جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: منتديات الجامعة و البحث العلمي :: منتدى البحوث العلمية والأدبية و الخطابات و السير الذاتيه الجاهزه :: للغة و اللسانيات. |
الأحد 25 مايو - 19:29:10 | المشاركة رقم: | |||||||
Admin
| موضوع: النَّقْد التَّطْبيقي للقصَّة القصيرة في سوريَّة النَّقْد التَّطْبيقي للقصَّة القصيرة في سوريَّة النَّقْد التَّطْبيقي للقصَّة القصيرة في سوريَّة بقلم الكاتب: د. عادل الفريجات* مُقدِّمة كتابي هذا دراسات تطبيقية في القصة السورية القصيرة، وقفت فيه عند أربع عشرة مجموعة لأكثر من أربعة عشر قاصاً من أجيال مختلفة، فبعضهم ينتمي إلى سن الشباب وبعضهم إلى سن الكهولة وبعضهم إلى سن الشيخوخة. وقد درست لكل منهم مجموعة قصصية واحدة من إنتاجه، دون إغفالٍ لمجمل إنتاجه الآخر. والمجموعات القصصية المدروسة هنا تتراوح تواريخ صدورها ما بين عامي 1989 و2001. وقد تخلل دراساتي هذه وقفتان عند مجموعتين، جماعيتي التأليف، هما: "جنوب القصة السورية" وتضم عشرين قصة قصيرة لعشرة قاصين من محافظة درعا. و"بروق" وتضم مئة قصة قصيرة جداً، لعشرين قاصاً سورياً. أما عدد القصص التي دُرست في المجموعات كلها، فيربوعلى (350) قصة، ما بين قصة قصيرة عادية، وقصة قصيرة جداً، هذا عدا وقفتي عند سمات الإبداع القصصي للمرحوم (أديب نحوي) في آخر دراسة لي هنا. وقد وقع اختياري- غالباً-على المجموعة الأخيرة للكاتب، لأن العمل الأخير للمؤلف يمثل،على الأرجح، نضج التجربة، واكتمال التكون، وامتلاك الميسم الفني الخاص بالمبدع، أو ينمعلى متابعة تعميقه، إنْ وُجد له ميسم خاص به. ومن الملاحظ أن المجموعات المدروسة قد تباينت من حيث جهات إصدارها، فأربع منها صدرت عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق هي: اللصوص وعروس البحر، لرياض نصور، والعودة إلى البحر، لأحمد زياد محبك، والترجل عن صهوة الخوف، لزكريا شريقي، وبوح الزمن الأخير، لحنان درويش. وثلاث منها صدرت عن وزارة الثقافة بدمشق هي: الحياة والغربة وما إليها، لوليد إخلاصي، وأحلام عامل المطبعة، لمروان المصري، والخيول المسافرة، لجرجس حوراني. وثلاث منها صدرت عن دور نشر خاصة هي: الحصار، لإبراهيم خريط، وجنوب القصة السورية، والنبع الكبير للطف الله حيدر. واثنتان كان إصدارهما إصداراً خاصاً هما: همهمات ذاكرة لأحمد جاسم الحسين، وبروق. وكانت المجموعة الوحيدة الصادرة في بيروت هي الحصار، لزكريا تامر. وكان من بين المجموعات ما كونته قصص قصيرة جداً، كمجموعة الحصرم، في قسمها الأعظم، وأحلام عامل المطبعة، وهمهمات ذاكرة، وبروق. ووقفتي عند هذه المجموعات تكشف عن موقفي من هذا النوع الحكائي الجديد القديم،الذي كثر الجدل حوله في الآونة الأخيرة. وواضح أن التنظيرقليل، بل نادر، في كتابي هذا، وذلك لأنني أعتقد أن الغرض الأهم للتنظير النقدي يرمي، في قسم كبير منه، إلى الوصول إلى نقد تطبيقي موفق ومقنع للآثار الفنية، علماً بأن التطبيقات النقديةعلى الآثار الفنية تعود هي بدورها لتسهم في توسيع آفاق النظرية النقدية، والمفاهيم الأدبيةعلى حد سواء. وفي ضوء ما قمت به من جهد هنا، أزعم أنني حاولت، قدر الممكن، الكشف عن هواجس القصاصين الذين درست إنتاجهم، وعن رؤاهم الفكرية والاجتماعية والسياسية، نائياً بتحليلي عن أن تكون ممارستي للنقد الأدبي لعبة شكلية صِرْفة.