جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: منتدى جواهر الأدب العربي :: مُنتدَى الأدبِ واللغةِ العَربيةِ العَام |
الأربعاء 15 أبريل - 23:09:06 | المشاركة رقم: | |||||||
مشرف
| موضوع: تأمّلات في القصيدة الخضراء " أَحْتَاجُ دَوْمًا إِلَى عَيْنَيْكِ يَا قَمَرِي " للشّاعر محمد علي الهاني تأمّلات في القصيدة الخضراء " أَحْتَاجُ دَوْمًا إِلَى عَيْنَيْكِ يَا قَمَرِي " للشّاعر محمد علي الهاني بقلم :الشّاذلي السّاكر ( توزر،تونس) أَحْتَاجُ دَوْمًا إِلَى عَيْنَيْكِ يَا قَمَرِي ( إلَى ذاتِ العيْنيْنِ الخَضْرَاوَيْنِ) حَبِيبَتِي، الْبَحْرُ مِنْ عَيْنَيْكِ يََكْْتَحِـــــلُ والسِّنْدَبَـادُ أَنَا فِي لُجِّهِ ثَمِـــــــــــــــلُ حَبِيبَتِي، الرَّوْضُ فِي أَعْيَادِ خُضْرَتِـهِ يَسْتَلْهِمُ الْعِطْرَ مِنْ عَيْنَيْكِ يَغْتَسِــــــلُ والْفَجْرُ يَخْضَرُّ مِنْ عَيْنَيْكِ مُنْْشَرِحًـا فَلاَ يَغِيبُ اخْضِرَارٌ بَاسِمٌ، خَضِـــــــلُ والْبَدْرُ فِي حُلَلِ الدِّيبَاجِ لُؤْلُــــــــــــؤَةٌ وفِي اخْضِرَارِ السَّنَى يَشْدُو، ويَنْتَقِـلُ والْطَّيْرُ فِي مُلْتَقَى الْعُشَّاقِ أُغْنِيَــــــةٌ خَضْرَاءُ بِالْحُبِّ فِي الْفِرْدَوْسِ تَكْتَمِـلُ والْحُبُّ تَيَّمَنِي، والْوَجْدُ بَرَّحَ بِـــــــــي و الشَّوْقُ جَمْرٌ وفِي الشِّرْيَانِ يَشْتَعِـلُ والطَّيْفُ طَيْفُكِ يَأْتِي فِي تَسَلُّلِـــــــــــهِ يُهْدِي إِلَيَّ مُنَى الأَفْرَاحِ، أَرْتَحِـــــــــلُ أَحْتَاجُ دَوْمًا إِلَى عَيْنَيْكِ، يَا قَمَــــــرِي فَفِيهِمَا أَغْزِلُ الأََشْوَاقَ، أَحْتَفِــــــــــلُ فِي الصًّحْوِ، فِي حُلُمِي، فِي كُلِّ ثَانِيَةٍ هُمَا مَعِي، وأَنَا المَلاَّحُ لاَ أَصِــــــــــلُ ولاَ أَرَى فِي الْمَدى إلاَّ هُمَا ، وهُمَــا فَيْرُوزَتَايَ وقَلْبِي عَاشِقٌ جَـــــــــــذِلُ ولاَ يَهُزُّ فُؤَادِي غَيْرُ لَوْنِهِمَـــــــــــــا فَكُلُّ أَخْضَرَ يَدْعُونِي فَأَنْفَعِــــــــــــــلُ حَبِيبَتِي، كُلُّ حُلْمٍ يَصْطَفِيكِ شَـــــــذًا و كُلُّ دَرْبٍ إِلَى عَيْنَيْكِ يَتَّصِــــــــــلُ. شعر: محمد علي الهاني ( أبونضال ) تـوزر، تـونس في 16/05/2011 أ)المضمون: تتمفصل أغراض هذه القصيدة إلى " تيمات " ثلاث ، وهي كالتّالي : - وصف ما يراه الشاعر من جمال في حبيبته و روعة حسنها: حَبِيبَتِي، الرَّوْضُ فِي أَعْيَادِ خُضْرَتِـهِ يَسْتَلْهِمُ الْعِطْرَ مِنْ عَيْنَيْكِ يَغْتَسِــــــلُ والْفَجْرُ يَخْضَرُّ مِنْ عَيْنَيْكِ مُنْْشَرِحًـا فَلاَ يَغِيبُ اخْضِرَارٌ بَاسِمٌ، خَضِـــــــلُ والْبَدْرُ فِي حُلَلِ الدِّيبَاجِ لُؤْلُــــــــــــؤَةٌ وفِي اخْضِرَارِ السَّنَى يَشْدُو، ويَنْتَقِـلُ - وصف ما يلاقيه من كبت حبّ ومن حنين بعد إذ أصبح "ملاّحا لا يصلُ"، يتعلّق بأهداب طيف أو حلم أو وهم. - وصف لمعاناته التي لم ينقطع حبلها إلى لحظته الراهنة؛ فــ" الحبّ تَيَّمَه، والْوَجْدُ بَرَّحَ به والشَّوْقُ جَمْرٌ وفِي الشِّرْيَانِ يَشْتَعِـلُ " . هذه القصيدة هي حالة نفسيّة ظاهرها الوصف للحبيبة وباطنها الأسى والألم والمرارة والعذاب. هذه القصيدة هي روح تتحدّث إلى روح أخرى، وهي صراخ مكتوم يتدفّق من أعماق قلب متأجّج شوقا إلى حبيبته. والشاعر يعلم أن التعبير عن العواطف غير مكبّل و لا مقيّد وأن لا مسْلك له إلاّ قول الشّعر للتنفيس عن حالته النفسيّة. هذا الشاعر وإن فُطر على العزّة وجُبل على النّخوة إلاّ أنّه عجز عن كبت حرقته من مبالاة المحبوب منها. والشاعر لا يؤثر الكتمان ولا يخشى أن تفضحه عاطفته، ولا يحترس في إفشاء حسراته وأوجاعه وصبابته . وهو لا يرى في ذلك إسرافا ولا بدعة. فهو يصرّح بوضوح وبجلاء دون تردّد ولا تورية. هو الإفصاح الصادق دون انتحال لأعذار ولمبرّرات، دون الاكتفاء بالتلميح وبالإيجاز: والْحُبُّ تَيَّمَنِي، والْوَجْدُ بَرَّحَ بِـــــــــي و الشَّوْقُ جَمْرٌ وفِي الشِّرْيَانِ يَشْتَعِـلُ الشاعر يشكو بفزع إلى العالم حرقته ولوعته. وهذه الصراحة تَنْقَضُّ على نفسه انقضاضا مقيتا لكن لا إرادة له ولا رغبة في كبتها وقمعها. ذلك لأنّ القلب الجريح لا يجد الشفاء في الصّمت بل في الوصف والرسم والنغم. ثمّ إنّه وفي الحبّ وحده يحلو الظلم ويحلو الإفصاح والتعبير عنه: أَحْتَاجُ دَوْمًا إِلَى عَيْنَيْكِ، يَا قَمَــــــرِي فَفِيهِمَا أَغْزِلُ الأََشْوَاقَ، أَحْتَفِــــــــــلُ فِي الصًّحْوِ، فِي حُلُمِي، فِي كُلِّ ثَانِيَةٍ هُمَا مَعِي، وأَنَا المَلاَّحُ لاَ أَصِــــــــــلُ لقد ضنّ المحبوب بالقرب وشطّت مواعيده؛ فاكتفى الشاعر بالخيال الذي يمثّل اليأس والرجاء معا، والقنوط والأمل معا: حَبِيبَتِي، الْبَحْرُ مِنْ عَيْنَيْكِ يََكْْتَحِــــــلُ والسِّنْدَبَـادُ أَنَا فِي لُجِّهِ ثَمِـــــــــــــــلُ ... ولاَ أَرَى فِي الْمَدى إلاَّ هُمَا ، وهُمَــا فَيْرُوزَتَايَ وقَلْبِي عَاشِقٌ جَـــــــــــذِلُ وكان العتاب دون ظاهر تذلّل وبادي خضوع أو إسراف توسّل، وواضح استجداء. وهو العتاب والتّأسّف على ما فات لكن دون دمع مسفوح أو دعوة لربط صلة جديدة أو استعطاف. مع أن الشاعر يعلم أن الحياة قصيرة لا تتسع للصدّ ولا تتحمّل الهجر ولا تستأنس بالقطيعة. ثمّ إنّ الشاعر في قصيدته هذه لم يحدّثنا عن طيب عيش سابق أو عن نعيم حبّ تالف أو عن أنس ودّ فارط . كما أنه لم يحدّثنا عن هوان ظالم أو عن قسوة تجنٍّ أو عن رجاء تّدانّ . هو فقط عبّر عن أمل ضائع وعن جحود ودّ وعن حيرة لفراق لا يرجى أن يعقبه لقاء. هذه القصيدة تصف لنا الجوى الكاوي واللوعة الضاربة في أعماق النفس والابتلاء بالفرقة والصدّ الذي لا موجب له. وتصف لنا هذه النفس المعذّبة خالدة الألم والتي قصفت بها لوعة عجزت عن كبحها واصطادها ألم حرّم عليها التماس السعادة وطمس لديها كل سبل الخلاص. هذه القصيدة هي إفصاح عن الأسى و التّوجّع والحزن والشّجَن والحنين إلى ماضٍ فات وانقضى وعن قسوة الهجر ومرارة الصدود: ولاَ يَهُزُّ فُؤَادِي غَيْرُ لَوْنِهِمَـــــــــــــا فَكُلُّ أَخْضَرَ يَدْعُونِي فَأَنْفَعِــــــــــــــلُ هذه القصيدة هي ثورة قلب وانتفاضة نفس لم تهدأ أبدا، وهي سؤال عن خلفيّة هذه الغطرسة وهذا الكبرياء وهذا الجحود وهذه القطيعة. لقد اكفهرّت الدنيا في وجه شاعرنا محمد علي الهاني فأبدع قصيدته هذه انتصارا للشّعر وتمرّدا عن واقعه ودفاعا عن منزلته الإنسانية وامتصاصا لصبوة ما تزال متواصلة " تسيل جمرا في شريانه " وتلتهم جسده بعد أن اصطفته حبيبته وسقته صهباء الحياة وأنعمت عليه بصباح الوجود الوضّاء: حَبِيبَتِي، كُلُّ حُلْمٍ يَصْطَفِيكِ شَـــــــذًا و كُلُّ دَرْبٍ إِلَى عَيْنَيْكِ يَتَّصِــــــــــلُ لكن في هذه القصيدة لا أثر للبكاء وللنحيب والشكوى والزفرات وأيضا لا أثر فيها لجمال الصّبر وحسن العزاء ومغالبة النفس على الفراق واعتبار أن ما فات فات. وإنك لا ترى رعبا قد استولى على الشاعر من أن ينعم بحبيبته سواه.كما أنك لا ترى غيرة قاتلة أو تبرّم أو تململ وهذا هو الحبّ. كما أن شاعرنا لا يطلب الوفاء و لا يقبّح الإدبار عنه و لا يرجو وعدا يجلو به كربة قلبه ويطفئ به نار جواه ولا يستعطف إحسانا و لا يبالغ في لوم و لا يأسى للصدّ ولا يطلب الرحمة و لا يستجدي الإشفاق . وهذا هو الحبّ. هذا الشاعر يعاني من ثورة الوجد ولوعة الأسى وسعير النيران السّارية في شريانه. وهو يضاجع الصّبابة حتّى لكأنما هي دفق الحياة فيه أو كأنها الرحيق والترياق، فهو كلف بالحبيبة مثبّت فيها لكن دون معاناة لمضاضة الأرق وتوجّع من السّهاد أو تسرّع إلى تمزيق حلكة الليل وظهور تباشير الفجر كما تعوّد الشعراء ترديد مثل ذلك في الكثير من قصائدهم: والطَّيْفُ طَيْفُكِ يَأْتِي فِي تَسَلُّلِـــــــــــهِ يُهْدِي إِلَيَّ مُنَى الأَفْرَاحِ، أَرْتَحِـــــــــلُ الشاعر أراد أن يقول بأنّ الرجاء المهزوم والقلب الشّقيّ والروح المعذّبة هي العناصر المحرّكة للإبداع الفاعل الذي يخرج الوجود من العدم والقوة من الكمون والحزن ومن الفرح والحياة من الموت والغناء من النواح. وإن الإبداع هو الذي يحيل الظلال والصّدى والحلم والرّؤى إلى محسوسات ومرئيات وأوصاف وأفعال وأشعار تدوم ما دامت الحياة وحتى ما بعد الحياة. ب)البنـــــــــاء: بهدف إبداع " موسيقى – لغوية " عمل الشاعر على توظيف كلمات متقاربة المخارج باستعمال نفس الحروف في مفردات متتالية، مع التركيز على الأسماء والأفعال التي لها نفس عدد الحروف أو التي تنتهي بنفس الحرف ، وعدم فصلها كلما أمكن له ذلك. وإذا حصل الفصل لأسباب نحوية أو عروضيّة فإنّ المفردة الفاصلة تُتْبَعُ بأخريات متجانسة معها أي حرص الشاعر على الصّهر الجيّد لكل مفردة مع سابقتها ولاحقتها لرفد أو إسناد الأنغام التي تبدأ في التّشكّل على مستوى السّطر الشّعريّ ثمّ على مستوى كافة القصيدة. ثمّ إنه عمل لِغاية الإيحاء بهذه الموسيقى – اللغويّة تكثيف نفس المعنى بترديد أو باستعمال مفردات ذات وقع حلو وسلس ورقيق وليّن وناعم وأغلبها مفردات مستعملة في القاموس الشعري الرومنسي. وأخيرا عمد إلى بثّ شحنات انفعالية في كل مفردة؛ ففجّر طاقة الحياة الكامنة فيها. هذه الطاقة التي اختزلت في حروف اللغة العربية وفي مفرداتها على امتداد آلاف السنين. وقد حمّلها الشعراء أقصى درجات العواطف والأهواء من حزن وشوق وعشق وألم وقهر وانكسار وإحباط وثورة وانتصار وكآبة وتوق... ونجاح هذه القصيدة يرجع على نحو مّا إلى موهبة الشاعر وإلى حرفيّته وخبرته. كما أنّها نتيجة منطقية لكثير من الصّبر والعناء والتّحكّم في أدوات الشّعر من عروض وعلوم لغة وبيان التي قلّ من يجاريه فيها من شعراء العرب. وهي الضريبة التي يدفعها المبدع لكي يكون في مقدّمة المبدعين وفي صدارتهم. ج) الخلفيات النفسانية لهذه القصيدة: هذه القصيدة هي قصيدة خضراء لغلبة هذا اللون على مضمونها وعلى أسلوبها وعلى بنائها وعلى الهدف اللاّ واعيي من قولها. اللون الأخضر موظّف في هذه القصيدة تسع مرّات بواسطة المفردات التالية: يخضرّ، أخضر، خضراء، اخضرار (مرّتيْن)، خضرته، الروض، الفردوس، فيروزتاي. وهذا يشير إلى أن الشاعر اختزن في لا شعوره وفي ذاكرته معا وعلى امتداد خمسة عقود من الزمن عشرات المعاني والمفردات والجمل التي لها علاقة باللون الأخضر سواء أكان لها الوقع الإيجابي في نفسه أو الوقع السلبي. ومن ضمنها: - أنّ اللون الأخضر هو علامة على أن الطريق مفتوح أمام السّابلة وأنّه لا خطر من دهس السيّارات. - وهو لون الواحات والغابات والبراري وبعض العصافير والعضايا. - وهو لون أوراق الأشجار التي لا تذبل و لا تصفرّ مثل البلّوط والزّيتون. ثمّ القول بأنّ: - الماء أخضر إذا كان يضرب إلى الخضرة من شدّة صفائه. - والدنيا حلوة وخضراء. - و الأخضر كثير المال، كثير الخير. - و الخضارم هو السيّد الكريم الحمول للمظالم. - والفلاّح الأخضر اليديْن هو الحاذق الذي يخضرّ الزرع بين يديْه وتكثر الفواكه والثمار والبقول. - والأمثلة الشعبية في نفس المضامين المذكورة هي كثيرة منها " يخضّر أيّامك ". - هو لك خضرا مضرا، هنيئا مريئا... وهذه المعاني لا تهمّ الشاعر وحده بل هي مدسوسة في اللاّ شعور الجمعي العربي. بالنسبة للمعاني وللكلمات والتعابير التي لها وقع سلبي في النفس فهي بدورها كثيرة. ومنها القول : - اختضر الولد إذا مات غضّا. - ذهب دمه خضرا مضرا إذا هدر دمه. - أباد الله خضراءهم أي أصلهم الذي منه تفرّعوا أو خصبهم وسعة نعيمهم. - امرأة خضراء أي عاهر - خضراء الدمن ويكنى عن جميل الظاهر وقبيح الباطن ، لأنها تنبت في المزابل ونحوها فتكون حسنة المنظر قبيحة المخبر. وكبقية المسلمين فإنّ اللون الأخضر هو اللون المفضّل لدى هذا الشاعر. وقد ترسّخت هذه النزعة عنده منذ طفولته المبكّرة . فقد أدرك أنّ هذا اللون له المنزلة العالية والمرتبة السامية في الديانة الإسلامية وله طقوسه منها ما هو عقدي ومنها ما هو سحري. وقد شاهد شاعرنا أن هذا اللون يلوّن أضرحة العلماء والمتصوفة و يلوّن رايات أغلب الدول الإسلامية والعربية ويلوّن ألبسة الفرق الطرقيّة وان ورقات خضراء من شجر العنّاب توضع فوق فم الميّت وأن هذا اللون يهيمن على مضامين مئات الخرافات و الأساطير العربية وان له وظائف أخرى متعددة . ثم إن لهذا اللون – كبقية الألوان – استجابات نفسية وانفعالية وذهنية. فاللون الأخضر يعطينا حالة من الانبساط والطمأنينة والإحساس بالاسترخاء. هذا الشاعر يعرف أن اللون الأخضر هو لون الثمار الفجّة والزّروع غير الناضجة التي ما تزال مشبعة بالنّسغ وهو رحيق الحياة فيها وأنها ستحوّل عند نضجها إلى ثمار وخضراوات طيبة حلوة المذاق تكون لنا أنفع طعام يمدّنا بطاقة الحياة. إنّ اليخضور وهو المادة المحوّلة للطاقة الميّتة إلى حياة وهو العنصر الذي يكسب عالم النبات أشكاله و مكوناته من نماء وإزهار وإثمار وبذور يذبل ويصفرّ وتمتصّ الطبيعة منه طاقة الحياة المخزنة فيه ويندثر وتشتّته الرياح . وهكذا مع الأشجار والنباتات والأوراق فكلها تصفرّ وتموت وتذروها العواصف والأنواء. وإذا كان اللون الأخضر وهو أحد مكوّنات ألوان الطيف السبعة ، يعدّ من ضمن الألوان الأربعة التي تشكّل جوهر المرئيات المادية والذي يظهر في أول وهلة بأنه خالد وهو في الواقع وفي كل لحظة عرضة إلى تغيّرات وتحوّلات نهايتها الحتميّة امتصاصه أو تحوّله إلى ألوان أخرى. لقد كثّف الشاعر من اللون الأخضر في قصيدته ليكشف لنا بأنّ الموت هي الحقيقة الوحيدة في الكون وأن الحياة مجردّ ظاهرة عابرة وأنها حالة من حالات الكون. فكما أن الخضار لا بد وأن يؤول إلى يباس وأن اللون الأخضر لا بد وأن ينقلب إلى لون أصفر، وأن اليخضور لا بد وأن نستنفذ منه طاقة الحياة. وأن التحوّل هو بدوره حقيقة أبدية لا مناص منها و لا نكوص عنها؛ وبالتالي فإنّ الحياة البشرية هي بدورها مجرد أدوار ومراحل وحالات وأنّه لا دوام لحال من الأحوال وأن الموت هو رحلة لا عودة منها و لا رجوع. فما بالك بأعراض مثل الحبّ وهو عرض إنساني لا يقرّ له قرار و لا استقرار له . هو حالة متحولة ، مزعزعة، متقلبة، متغيّرة ، متلوّنة، متبدّلة،مترددة... د) الخلاصــــــــة: ما يميّز قصائد الشاعرمحمد علي الهاني أنها ترشح ألما وعذابات يأس ودماء قانية تسري في الشرايين جمرا كاويا. والشاعر هو " جرح مسافر" * وسندباد تائه يأمل في انبعاث كائنات أسطورية من الرماد تكون ذات بأس وسطوة تساعدنا على الخلاص. لقد سيطرت على الشاعر فكرة أن كلّ موت يتلوه انبعاث وأن كلّ هجران يتلوه حبّ أعظم وهكذا قَصُر الزمان أو طال. لكنّه تأكّد – مع تعاقب السنوات- أن الحبّ الجزئي والعابر- مثله مثل بقية الحالات النفسانية إذا فتر فلا بعث مجدّدا له ، وإنّ الإمحاء سيطويه لأنه في جوهره فناء، وأن الحب الخالد هو الكلّي والشامل والمطلق الذي رُفعت به الأرض والسموات ، وأُخْرِج بفعله الوجود من العدم. ثم كانت ثورة الياسمين الشبابية التونسية التي كان لوقعها على الشاعر محمد علي الهاني صدمة السعادة والإشراقة لأنه لم يكن يحلم بهذا النصر الخاطف المبين. ومن وحيها وعلى دقّات نبضاتها كتب قصيدته هذه. هذا الحدث الجلل الفريد من نوعه وفي طبيعته هزّ كيان الشاعر وأكّد له أن لا شيء راسخ مكين وأن الكلّ متحوّل ومتغيّر وأن الثبات على الحال هو من المحال وهو مجرد وهم من الأوهام . ولأن الإرادة البشرية لها وحدها الفوز والغلبة على القهر والاستبداد وأن الحبّ والحق والعدل والجمال تعلو ولا يُعلى عليها . إنّ هذه العناصر التي ضبطناها وأصبحت محدّدات لعقلية هذا الشاعر غيّرت بصفة ملحوظة كتابة الشعر لديه في هذه القصيدة على الأقلّ . فعلى مستوى المضمون أصبح الزمان عنده خطّيّا بعدما كان دائريّا وأصبحت أسطورة الاخضرار واليباس هي المسيطرة عوضا عن أسطورة الموت والانبعاث وأصبح حبّ تونس يأتي في المقام الأول وحبّ المرأة يأتي في المقام الثاني وعوّضت الإرادة الإنسانية الكائنات الأسطورية وأصبح قانون التحوّل هو القانون وأن الثبات هو ظاهرة عرضية وبعد أن كانت رؤيته للكون وللإنسان متشائمة بائسة يائسة مشحونة بالفجيعة أصبحت هادئة ومتفائلة وبعد أن يئس من الإنسان العربي أصبح متيقنا بأنه سينتصر لا محالة وأن الروح بدأت تعود إليه. والقصد من تجويده لهذه القصيدة والارتقاء بها والارتفاع بمعناها وبأسلوبها هو أن يعبّر بها أحسن تعبير عن قناعاته الجديدة وأن يجعلها تتفوّق على ما سبقها من قصائد مترعة بالتشاؤم وبالإحساس بالانكسار وبانسداد الأفق وكأنه يستدرك ما فات من تعبير عن مثل هذه المضامين وها هو يرسم باللون الأخضر عوضا عن اللون الأحمر./. ------------------------------------------------------------------------- " الجرح المسافر" *: أول مجموعة شعرية أصدرها الشاعر سنة 1980. الشّاذلـــــي السّاكـــــــــر توزر ، تونس 14/06/2011 الموضوعالأصلي : تأمّلات في القصيدة الخضراء " أَحْتَاجُ دَوْمًا إِلَى عَيْنَيْكِ يَا قَمَرِي " للشّاعر محمد علي الهاني // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: مستر
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |