لو اقسم على الله لأبره
*هذه القصة من شريط : الأخفياء للدكتور إبراهيم الدويش
واسمع لهذه القصة العجيبة الغريبة، ووالله لقد أدهشتني هذه القصة -واسمع لها يا أخي الحبيب- وهي قصة طويلة، فسر مع أحداثها وفصولها، وقد ذكر هذه القصة ابن الجوزي في صفة الصفوة ، وذكرها أيضاً الذهبي في سير أعلام النبلاء ، عن محمد بن المنكدر وفي ترجمته قال -أي محمد بن المنكدر -: كانت لي سارية في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلس أصلي إليها الليل، فقحط أهل المدينة سنة فخرجوا يستسقون فلم يسقوا، فلما كان من الليل صليت عشاء الآخرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جئت فتساندت إلى ساريتي، فجاء رجل أسود تعلوه صفرة متزر بكساء، وعلى رقبته كساء أصغر منه، فتقدم إلى السارية التي بين يدي وكنت خلفه، فقام فصلى ركعتين ثم جلس فقال: أي رب.. أي رب! خرج أهل حرم نبيك يستسقون فلم تسقهم، فأنا أقسم عليك لما سقيتهم -يعني إلا أن تسقيهم- يقول ابن المنكدر: فقلت: مجنون! قال: فما وضع يده حتى سمعت الرعد، ثم جاءت السماء بشيء من المطر أهمني الرجوع إلى أهلي -يعني: من كثرة المطر- فلما سمع المطر حمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها قط، قال: ثم قال: ومن أنا وما أنا حيث استجبت لي ولكن عذت بحمدك وبطولك. ثم قام فتوشح بكسائه الذي كان متزراً به، وألقى الكساء الآخر الذي كان على ظهره في رجليه، ثم قام فلم يزل قائماً يصلي حتى إذا أحس الصبح سجد وأوتر وصلى ركعتي الصبح ثم أقيمت صلاة الصبح فدخل في الصلاة مع الناس ودخلت معه، فلما سلم الإمام قام فخرج وخرجت خلفه حتى انتهى إلى باب. فلما كانت الليلة الثانية صليت العشاء في مسجد رسول الله ثم جئت إلى ساريتي فتوسدت إليها، وجاء فقام فتوشح بكسائه وألقى الكساء الآخر الذي كان على ظهره في رجليه وقام يصلي، فلم يزل قائماً حتى إذا خشي الصبح سجد ثم أوتر ثم صلى ركعتي الفجر وأقيمت الصلاة فدخل مع الناس في الصلاة ودخلت معه، فلما سلم الإمام خرج من المسجد وخرجت خلفه، فجعل يمشي وأتبعه حتى دخل داراً عرفتها من دور المدينة، ورجعت إلى المسجد. فلما طلعت الشمس وصليت؛ خرجت حتى أتيتُ الدار فإذا أنا به قاعد يخرز، وإذا هو إسكاف -يعني: يرقع الأحذية- فلما رآني عرفني وقال: أبا عبد الله مرحباً، ألك حاجة؟ تريد أن أعمل لك خفاً؟ فجلست فقلت: ألست صاحبي بارحة الأولى؟! فاسود وجهه وصاح بي وقال: ابن المنكدر ما أنت وذاك؟! قال: وغضب ففرقت والله منه -أي خفت والله من غضبه- وقلت أخرج من عنده الآن، فلما كانت الليلة الثالثة صليت العشاء الآخرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتيت ساريتي فتساندت إليها فلم يجئ، فقلت: إنا لله ما صنعت! إنا لله ما صنعت! فلما أصبحت جلست في المسجد حتى طلعت الشمس، ثم خرجت حتى أتيت الدار التي كان فيها فإذا باب البيت مفتوح، وإذا ليس في البيت شيء، فقال لي أهل الدار: يا أبا عبد الله ما كان بينك وبين هذا أمس؟! قلت: ما له؟ قالوا: لما خرجت من عنده أمس بسط كساءه في وسط البيت ثم لم يدع في بيته جلداً ولا قالباً إلا وضعه في كسائه، ثم حمله ثم خرج فلم ندر أين ذهب، يقول ابن المنكدر : فما تركت في المدينة داراً أعلمها إلا طلبته فيها فلم أجده رحمه الله. خشية أن يفتضح عمله ولأجل أنه عرف خرج من المدينة كلها، فهو يريد أن يكون السر بينه وبين الله. يا أخي الحبيب ويا أختي المسلمة! أترك لكم هذه القصة العجيبة، أتركها لكم لتعيشوا معها ولتقفوا معها، وانظروا إليها وإلى أنفسكم لنرى من أنفسنا عجباً. وذكر الذهبي في السير بإسناده إلى جبير بن نفير : [أنه سمع أبا الدرداء وهو في آخر صلاته وقد فرغ من التشهد يتعوذ بالله من النفاق! -أبو الدرداء يتعوذ بالله من النفاق!- فأكثر التعوذ فقال له جبير : وما لك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟! فقال أبو الدرداء : دعنا عنك.. دعنا عنك، فوالله إن الرجل ليقلب عن دينه في الساعة الواحدة فيخلع منه]. وقال الذهبي : إسناده صحيح.