بيد أن إيماني بتضافر عنصري البنية والفحوى، أو الشكل والمضمون في العمل الفني، لم يدعني أتخلى عن التلبث عند البنى الفنية للقصص التي درستها، سواء أَكان الشأن يتصل باستنباط سمات عامة لبعض المجموعات، أمْ بوقفة متأنية عند قصة واحدة اخترتها لتكون نموذجاً للتحليل والتفكيك والإضاءة. ولما كانت القصة القصيرة ذات طبيعة مرنة مطواعة تتخذ أكثر من شكل للبناء والصياغة، فقد نوعتُ في طرقي للتأتي إليها وتحليلها، ورسم اتجاه البوصلة الذي تخطه للإشارة إلى شمالها. وبعد، فإن هذا الإسهام المتواضع في النقد التطبيقي قد يمثِّل إضافة من الإضافات النقدية المتصلة بنقد القصة القصيرة في سورية، يكمل ما سَبَقَهُ من جهود نقاد آخرين، ويصنع حلقة من حلقات تطوُّر النقد التطبيقي لهذا الفن الجميل، الذي راح كتابه السوريون يتزايدون بوضوح منذ بدايته في قطرنا في ثلاثينيات القرن العشرين، مما يرتبعلى النقاد متابعته بروح من المسؤولية المنتظرة، والجدية المتوخَّاة. دمشق في 12/12/2001د.عادل الفريجات تمهيد القصة القصيرة: مفاهيم وعناصر القصة القصيرة جنس أدبي عريق وتليد في التراث العربي والإنساني. وربما يرجع تاريخه إلى ما قبل عهد السومريين الذين وجدوا قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة ونيف. فمنذ وعى الإنسان ذاته، واحتاج إلى الاتصال بغيره، سرد وروى، وأشرك غيره في معرفة ما جرى له ولغيره من بني جنسه. ومنذ أن اكتشف قدراتهعلى الابتكار الأدبي أنشأ القصة، وأبدع الحكايات، فنقل الوقائع، وحور فيها، واختلق الأحداث وأحكم نسجها، متفنناً في حوار الناس الذين صنعوها، واقعيين كانوا أم غير واقعيين. وقد تفاوت الناس في حذقهم لفن السرد وطرائق القص. ومن هنا كان لكل فرد سردياته، ونصيبها من النجاح أو الإخفاق، ومن الجذب أو الإملال، ومن الإيحاء أو المباشرة، ومن الإيجاز أو الإطناب. وربما كان القاصون الموهوبون هم أكثر الناس عناية وإتقاناً لفن السرد وسحر القص. وقد كان للقص سلطان قويعلى الإنسان، طفلاً ويافعاً وكهلاً وشيخاً، فهو يستهوي الناس في كل الأعمار، وخاصة في عهد الطفولة، وذلك لما فيه من إيهام وإمتاع، ومن قدرةعلى تنشيط المخيلة، ومن طاقةعلى الإيحاء بفكرة، أو إيصال عبرة، أو تصوير حالة، ومن طبيعة في اختزال الزمن، والخلوص إلى نتيجة. والإمتاع اليوم، كما في الأمس، شرط أساسي من شروط القصة القصيرة، فهو القادرعلى امتلاك المتلقي، سامعاً كان أم قارئاً، وشده وجذبه كي لا يزوَّر عما بين يديه من كلام أو سطور، يتوخى منها أن تكون منسوجة نسجاً خاصاً يجعل منها جنساً أدبياً حائزاً جمالية أو أكثر، من جماليات الأدب عامة، والقصة خاصة. ويقتضي الموقف أن نشير إلى أن السرديات عامة نوعان: نوع يؤتى به للتسلية فقط، كالقصص البوليسية أو السير الشعبية، ونوع من السرديات التي تحتقب إمكانات للتفسير متعددة. وهو النوع الذي آلت إليه القصة القصيرة الفنيَّة، بطبيعتها وعناصرها المختلفة، مبتعدة عن أن تكون مايشبه ضبطاً يحرره الكاتب بالعدل، أو شرطي المرور، إثر حادث من الحوادث. وقد نُظِرَ إلى طبيعة القصة القصيرة ذات يومعلى أنها فن قولي أو كتابي يقومعلى حدث، ويتخلله وصف يطول أو يقصر، وقد يشوبه حوار أو لا يشوبه، ويبرز فيه شخصية أو أكثر، محورية أو ثانوية، تنهض بالحدث أو ينهض بها الحدث، والحدث له بيئة خاصة، وله سياق ثقافي واجتماعي وسياسي، لا مناص للكاتب من أن يعيه ويستوعب تفاصيله وآدابه وتقاليده. ويرمي ذلك كله إلى ترك انطباع واحد في نفس السامع أو القارئ، دونما شَطْح إلى ما يشتت أو يبعثر... ولهذا لا تتعدد الشخصيات في القصة القصيرة ولا الأزمنة ولا الأصوات، إلا في حدود ضيقة. وإذا كانت الرواية تصور النهر من المنبع إلى المصب، فإن القصة القصيرة تصور دوامة واحدة من سطح النهر، فهي تعزف عن تقديم حالة كاملة لقرية أو عائلة أو شخصية، مكتفية بلقطة أو موقف قصير أو لحظة مختزلة مأزومة، لتقدم فكرة أو عبرة أو إحساساً، أو لتعزز موقفاً خلقياً يحسن أن يَتَخَفَّى ولا يختفي، وأن يصور ولا يقرر، وأن يجسد ولا يجرد، فالمباشرة الصريحة، والتقريرية الفجة، والوعظ الصارخ، تضعف نسيج القصة، وتهلهل بناءها، وتصدع دعائمها، وقد تؤول إلى خلْط ما بين القصة القصيرة، وغيرها من الأشكال السردية الأخرى. وقد مَيَّزَ الدارسون اليوم ما بين القصة القصيرة الفنية بوصفها جنساً سردياً، وأشكال سردية أخرى، كالأسطورة والخرافة والطرفة والمثل والرسالة والمعجزة والحكايات المثيرة وسير القديسين... وفي تراثنا نماذج سردية تقترب من القصة القصيرة وتشبهها، مثل تكاذيب الأعراب وقصص الحيوان وفن الخبر وقصص الأحلام وقصص الأمثال وقصص الرحلات... ونقع في كتاب "القصة القصيرة- النظرية والتقنية"، لإمبرت،على أشكال من السرد تشبه القصة، ولكنها ليست هي، ومن تلك الأشكال: 1-مقال التقاليد: وهو نوع يقع بين علم الاجتماع والخيال، وبه يتم رسم لوحات تتضمن مشاهد أصلية مأخوذة من الحياة. 2-لوحات الأخلاق: وهي نوع يقف بين علم النفس والخيال، كأن تعرض أمامنا أخلاق جندي أو شاعر أو صعلوك أو إنسان طيب أو شرير. 3-الخبر: ويقف بين الصحافة والخيال، ومن خلاله نعرف أحداثاً غير عادية وقعت في مسيرة الحياة اليومية. 4-الخرافة: وتقع بين الدين والخيال، والغرض منها تفسير أصل الكون بمشاركة كائنات غامضة. 5-الأسطورة: وتقف بين التاريخ والخيال، فهي قصة غير حقيقية، وتعالج أموراً غير مألوفة وغير متسقة مع القواعد العامة. 6-الأمثال: ويقع المثل بين التعليم والخيال، وأحياناً يقرأ المثلعلى أنه عمل أدبي. والسمات الخاصة بين الشخصيات هي الفيصل بين القصة والمثل، فحين تكون السمات فردية نكون في نطاق الأدب، وحين تكون ذات طبيعة عامة نكون في إطار التعليم. 