نهاية نخبوية الأدبنهاية نخبوية الأدب
الكاتب : د. عثمان بن محمود الصيني
من يتتبع مسارات الأدب نتاجاً وقراءة في أيامنا الحالية يخرج بتصور أن الأدب أصبح شعبياً ولم يعد نخبوياً كما كان في السابق، فلم يعد الأديب هو ذلك الكائن الأسطوري الذي يعيش في برج عاجي تحيط به هالات التفخيم والغموض والتفرد، وإنما أصبحوا أشخاصاً يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق؛ بل أصبحوا أكثر فئات المجتمع كفافاً وأشدهم عرضة لمشكلاته وضنك عيشه، كما أن نتاجهم أصبح نهباً مشاعاً في الشبكة العنكبوتية، وسيرتهم وأعمالهم وأفكارهم غرضاً ترميه سهام النقد والآراء الجارحة بصورة موضوعية وغير موضوعية. وامتد الأمر أكثر فأصبح الأدباء والمبدعون يشكلون قاعدة عريضة تنتشر في كل منافذ النشر الورقي والإلكتروني والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية، وأصبح الكل يكتب خواطره وقصصه القصيرة وأشعاره ومقطوعاته ورواياته وينشرها في ذات اللحظة حتى صار الكل يكتب، وغدا الكل يقرأ بصرف النظر عن القيمة الفنية لما يكتبون ويقرؤون، ولكنه في نهاية الأمر يستهويهم في الكتابة ويمتعهم في القراءة، ولم تعد اللغة الأدبية الراقية والأسلوب الفني النموذجي الوسيلة التي يتوسلها الأدب، وإنما أصبحت اللغة العربية البسيطة ولغة المحادثة الوسيطة، بل حتى العاميات المختلفة واللغة الهجينة العربيزية تسير كلها جنباً إلى جنب، حتى يخيل إلينا أن الأدب يتخذ مساراً أفقياً شعبياً متخلياً عن اتجاهه الرأسي الصاعد في آفاق الإبداع وفضاء الفن. ولكن من المؤكد أيضاً أن هناك أدباً وسط هذا الركام الشعبي العريض يكتبه النخبة ويحمل في طياته إبداعاً خالصاً متميزاً وفريداً ثم ينتشر بين القراء انتشار النار في الهشيم كما يعبر عنه سابقاً، وانتشار الهواتف المحمولة في أيدي الناس بحسب التعبير العصري. وما يبعث على التفاؤل والبهجة هو أن عدد القراء في ازدياد إذا ضممنا القراء الرقميين إلى القراء الورقيين، كما أن النتاج الكمي للأدب بأشكاله المختلفة ازداد بشكل كبير مما تقذفه المطابع أو ينتشر في الصفحات الإلكترونية. أما عن مستوى ما ينشر وجودته وغلبة جنس أدبي على آخر فهذا مما يعنى به النقاد والمحللون وراصدو تاريخ الأدب.