لنقرأ توحدا في الذات الشاعرة مع الذات الجماعية، وبعبارة أخرى ، فإن شعرية هذا الديوان مكمنها إحساس في إعادة قراءة الوعي العربي الجماعي ، غير معترف بتلاشيه ، بل يجعل جسده / ذاته ميدانا تتلاقى فيها الهموم العربية والوطنية وأيضا الفردية . ولعل قصيدة " الأزمنة " تظهر هذه الجدلية بين أمسٍ تغنوا فيه بأمل ، وبين حاضرٍ شهِدَ تشظّي هذا الأمل، ولكن تتقدم الذات الشاعرة لتكون محاورة لهذه الأزمنة ، يقول : أسبّحُ باسمك في زمن الصمت فوق رصيفِ الليالي على عتـبات التحدي بسوق الرقيقِ وأشرد يا قمر الحزن في زمن العري كوكبَ رفض بغابة عينـيك حتى انطفاء البريقْ وفي زمن الموت أقرع ناقوس صوتي وحبلُ دمي أخطـبوط يطوّق جسمي الغريقْ (2) فهناك ثلاثة أزمنة – في المقطع السابق – : زمن الصمت ، وزمن العري ، وزمن الموت ، وهي تشخيص لواقع الأزمة في عصرنا ، فالصمت محصلة أولى لانكسار الأحلام ، حيث يلوذ الصادقين به ، فيما تنفتح أشداق الناعقين ، أما العري، فهو انكشاف أسباب التردي ، وهو يحمل في طياته إدانة لزمن كانت الشعارات تمنع إظهار الحقائق ، وترى أن المعارضة مؤامرة ، ومن ثم يكون الموت نتيجة حتمية للحالمين الصادقين . ثم يقول : وفي زمن البعث أركب برقي، أحطُّ على شفتيك ربيعا ، وأعجن بالأغنيات دمائي؛ فيخضرُّ لون المسافات عند الشــروق(3) أما زمن البعث فهو الأمل من جديد ، واختار البعث لأنه بعد الموت كما هو معروف ، وهذا يجعلنا نتساءل عن ماهية زمن الموت الذي سبق البعث ، إنه ليس موتا نهائيا بقدر ما هو كبوة طويلة ، أعقبها بعث وأمل . وهذا الزمن ليس مجرد حلم ولا كلمات أمل مقفاة ، إنها كدٌ ، ومزج الأغنيات بالدماء . ونلاحظ إسراف الشاعر في استخدام الإضافة اللفظية في هذا النص مثل تعبيراته : " لون المسافات - عتـبات التحدي - سوق الرقيقِ .. " ، وهذه تيمة أسلوبية كانت سائدة في حقبة التغني بالأمجاد القومية ، حيث كانت الشعارات لازمة لهذه الحقبة ، فلا عجب أن يستعيدها الشاعر بتراكيبها اللفظية . إن نص " الأزمنة " مفتاح أساس للولوج إلى الديوان ، لأنه يلخص أزمة جيل كامل ، لُّقب بجيل النكسة والانكسار ، وشاعرنا شخصا وعمرا وتجربة أحد أبنائه. وهذا ما يبرر لجوء الشاعر إلى استخدام الشكل العمودي في بعض النصوص، حينما يتطلب الأمر صرخة واحتجاجا ، وعندما لا ينفع التعبير الرمزي ذو الجماليات المتراكمة في إيصال الرسالة ، فيأتي القالب العمودي بموسيقاه ، عالية الإيقاع ، وتراكيبه عميقة التأثير مبلّغا الرسالة المبتغاة ، خاصة مع موقف يدمي النفوس ، شاهده الملايين وانفعلوا به ، وهو مقتل طفل بين ذراعي والده ، ووالده يستنجد ولا منجد ، إنه مقتل الطفل محمد الدرة ، الذي انتهى التحقيق في إسرائيل إلى أن الولد مات في تبادل نيراني مع المقاومة الفلسطينية ، وقد يكون رصاص المقاومة سببا في مقتله ، وكأنهم يخرجون ألسنتهم لنا كذبا وبجاحة ، ويطلب منا أن نصدق مروياته ، ونكذب عيوننا ، وهذا ما أبانه شاعرنا بقوله : والوالد المذعور أخفى طـفله وأشار ... لا ! هذا الصغير بلا يدِ لم يرحم السفاحُ حقل جراحـه ورمى الفراشة بالسلاح الأســـودِ يا للطفولة من رصاصة مجرمٍ فصلت شذا عن وردة في المــوردِ إن الرصاصة ليس تقتل وردةً وإذا قضـت فالعـطر باقٍ سـرمدي(4) هنا بنية جمالية بها عالية النبرة ، مباشرة الخطاب ، تصف بألم ، بمفردات التنديد والتباكي المألوفة مثل : السفاح ، السلاح الأسود ، يا للطفولة ، مع صورة مطروقة نوعا ما حيث شبه الطفل بالوردة ، ولكنها – وهذا الجميل فيها – تجعل من المطروق إبداعا ، فتصبح الصورة ممتدة ، وتكون ذات بعدين : بعد محسوس يتمثل في تشبيه جسد الطفل بأوراق الوردة ، وبعد غير محسوس ، يتمثل بتشبيه روح الطفل ، وقضيته ، ورمزية المشهد الدامي ، بالعطر سرمدي البقاء ، فإذا فني الورق / الجسد ، بقي العطر فواحا . ويصبح الهمّ حالة ذاتية ، تمتزج بعالم قلعة الذات الشاعرة ، وهو عالم مزيج من اللون والصوت والحركة والنبات ، يقول : وجعي يستضيء بأغنية والهديل اخضرار الصدى نورس في الهزيع الأخير من الجمر يقتات من بوح سوسنة ثم يقول : المواعيد متكظة بالينابيع في كربلاء قمر والندامى انهمار الندى من نبيذ الشروق لمن يتنفس هذا الصباح(5) جاءت إضافة ضمير المتكلم إلى الوجع ، وفي أولى كلمات قصيدة حملت نفس الجملة الأولى ، لتجعل الوجع ينتقل من حالة الجماعية إلى الفردية ، ثم يصبح في المقطع الثاني حالة جماعية ، لتكون بنية النص النفسية حواريةً بين الذاتي والجمعي ، وقد أورد لفظة كربلاء في إشارة تناصية / علاماتية إلى همّ قديم وهمّ جديد ، فكربلاء المدينة والموقع والتاريخ ، راسخة في أعماق النفس العربية بمأساة الإمام الحسين ( رضي الله عنه ) ، حيث العدل في وجه الظلم ، والاستشهاد في سبيل الحقيقة ، وسيظل استشهاده علامة دامية في القلب المسلم ، ويؤدي موته – بعدئذ إلى انقسام مذهبي كبير ، وقد ذكر الشاعر المدينة المكان ، ليستحضر الحسين والمأساة والألم ، فيكون المكان عنوانا للدماء والشخوص والانقسام. أما الدلالة المعاصرة ، فإن كربلاء تحمل الجرح العراقي الذي ينزف في خاصرة الأمة منذ سنوات ، لتختصر كربلاء المدينة المأساة المعاصرة بجانب المأساة القديمة . البنية الجمالية في هذا النص تعتمد على تراكم الجماليات ، وهو تراكم ناتج عن صورة المزيج ، التي تتكون من مجازات متصلة ، فالوجع – في السطر الشعري الأول – يستأنس ويستضيء بالصوت ( أغنية ) ، وفي السطر الثاني : الصوت يتلوّن بالاخضرار ، والاخضرار يلون الصدى وهو من مردودات الصوت وغير مرئي .. ، ليظهر النورس ( طائر ) يطير على جمر ، وهو في النزع الأخير ، إنها صور متراكمة ، تثير الشجن ، ويشكل طائر النورس الذات الشاعرة المحلقة بألمها . تذكرنا هذه الجماليات ، بحقبة شعر الحداثة السائد في سني السبعينيات والثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات من القرن العشرين ، وهو ما يجعلنا نتعرف تاريخية هذه النصوص ، أو أن الشاعر لا يزال متأثرا بهذه الحقبة بكل جمالياتها ، وأيضا بمراجعاتها الفكرية . سيميوطيقا النص : لكل نص شفراته النصية Codes ، التي تترجم توجهات منشئه ، وتقيم شبكة من العلامات التي تعبر عن عالم المبدع ، ومفهوم الشفرات النصية أحد المفاهيم الأساسية في علم العلامات Simiotics، والشفرات السيميوطيقية : " هي أنظمة إجرائية تتكون من مجموعة من الأعراف المترابطة التي تحدد العلاقات المتبادلة بين الدوال والمدلولات في مجال معين " (6) ومنها ما يسمى شفرات التفرد اللغويIdiolects ويقصد بها " الاستخدام الفردي للغة بشكل خاص مختلف "(7). أما شفرات إنتاج النص وتفسيره Codes of textual production and interpretation فهي تصنف كنمط من أنماط الشفرة الأيديولوجية وهي المتضمنة في عمليات تكوين شفرة النصوص ، سواء كانت شفرات مهيمنة أو تفاوضية ( تبادلية ) (. يمكن قراءة البناء الشكلاني في شعرية هذا الديوان من منظور السيميوطيقا ، حيث أقام شاعرنا قلعة مكتملة الأرجاء والجدران وهو يقرأ العالم من حوله ، وأساس هذه القلعة رؤيته لأزمة الأمة ( الصمت ، العري ، الموت) فهي ليست مجرد أزمة وقتية ولا مرحلية ، إنها أزمة هوية ووجود ؛ أما أركانها فهي مأخوذة من المفردات الكونية الطبيعية : السماء والشمس والمطر والريح والغبار والنجوم والكواكب . فكأنه يقرأ العالم من حوله من علياء ، وهذا لا يعني أنه قابع في برج عاجيّ ، بل يعني أنه يرى الصورة أكثر اكتمالا ، ويرتفع بها إلى شعرية سماوية، بدلا من دنيوية أرضية مسفلة . وهذا ما يطالعنا من القصيدة المفتتح ، التي حلت محل الإهداء التقليدي فيقول: خارجٌ من لظى تعبي داخلٌ في سماء الفرحْ اغرزوا فيّ أنيـابكمْ إن جرحي قوس قزحْ (9) عنوان هذا النص القصير " سماء الفرح " ، والعنوان يحمل الدلالة الكلية المرادة في الديوان ، فالسماء – كما ذكرنا – مفتاح الشفرة الجمالية في التصوير الفني ، أما الفرح فهي الرؤية الإيجابية في قراءته للعالم من حوله ، إنها الرؤية التي تتجاوز العري والصمت والموت إلى زمن البعث ، وبعبارة أخرى فإن "سماء الفرح " يساوي : زمن البعث دلاليا . أما البيتان المتقدمان فهما يعبران عن النزعة الإيجابية التي تعيد الذات الشاعرة نفسها إلى العالم من حولها ، مقرة في البيت الأول بأنه خارج من الإنهاك المشتعل إلى سماء البعث ، موضحا أنه غير آبه بأنياب الأعداء ولا المتخاذلين ولا بائعي القضية ، فقد أُثخِن جسده جراحا ، فلن تضيره أنيابهم . مفردتا الصورة : سماء ، قوس قزح ؛ معبرتان عن المنطلق العلاماتي المتقدم الذي هو أساس بناء الصورة في الديوان ، وأيضا هي مفردات شمولية ، تمهد لما هو قادم ، حيث سيتم تفتيت الكونية ، فقد استخدم الشاعر مفردتين الأولى تشمل الثانية ، وإن كانت الثانية بها طبيعة عمومية أكثر ،فقوس قزح وهي ألوان الشمس، ومنها ينبع الضوء واللظى والظلام .. ، والسماء ، وفيها النجوم والكواكب والريح والمطر ... إلخ . وهذا ما سيُرصَد في جنبات النصوص . جدلية السماء والأرض : تتطلب النظرية السميائية لتلقي النص الأدبي المشاركةَ الفعلية للقارئ الذي يناط به دور الاستراتيجي والمسترمز للنص بصفته نسقا موجها من التعليمات ، وأنه لا بد من التعالق المؤكد والمستمر لمختلف مستويات مقاربة النص الأدبي ، وهي مقصد المؤلف ومقصد العمل الأدبي ، ومقصد القارئ ، من منظور عمل سيميائيات التلقي ، وهذا يتطلب التكامل الممكن بين الاستعمال للألفاظ والتأويل لها(10). وفي أولى العلامات الجمالية في نصوص الديوان ، نجد الذات الشاعرة في جدلية إزاء هذا الكون / العالم / أزمة الأمة حيث يقول : في المنفى أبقى مصلوبا وسماؤك تمطرني حجرًا .. حمما ... لعنات والأرض التفاحةُ ترميني سنبلةً ذاويةً في قحط الفلواتِ يسحبني حلمي خيطا من عطر ؛ أتدحرج قرصا من لهبٍ أتردّى في بحر الظلماتِ(11) شاعرنا - بدايةً - خارج الجدلية بين السماء والأرض ، فهو في المنفى ، مصلوب، أي في حالة من الثبات بين الموت والحياة ، فالصلب هنا إشارة للموت ، بينما السياق يشي بأنه يراقب ما حوله . ثم يتحول الضمير للخطاب " سماؤك " وهو يعود إلى الوطن كما ذكر بعدئذ " ألقاك مسجى يا وطني " ، فسماء الوطن طردت الذات الشاعرة ، وقذفتها بأحجار وحمم ولعنات ، وهي مقذوفات تجمع الحسي والمعنوي ، فإذا كانت الأحجار – في تناص مع أحجار من سجيل التي أبادت جيش أبرهة الأشرم قديما – والحمم وهي نيران تتساقط من السماء من الكواكب ، أما اللعنات فهي اللاحسي ، في إشارة إلى الدعوات الدينية . أما الأرض فهي المقابلة للسماء واقعيا ، ولكنها تتضافر مع سماء الوطن نصيا ، حيث ترمي الذات الشاعرة بسنبلة ذاوية ، إذن ، فالسماء والأرض نصيا هنا تختصان بالوطن ، وتشيران إلى أن كليهما تطاردان الذات الشاعرة ، وتنأيان بهما عن أرض الوطن ، فينسحب منفيا ، مصلوبا ، لا يملك إلا الحلم ، وعلى حين يكون منفيا ، يتدحرج حلمه لهيبا في بحر الظلمات ، لذا يختم هذه القصيدة بأنه سعيد في منفاه ، منتظرا أن يأتيه الفرح ، فيقول : " وأظل سعيدا في المنفى ، ألقى حتفي ، وعلى قبري تنبت زهرة ماء ، تشدو للفرح الآتي " . تبدو ملامح الكونية في المفردات المستخدمة : السماء والأرض ، والأرض كوكب في السماء ، وإن كانت لدى البعض مقابلة للسماء ، حين نقف على ثراها ونتطلع إلى علياء ، ونجد عناصر من الأرض منبثة ، تكمل الرؤيا الكونية ، تظهر في المفردات : بحر الظلمات ( اسم قديم للمحبط الأطلسي في الذاكرة الأوروبية في العصور الوسطى ) ، والماء ، وهو مشترك بين السماء والأرض. إذن ، جاء التعامل بين السماء والأرض في هذه القصيدة ، من خلال الرؤية السيميائية ، والتي تتوقف على جهد المتلقي في تفهم العلامات المذكورة . ويجدر بالذكر أن هناك تعاضدا مع الإشارات الواردة في الديوان ، فعنوان هذا النص "الفرح الآتي" ، وهو تكرار لما سبق ذكره عن سماء الفرح ، خاصة أن القصيدة حافلة بالإشارات الحزينة عن النفي والصلب والموت ، ولكنها تختتم بأن ثمة "زهرة ماء تشدو للفرح الآتي " ،فهذا تأكيد للعنوان . علامات السماء : وهي متعددة ، معبرة عن قلعة الكونية في النص ، متفاوتة في الدلالة . يقول: في دمي أنجمٌ وسماءٌ من الياسمينْ وفجر من الانعتاقْ فإذا انتفضت في دمي نجمةٌ وتطاير منها الضياء وضعت يدي فوق قلبي : وقلت العراق!(12) ويقول : قمرٌ توحّد في دماء محـمدِ فتوهجت من جرحه شمس الغدِ وتشامخت بين المآذن روحُه الله أكبر يا مآذن فاشـــهدي(13) قمر توزّع في دمائك فانتصب نلتَ الشهادة يا محمد فاستعدِ(14) يختلف المقطعان السابقان شكلا ، فالأول من شعر التفعيلة والثاني عمودي القالب، ولكن الجماليات تتقارب في كليهما ، وإن مال الخطاب في النص العمودي إلى المباشرة ، ولكنه اتكأ على مفردات الكونية . في المقطع الأول ، تتضافر السماء وهي الحاوي لسائر المكونات الكونية مع مفردات تابعة لها : أنجم ، نجمة، فجر، الضياء ، ومن ثم تتهاوى من عليائها إلى الأرضي ، حيث الجرح النازف في المشرق العربي : العراق . إن تحليق الذات الشاعرة في الكونية هنا ، جاء بالجسدي باستخدام لفظة ( دمي ) ، بكل دلالتها المادية والمعنوية ، ولتتسق في دلالتها مع جرح العراق ، فكأن دم الذات الشاعرة يحلق في السماء طلبا للرفعة ولكنه سرعان ما يتهاوى مع مسبب النزف على الأرض . ونفس مفردة الدماء تتكرر في نص محمد الدرة ، باستحضار دماء الطفل التي انثالت من الجسد ، ولكنها حلقت مع الروح ، لتعانق السماوي / الكوني وهو القمر الذي توحد ، والشمس التي بزغت من هذه الدماء ، لتشمخ الروح وتتيه وهي تصعد إلى بارئها . ونلحظ أن لفظة قمر قد جاء عقبها فعلان ، في البيت الأول قمر توحد في دماء محمد ، وفي البيت الثالث قمر توزع في دمائك ، ودلالة القمر بداية تحمل الضياء والأمل ، في التعبير الأول ، يتوحد الضياء / القمر ليضيء النفوس المظلمة. أما في التعبير الثاني فإن توزيع الضياء القمري محصلة لتوحده. تلاقي السماوي والأرضي: لأن الأرض جزء من السماء ، فجاءت علاماتها مكملة للكونية . هل تذكر يا وطني .. ؟ كانت حبات الرمل شموسا في الأفق تلوحْ سنبلة تتوهج في ذاكرة المذبوحْ عصفورٌ بين الماء وبين النار يصيحْ هل تكبر في قلب الطفل الريحْ (15) هنا البكائية على الوطن ، وهي تتجاوز الإطار الإقليمي الضيق إلى الوطن العربي الكبير ، وهذا جزء من خطاب الأمة في عقود سيادة التيار القومي ، حين ذابت الحدود المصطنعة لصالح الوطن الكبير ، والدليل على ذلك " حبات الرمل "، فاستخدام التعبير هنا له دلالة إيجابية واسعة ؛ إنه يشير إلى المشترك المكاني بين الدول العربية ، وبدلا من أن تكون الرمال علامة على القحط والجفاف ، تصبح علامة على الوحدة الجغرافية. وعندما يذكر " قلب الطفل " ، فهو يستعيد طفولته ، التي تربت على أمجاد قومية كبيرة ، للأسف شهد شبابه انكسارها . التقت في المقطع السابق علامات الأرضي والسماوي ، فديدن الشاعر في الصورة الكونية أن يشير إلى عناصر السماء أو الأرض ، وهنا يجمع العناصر في مزيج واحد ، حيث نرى السماوي في المفردات : الريح ، شموس . وكلتا العلامتين تنطلقان من السماء إلى الأرض . وإن استخدمتا هنا بدلالة مجازية ، تلتصق بالأرضي ، فحبات الرمل كانت شموسا محلقة في زمن الوحدة والأحلام، أما الريح فهي علامة أخرى على الحلم عندما يستوطن قلب الطفولة . وأما علامة الأرضي فهى : حبات الرمل . في حين يكون التلاقي بمفردتين : الأولى " الأفق " وهو نقطة تلاق للسماء والأرض مع نهاية البصر ، والعصفور ، وهو طير أرضي يحلق في السماء الكونية . والعصفور المذبوح توكيد لحالة البكائية ، وتهاوي الأحلام الكبرى / الكونية ، على حبات الرمل والسنابل المدماة . ويقول أيضا : شجرٌ يخلع الظل من لفحه ويحاصر عشاقه بالنوافير هذا الخريف يظللني ... هل تعود إلى الريح أشجارها ؟ هل تعود إلى شجري نجمة من غباري؟ (16) جاء التلاقي من خلال علامة أرضية ثابتة " الشجرة " ، فجذورها تمتد في الأرض ، وأفرعها في السماء ، وهي علامة تراثية وتناصية ، كما في قوله تعالى { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } (17) وقد تجمع حولها علامات الكونية : الظل وهو فرع لضوء الشمس ، والريح وهو علامة هوائية من السماء ، تظهر في حركة الأغصان والأوراق ، أما النجمة فقد انتسبت إلى تراب / غبار الذات الشاعرة ، لتكتسي بدلالة الألم . التناص علامة : فقد حفلت نصوص الديوان بكثير من العلامات التناصية Intertextuality، والتناص لها صلة وشيجة بعلم العلامات ، فهو " يشير إلى تلك الصلات أو الروابط المتنوعة في الشكل والمضمون التي تقوم بربط نص معين بنصوص أخرى ... ، إن النصوص عموما تدين بالفضل للنصوص الأخرى أكثر مما تدين به لأصحابها أو صناعها الفعليين " (18) . وهذا ما يجعل عبارات أو مفردات التناص علامات في حد ذاتها ، لأنها تثير الكثير من المعاني والدلالات في النفس، كما يمكن أن تتحول لفظة أو تركيب إلى علامة داخل النص أو الديوان ، وهو ما يسمى " العلاقة النصية الداخلية " أو " العلاقات داخل النص " (19). وقد مرّ ذكر بعضها، حيث يكتفي الشاعر بذكر كلمة ، تفجر في الذات المتلقية عشرات من الإيحاءات ، مع توظيف سياقي جديد . يقول شاعرنا : طائر الفينيق إني عائد بعد الحطام وجراحي الخضر شمس ودمي القاني وسام(20) فطائر الفينيق علامة تناصية على حضارة الفينيقيين التي قامت على ضفاف البحر المتوسط في بلاد الشام ، وكانت ذات شأن كبير ، وإن كانت حضارة سابقة على الحضارة العربية ، ولكنها رافد مغذ لهذه الحضارة ، وطائر الفينيق أيضا علامة أسطورية ، فهو طائر في الأساطير الفينيقية بعد أن تحرقه النيران ويتحول إلى رماد تدب فيه الروح من جديد . ويضاف هنا إلى دلالته النصية دلالة جديدة، وهي شكوى الشاعر من انكسار الذات والحلم ، فلم يتبق منهما إلا الحطام ، ولكنه سيعود ، مضمدا جراحه بالكونيّ ( الشمس ) ، مفتخرا بدمه القاني المنثال ، ويصبح طائر الفينيق علامة على تجدد الأمل ، رغم هذه الحطامات ، وهو تجدد لا يعرف الفناء ، إنما هو تجديد متواصل . ثم يتحول تعبير " طائر الفينيق " ومعه تعبيرات أخرى في المقطع السابق ، في هذه القصيدة إلى علامات مضافة ، تكتسب الجديد من الدلالات مع تكرارها المتعمد في هذا النص ، حيث جاء التعبير مكتسيا معاني جديدة ، ونجتزئ ما ذكره في ختام مقاطع نص " طائر الفينيق ": طائر الفينيق إني عائد بعد البراحْ وجراحي الخضر شمس ودمي القاني لقاحْ طائر الفينيق إني عائد بعد الضياعْْ والجراح الخضر شمس ودمي القاني شراع طائر الفينيق إني عائد بعد الهجوعْْ وجراحي الخضر شمس ودمي القاني ربيعْ طائر الفينيق إني عائد بعد المماتْْ ومعي لابد يوما موسم الإخصاب آتْ(21) يتجاوز تكرار طائر الفينيق داخل هذه القصيدة دلالات التوكيد والإيضاح والمناجاة التقليدية والمصاحبة عادة للتكرار ، فقد جاء التكرار للمقطع الأول بمفرداته تقريبا مع تغيير في مفردة القافية في السطر الشعري الأول ، وفي مفردة القافية في السطر الشعري الأخير ، وفي كل تغيير دلالة مضافة ونلاحظ في مفردات السطر الأول ، التي تلت التعبير " عائد بعد .. " أنها متدرجة في الدلالة من الأدنى إلى الأعلى ( البراح ، الضياع ، الهجوع ، الممات ) ، وكأنه يستقصي حالات الضعف التي أصابت الأمة ، ومن ثم يجعل ذاته ، باستخدام الخطاب الذاتي " إني " ، كحالة تشخص هذا الوهن ، وفي جميع الأحوال ، ستنهض الأمة . وهو خطاب محفز ، وإن كان مباشرا بعض الشيء . وفي مفردة قافية السطر الأخير ، نجد تضادا في تنويع الكلمات : ( لقاح ، شراع ، ربيع ، آت ) ، وهو تضاد إيجابي ، يواجه حالات الضعف والتراجع التي سبقته في السطر الأول . * * * محمد علي الهاني شاعر منتم ، عميق الانتماء للوطن والأمة ، يحمل عبق الأصالة، طامح لغد أفضل ، وقد استطاع أن يقدم جماليات جديدة ، على مستوى تجربته الإبداعية ، وفي إطار تعاطيه مع حركة الشعر العربي بشكل عام ، ولا يزال في جعبته الكثير ، مادامت نفسه فوارة بالأمل ، رافضة الألم . د. مصطفى عطية جمعة قاص وروائي ومسرحي وناقد أدبي مصري الهوامش 1) محمد علي الهاني ، يتغمدني بالنشيد الرماد ، منشورات : جائزة مفدي زكريا المغاربية للشعر ، 2004 ، والديوان صادر عام 2005 . والشاعر من مواليد 1949م ، وله ثلاث مجموعات شعرية أخرى وهي : الجرح المسافر ، تونس ، 1980، أينعت في دمي وردة ، بغداد ، 1987م ، كل الدروب تؤدي إلى نخلة ، الجزائر 1996م . كما أصدر خمس دواوين شعرية للأطفال ، ونال العديد من الجوائز والأوسمة . 2 ) ص27 . 3 ) ص27 . 4 ) ص 43 . 5 ) ص50 ، 51 . 6 ) معجم المصطلحات الأساسية في علم العلامات ( السيميوطيقا ) ، دانيال تشاندلر ، ترجمة: د. شاكر عبد الحميد ، نشر : أكاديمية الفنون ، سلسلة دراسات نقدية ، 2002م ، ص30 . 7 ) السابق ، ص31 . 8 ) السابق ، ص31 . 9 ) الديوان ، ص11 . 10 ) في سيميائيات التلقي ، د. المصطفى شادلي ، بحث منشور في مجلة عالم الفكر ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت، 2007 ، ص209 – 211 . 1 ) ص15 ، 16 . 2 ) ص12 3 ) ص42 . 4 ) ص44 . 5 ) ص20 6 ) ص70 . 7 ) سورة إبراهيم ، الآيتان : 24 – 25 . 8 ) معجم المصطلحات الأساسية في علم العلامات ، م س ، ص94 . 9 ) السابق ، ص95 . 20) الديوان ، ص 38 . 21) الصفحات : 38 ، 39 ، 40 . الموضوعالأصلي : قراءة في ديوان"يتغمدني بالنشيد الرماد"للشاعرالتونسي محمد علي الهاني-د.مصطفى عطية جمعة(مصر // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: مستر
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |