ضمّ حرف مضارع(أفعل)ربما كان نظام رسم العربية سببًا في كثير من أخطاء نطق الناس للغتهم، إذ هو نظام استعير من لغة أخرى لم تكن ترسم العلل القصيرة ولا الطويلة (الحركات والمدود)، ولم يوفق أهلها بعد ذلك إلى نظام فعّال يدغم العلل القصيرة في سبك الكلمة، وجلّ ما أجروه من إصلاح كان نقط الإعراب فنقط الإعجام، ثم استبدلت الحركات بالنقط. ولما كان رسم الحركات يشق على الكتبة كتبت كثير من المصنفات عاطلة من الحركات، حتى إذا جاءت المطابع وكثر النشر والكتابة كان مما يُعنت صف المطبوعات مشكولة مع أنها قد تتعرض لكثير من الأخطاء في كتابتها. وكان لانتشار التعليم وكثرة القراء والكتّاب أثر بالغ في كثرة الأخطاء وسرعة تداولها وتعلمها. ولم يكن القدماء يشتكون كثيرًا من الأخطاء الكتابية لأنهم يعتمدون في المقام الأول على الرواية؛ فالعلم عندهم ما وعته الصدور لا ما حوته السطور، ولكنهم نبهوا إلى التصحيف والتحريف.
ومن أكثر ما يلاحظ من الأخطاء التي تسببت الكتابة بإحداثها إهمال ضم حرف المضارعة من بعض الأفعال الرباعية، أي الأفعال التي تتألف من أربعة أحرف ويستوي في ذلك الرباعي الجذور مثل (طمأن: يُطمئن)، أو الثلاثي المزيد بحرف مثل (أنجز: يُنجز) أو (علّم: يُعلّم) أو (جالس: يُجالس) أو الملحق بالرباعي مثل (جلبب:يُجلبب، تابل: يُتابل، قلنس: يُقلنس). ومن أمثلة الأفعال التي يقع الخطأ في نطقها(يَلقي درسًا)، والصواب: يُلقي درسًا، ويقولون (يَجري بحثًا) والصواب: يُجري. ويقولون(يَعطي الفقراء) والصواب: يُعطي الفقراء. ويقولون (يَدرك أهمية الأمر) والصواب: يُدرك أهمية الأمر. ويقولون: (لا أَريد أن أَطيل) بفتح الهمزة في الفعلين والصواب بضمهما (أُريد، أُطيل).
والذي جعلهم يخطئون أنهم ينطلقون من المكتوب الذي تتساوى فيه كتابة المجرد والمزيد في عدتها، فالفعل (خرج) مضارعه (يخرج) والفعل (أخرج) مضارعه (يخرج)، فالناس قد تعودوا على فتح حرف المضارعة لأنه يفتها في (يتخرج، يتخارج، يستخرج) فإذا جاء إلى مضارع المزيد بالهمزة فتح حرف المضارعة منه.
أما علة مشابهة مضارع المزيد لمضارع المجرد فهي أنه فقد حرف الزيادة، وتبدأ القصة بزيادة الهمزة على فعل مثل (علم) ليصير (أعلم)، ويفترض أنك تأتي بالمضارع بإدخال حرف المضارعة على هذا الفعل، فكما تأتي من الماضي المجرد (علم) بالمضارع: أنا أَعلمُ يقتضي القياس أن تأتي من الماضي المزيد (أعلمَ) بالمضارع هكذا: (أُ أَعلمُ)، ولكن العرب كرهت توالي الهمزتين فحذفت الهمزة الثانية وهي همزة الزيادة فصارت عدّة المضارع في المزيد كعدته في المجرد (علم:أَعلمُ)، (أعلم: أُعلمُ)، ثم إن حذف همزة الزيادة اطرد مع أحرف المضارعة الأخرى. ولولا ضم حرف المضارعة لوقع اللبس بين المضارعين مضارع المجرد ومضارع المزيد، ولكن الناس اليوم لا يأبهون ولعلهم لا يحسون اللبس.