7-الطرفة: والطرفة قريبة من القصة القصيرة جداً، ولكن الطرفة قد تتوقف عند مجرد سرد حدث خارجي، دون محاولة لفهم شخصية البطل ودوافعه النفسية، ففي الطرفة يروي المرء ولا يحكي، ولا يحدث جمالية من أي نوع. أما في القصة القصيرة فيفترض وجود حدث مختلق أكثر من الأول، ونسبة الخيال فيه أكثر، بينما نسبة الحقيقة في الطرفة أكثر. 8-الحالة: وهي تقترب جداً من القصة القصيرة، بل من القصة القصيرة جداً، فهي تعبر عن موقف طارئ أو جزئية حياتية، كأن يكون سوء الحظ أو الإخفاق أو الموت. ومن كتاب هذا اللون (بورخيس) الأرجنتيني، وزكريا تامر، وضياء قصبجي، ونجيب كيالي، ومروان المصري، من سورية. وبعد هذا كله يبرز السؤال الأكبر، وهو: ما القصة القصيرة إذاً؟ والجواب كما يقول (امبرت): "هي عبارة عن سرد نثري موجز يعتمدعلى خيال قصاص فرد، برغم ما قد يعتمد عليه الخيال من أرض الواقع، فالحدث الذي يقوم به الإنسان، أو الحيوان الذي يتم إلباسه صفات إنسانية، أو الجمادات، يتألف من سلسلة من الوقائع المتشابكة في حبكة، حيث نجد التوتر والاسترخاء في إيقاعهما التدريجي من أجل الإبقاءعلى يقظة القارئ، ثم تكون النهاية مرضية من الناحية الجمالية. (القصة القصيرة، لامبرت ص 52). إن العبارة الأولى في التعريف السابق تصف القصة بأنها سرد نثري موجز يعتمدعلى خيال قاص فرد. وهذا شأن يحتاج إلى تفصيل أوسع، فالخيال وحده غير كاف لإنشاء قصة، إذ لا بد من ملكة تركيبية تحبك الأحداث، وتحذق سوق المتواليات، وتُنظِّم تتابعها، لتحقيق غرض الكاتب، متخذة من البيئة والسياق الثقافي الذي ينتمي إليه القاص مرجعية للاحتكام، وقد تتجاوز هذه المرجعية لمصلحة ما هو قار في النفس الإنسانية في كل زمان ومكان. والقاص البارع قد ينفذ إلى أدق التفاصيل فيما يعرضه أو يعرض إليه، بغية التنوير والنقد، أو الكشف عن المخبوء بلغة رامزة، مستهدفاً الإشادة أو الإنكار، والمدح أو القدح. بيد أن الإغراق في التفاصيل لا يعني الخوض في جزئيات تبدو مقحمة إقحاماً، أو محشورة حشراً، ولا الإتيان بعناصر لا قبل لجناحي القصة القصيرة الرهيفين بحملها. وفي هذا الصدد كتب القاص الأرجنتيني (بورخيس) يقول عن سبب إعجابه بقصص (كيبيلنغ): إنه لا يوجد في تلك القصص كلمة واحدة لا لزوم لها، وأنه يريد أن يتعلم منه هذه التقنية. ثم إن الإرضاء الجمالي الذي أشير إليه في التعريف السابق قد لا يتأخر حتى نهاية القصة، بل قد يظهر في سياق القصة من خلال مجموعة من المسائل، كالإيقاع والسخرية والشخصية القصصية الإشكالية. والإيقاع عنصر هام من عناصر الحركة السردية والسياق الحواري، وهو قد يتمثل بالتواتر أو بالاختلاف أو بالتناظر، أو بغير ذلك من الوسائل. أما السخرية فهي ظاهرة أسلوبية يختلف التعويل عليها بين كاتب وآخر. وهي- والحق يقال- من أسباب الجذب والمتعة في أية قصة تتوافر فيها. أما الشخصية القصصية فهي عنصر سردي بامتياز. ويقتضي الإتقان في كتابة هذا الجنس الأدبي أن يحذق كتابه التعاطي معه. ومؤكد أن طرائق تقديم الشخصية ووصف ملامحها المختارة الخارجية والداخلية، والسطحية والعميقة، تختلف من قاص إلى آخر. وربما