جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: الركن الأسلامي العام :: منتدي الحديت والقران الكريم |
الإثنين 13 أبريل - 13:52:18 | المشاركة رقم: | |||||||
عضو نشيط
| موضوع: نور البيان في مقاصد سور القرآن نور البيان في مقاصد سور القرآن "سلسلة منبريّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبد البديع أبو هاشم". (25) سورة الفرقان الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه أن أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، نحمده ونستعينه ونستهديه ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ به سبحانه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ولن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أن جعلنا سبحانه من المؤمنين وجعل لنا نوراً نمشي به في الناس ونفرق به بين المتقابلات فلا تلتبس علينا الأشباه، أن فعل ذلك فهو ربنا الكريم الذي لا يُعبد غيره ولا يُحمد سواه، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه وخليله، ونبيه ومصطفاه، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهادٍ حتى أتاه اليقين، فتركنا على محجة بيضاء ليلها كنهارها، يُميَّز خيرها ويُعرف شرهان، لا يجحدها ولا ينكرها ولا يزيغ عنها إلا هالك، فاللهم صل وسلم وبارك على هذا النبي الكريم، وثبتنا على ملته وشرعته إلى يوم الدين حتى تدخلنا مُدخَله وتحشرنا معه يا رب العالمين. أما بعد.. أيها الإخوة المسلمون عباد الله، فنحن اليوم ضيوفٌ للرحمن على مائدة سورة الفرقان، تلكم السورة العظيمة وكل القرآن عظيمٌ فهو كلام ربنا الكريم أحسن الحديث الذي تكلم الله به وأنزله على عباده. سورة الفرقان هذا هو اسمها كما سماها ربنا سبحانه وتعالى، ويقال لها بين العلماء أيضاً من باب التسمية سورة تبارك الفرقان، في مقابل سورة تبارك المُلْك[1]، فهما سورتان اثنتان فقط في القرآن كله بُدئتا بهذه الكلمة الجليلة تبارك، واحدة في هذه السورة حيث أنزل الله الفرقان، وأخرى في سورة المُلك حيث ملك الله المُلك وتصرف فيه، ومعنى تبارك أي تعالى وتعاظم، كثر خيره وزاد وعمَّ فضله وفاض، فالبركة تعني الثبوت والكثرة والنماء، ومن ذلك سميت بركة الماء وهو المكان المنخفض الذي يأوي إليه الماء من السيل وينجرف إليه من كل مكان، فيثبت في هذه الحفرة وكلما ثبت الماء الذي وصل إلى هنا جاءه غيره فيزيد حجمه وينمو ويكبر فسميت بركة ماء، بركة هنا أي ثبت وكلما ثبت الشيء زاد وكثر[2]، فخير الله لا ينقطع، وفضل الله عظيمٌ لا ينتهي {مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}. سورة الفرقان، هذا هو اسمها ويصح أن نقول: حفظت أو قرأت سورة تبارك الفرقان أو تبارك المُلْك، وتفصل بين الكلمتين تقف على الأولى بسكون ثم تبدأ الكلمة الثانية، وهي سورةٌ أنزلها الله تبارك وتعالى على رسوله عليه الصلاة والسلام قبل هجرته إلى المدينة، إذاً هي نازلةٌ في العهد المكي[3]، ومما لا يحتاج إلى تنبيهٍ ولكن أُذكِّر به حضراتكم أن سور القرآن في معظمها لم تنزل السورة كتلةً واحدة ولا دفعةً واحدة، وإنما أول ما ينزل منها أولها البسملة وأول آيات، ثم يتتابع نزولها بعد ذلك ربما تستغرق سنةً أو سنتين أو سنوات، كما استغرقت سورة البقرة قرابة تسع سنوات حتى خُتمت بآخر آيةٍ من القرآن كله {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ}، وتنزل الآيات من عند الله غير مرتبة، قد تكون آيات متأخرة في السورة تنزل أولاً، وآياتٌ متقدمة تنزل ثانياً، وإذا نزلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلَّغه جبريل أن ضعوا هذه الآيات في سورة كذا في مكان كذا[4]، فرُتِّب القرآن في سوره هكذا بترتيبٍ من عند الله تبارك وتعالى، لكن كان ترتيب النزول غير ترتيب المصحف؛ مراعاةً لأحوال العباد وشئون الأمة. فنزلت سورة الفرقان في العهد المكي، وبالتالي فينبغي أن نكون قد حفظنا أن القرآن المكي يركز على أمر العقيدة ويبنيها ويؤسسها أولاً، فهذا هو الأساس المتين، هذا هو المنطلق الذي سينطلق منه العباد إلى أن يقولوا لله في كل شيء ولرسوله صلى الله عليه وسلم كذلك في كل أمرٍ يُدعون إليه: سمعنا وأطعنا، ما يستطيع أحدٌ أن يقول لأمر من الشرع أو لكل أمرٍ في الشرع ولكل نهي سمعنا وأطعنا، نعم حاضر سأفعل، إلا أن يكون أولاً قد أخذ جرعةً كافيةً من العقيدة، وقدراً كافياً من العقيدة، كما نبهت السور المكية كسورة الفرقان، بدايةً تتكلم عن الله تبارك وتعالى، وهذه موضوعاتها، وترتيب موضوعاته، بدأت أولاً بتعظيم الله وتوحيده سبحانه وتعالى {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا *الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}. ثم تكلم عن نفسه أيضاً في ثنايا السورة في مناسبةٍ أخرى، لكن بدأت بتعظيم أعظم حقيقة، والتنبيه إلى وحدانيتها وهي ذات الله عز وجل، فلا إله إلا الله من البداية، وتلك هي بداية الانطلاق، لا أحد يُنظم لي حياتي إلا الله، ولا آخذ الأمر والنهي في الحركة والوقوف في حياتي إلا من الله فهو خالقي وأنا عبده، له كل شيء وليس لي شيء إلا بإذنه سبحانه وتعالى، إذاً ذلك هو إلهك، عظِّمه وعنده البركة كلها والخير كله. ثم من خلال ذكر الفرقان وهو القرآن {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ}، الفرقان هو القرآن، فانفتح الحديث وانساق إلى الحديث عن القرآن، وكيف قال عنه الكافرون {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ} كلام مُفترى {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا *وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} قصص من السابقين، قصص خيالية {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا}. والكلام عن الرسالة يستدعي الكلام عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فانساق الحديث ليحكي ما قاله الكافرون أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ}، {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} إلا آخر كلامٍ فارغٍ باطلاٍ لا داعي له ولا يؤهل أبداً للنبوة، فليست النبوة لأكثر الناس مالاً ولا لأبعدهم وأعلاهم جاهاً ولا لأقواهم جسماً، إنما هي لشخصيةٍ معينة بمؤهلاتٍ خلقيةٍ وقيمية معينة يختارها الله ويصطفيها {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}. ولذلك يقول الله عن كلام الكافرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبطله كله: {انظُرْ} أي انظر يا نبي الله وتعجب من حالهم {انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ} أي الأوصاف {انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} لا يهتدون إلى معرفة الحق إلا أن يتجردوا لله ويخلصوا لله ويطلبوا فعلاً الحق والنور الإلهي بصدق. وتمضي الآيات بعد ذلك لتذكر الآخرة {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا * إِذَا رَأَتْهُم} أي السعير {إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا *وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} إلى آخر الآيات وهي تتحدث عن يوم القيامة حديثاً طويلاً، وتذكر نموذجاً أو مثالاً يتحقق في كثيرٍ من الكافرين وإن نزلت في واحدٍ منهم لكن لفظ القرآن عامٌ لا يخص واحدٌ دون الآخر {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} موقفٌ رهيب {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا}، هذا الندم يكون يوم القيامة بعد فوات الأوان ولات ساعة مندم، أي الحين والساعة والوقت لا ينفع فيه الندم، ندمٌ بعد فوات الأوان، {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا *لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا} هكذا يعترف بالحقيقة، أصحابه من حوله، الأخلاء الذين تخللت محبتهم في قلوب بعضهم، كانوا كالشخص وكالرجل الواحد في الدنيا ولكن على الباطل للأسف، يندم على صحبته يوم القيامة وإذا رآه تبرأ منه واشتكاه إلى الله تعالى ليحمِّله وزره وذنبه، {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}. يقول {يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا} لماذا؟ كان من وجهاء الناس، كان من أصحاب الأموال، كان من أصحاب المناصب الرفيعة، لماذا تندم على صحبته وخلته؟ لماذا؟ {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا}. وهكذا إلى أن تذكر وتُذكِّر السورة كفار هذه الأمة ببعض الكافرين السابقين، فذكر الله موسى عليه السلام وذكر قوم عاد وثمود واصحاب الرث وغيرهم، إشارةً لطيفةً سريعةً موجزة، وهي مفصلةٌ في سورٍ أخرى، تأخرت هذه السورة – سورة الفرقان – في نزولها عن تلك السور التي فصلت قصص الأمم السابقة وماذا حل بهم من عذاب الله تبارك وتعالى. إلى أن تسوق السورة قبل نهايتها جملةً طويلة، وطائفةً كبيرة من آيات الله في الكون والتي لو تفكر فيها الإنسان ذو العقل قبل أن يأتيه الشرع لاهتدى إلى حقيقة الحقائق أن هذا الكون مخلوقٌ لخالقٍ عليمٍ حكيمٍ قادر، وبالتالي العقل ينتج من هذه المقدمة أن ذلك الإله الخلاق الوهاب العليم الحكيم هو أعظم شيءٍ في الوجود فلابد أن نصرف إليه عبادتنا وأن نوحده دون غيره فليس له مثيلٌ. هذا كله بالعقل، قبل أن يأتي الشرع، فذكر الله أنه خلق السموات السبع وجعلها بروجاً وخلق الأرض، كل ذلك في ستة أيام واستوى على العرش، أن الله تعالى خلق الريح والماء {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا}، كما قال في السورة السابقة {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} ذكر هنا خلق الإنسان من ماء كمثال وهكذا، ذكر الله تعالى أنه خلق الشمس والقمر وجعل الليل والنهار خلفة، وآيات كونيةً كثيرة لو تذكرها الإنسان وتفكر فيها وهي تمر أمام عينيه وينعم بأثرها في حياته، لو تفكر فيها لعلم أن هذا الكون لم يخلق عبثاً، كما تساءلت سورة المؤمنون {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}، الفعل العبث والصنع العبث لا يقوم على مقادير محددة ونسب مخصوصة، إنما يكون هكذا كما يكون، اجمع هذا بأي قدر مع هذا بأي قدر وكما يخرج، كما يتيسر، بظروفها كما يقول الناس، لكن الأمر الذي لا يُصنع عبثاً هو الأمر الذي يقوم على مقادير خاصة وحسابٍ دقيق، نسبة كذا في كذا بقدر كذا، وهذا نسبته كذا وهذا كذا، هذه النسب الدقيقة لا يتكلفها الصانع عادةً إلا لغرضٍ وهدفٍ عظيم، إلا بشيءٍ يريده من وراء هذا الصنع، فطالما خلق الله تعالى هذا الخلق كله بهذه الدقة التي لا نهاية لها ولا يبلغها علم البشر، يعلمون منها الشيء ويخفى عنهم الشيء الكثير، هذه الدقة الكبيرة العظيمة دلالةٌ واضحةٌ على أن الله ما خلق هذا الخلق عبثاً، فلو تفكر الكافر فيما حوله من آيات لعرف أن لهذا الكون إلهاً، ولرأى بعين قلبه أنه لا إله إلا ذلك الإله، ثم يأتيه شرع الله عز وجل فتتلى عليه الآيات فتتوافق الآيات الشرعية مع الآيات الكونية دون أن يجد بينهما تعارضاً. ثم تُختم السورة أحبَّتي الكرام بذكر الفئة الكريمة من الناس، والجنس السامي من الناس من البشر على مر الأيام، إنهم أولئك العقلاء الفضلاء النبلاء الذي نظروا في الكون فعرفوا، فلما جاءهم الشرع استقبلوا وآمنوا، فعلا قدرهم عند الله وسمت أرواحهم فوق هذه الأكوان المادية، فكانوا جديرين بمدح الله وثنائه عليهم وإضافتهم إلى ضميره سبحانه وتعالى أو إلى اسمه العظيم الرحمن، فقال {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا *وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} والذين.. والذين.. والذين، إلى أن قال فيهم {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا *خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا}. ومع هذه الآية تستقر السورة وتنتهي بآيةٍ واحدةٍ تتوافق مع أول السورة وترتبط بأولها لتعطينا هدف السورة، فالسورة اسمها الفرقان والفرقان هو التفريق بين الأشياء المتقابلة والمتشابهة حتى لا تلتبس ببعضها ولا تشتبه علينا[5]، فنميز بين هذا وهذا، نميز بين كل شيءٍ ومقابله، بماذا؟ بالفرقان، وما الفرقان في هذه السورة؟ القرآن والسنة طبعاً لأنها شارحةٌ له، القرآن والسنة فرقانٌ عظيم، أكثر الناس انتفاعاً به المؤمنون الذين كانوا يبحثون عن نور الإله، نور الهداية، الحق، فأعطاهم الله الفرقان لينير به حياتهم. أول السورة {تَبَارَكَ الَّذِي} تشعر بالعظمة، تشعر بالهيبة والجلال وأنت تقرأ أو تسمع والله عز وجل يصف نفسه بتلك العظمة العظيمة {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا *الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}، أخي الإنسان صاحب العقل هل تظن أن ذلك الإله بتلك العظمة يحتاج لأمثالنا، فقيرٌ لأمثالنا؟ لا والله، آخر السورة ينبه على هذا {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} ما يهتم ولا ينظر إليكم ولا يخلقكم، وإن خلقكم فلا عبرة بكم {لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} لولا عبادتكم لله، لولا تعبدون الله فالله لا يعبأ بكم ولا يهتم بكم ولا ينظر إليكم ولا يعتبركم، وليستم شيئاً أبداً في الوجود، أنتم من أضعف المخلوقات عند الله، فالجبال أشد منكم والسماء والأرض خلقها أكبر من خلقكم، كلمةٌ في منتهى الخطورة {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} ولولا دعاؤكم هذه جملة يقول عنها علماء اللغة العربية جملة اعتراضية لو قرأنا الآية بدونها فهذا هو أصل الكلام، قل ما يعبأ بكم ربي فقد كذبتم فسوف يكون لزامًا، فقد كذبتم ولذلك لا يعبأ بكم ربي حين تٌكذِّبون فسوف يكون العذاب لزاماً لكم، وعهد الله على نفسه ولا شيء يجب عليه ولكن عهده لا يتخلف، فسوف يكون العذاب لازمٌ لكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله وهو يتوعد فرحمته عظيمة تفيض على العباد فيضاً لو يدركون ولو يعلمون، وهو يتوعد يفتح باب الرحمة فيقول {لَوْلا دُعَاؤُكُمْ}، لينتبه الكفار المكذِّبون فيقولون ويفهمون لا ينجينا من عذاب الله الذي يلزمنا إلا أن نعبده، فهيا أيها الناس لنعبد الله لننجو من عذابه ونسلم من عقابه، لو كانوا يعقلون لقالوا هذا، {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}. فكأن أول السورة مقدّمة تُظهر وتبرز عظمة الله تعالى بما يغنيه عن خلقه وعن الناس أجمعين، وآخر السورة يُحذر من أن الله تعالى بإمكانه أن يستغني عن الناس جميعاً فيلزمهم العذاب، ولكنه يفتح لهم باب الرحمة بأن يعبدوه وحده لا شريك له. هذه موضوعات سورة الفرقان وهذا سياقها كسورةٍ مكية ركزت على التنبيه على وحدانية الله تعالى وعظمته وكثرة خيره، والذي كان منه ذلك الفرقان العظيم الذي لا غنى للبشر عنه، ولولاه لضلوا في الدنيا وشقوا لالتباس الأمور عليهم، فليس معهم من نور الله ما يفرقون به بين هذا الشيء وذاك الشيء، فتختلط الصور وتتداخل الأشكال فلا يميزون حقاً من باطل ولا خيراً من شر، كما ذكر الله في بعض الآيات {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا *الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}، وقال عن المنافقين {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} سبحان الله، لا تفسدوا، يدَّعون الصلاح والإصلاح {قالوا إنما نحن مصلحون}، الله الحق يقول الحق {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ}، الحس تبلَّد، الذوق مات، الفرقان ضاع من أيديهم فيفسدون ويظنون أنهم مصلحون ولا يشعرون أنهم يُفسدون، وهذا هو منتهى الضلال أن يفسد الإنسان ولا يعلم مفسد، بل يعلم ويوقن أنه مصلح فيزيد إفساداً وإفساداً وإفساداً ولا ينتج عنه صلاحٌ أبدا، نعوذ بالله من ذلك. أحبَّتنا الكرام، سورة الفرقان كسور القرآن كلها ترتبط بما قبلها وما بعدها، فسورة الفرقان مع سورة النور مع سورة المؤمنون قلنا في الخطبة الماضية المؤمنون هم أكثر الناس طلباً، المستعدون للإيمان والذين بدأوا الإيمان هم أكثر الناس طلباً لنور الهداية الربانية، وهم أشد الناس حرصاً عليه لو وجدوه، وأكثر الناس انتفاعاً به حين يكون بين أيديهم، نزل من القرآن ما نزل، نزل شيءٌ كثير قبل الهجرة وشيءٌ كثير بعد الهجرة وفي سورة محمد صلى الله عليه وسلم وهي سورةٌ مدنية يذكر الله عنهم {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ} يتمنون نزول قرآنٍ بعد القرآن ومع القرآن وأن يكون القرآن أكبر من ذلك، ولم ينزل قرآن ولم تنزل سورة ولم تنزل آية إلا وفيها تكليف، نحن مستعدون يا رب لأي تكليفٌ تكلفنا به، ما كلفتنا به قمنا به وما ينزل من جديد نحن مستعدون له، سبحان الله، سبحان الله، والناس يتثاقلون من أوامر الله ونواهي الله، يتثاقلون من كثرة الأحكام وليست كثيرة، يتثاقلون من حكم الله وكأنه شيءٌ ثقيل يمنعنا من شهواتنا ورغباتنا وهو في الحقيقة يضبط حياتنا وينظم أمرنا، والمؤمنون الأوائل كانوا يتمنون نزول سورة، وسورة بعد سورة وهكذا فوق ما نزل قبل ذلك، فالقرآن عظيم. فلما جاءت سورة المؤمنون هكذا جاءت بعدها سورة النور، وخُتمت المؤمنون بقول الله تعالى {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}، بيَّن الله في سورة النور كيف لم نخلق عبثاُ، خلقنا بتطبيق شرعٍ في حياة، لإقامة دنيا بدين الله، خُلقنا لهذا، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} لم نخلق عبثاً أو بدون فائدة ولكن خلقنا لعمل، لدور، وهو أن نمشي في الحياة بنور الله وأن نضيء الدنيا بنور الله وكلمة الله ودين الله سبحانه وتعالى. وما الفائدة التي يحصِّلها المؤمنون من وراء نور الله، النور يفرق لكم بين الأشياء كما قلنا، فتميِّزون بين كل شيء ومقابله، فلا تلتبس الأشياء ولا تتشابه الأشباه، ولا تختلط عليكم الأمور، فيمضي الإنسان المؤمن في حياته الدنيا على نورٍ يأخذ ما له ويؤدي ما عليه ويترك ما لغيره بل يحفظه أيضاً، حياةٌ فاضلة جداً. تأتي سورة الفرقان بعد سورة النور، وقد خُتمت سورة النور بقول الله تعالى {أَلا} يعني انتهبوا {أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، طالما له ما في السموات والأرض أي له كل شيء، من الذي من حقه أن يُشرِّع وأن يُنزِّل نظاماً يحكم الحياة؟ الله سبحانه وتعالى {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}، هذه رابطة بين آخر السورة وأول السورة التي بعدها، هناك أخبر الله أن له مِلْك السموات والأرض، المِلْك الملكية والحيازة[6]، وهنا أخبر الله تعالى أن له الحكم فيما ملك، وعقلنا أنتج في حياتنا أن من حكم في ما لَه أو مالِه ما ظلم، من حكم في مالِه أو حكم في ما لَه أي في الشيء الذي له الملكية فيه ما ظلم أبداً، هذا حقه {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}. في سورة النور وسورة الفرقان ذكر الله تعالى بطلان سعي الكافرين، لعلكم تلاحظون والناس ينطقون فعلاً بأن الدول الأخرى الأجنبية عندهم حياةٌ عملية وهم عمليون أكثر منا، نعم هذه حقيقة، حركتهم في الحياة أشد من حركتنا ولكن أين تذهب حركتهم وأين تنتهي حركتنا؟ هذا هو المهم، ليس القصد في السعي الكثير وإنما في النتيجة، في الهدف الذي نصل إليه، سعيك وإن قل يذهب بك إلى الجنة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم "أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل"([7]) وأدخل رجلاً الجنة لأنه سقى كلباً[8]، وأدخل رجلاً قتل مئة نفس الجنة لأنه تاب توبةً صادقة، وهجر أرض المعصية إلى أرض يطيع الله ويعبده فيها[9]. حركة المؤمن في الدنيا وإن كانت قليلة فهي مباركة تنتهي به إلى الجنة، أما حركة الكافر فقد قال الله عنها: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}،{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ *وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ} أي ذليلة مهانة يوم القيامة، تقف مواقف الحسرة والندامة تنادي يا وليتى، لا ليتني، دون فائدة، خاشعةٌ من الذلة والمهانة، {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} عملت في الدنيا لدرجة التعب والنصب، ناصبة يعني متعبة مرهقة من كثرة الحركة والأعمال، عملت عملاً كثيراً جداً، أين ذهب؟ ضاع هذا العمل، أضل الله أعمالهم في الدنيا وأحبطها في الآخرة. في سورة النور سبق معنا قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ}، كأنه ظل يعمل عملاً شديداً في الدنيا حتى لقي الله، لا يكل عن العمل وفي النهاية انتهى بهذا العمل فلم يجد نتيجةً إلا أنه وجد الله فوفاه حسابه، فوجئ بالحساب الذي كان يكذِّب به، وفوجئ برب حق كان يكفر به، فإذا بالله يحاسبه، فعمله كله في الدنيا مثل سراب بقيعةٍ أي بصحراء يحسبه الظمآن ماء، هو ذلك اللون الذي تراه في الصحراء على الصخور كلمعان الماء، كان هناك ماءً من حرارة الشمس على الصخر، فتُحدِث مثل لون الماء ولمعان الماء، تذهب إليه لتأخذ بعض الماء فلا تجد ماءً ولا شيئاً، هذا اسمه سراب، رؤية الشيء بخياله أو بصورته دون حقيقته. {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا}، أعمالهم أنتجت لهم ظلمات لأنها كانت ظلماً والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الظلم ظلماتٌ يوم القيامة"[10]، وأقل ظلمهم أنهم صدوا أنفسهم عن سبيل الله فظلموا أنفسهم، وكلهم إن لم يكن معظمهم على الأقل، أو معظمهم إن لم يكن كلهم صدوا الآخرين عن سبيل الله محاولين إضلال الناس عن الإسلام، بل يحاولون جاهدين تشكيك المسلمين في دينهم، فلم يكفروا فقط بأنفسهم بل راحوا يضللون غيرهم أيضاً، كما قال ربنا {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} يبعدون بأنفسهم عن الحق ويبعدون غيرهم أيضاً بالتضليل والشبهات وما إلى ذلك، فأعمالهم ضائعة ضالة كالسراب، أو كظلماتٍ لا يرى الإنسان فيها شيئاً، بخلاف المؤمنين يعيشون في نور. في سورة الفرقان ذكر الله تعالى أيضاً هذه القضية، ضياع عمل الكافرين وضلال سعيهم، فقال سبحانه وتعالى {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}، فكأن سورة النور وصفت أعمال الكافرين في الدنيا، هي خيال كالسراب أو ضلال كالظلمات، وحال أعمالهم في الآخرة أنها لا أثر لها أبداً {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}، الهباء جمع هبابة، ما يقول عنه الناس الهبابة وتسمى هباءة وهي تلك الغبارة الصغيرة التي نراها في شعاع الشمس، من أراد أن يمسكها أو يمسك ببعض هذا الهباء لا يجد شيئاً في ديه، لا يشعر به ولا يحس به، فلا يقدرون على عملٍ من أعمالهم يوم القيامة، ولا يجدون له ثواباً نعوذ بالله. وهكذا تترابط سور القرآن الكريم وتتواصل فيما بينها حتى وأنت تقرأ أو تسمع تشعر أن السورة كلها سورةٌ واحدة، وأن القرآن كما هو فعلاً حديثٌ واحدٌ لرب واحد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ليس فيه دَخَلٌ من كلام بشر ولا من كلام غيره، كله من كلام الله. نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا، ونعوذ به من علم لا ينفع، أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم، فاستغفروه دائماً إنه هو الغفور الرحيم. الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد فأوصيكم عباد الله بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، وأحذركم ونفسي عن عصيانه تعالى ومخالفة أمره، فهو القائل سبحانه وتعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون، من أراد أن تستضيء حياته وتنير حياته بنور الله تبارك وتعالى فعليه بالقرآن، املئوا حياتكم، املئوا قلوبكم وقلوب أولادكم، املئوا بيوتكم، اشغلوا أوقاتكم هنا وهناك بالقرآن الكريم، بهذا يتحقق لكم الفرقان، فمن عرف القرآن فقد ملك الفرقان وسار به في حياته، ومن حُرم القرآن قراءةً أو سماعاً أو حفظاً فقد حُرم الفرقان وتختلط عليه الأشياء وتشتبه عليه الأمور فلا يعرف إن كان على حقٍ أو إن كان على باطل، وكثيرٌ ما هم أولئك الذين جهلوا القرآن واستهانوا بالقرآن لا يلجئون إليه إلا إذا ظُلِموا راحوا يقرئون عدية يس لكي يقصم الله ظهر من فعل ذلك أو يخرِّب عليه بيته أو يُهلك ماله أو ما إلى ذلك، فما عرفوا القرآن إلا عند حاجتهم وعرفوه ليظلموا به الناس أو يعذبوا به الناس، مع أن الله قال {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}، إذاً أنزلنا عليك القرآن لتسعد، أنزل الله القرآن رحمة، أنزل الله القرآن سعادة، ونحن نُشقي به الناس، لو قرأنا القرآن لعرفنا أن من ظلمنا سوف يعاقبه الله تعالى وينتقم منه، وأن ظلمه لنا إنما هو حسناتٌ ندَّخرها لأنفسنا عند الله أو نستقضيها يوماً من الأيام بإرادة الله سبحانه وتعالى، لعلمنا أن الأشياء التي تضيع منا لا تؤتى بعدية يس ولا يُكشف عنها غطاؤها بقراءة سورة يس وإنما علمنا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون، وأيقنا من خلال آيات القرآن أن الله تعالى يُخلف الأشياء بعد فواتها، أو يعوض غيرها وأحسن منها، القرآن ينير قلوبنا وينير عقولنا، ويعدِّل تفكيرنا ويجعلنا كما وصفنا القرآن أمةً وسطاً، وسطاً بين هذا الطرف وذاك الطرف لا نتطرف يميناً ولا شمالاً، لا نميل إلى شيءٍ دون شيء بدون حجة، إنما وسطٌ في كل شيء وسطٌ بين من أنكروا الألوهية وقالوا لا إله والحياة مادة كالشيوعية والعلمانية، وبين من يقول الآلهة كثيرة كالفراعنة والمشركين وغيرهم، إنما نقول هناك ألوهية ولكنها لإلهٍ واحد لا إله إلا الله، وهذا هو الاعتدال بين الطرفين، الذين قالوا ما أنزل الله على بشرٍ من شيء، والذين عظموا الأنبياء والرسل {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}، نحن أمةٌ وسط لا ننفي الرسالات ولا نكذِّب بالرسل، بل نثبتها ونؤمن بالرسل ونعلم أنهم صفوة الله من خلقه، ولكن لا نصعد بهم إلى مكان الإله ولا مكان ابن الإله، فليس لله ابناً ولا بنتاً ولا ولداً ولا والداً ولم يكن كفواً أحداً. وهكذا لو تذكرت في كل شيء وتفكرت فيه وجدت الفرقان الذي علمنا الله إياه في القرآن وفي سنة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم وسطاً بين الأطراف المتباعدة يمشي في سواء السبيل، وبذلك نضمن أننا في طريق السلامة لا ننحرف هنا ولا هناك ولا نميل إلى أحد، وإنما نعبد رباً واحداً فوقنا سبحانه وتعالى، ونمضي في طريقنا خلف قدوةٍ واحدة أمامنا هو رسولنا وإمامنا سيدنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم، دستورنا واحدٌ لا يتغير ولا يتبدل القرآن والسنة، قبلتنا واحدة البيت الحرام، شرائعنا ثابتة لا تتبدل ولا تتغير {وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} سبحانه وتعالى. بهذا نمضي في طريقٍ واسعٍ عن أيماننا وعن شمائلنا ونحن في وسطه ضامنين السلامة خلف إمامنا صلى الله عليه وسلم نضمن الوصول بإذن الله، تحت عين ربنا سبحانه وتعالى نضمن الرعاية والهداية، يراعانا الله بعينه ويهدينا بشرعه وحكمته سبحانه. وبهذا نضمن الوصول إلى الجنة إن شاء الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}، فاحرصوا على الفرقان، واقرئوا سورة الفرقان لتعلموا ماذا قال الكافرون عن نبيكم عليه الصلاة والسلام من كلام باطل، وماذا ضربوا له من الأمثال والأوصاف فضلوا بذلك ولا يستطيعون سبيلاً، ليعرفوا حقيقة ذلك الرجل العظيم الذي ليس في الأمة مثله، بل هو أفضل العالمين عليه الصلاة والسلام. تعلَّموا ماذا قال الكافرون عن القرآن من كلامٍ لا يُصدق، {إِفْكٌ افْتَرَاهُ} فلماذا لا تفترون أنتم مثله ولو سورةٌ واحدة؟ حاجهم الله بالحجة وأعجزهم بالبينة فلم يستطيعوا أن يأتوا بشيء ولا يستطيعون هم ولا أربابهم وآلهتهم {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}. ربنا هذا قولنا وعليك هدايتنا وتثبيتنا، ومنك التوفق والهداية يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تجعل كلامنا وسمعنا ومجلسنا في ميزان حسناتنا نافعاً لنا غير ضار، اللهم اجعله في ميزان حسناتنا، واجعنا به في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، اللهم اجعلنا من عبادك عباد الرحمن الذين أثنيت عليهم في سورة الفرقان، اللهم إنا نسألك أن ترضى عنا وترضينا عنك يا رب العالمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات ورافع الدرجات، اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، واجعلنا من أهله الذين هم أهل الله وخاصته، اللهم وفقنا يا ربنا لاحترام أهل القرآن، ولتقدير أهل العلم والقرآن، إنك أنت الرحمن الرحيم، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، نسألك القبول منا والمغفرة لنا والرضى عنا يا رب العالمين، اجعل اللهم خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها، وأوسع أرزاقنا عند كبر سننا، وخير أيامنا يوم نلقاك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. عباد الله {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم... وأقم الصلاة. المصدر / الالوكه الموضوعالأصلي : نور البيان في مقاصد سور القرآن // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: ايهاب محمدمسعود
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |