يا فؤادي، رحم الله الهوى
| كان صرحا من خيال فهوى |
اسقني واشرب على أطلاله | وارو عني، طالما الدمع روى |
كيف ذاك الحب أمسى خبراً | وحديثاً من أحاديث الجوى |
وبساطاً من ندامى حلم | هم تواروا أبداً، وهو انطوى |
*** |
يا رياحاً، ليس يهدا عصفها | نضب الزيت ومصباحي انطفا |
وأنا أقتات من وهم عفا | وأفي العمر لناس ما وفى |
كم تقلبت على خنجره | لا الهوى مال، ولا الجفن غفا |
وإذا القلب - على غفرانه - | كلما غار به النصل عفا |
*** |
يا غراماً كان مني في دمي | قدراً كالموت، أو في طعمه |
ما قضينا ساعة في عرسه | وقضينا العمر في مأتمه |
ما انتزاعي دمعة من عينه | واغتصابي بسمه من فمه |
ليت شعري أين منه مهربي | أين يمضي هارب من دمه ؟ |
*** |
لست أنساك وقد ناديتني | بفم عذب المناداة رقيق |
ويد تمتد نحوي، كيد من | خلال الموج مدت لغريق |
آه يا قبلة أقدامي، إذا | شكت الأقدام أشواك الطريق |
وبريقاً يظمأ الساري له | أين في عينيك ذياك البريق ؟ |
*** |
لست أنساك، وقد أغريتني | بالذرى الشم،فأدمنت الطموح |
أنت روح في سمائي، وأنا | لك أعلو، فكأني محض روح |
يا لها من قمم كنا بها | نتلاقى، وبسرينا نبوح |
نستشف الغيب من أبراجها | ونرى الناس ظلال في السفوح |
*** |
أنت حسن في ضحاه لم يزل | وأنا عندي أحزان الطفل |
وبقايا الظل من ركب رحل | وخيوط النور من نجم أفل |
ألمح الدنيا بعيني سئم | وأرى حولي أشباح الملل |
راقصات فوق أشلاء الهوى | معولات فوق أجداث الأمل |
*** |
ذهب العمر هباء، فاذهبي | لم يكن وعدك إلا شبحا |
صفحة قد ذهب الدهر بها | أثبت الحب عليها ومحا |
انظري ضحكي ورقصي | فرحا وأنا أحمل قلباً ذبحا |
ويراني الناس روحا طائراً | والجوى يطحنني طحن الرحى |
*** |
كنت تمثال خيالي، فهوى | المقادير أرادت لا يدي |
ويحها، لم تدر ماذا حطمت | حطمت تاجي، وهدت معبدي |
يا حياة اليائس المنفرد | يا يباباً ما به من أحد |
يا قفاراً لافحات ما بها | من نجي، يا سكون الأبد |
*** |
أين من عيني حبيب ساحر | فيه نبل وجلال وحياء |
واثق الخطوة يمشي ملكاً | ظالم الحسن، شهي الكبرياء |
عبق السحر كأنفاس الربى | ساهم الطرف كأحلام المساء |
مشرق الطلعة، في منطقه | لغة النور، وتعبير السماء |
*** |
أين مني مجلس أنت به | فتنة تمت سناء وسنى |
وأنا حب وقلب ودم | وفراش حائر منك دنا |
ومن الشوق رسول بيننا | ونديم قدم الكأس لنا |
وسقانا، فانتفضنا لحظة | لغبار آدمي مسنا ! |
*** |
قد عرفنا صولة الجسم التي | تحكم الحي، وتطغى في دماه |
وسمعنا صرخة في رعدها | سوط جلاد، وتعذيب إله |
أمرتنا، فعصينا أمرها وأبينا | الذل أن يغشى الجباه |
حكم الطاغي، فكنا في العصاة | وطردنا خلف أسوار الحياه |
*** |
يا لمنفيين ضلا في الوعور | دميا بالشوك فيها والصخور |
كلما تقسو الليالي، عرفا | روعة الآلام في المنفى الطهور |
طردا من ذلك الحلم الكبير | للحظوظ السود، والليل الضرير |
يقبسان النور من روحيهما | كلما قد ضنت الدنيا بنور |
*** |
أنت قد صيرت أمري عجبا | كثرت حولي أطيار الربى |
فإذا قلت لقلبي ساعة | قم نغرد لسوى ليلى أبى |
حجب تأبى لعيني مأربا | غير عينيك، ولا مطلبا |
أنت من أسدلها، لا تدعي | أنني أسدلت هذي الحجبا |
*** |
ولكم صاح بي اليأس انتزعها | فيرد القدر الساخر : دعها |
يا لها من خطة عمياء، لو أنني | أبصر شيئاً لم أطعها |
ولي الويل إذا لبيتها | ولي الويل إذا لم أتبعها |
قد حنت رأسي، ولو كل القوى | تشتري عزة نفسي، لم أبعها |
*** |
يا حبيباً زرت يوماً أيكه | طائر الشوق، أغني ألمي |
لك إبطاء الدلال المنعم | وتجني القادر المحتكم |
وحنيني لك يكوي أعظمي | والثواني جمرات في دمي |
وأنا مرتقب في موضعي | مرهف السمع لوقع القدم |
*** |
قدم تخطو، وقلبي مشبه | موجة تخطو إلى شاطئها |
أيها الظالم : بالله إلى كم | أسفح الدمع على موطئها |
رحمه أنت، فهل من رحمة | لغريب الروح أو ظامئها |
يا شفاء الروح، روحي تشتكي | ظلم آسيها، إلى بارئها |
*** |
أعطني حريتي واطلق يديّ | إنني أعطيت ما استبقيت شيّ |
آه من قيدك أدمى معصمي | لم أبقيه، وما أبقى علي ؟ |
ما احتفاظي بعهود لم تصنها | وإلام الأسر، والدنيا لدي ! |
ها أنا جفت دموعي فاعف عنها | إنها قبلك لم تبذل لحي |
*** |
وهب الطائر من عشك طارا | جفت الغدران، والثلج أغارا |
هذه الدنيا قلوب جمدت | خبت الشعلة، والجمر توارى |
وإذا ما قبس القلب غدا | من رماد، لا تسله كيف صارا |
لا تسل واذكر عذاب المصطلي | وهو يذكيه فلا يقبس نارا |
*** |
لا رعى الله مساء قاسياً قد | أراني كل أحلامي سدى |
وأراني قلب من أعبده ساخراً | من مدمعي سخر العدا |
ليت شعري، أي أحداث جرت | أنزلت روحك سجناً موصدا! |
صدئت روحك في غيهبها | وكذا الأرواح يعلوها الصدا |
*** |
قد رأيت الكون قبراً ضيقاً -خيم اليأس عليه والسكوت |
ورأت عيني أكاذيب الهوى | واهيات كخيوط العنكبوت |
كنت ترثي لي، وتدري ألمي | لو رثى للدمع تمثال صموت |
عند أقدامك دنيا تنتهي | وعلى بابك آمال تموت |
*** |
كنت تدعوني طفلا، كلما | ثار حبي، وتندت مقلي |
ولك الحق، لقد عاش الهوى | في طفلا، ونما لم يعقل |
وأرى الطعنة إذ صوبتها | فمشت مجنونة للمقتل |
رمت الطفل، فأدمت قلبه | وأصابت كبرياء الرجل |
*** |
قلت للنفس وقد جزنا الوصيدا | عجلي لا ينفع الحزم وئيدا |
ودعي الهيكل شبت ناره | تأكل الركع فيه والسجودا |
يتمنى لي وفائي عودة | والهوى المجروح يأبى أن نعودا |
لي نحو اللهب الذاكي به | لفتة العود إذا صار وقودا |
*** |
لست أنس أبداً ساعة في العمر | تحت ريح صفقت لارتقاص المطر |
نوحت للذكر وشكت للقمر | وإذاما طربت عربدت في الشجر |
هاك ما قد صبت الريــــح بأذن الشاعر | وهي تغري القلب إغـراء الفصيـح الفاجر : |
" أيها الشاعر تغفو تذكر العهد وتصحو | وإذا ما التام جرح جد بالتذكار جرح |
فتعلم كيف تنسى وتعلم كيف تمحو | أو كـل الحب في رأيـك غفـران وصفح ؟ |
*** |
هاك فانظر عدد الرمـــــل قلوباً ونساء | فتخير ما تشاء ذهب العمر هباء |
ضل في الأرض الذي ينشد أبناء السماء | أي روحانية تعـــــصر من طين وماء؟ " |
*** |
أيها الريح أجل، لكنما هي | حبي وتعلاتي ويأسي |
هي في الغيب لقلبي خلقت | أشرقت لي قبل أن تشرق شمسي |
وعلى موعدها أطبقت عيني | وعلى تذكارها وسدت رأسي |
*** |
جنت الريح ونادتــــــــــه شياطين الظلام | أختاماً ! كيف يحلو لك في البدء الختام ؟ |
يا جريحاً أسلم الــــــــــجرح حبيباً نكأة | هو لا يبكي إذا النـــــــــــاعي بهذا نبأه |
أيها الجبار هل تصــــــــرع من أجل امرأه ؟ |
*** |
يا لها من صيحة ما بعثت | عنده غير أليم الذكر |
أرقت في جنبه، فاستيقظت | كبقايا خنجر منكسر |
لمع النهر وناداه له | فمضى منحدرا للنهر |
ناضب الزاد، وما من سفر | دون زاد غير هذا السفر |
*** |
يا حبيبي كل شيء بقضاء | ما بأيدينا خلقنا تعساء |
ربما تجمعنا أقدارنا ذات | يوم بعدما عز اللقاء |
فإذا أنكر خل خله | وتلاقينا لقاء الغرباء |
ومضى كل إلي غايته | لا تقل شئنا،وقل لي الحظ شاء ! |
*** |
يا مغني الخلد، ضيعت العمر | في أناشيد تغنى للبشر |
ليس في الأحياء من يسمعنا | ما لنا لسنا نغني للحجر ! |
للجمادات التي ليست تعي | والرميمات البوالي في الحفر |
غنها، سوف تراها انتفضت | ترحم الشادي وتبكي للوتر |
*** |
يا نداء كلما أرسلته | رد مقهوراً وبالحظ ارتطم |
وهتافاً من أغاريد المنى | عاد لي وهو نواح وندم |
رب تمثال جمال وسنا | لاح لي والعيش شجو وظلم |
ارتمى اللحن عليه جاثياً | ليس يدري أنه حسن أصم |
*** |
هدأ الليل ولا قلب له | أيها الساهر يدري حيرتك |
أيها الشاعر خذ قيثارتك | غن أشجانك واسكب دمعتك |
رب لحن رقص النجم له | وغزا السحب وبالنجم فتك |
غنه، حتى ترى ستر الدجى | طلع الفجر عليه فانهتك |
*** |
وإذا ما زهرات ذعرت | ورأيت الرعب يغشى قلبها |
فترفق واتئد واعزف لها | من رقيق اللحن، وامسح رعبها |
ربما نامت على مهد الأسى | وبكت مستصرخات ربها |
أيها الشاعر، كم من زهرة | عوقبت، لم تدر يوماً ذنبها ! |