مدخل تمهيدي:











لقد خلق الله الإنسان من أب واحد وأم واحدة، وقدر أن تختلف ألوانهم ولغاتهم ومعتقداتهم، ولو شاء لجعل الناس أمة واحدةـ، لكن شاء إن يختلفوا.

فهل أوجد الله تعالى هذا الاختلاف لأجل التصارع والتقاطع، أم جعله للتعارف والتواصل؟

النصوص المؤطرة للدرس:



قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.

[سورة الحجرات، الآية: 13]

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:

﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾.

[سورة لقمان، الآية: 18]

























I - دراسة النصوص وقراءتها:

1 - توثيق النصوص:

أ - التعريف بسورة الحجرات:

سـورة الحجرات: مدنية، عدد آياتها 18 آية، ترتيبها التاسعة والأربعون في المصحف الشريف، نزلت بعد المجادلة، بدأت السورة بأسلوب النداء "يا أيها الذين آمنوا”، سميت سورة الحجرات لأن الله تعالى ذكر فيها بيوت النبي ﷺ، وهي الحجرات التي كان يسكنها أمهات المؤمنين الطاهرات رضوان الله عليهن، تتضمن السورة حقائق التربية الخالدة، وأسس المدنية الفاضلة.

ب – التعريف بسورة لقمان:

سورة لقمان: مكية ما عدا الآيات 27 – 28 – 29 فهي مدنية، عدد آياتها 34 آية، ترتيبها 31 في المصحف الشريف، نزلت بعد سورة الصافات، بدأت بأحد حروف الهجاء "الم”، و”لقمان” اسم لأحد الصالحين اتصف بالحكمة، سميت سورة لقمان لاشتمالها على قصة لقمان الحكيم التي تضمنت فضيلة الحكمة، وسر معرفة الله تعالى وصفاته، وذم الشرك، والأمر بمكارم الأخلاق، والنهي عن القبائح والمنكرات، وما تضمنه كذلك من الوصايا الثمينة التي انطقه الله بها، سورة لقمان من السور المكية التي تعالج موضوع العقيدة، وتعني بالتركيز على الأصول الثلاثة لعقيدة الإيمان، وهي: الوحدانية والنبوة والبعث والنشور، كما هو الحال في السورة المكية..

II- فهم النصوص:

1 - مدلولات الألفاظ والعبارات:

أكرمكم: أفضلكم.

أتقاكم: أشدكم تقوى.

لا تُصعّر خدّك للنّاس: لا تُمِلْ وجهَك عنهم كِبْرا وتعاظُما.

مرحا: متفاخرا ومتعاليا.

مُختال فخور: مُتكبّرٍ، مُباهٍ متطاول بمناقبه.

2 – المعاني الأساسية للنصوص:

التعارف والتواصل هي الحكمة التي من أجلها خلق الله تعالى الناس أجناسا وألوانا مختلفة، وجعل معيار التفاضل بينهم التقوى.

الإعراض عن الناس تكبرا، والتعالي والافتخار خصال تعيق التواصل.

تحليل محاور الدرس ومناقشتها:

I – أهمية التعارف والتواصل بين الناس في الإسلام:

1 - مفهوم التعارف والتواصل:

التعارف والتواصل: التعارف: هو الانفتاح على الغير من أجل التواصل معهم، والتواصل: هو ربط علاقة بين شخصين أو أكثر لبلوغ هدف منشود.

2 – أهمية التعارف والتواصل وأهدافه:

أ - أهمية التعارف والتواصل:

الشعور بالأنس والتكامل والقوة.

التكامل في القيام بأعباء الحياة، والتكيف مع مختلف أحوالها.

التعاون وتبادل ألمصالح ودفع المفاسد.

تبادل الخبرات والمعلومات والأفكار مع اللآخرين.

تبليغ رسالة الإسلام إلى كافة الناس.

التعاون على الخير من غايات التعارف.

الاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين.

ب - وسائل التعارف في الإسلام:

العبادات الجماعية كالصلاة والحج ...

صلة الرحم والصلح بين المتخاصمين.

إفشاء السلام وإهداء الهدايا.

العفو عند المقدرة.

II- أسس وأخلاقيات التعارف والتواصل في الإسلام:

1 - أسس التعارف والتواصل في الإسلام:

يقوم التعارف والتواصل في الإسلام على أسس هي:

الله تعالى خلق البشر جميعا: إن التعارف والتواصل يقوم على أساس أن البشر جميعا خلق الله، أيا كان دينهم أو جنسهم أو لونهم، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾، ومن مقتضى هذا الخلق فإن الله تعالى كرم الإنسان، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾، وهذا التكريم من الله يوجب لكل إنسان حق الاحترام.

البشر كلهم من أب وأم واحدة: تقرير الإسلام لوحدة الخلق، (أي أن البشرية جمعاء من أب واحد وأم واحدة، وأنهم جميعا إخوة)، وهذا يفرض عليهم إن يتواصلوا فيما بينهم كما يتواصلوا الإخوة، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾

الاختلاف بين البشر سنة إلهية: اختلاف الناس في الدين وغيره واقع بمشيئة الله تعالى، الذي منح الحرية في الاختيار فيما يعمل ويدع، قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً۩وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾118، وللمسلم يقين بأن مشيئة الله لا راد لها، كما أنه لا يشاء إلا ما فيه الخير والحكمة، فلا يمنع هذا الاختلاف من التعارف والتواصل، بل يدو إليه.

2 - أخلاقيات التعارف والتواصل:

التعارف والتواصل في الإسلام يقوم على مكارم الأخلاق والاحترام والتواضع، لأن المسلم يؤمن بأن الله تعالى يأمر بالعدل، ويحب المقسطين ولو مع المخالفين في العقيدة، ويكره الظلم ويعاقب الظالمين ولو كان من مسلم لغير المسلم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ۩وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا۩اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ۩وَاتَّقُوا اللَّهَ۩إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.