جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: منتديات الجامعة و البحث العلمي :: منتدى البحوث العلمية والأدبية و الخطابات و السير الذاتيه الجاهزه :: للغة و اللسانيات. |
الأحد 25 مايو - 17:24:42 | المشاركة رقم: | ||||||||
عضو نشيط
| موضوع: المقدمة الطللية بين الاستجابة النفسية والتقليد الفني المقدمة الطللية بين الاستجابة النفسية والتقليد الفني أ- المنظور النقدي: حفل الشعر الجاهلي بمعالجة قضايا مختلفة، منها ما لها علاقة بالمجتمع، في تعامله مع ما يحيط به خارج القبيلة وداخلها من قيم اجتماعية وإنسانية وسياسية، كما أن هذا الموروث الشعري مثّل ظاهرة بارزة وهي المتمثلة في شعر الغزل الذي يعدّ الجزء الأوفر من تلك الثروة الشعرية، وقد نقش الشعراء الجاهليون من خلال عاطفة الحب عواطفهم وأحاسيسهم، وما يتبع ذلك من وصل وهجر وسعادة وشقاء ولذة وعفة. وطغت ظاهرة الشعر الغزلي بشكل لافت للنظر، قياساً إلى الأغراض الشعرية الأخرى مثل المدح والهجاء والرثاء. وبقدر ما زخر الشعر الجاهلي بأغراض شعرية أضاءت جوانب من صور حياة الجماعة أو القبيلة في أثناء الحروب والغزوات وائتلافها واختلافها مع القبائل الأخرى، فقد حفظ هذا الشعر –في فنونه الغزلية- خبايا النفوس ونبضات القلوب ومسارح الذكريات، فمثل بذلك ثروة هائلة وضعت أيدينا على الكيفية التي تعامل بها الشاعر الجاهلي مع الذات حين يتعلق الأمر بحياته الخاصة، وبجوانبها العاطفية عامة. ومما لا يدع مجالاً للشك أن ظاهرة غزارة الشعر الغزلي في العصر الجاهلي تنم عن ذاتية هذا الشعر في مجمله، أو في منحاه العام، وكذا عن فرديته. فشعر نابع من إنسان يعيش في أعماق الصحراء بين غنمه وإبله، وتحت سماء زرقاء، وطبيعة لا ترحم، من البديهي أن يُنشئ شعراً غنائياً ذاتياً. وعلى ما تجلى في هذا الشعر من صور اجتماعية عبّرت عن حياة ذلك البدوي الاجتماعية على المستوى الفردي، وعلى مستوى القبيلة فقد طغت –مقابل ذلك- الصفة الفردية الذاتية للشاعر الجاهلي، فبقدر ما عبّر عن قبيلته، فإنّه كان أيضاً ((معبراً عن وجوده النفسي، وعواطفه الخاصة… إنه لم يكن بوق القبيلة فقط، ولكنه كان قيثارة نفسه، وصدى لقبيلته بعد ذلك)). ثم إن بعض الأغراض الشعرية الأخرى ارتبطت بفن الغزل ارتباطاً وثيقاً بحيث أن الشاعر قد ينظم في غرض شعري ما، وصولاً إلى غرض الغزل والعكس أحياناً ويقول أحد الدارسين في هذا الشأن: ((بل إن الأغراض الأخرى التي عرض لها الشعراء الجاهليون لم تكن –في كثير من الأحيان- مقصوداً إليها قصداً ولا متعمّداً تعمداً… كانت روح الحب وعواطف الهوى هي التي تبتعثها وهي التي تكمن وراءها… وبتعبير آخر، كانت هذه الأغراض تتصل بالغزل بهذا السبب أو بذاك، بالسبب الواضح أو بالسبب الغامض)). ومن أهم ما يجدر الإشارة إليه في القصيدة الجاهلية، ليس شعر الغزل الذي يأتي في ثنايا موضوعات الشعر الجاهلي الذي يختلط فيه شعر الحرب بشعر الحب، والرثاء بالفخر مثلاً، ولكن أن تسن سنة يتعذر تجاوزها أو القفز عليها والخروج عنها لدى الشاعر الجاهلي بعامة، فتلك التي نريد الوقوف عندها ومحاولة معالجتها ونعني بها ما اصطلح عليها بالمقدمة الطللية، أو الوقوف على الأطلال وبكاء الديار الدارسة. لقد عالج جلّ شعراء الجاهلية –إن لم نقل كلهم- في مستهل قصائدهم- قصة الدار الدارسة، فوصفوها وحدّدوا معالمها، وتفنّنوا في تحديد مواضعها والإشارة إلى ملامحها التي تدلّ على وجودها في الزمن الماضي، الذي له علاقة حميمة بذكرياتهم مع الحبيبة، والتي امّحت وزالت ديارها بذهابها، فما بقي إلا البكاء على أطلالها واسترجاع ذكرياتها. الواقع أن هذا الموضوع مازال إلى يومنا هذا، يثير تساؤلات عديدة، فقد تقنعنا وجهة نظرها، من زاوية معينة، في حين يظلّ التساؤل مطروحاً في جانب آخر. فمع تسليمنا بشفوية النص الشعري الجاهلي، فذلك يعني بالضرورة أن تحديد الأزمنة والأمكنة تحديداً دقيقاً يظل أمراً قابلاً للأخذ والرد، كما أن أمر أسبقية شاعر على آخر من الناحية الزمنية نسبياً بسبب افتقادنا للنص المدوّن، ما دام التدوين يتم على مستوى الذاكرة فحسب، وهذا يمثل نقطة البداية في طرح مجموعة من التساؤلات ومن أولاها أن المقدمة الطللية هي من ابتكار شاعر جاهلي أراد أن يعبّر عن حاجة من حاجاته النفسية، ويعرب عن خبايا هذه النفس التي نظرت فيما حولها، فوجدت الديار قد زالت وامّحت، وما كان يزينها ويضفي عليها شيئاً من المؤانسة والإحساس بالجمال وبالاطمئنان، قد غادرها هو الآخر، ولا نستبعد أن هذا المكان قد ربطته بالشاعر مشاعر عاطفية ما، فجاشت عواطفه، وراح يصفها ويتأسى على الزمن الذي تحوّل إلى مجرد ذكرى، علّه زمن الشاعر، فجاءت المقدمة معبرة عن تلك المشاعر والأحاسيس ولم يعد مهمّاً –بعد ذلك- إن كان امرؤ القيس- هو صاحب الريادة في هذه الظاهرة الشعرية، أو أنه ابن حذام، كما يصرح بذلك امرؤ القيس نفسه حين يقول: عوجا على الطلل المحيلى لعلنا نبكي الديار كما بكى ابن حذام إن مسألة الوقوف عند رائد المقدمة الطللية، تعدّ أمراً عسير المنال من حيث تأكيد هذه الريادة، وحصرها في شاعر بعينه لأن عملية التدوين جاءت متأخرة جداً، حتى إن الاختلاف يبدو بيّناً على مستوى تحديد هذا الاسم الذي أشار إليه امرؤ القيس في البيت السابق، فمن قائل "ابن حذام" ومن قائل "ابن حزام" ومن قائل "ابن خدام". وإذا كان من الصعوبة بمكان الجزم بإسناد ريادة إنشاء المقدمة الطللية لشاعر بعينه، فإن هناك قضية أكثر أهمية، وهي المتمثلة في الافتراض التالي: مادام هناك شاعر ما وضع هذه المقدمة أول مرة، فهل أطلع عليها غيره من الشعراء وقاسوا عليها وجعلوها سنّة حميدة، ونسجوا على منوالها لغاية في نفوسهم، أو لأنها تستجيب لحاجات نفسية، أو أن هناك أسباباً أخرى؟ فعند قراءتنا لهذا الرأي مثلاً: ((من الشعراء الذين ذكروا الديار ووصفوها وصفاً حقيقياً لا تخيلاً أو تصوراً، ودون معاناة أو تكلف هم الشعراء الجاهليون لأنهم نقلوا لنا صورتها بأمانة، دفعهم إلى ذلك ماكان في هذه الديار من ذكريات كثيرة خلقتها حياة الصحراء حتى إن هذه الذكريات جعلتهم –لشدة شغفهم بها -يخاطبون الطلل وكأنّه من الناطقين)). ثم يستشهد هذا الدارس على رأيه بقول امرئ القيس: ألا أنعم صباحاً أيها الطلل البالي وهل ينعمن من كان في العصر الخالي؟ فلابد –هنا- من إبداء بعض الملاحظات التي تزيل بعض اللبس فيما حمله هذا القول من آراء يبدو لنا فيها بعض الشطط والمبالغة، فنحن نتساءل، كيف صور هؤلاء الشعراء الديار تصويراً حقيقياً دون تصور أو تخيل، وكأنهم بذلك راحوا يصورون الديار تصويراً "فوتوغرافياً" "حرفياً"، وهذا يتنافى وطبيعة الشعر الذي هو رؤية إنسانية معقدة لا تخلو من خواطر إنسانية ذاتية، وخيالات على درجة ما، حتى وإن افترضنا- جدلاً- أنّ الشاعر عبر فعلاً عن تجربة فعلية واقعية وأنّه يصور معايشته لتلك التجربة من خلال أدوات فنية قد لا تتوفر لغيره من بقية الناس، وإلا لعددنا جميع البشر شعراء. وفضلاً عن ذلك، فإن الشعر معاناة، وهذا يعني أن الشاعر إن لم يتمكن من تعميق إحساسه، وابتكار الأساليب التعبيرية المناسبة لأتى شعره سطحياً ضحلاً لا ماء فيه، والمقدمة الطللية حافلة بتلك التجارب التي جعلت أصحابها يقدمون تجارب متنوعة فيها خصوبة وابتكار، رغم أحادية الموضوع وتشابه المواقف. ثم إن البيئة الصحراوية، لم تتغير من حيث جغرافيتها وتضاريسها، ومن حيث مناخها، فكيف بنا نقصر هذه المقدمة على الجاهليين دون غيرهم فإذا عرفنا أن الخيام ظلت منصوبة في أعماق الصحراء إلى زمن بعيد بعد العصر الجاهلي، بل إن بعضها مازال منصوباً حتى يومنا هذا، فهل لنا الحق –بعد ذلك- أن نحرم ذلك البدوي من التعبير عن حلّه وترحاله، لكونه ليس جاهلياً؟ فالقضية –في رأينا-ترتد إلى أصالة التعبير وإلى صدق التجربة الفنية لدى الشاعر، وليست مرتبطة بالسبق الزمني، لأن الجاهلي نفسه قد ينظم شعراً يقلد به شعراً سبقه. وعلى ما في الرأي السابق من بعض التعميم، فهو يُجرد المقدمة الطللية من كثير من خصائصها الفنية، وبخاصة أن هذه المقدمة تمثل مظهراً إبداعياً ووسيلة إلهامية تثري تجربة الشاعر وتحفزه على الابتكار: ((كانت هذه الأطلال تقوم بوظيفة الملهم، والمرشد، والمبدع للشعراء الذين وقفوا عليها، والذين لم يقفوا عليها، حتى يستدروا مواهبهم الشعرية ويستثمروا إحساسهم الفني)). ثم إن هذه الأطلال –كانت- في الوقت نفسه: ((قناعاً فنياً يسقط الشاعر عليها جملة أحاسيسه، ويتخذها ستاراً لمواضيعه، كما تبدو لنا مقدمات النابغة الذبياني حين ينشئ قصائده، فيصف أطلاله بالوحشة حين يكون موضوعها الاعتذار، فتخلو من أي أثر لحركة الحياة ونواميسها)). ونستشف من الرأيين السابقين أن المقدمة الطللية جاءت لتمثل استجابة لحاجة الشاعر الإبداعية، ومدعاة لتفتيق موهبته الشعرية، ثم هي قناع فني توسل به الشاعر في الوصول إلى ما يمكن قوله بعد تلك الأرضية التمهيدية التي لابد منها، إذ أن الشاعر الجاهلي جعل منها لازمة من لوازم قريحته الشعرية، وكأنه أصبح يربأ بنفسه أن يستهل حديثه بالفخر أو المدح أو الوصف دون التقيد بتلك السنة الفنية. وأياً كان الأمر فإننا لا نستطيع الحكم على هذه المقدمة، على أنها تقليد فني فحسب، أو هي محض استجابة نفسية، فقد تكون هذا وقد تكون ذاك، وقد تكون شيئاً آخر، ولكن هناك بعض الباحثين ممن يجتهد في إقناع القارئ بصدق تجربة الشاعر النفسية والمكانية، وربما تجربته الواقعية، حين يذهب إلى أن الشاعر الجاهلي سجل تجربته من خلال تلك الأمكنة التي أتى على ذكرها في مقدمته، بعد أن ألفها وعاشها، وتركت في نفسه تجربته تلك ما تركته من آثار حية، وصدى نفسياً عميقاً ويرى هؤلاء –أن الشعراء لم يقفوا عند مكان بعينه بيد أنهم يتفقون على سنة الطلل، وهذا يعني –من قريب أو بعيد- واقعية معاناتهم وصدق تجربتهم. وقد لا نختلف من حيث ذكر الأمكنة وتحديدها، ومن حيث كونها واقعية أو متخيلة، فهذا –في نظرنا- لا يمثل جوهراً، ولكن المسألة تكمن –أصلاً- في سنّة الطلل نفسه، فالتجربة الواقعية، إن أخذناها بمعناها الحرفي، فهي تؤدي إلى الضحالة السطحية، ويبدو أن الشاعر الجاهلي رغم أن مداركه الخيالية كانت محدودة، بحكم الزمان والمكان اللذين وجد خلالهما هذا الشاعر، فضلاً عن طبيعة المرجعيات الفكرية والحضارية التي كان قد اكتسبها، والتي كانت محدودة –هي الأخرى- إلا إنه –مع ذلك- قدم لنا صوراً شعرية موحية ومؤثرة، وهذا ليس لارتباطه بتصوير الواقع الحرفي المعيش، ولكن نتيجة اعتماده على إضفاء عنصر الخيال، وبصماته الفنية المتميزة التي أكسبت هذا الشعر رونقاً وجمالاً. أما على صعيد الدلالات الفنية التي أسقطها الشاعر على تلك المسميات بغض النظر عن واقعيتها أو تخيلها فهي على درجة من التأثير والإيحاء لا محالة. ((فكل بيئة كانت تمد الشاعر بروافد طللية تبعاً لمسميات أمكنتها التي أودعها خلاصة ذكرياته، فأثرت فيه حتى أسقط عليها نفسه ووجدانه، لأنه يريد أصحابها، لذلك أسرف في ذكرها لأنها متنفس عواطفه وأحلامه، كما كان لهذه الأمكنة في المقدمات الطللية دلالات فنية، هو من العلم بحيث كان الشاعر يقصدها قصداً فهي ليست سنّة طللية فحسب بل كانت سنّة فنية ونفسية)). ويذهب أحد الباحثين إلى حد الاعتقاد بأن المقدمة الطللية تقوم بعملية التطهير، حيث تساعد على تحمل المواقف الصعبة، فتجدد طاقات نفسه، وتبعد ظلمات وحشتها، وتلطف من ذهولها كلما تعكر صفوها ومن هنا لم يأت بكاء الشاعر للبكاء، ولكنه أتى علّةً لشفاء نفسه الملتاعة، حيث تبلغ هذه النفس درجة التأزم، فتارة تتلمس التماسك والتجلد، وأخرى تلجأ إلى الدموع والنداء والاستفهام، وكل ذلك قصد التخفيف من تلك المعاناة النفسية. ولا شك أن مثل هذا الحكم يصح عندما يكون الشاعر في موقف معاناة حقيقية، إذ أنه حين يذرف الدموع على ذكريات الحبيبة في خضم ماضيه الجميل مستعملاً تلك التعابير الاستفهامية التي لا تخلو من الإمدادات النفسية التي تشخصها نداءاته وآهاته، فمثل هذه التوسلات تخفف من أزمته النفسية، وتطهر نفسه من أدران تلك اللواعج والمآسي، ولكننا لا نرى أن كل هؤلاء الشعراء سواء في تلك المعاناة. كما أن البعد الطللي –في الشعر الجاهلي بعامة- غني بالمعاني الرمزية من الوجهة النفسية بخاصة، فقد اعتمد الشعراء في صياغتهم الفنية على الطاقات التي تفتقها خبايا النفس وتجارب الذات الشاعرة، وهكذا تلونت هذه المقدمات بتلونات النفس الإنسانية في تعاملها مع ملابسات الحياة، ثم أسقطت كلها على الأطلال، ومن هنا كانت رمزية الطلل تختزن هذه المعالم النفسية وتعمق من تجربتها، فكان الشاعر حين يشير إلى مخلفات الأطلال من "نؤى وأتافي، وبعر الآرام وعرصات الدار، يشير –في الواقع- إلى كل ما ظل خامداً في نفسه أو في شعوره الباطني ((لذلك لم تعف هذه المعالم من ذكرى كما عفت هذه الآثار مهما غامر الزمن واستحدثت المعطيات في حياتنا لأن النفس لا تفنى، وأن عواطفها وتجربتها هي التي خلدت هذه الأشياء المقدسة والكائنة في نفوسنا)). أما يحيى الجبوري فيرى أن المقدمة الطللية تمثل جزءاً من حياة الجاهلي فهو عند وقوفه يستحضر ذكرياته، هذه الذكريات التي تثير في نفسه مكامن الأسى والشجى والحنين، فيندفع مناجياً ديار الحبيبة، مخاطباً آثارها، ومن ثم فهو يصور أحاسيس صادقة وعواطف جياشة، لاسيما أن الديار تمثل الوطن المهجور وما يحويه هذا الوطن من أحبة وصحب وأهل. ولئن لم نختلف جوهرياً مع هذا الرأي، وما يماثله من آراء نقدية أخرى تصب في هذا المعنى أو ذاك، مما يذهب إلى أن الطلل يمثل حيزاً واسعاً من حياة الجاهلي الذي اعتاد حياة الحلّ والترحال، حتى إنه حين يقف عند الطلل لا يعبر عن أساه وحزنه لفراق الحبيبة بل يمكن أن يتجاوز ذلك الحنين إلى الوطن المصغر بكل ما يثيره في نفسه من لهو وفرح، وعذاب وضنى في الزمن الغابر. لكن التساؤل الذي يمكن طرحه بهذا الصدد، هل بالضرورة أن جميع الشعراء الذين تغنوا بالأطلال عاشوا التجربة أو عايشوها؟ وهل بالضرورة رحلت عنهم حبيباتهم فوقفوا واستوقفوا في زمن بعينه وأماكن محددة، وبكوا واستبكوا؟ أم أن تلك سنة فنية –كما أسلفنا- رسمت من قبل شاعر ما، فوجدت صدى نفسياً مقبولاً ومؤثراً لدى لفيف من الشعراء الذين تأثروا بهذا المطلع، وأتوا بما أتى به هذا الشاعر الأول الذي لا نشك في صدق تجربته ولوعة مأساته العاطفية، لتصبح تقليداً فنياً متبعاً يسير على منواله الجميع على أنه يمثل النموذج أو المثال المحتذى، ولعل ما جعلنا نميل إلى هذا الطرح أن المقدمات الطللية –في جملتها- لا تخلو من المواصفات التالية: أنها تعطينا –على اختلافها- نصاً شعرياً تناصياً مكروراً فعلى ما في هذا النص من خصائص شعرية متميزة بعض التميز، تدل على فردية كل شاعر، وعلى شخصيته الشعرية إلا أن هذا الموضوع العام، أو السياق العام الذي تدور حوله معاني المقدمة وتراكيبها يكاد يكون نفسه في أغلب الأحيان، ناهيك عن بعض المقدمات التي تأتي بعض أبياتها متضمنة في أبيات أخرى من مقدمة أخرى، ثم إن هناك ذكراً مكرراً لآثار الدار وبقاياها ولوازمها تتكرر بأساليب متشابهة مثل: ((ذكر الطلل، والبكاء عليه، والوشم، والنوى، وبعر الآرام والآتافي وذكر الأماكن أو المواضع التي كانت منبع هذه الذكريات)). ويبدو أن التساؤل الذي يحمل مشروعية طرحه في هذا المجال هو –ببساطة- ما دامت هذه المقدمات الطللية استجابة نفسية لحاجات الشعراء النفسية والفنية، لِمَ لم تأت متنوعة بتنوع الأسلوب والتجربة؟ ولِمَ لم نقرأ اختلافاً في المنهج والرؤيا لدى هؤلاء الشعراء الذين التزموا بنمط واحد في البنيتين التركيبية والمعنوية؟، بل لِمَ لم يتنوع الموضوع –في حد ذاته- وفي طريقة تعامله مع المرأة ولوازمها- بصفتها جوهر الموضوع؟ وبذلك تكتسب هذه الظاهرة الشعرية خصوبة وتنوعاً واستجابة حقيقية لتطور الشعر عبر التطور الزمني، وتطور الأخيلة، وبذلك نستطيع أن نضع أيدينا على إبداع شعري متميز. وبطبيعة الحال، فإن ما ذكرناه لا يعني أن تلك المطالع قد خلت من الجوانب الجمالية، والأحاسيس الإنسانية التي تدل على رقة شعور الشاعر الجاهلي، وصدق تجربته(أما المطالع الغزلية ففيها إحساس دقيق بالجمال، وتذوق لمحاسن المرأة. والقارئ لمشاهد الارتحال والفراق، يشعر بهزة من شوق ورهبة وحنين لهذا الفراق، وحين تذكر المرأة، وتوصف محاسنها، نجد في هذا الشعر إقبالاً على الحياة وامتزاجاً بها وتعلقاً بمباهجها)). بيد أن المشكلة التي ظلت عالقة في ثنايا الشعر الجاهلي بعامة، أن هذا الشعر على دقته في تصوير الجوانب الحسية للمرأة وإقباله المفرط على تصوير رغبته فيها، تلك الرغبة التي تقف –تقريباً- عند الجانب المادي دون الإطلالة على جوانبها الأخرى من نفسية وروحية وجمالية توحي بجوهرها الإنساني البعيد عن الجوانب الحسية. فقد صور الشعر الجاهلي المرأة على أنها متاع للرجل، وأنها فتنة- قد تزول حين يقضي وطره منها، في حين أهمل جوانبها الأخرى، على الرغم من إحساسنا حين نقرأ هذا الشعر أنه يعترف ضمناً أن المرأة ليست جسداً للمتعة فحسب، بل هي أشياء أخرى أيضاً. ****************************************** الموضوعالأصلي : المقدمة الطللية بين الاستجابة النفسية والتقليد الفني // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: نمر مقنع
| ||||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |