المبتدأ عند النحويين نوعان: مبتدأ له خبر، مثل: "محمدٌ قادمٌ". أما النوع الثاني فهو مبتدأ له فاعل، ولا يحتاج هذا المبتدأ إلى خبر؛ إذ يسد فاعله مسد الخبر. ومثاله: "أقادمٌ المسافران؟"(1). ويعرب النحويون (قادمٌ) من الجملة السابقة مبتدأً و (المسافران) فاعلا للوصف (قادمٌ)؛ لأنه دال على الحدث/القدوم، الذي لا بد له من محدِث/ المسافران. ولا يعد النحويون هذا الوصف خبرًا للاسم المرفوع (المسافران)؛ لأنه غير مطابق له من حيث العدد، فالوصف مفرد و(المسافران) مثنّى. ولو كان الوصف مثنّى لصلح أن يكون خبرًا مقدمًا كما في الجملة: (أقادمان المسافران؟)؛ إذ من شروط الخبر المفرد أن يطابق مبتدأَه من حيث العددُ؛ فلو اختلف لأوهم جريانَه على غير المبتدأ. وقول النحويين الذي أوجزناه يشكل بعض الإشكال في مسألتين: الأولى عند دخول (إنّ) على الجملة، فهل يمكن أن نقول: إنّ قائما الزيدان؟ لم أسمع أو أقرأ شيئا كهذا إلا ما أورده السيوطي من إجازة: (إنّ قائمًا الزيدان) عند الكوفيين والأخفش(2). والمسألة الثانية عند قول العرب: أقائمٌ أخواك أم قاعدان؟ فهل يجوز عطف (قاعدان) على المبتدأ؟ وهذا إشكال جعل الدماميني يميل إلى عدّ (قاعدان) مبتدأ والضمير المستتر فاعله الذي يسد مسد الخبر ليصح العطف(3). وكل هذا تكلف لا نخرج منه إلا بمتابعة العلوي الذي خالفهم حين ذهب إلى أن هذا الوصف خبر مقدم وما بعده مبتدأ، وهو يقيس هذا على تراكيب أُخَر؛ إذ يقال "الزيدان أفضل منك"، حيث أخبر عن المبتدأ المثنى بخبر مفرد، ويقال: "الزيدان نعم رجلا هما"، وقال العلوي: "فهذه المسائل كلها قد طرحت التثنية منها وليس ترك تثنيتها مبطلا لحقائقها فهكذا ما نحن فيه"(4). وأوافق العلوي في إعرابه؛ ولكن عندي تفسيرًا آخر لعله أدنى إلى الصواب، وذلك أن الوصف (قادمٌ) هو مثل (يقدم) من حيث علاقة المسند والمسند إليه في الرتبة، فمن المعلوم أن الفعل يكون مجردًا من علامات المطابقة إذا كان فاعله اسمًا ظاهرًا، فيقال: "يقدم المسافران"؛ ولكن إذا تقدم الفاعل وجب أن يخلفه ما يدل عليه، فيقال "المسافران يقدمان"؛ لكي يعلم أن الفعل للفاعل المتقدم ابتداءً بقرينة ألف الاثنين التي تربط الفعل بالاسم المتقدم. وهذا شأن الوصف -عندي- أيضا؛ إذ نقول: "المسافران قادمان"، فالخبر مثنى كالمبتدأ، وهذا ضروري لبيان أنه خبر عن المبتدأ نفسه؛ ولكن إذا تقدم الخبر زال اللبس وتعين كونه خبرًا للمبتدأ المؤخر عنه: (قادمان المسافران)، ومن أجل ذلك يمكن أن نقول بجواز حذف علامة المطابقة، فيكون الخبر مفردًا كما كان الفعل مجردًا من علامات المطابقة: "أقادم المسافران؟". وهذا المذهب يغنينا عن القول بوجود نوعين للمبتدأ، وينهي الخلاف بين البصريين والكوفيين من حيث حكم تقدم الخبر؛ إذ الكوفيون لا يعدون (قادمٌ محمد) من قبيل الخبر المقدم على المبتدأ بل هو مبتدأ له فاعل سد مسد الخبر؛ لأنهم لا يشترطون شرط البصريين الذي ذكرته آنفا(5). واطّراح هذا الشرط من شأنه أن يحدث اللبس بين ما هو فاعل وما هو مبتدأ؛ ولذلك التزم الكوفيون بوجوب تأخر الخبر عن المبتدأ؛ فالوصف عندهم إن تقدم فهو مبتدأ له فاعل، وإن تأخر فهو خبر للمبتدأ.
ويدفع الإشكال الأول بالقول إن الناسخ(إنّ) لا يدخل إلا على جملة مرتبة، فلا يجوز أن نقول: أإنّ قادم الرجلين؟ بل أ إنّ الرجلين قادمان؟ لأن خبر إنّ لا يتقدم على اسمها ما لم يكن شبه جملة. ويدفع الإشكال الثاني بأن عطف (قاعدان) إنما يكون على الخبر المقدم فلا مشكلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
(1) يشترط البصريون من النحويين أن يسبق هذا المبتدأ بأداة استفهام أو نفي.
(2) الأشباه والنظائر، 2: 150.
(3) المنهل الصافي في شرح الوافي، تحقيق عبد الهادي الحاج -رسالة دكتوراه:259-260.
(4) محمد بن علي الحازمي، الدراسات النحوية في اليمن،رسالة دكتوراه، 2: 692.
(5) انظر: حاشية1