تمكن بعض القاصين من الكشف عن دخيلة شخصية من شخصيات قصصهم، وعن طباعها وسلوكها، من خلال إنطاقها بعبارة أو أكثر من العبارات المفعمة بالدلالة، في زمان ومكان محددين. وقد تتعدد سمات الشخصيات في المجموعة القصصية الواحدة، كما في مجموعة "العودة إلى البحر" للدكتور أحمد زياد محبك، وقد يجمع بينها سمات مشتركة، كما هي الحال في مجموعة "الحصار" لإبراهيم خريط، التي بدت حقاً شخصيات محاصرة ومقموعة وبائسة، أو كما هي الحال في مجموعة "الحصرم" لزكريا تامر، التي ظهر لنا سلوكها غير مفهوم ومستهجن وغير منطقي، بل هي شخصيات غير نمطية ورامزة في النهاية. وتتنوع الشخصية القصصية، من حيث انتماؤها إلى عالم من العوالم المختلفة، فهي قد تكون إنساناً أو حيواناً، أو شيئاً جامداً أنسنه الكاتب، أو شيئاً مجرداً خلع عليه القاص صفات الأحياء من نطق وإحساس وخيال، وقد يؤتى بها من عالم الأموات لتقول شيئاً وتمضي، أو لتستغل جسراً لفكرة، أو لإقامة مقارنة بين الحاضر الراهن والماضي المولي... الخ. وفي قصص مجموعة "أحلام عامل المطبعة" لمروان المصري نماذج من هذه الشخصيات. ففي قصة بطلها من عالم الطيور، لا البشر، كتب مروان المصري يقول: "فُتِحَ باب القفص، فارتعش العصفور، وخرج للتحري، بعد بضع جولات، جاع، فبحث عن القفص"- (أحلام عامل المطبعة ص39). وهذه الأقصوصة البالغة أربع عشرة كلمة تعبر في نظري عن فكرة فلسفية عميقة، هي فكرة الحرية والضرورة. فالعصفور الجائع هنا قايض حريته بطعامه، أوقل: باع مجرد بقائه حياً، بسجنه. ويا لها من مأساة حقيقية لا توجد في عالم الطيور والحيوان فحسب، بل تلمس أيضاً في عالم البشر والإنسان أيضاً. بل إنها هي في عالم الإنسان أولاً، وقد جيء للتعبير عنا بالرمز والإيحاء، بقصةٍ بطلها من عالم الطير لا البشر ثانياً. وبدهي أن نشير إلى أن هذه القصة هي قصة قصيرة جداً. ويقودنا حجم هذه الأقصوصة إلى الكلامعلى طول القصة القصيرة وقصرها، فليس ضرورياً أن تكون موجزة إلى هذا الحد. وقد رأى النقاد أن القصة القصيرة هي ما يمكن أن يقرأ في ساعة أو ساعة ونصف، فهي أقصر من الرواية. أما القصة القصيرة جداً، فقد تكون سطراً أو سطرين أو ثلاثة، أوعلى أبعد حد صفحة واحدة. وقد آل هذا القصر إلى اختزال كثير من عناصر القصة القصيرة المعهودة، أو إلى تعديلها. ولا بأس في ذلك في نظرنا، إذ أننا نفهم طبيعة القوانين الأدبية، إن كان للأدب من قوانين، أنها لا توجد إلا لتخرق، لكن خرقها يجب أن يكون لمصلحة الجمال والإدهاش، وليس لصالح العبث وألعاب الصبية التي لا نظام لها. فللأدب، أياً كان، نظام، ولكن ليس له قانون ضابط صارم يمنع اختراقه. ومن هنا جاء اهتمامنا بنوع القصة القصيرة جداً، فدرسنا منها أربع مجموعات قصصية في كتابنا هذا. ومن عناصر القصة أيضاً الزمان والمكان. والزمان عنصر يستطيع الكتاب أن يتعاملوا معه بأشكال مختلفة، فمنهم من يحن إلى الماضي ويقدمهعلى أنه النموذج الأجمل والأفضل مثلاً، كما في بعض قصص أحمد زياد محبك، ومنهم من يقيم نوعاً من الحوارية بين الماضي والحاضر، جاعلاً الماضي الجميل البهي يدين الحاضر الباهت البائس. وقد يختار الكتابة عن الماضي ويريد الحاضر. ومن الكتاب من يكسر أزمان السرد فينتقل نقلات مباغتة من الحاضر إلى الغابر، أو بالعكس، لأغراض سردية ودلالية بعينها. أما المكان، فتتعدد اختيارات الكتاب له، فهو قد يكون حديقة أو منزلاً أو قبواً أو غابة أو مشفى أو طريقاً أو رصيفاً... الخ. وقد يراوح القاص بين أمكنة متعددة في القصة الواحدة، أو في قصصه المختلفة، وقد يكون المكان ضيقاً أو رحباً، وقد يكون ملوثاً أو نظيفاً. وفي كل اختيار مأرب، وذلك لوعي القاص بأن المكان يؤثر في الناس ويصوغ مفاهيمهم وتقاليدهم وقيمهم، ويحدد مسارات الكثيرين منهم، كما يحدد النهر مسار الماء الذي يجري فيه. ومن الكتاب من يجعل من المكان حيزاً رمزياً، كما في قصص زكريا تامر في مجموعته "دمشق الحرائق"، فهو حارة السعدي، أو في مجموعته الأخيرة "الحصرم"، فهو حارة قويق. والحارتان كلتاهما مكان مجازي وجوده غير محقق. وهو عنوان موح بمعان يريدها القاص. وهي لا تخفىعلى كل ذي بصيرة. ومن عناصر القصة القصيرة البداية والنهاية. ومن زمن بعيد رأى (ادغار آلان بو) الذي وصف بأنه أبو القصة القصيرة، أن البداية الناجحة هي التي تحدد نجاح القصة أو إخفاقها. وكذلك كان (يحيى حقي)، وهو من هو في فن القص، يرى أن القصة الجيدة هي ذات مقدمة جيدة محذوفة، لأن هذا الحذف يدفع بالقارئ إلى الإحساس بأنه إزاء عمل حي وجو فني متكامل (انظر مقدمة عنتر وجولييت، لحقي ص 4). بيد أن هذا الحكم إنْ صحَّعلى بعض القصص، فقد لا يصحعلى قصص أخرى، ذلك لأن للقصة مستلزمات أخرى لا بد من توافرها لتنجح وتمتع وتعني. أما النهاية، ففيها يكمن التنوير النهائي للقصة، وهي اللمسة الأخيرة التي تمنح الكشف عن الشخصية، أو السلوك، أو المعنى. وفيها المفاجأة التي قد تثير السخرية أو الابتسام أو الارتياح أو حتى القلق والتساؤل. ومن المعروف مثلاً أن القاص السوري زكريا تامر قد عني بنهايات قصصه، فراح يؤجل تنويرها حتى النهاية، فهو يقول في قصته (انتصار) من مجموعته "النمور في اليوم العاشر" ما مؤداه: أن الملك بعد أن اتفق مع وزيرهعلى فرض ضريبة جديدة، سمع احتجاجات الرعيةعلى المظالم الكثيرة التي يسببها الجباة، فتأثر، وهو صاحب القلب الرقيق، وتحننعلى رعيته، فعزل الوزير، وصادر أملاكه، متهماً إياه بأنه المسؤول عن هذه المظالم، ففرح المواطنون، غير أن الجباة في اليوم التالي تابعوا طوافهمعلى البيوت والدكاكين. وهذه نهاية فاضحة وكاشفة وساخرة من سلوك الملك، الذي يوقع المظالمعلى المواطنين، ثم يحمل وزيره وزر ذلك. وتعددت أشكال النهايات في القصة القصيرة، وأمكن للنقاد أن يروا فيها ستة أنواع من النهايات، هي: النهاية الواضحة، وفيها تحل المشكلة دون تعقيدات تذكر. والنهاية الإشكالية، وفيها تبقى المشكلة دون حل. والنهاية المعضلة، وفيها يمكن أن يكون الحل من خلال مشاركة القارئ في التوقع، دون أن يكون هذا الحل هو الحل المثالي الوحيد. والنهاية الواعدة، وفيها يتم التنويه بمخارج كثيرة دون ذكرها صراحة. والنهاية المقلوبة، وفيها يتخذ البطل موقفاً مناقضاً لما كان عليه في البداية، فإذا كان يكره شخصاً في البداية، ينتهي به الأمر إلى أن يحبه في النهاية. والنهاية المفاجئة، وفيها يفاجئ السارد القارئ بحل غير متوقع-(أنظر القصة القصيرة- النظرية والتقنية ، لامبرت ترجمة علي منوفي ص 135)... ومن عناصر القصة القصيرة، العنوان. ويمثل العنوان عنصراً هاماً من عناصر تشكيل الدلالة في القصة، وجزءاً من أجزاء استراتيجية أي نص أدبي. وتتنوع العناوين، من حيث وظيفتها في القصة، فثمة عناوين تحيل إلى مضمون القصة، أو تُسْتَمَدّ من مغزاها، وعناوين لها طبيعة إيحائية، وعناوين لها وظيفة تناصية، وعناوين لها طبيعة استعارية، وعناوين يؤتى بها لتشوش الأفكار. وهذه الوظيفة الأخيرة للعنوان هي التي أرادها (امبرتو ايكو). ومن أمثلة هذا العنوان مثلاً عنوان قصة قصيرة جداً لعدنان كنفاني نصه: (مصير العظماء)، ورد في مجموعة "بروق"،على نحو ما سنرى. وكذلك تختلف العناوين من ناحية البناء اللغوي، فبعضها يأتي كلمة واحدة، وبعضها كلمتين أو ثلاثة. ومن القاصين من يعولعلى أسماء الأمكنة، فيتوج بها هامة قصته، ومنهم من يركزعلى الأزمنة، ومنهم من يختار جملة اسمية، ومنهم من يختار جملة فعلية، ومنهم من يلجأ إلى أساليب لغوية أخرى كالاستفهام أو التعجب أو التوكيد أو النداء أو غير ذلك... ولكل قاص غرض في اختياره. والعنوان قراءة من المؤلف لنصِّه، وقد يكون هوية له، أو بؤرة من بؤره، أو مفتاحاً من مفاتيحه. ومهما يكن الشأن، فإن القصة القصيرة العادية يحسن بها أن تجمع حسن العرض إلى نمو الحدث إلى المشهدية المسرحية، كما يتوخى من كاتبها أن يحكم بنائه ويحذق حبكته، ويختار مفرداته دونما ترخص في الفصحى ودونما إغراق في التقعر، مراعياً اللغة الوسطى، وذلك لأن تضحيته بما سبق، أو انحرافه إلى لغة شاعرية مفعمة بالتأنق والزخرف والصنعة، يجعله بعيداً عن السمت المقصود، وقريباً من فنون أخرى، قد لا تحتمل القصة أعباءها. ولا بد أخيراً من التكثيف والتركيز اللذين يجعلان من القصة القصيرة لقطة سينمائية أو قطعة من نسيج أو ومضة من ضوء، تكتنز المعنى والمتعة معاً. أما القصة القصيرة جداً، وقد درست من مجموعاتها أربع مجموعات هي: الحصرم لزكريا تامر، وأحلام عامل المطبعة لمروان المصري، وهمهمات ذاكرة لأحمد جاسم الحسين، وبروق لعشرين قاصاً سورياً، فقد شبهتها بسبيكة الذهب، التي لا يخلط صانعها ذهبها بما عداه من المعادن الأخرى، إلا بمقدار ما يقويه. وهي سبيكة يكد الصائغ، مقاوماً نفاذ صبره، ليخرجها للناس لامعة مصقولة فيها من الجمال والقيمة قدر كبير. فإذا كان لكتاب هذا اللون النثري الحكائي الجديد القديم أن يطوروه، فلا بد لهم من أن يتخذوا من عمل ذلك الصائغ هادياً ونموذجاً، ليخرج من بين أيديهم شيء نافع ومدهش يسحر العين ويسر القلب ويعجب الفكر في الوقت ذاته. وما أجدر هؤلاء بأن يتذكروا ما كان (فلوبير) يوصي به (موباسان) قائلاً: "الجمْ نفاذ صبرك، ابحثْ تجدْ، وعندما تجد الكلمة الملائمة، اقبض عليها، ضعها في مكانها الذي وجد لها وحدها، ووجدت له وحده". الحصــرم لزكريا تامر مع إصدار (زكريا تامر) لمجموعته "الحصرم" يكون هذا الكاتب قد أنشأ ونشر ما يربوعلى (300) قصة قصيرة، عدا قصص الأطفال لديه. وقد بلغ مجموع قصص "الحصرم" وحدها (59) تسعاً وخمسين قصة. وبعض هذه القصص كان يقع في (حارة القويق)، كما كان بعض قصص مجموعة (دمشق الحرائق) يقع في (حارة السعدي). والحارتان كلتاهما مكان مجازي، وجوده غير محقق، ورغم ذلك فنسبة الحارة الثانية إلى (القويق) تثير في الذهن مشاعر القرف والاشمئزاز عند القارئ السوري، لمعرفته بأن (نهر قويق) في مدينة (حلب) يشكوقلة النظافة وانعدام الرائحة الطيبة. فالتسمية لا تبدو مجانية البتة. ومن الملاحظات الشكلية حول هذه المجموعة أن الأغلبية الساحقة لقصصها كانت قصصاً قصيرة جداً لا تتجاوز الواحدة منها صفحة واحدة، أو صفحة وبعض الصفحة. أما القصص المتوسطة الطول فلم تتجاوز ست صفحات أبداً، وهي خمس قصص: المهارشة، ومغني الليل، ونهار وليل، ورجل كان يستغيث، والمطربش. وهذا يدلعلى أن (تامراً) الذي كتب القصة القصيرة جداً، سابقاً،على نحو متقطع، قد انحاز إليها هنا بوضوح. ولقصر القصة المفرط علاقة بسردها، إذ تقل فيها المتواليات السردية، وتضعف فرص نمو الحدث، وتصبح القصة أشبه ما تكون بـ(الحالة) التي مرَّ الحديث عنها من قبل. وهذا يرتّبعلى القاص أن يتحلى ببراعة كبرى تتمثل بالإيجاز الشديد والتكثيف الواضح والاقتصاد في اللغة والخبرة المميزة في اختيار المفردة الدالة وصنع القفلة المحكمة. وهذه القفلة المحكمة هي مما برع فيه (تامر) في قصصه عامة. وقد شبهها الكاتب (وليد إخلاصي) ببيت القصيد الذي تتكثف فيه شاعرية الشاعر، كما هي الحال عند الشاعر عمر أبو ريشة. (انظر مجلة الناقد، بيروت، العدد 82، ص 28). ونجد مثالاًعلى ما تقدم في قصة الكاتب المعنونة بـ"التصغير الأول" فعبد النبي الصبان رجل ضخم، طويل القامة، واسع الصدر، اعتقل يوماً ليواجه تهمة مؤداها أنه يستنشق من الهواء أكثر من حصته المقررة، فلم ينكر، وأرجع السبب إلى كبر رئتيه، فأُحيل حالاً إلى المشفى، ليغادره بعد أسابيع رجلاً جديداً ذا قامة قصيرة وصدر ضيق ورئتين صغيرتين، يستهلك يومياً هواء يقل عن الحصة المخصصة له رسمياً- (الحصرم ص 167). ولا شك أن فضاء هذه القصة التي تفضح أداء سلطة غاشمة مجهولة توزع الهواءعلى الناسعلى هواها، وتتحدى طبيعة الخلق وإرادة الخالق، يذكِّر بفضاء حارة القويق الذي أشرنا إليه من قبل... كما أن القفلة المحكمة للقصة تنطويعلى سخرية مبطنة من تلك السلطة الغاشمة، فعملها الجراحي، بل عملياتها،على عبد النبي الصبان لم تسفر عما أرادته، ومن يدري فربٍَّما كانت تريد أن يجور الجراحونعلى ذلك الرجل، فيخرج من المشفى ليتنفس هواء أقل من الحصة المخصصة له رسمياً. الموضوعالأصلي : النَّقْد التَّطْبيقي للقصَّة القصيرة في سوريَّة // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: berber
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |