حكم تارك الصلاة متعمداً في الإسلامالسؤال: هل تارك الصلاة متعمداً مع أنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يعد كافراً مخلداً في النار، وما توجيه سماحتكم للأبناء والبنات الذين يتهاونون بالصلاة إما بتركها بالكلية أو بتأخيرها عن وقتها جزاكم الله عنا خيراً؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدلله رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين، وعلى آله وعلى صحابته أجمعين، وعلى التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد، أخونا السائل يسأل: حكم من ترك الصلاة متعمداً، هل يكون حكمه حكم الكافرين المخلدين في النار، وما حكم من ترك الصلاة تهاوناً بها أو صلاها في غير وقتها، إلى غير ذلك، نقول يا أخي، أولاً: نعلم أن الصلاة عبادة تعبَّد الله تعالى بها الخلق، ذكرها الله تعالى في أخلاق أنبياءه ورسله، قال الله عز وجل عن إبراهيم عليه السلام في دعاءه: (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي)، وقال عن عيسى عليه السلام أنه قال: (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً)، وقال عن نبيه إسماعيل عليه السلام: (وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضياً)، وقال لموسى عليه السلام وأخيه هارون: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلةً وأقيموا الصلاة)، وهذه الفريضة افترضها الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، وكان لفرضيتها أيضاً خصوصية، أما الصلوات الخمس فإنها فُرضت على النبي صلى الله عليه وسلم لما عُرِجَ به حتى جاوز السبع الطباق وكلم الله مشافهةً، فافترض عليه خمسين صلاة، ومازال محمد صلى الله عليه وسلم يتردد بين ربه وموسى يقول له يامحمد اسأل لأمتك التخفيف فإني عالجت بني إسراءيل على أقل من ذلك فعجزوا، فما زال محمدٌ صلى الله عليه وسلم يراجع ربه حتى قال الله تعالى: إنها خمس، أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي، ففرضيتها كانت بالخصوصية، أنها فُرضت على النبي ليلة عُرِجَ به إلى السماء صلوات الله وسلامه عليه، وكان فرضيتها على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فهي أول الفرائض بعدما فُرِضَ التوحيد بمكة، لأن كل أركان الإسلام الزكاة والصوم والحج كلها بالمدينة، أما التوحيد والصلاة فإن التوحيد هو الأصل الذي بُعِثَ به محمد صلى الله عليه وسلم، والصلاة أول الأركان العملية، فُرِضت قبل الهجرة، فرضت لما عُرِج بالنبي صلى الله عليه وسلم كما سبق، فهذا يدل على أهميتها، ثم إذا نظرت لمكانها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم رأيت أن لها ذكراً في آي القرآن حتى قال بعضهم: قُرِنت الصلاة والزكاة في القرآن في أكثر من ثمانين آية، وتعظيم أمرها في السنة كما هو معلوم، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام، يقول صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة ..." الحديث، إذن فهي ركنٌ من أركان الإسلام، فلا يستقيم إسلام عبدٍ إلا بأداء الصلاة، وهذه الصلوات افترضها الله على المسلمين في اليوم والليلة خمس مرات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذٍ لما بعثه إلى اليمن: "فإن هم أطاعوك ووحدوا الله فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة"، هذه الصلوات الخمس إذا نظرت إليها وقارنت بينها وبين بقية أركان الإسلام العملية رأيت للصلاة شأناً عظيماً، فالصلاة يخاطب بها المريض كما يخاطب بها الصحيح، ويخاطب بها المسافر كما يخاطب بها المقيم، ويخاطب بها الخائف كما يخاطب بها الآمن، كل ذلك دليلٌ على عِظم الصلاة وشأنها، الزكاة مرةً في العام بشروطٍ خاصة، والصيام مرةً في العام لمن كان قادراً عليه، وأبيح للمسافر والمريض الفطر والقضاء، ومن عجز عن الصيام لمرضٍ أو كبر قام الإطعام مقام الصيام، والحج إنما هو فريضة العمر، من أداه في عمره مرةً فقد برئِت ذمته، أما الصلوات الخمس فهي في اليوم والليلة خمس مرات تتكرر على العبد لأنها عنوان الإيمان، والترجمان الصادق على ما في القلب من الإيمان، فإن كان في القلب إيمانٌ حقاً كان صاحبه محافظاً على هذه الصلوات، وإن يكن الإيمان قليلاً أو منعدماً فإنه يضيِّع الصلاة أو يتهاون بها، وقد جعل الله لها أوقاتاً محددة لا يقبلها إلا فيها إلا لعذرٍ شرعي، يقول الله جل وعلا: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) أي مقدرةً في الأوقات لا يجوز أن تُصلى في غير وقتها إلا لعذرٍ شرعي كالجمع بين الصلاتين لعذر، أو من فاتته لنسيانٍ أو نومٍ أو نحو ذلك، وإلا فالأصل أنها تُؤدى في وقتها، (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً)، ثم ننظر إلى آي القرآن وتعظيمه للصلاة فاسمع إلى قول الله في سورة النمل في القرآن، (هدىً وبشرى للمؤمنين * الذين يقيمون الصلاة)، فجعل أول خصال المؤمنين العملية إقام الصلاة، وقال في لقمان: (هدىً ورحمةً للمحسنين * الذين يقيمون الصلاة ...) الآية، وجعلها تلي الإيمان بالغيب، فأمرها عظيم، وشأنها كبير، يقول الله جل وعلا متوعداً من أخرها أو خلَّفها عن وقتها: (فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً)، ويقول جل وعلا مبيناً صفات المنافقين: (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً)، وقال تعالى: (ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون)، فيا أخي المسلم الله الله في المحافظة على هذه الصلوات الخمس، أدِها في أوقاتها جماعة في المسجد لتنال الخير والثواب العظيم، واحذر أن تتهاون بها فالله تعالى يقول: (فويلٌ للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراءون * ويمنعون الماعون)، يا أخي المسلم إن نبيك صلى الله عليه وسلم يقول: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"، فيا أخي المسلم اعلم أن تركك للصلاة يسمك بالكفر سواءً قلنا كفراً يخرج من الملة أو كفراً دون كفر، المهم أن لفظ الكفر يتصف به تارك الصلاة ويوصف به تارك الصلاة، فاحذر أخي أن تتهاون بها، وللعلماء رأيان، رأيٌ يقول: أن من ترك الصلاة فإنه كافر ولو كان مقراً بوجوبها، فلو كان مقراً بوجوبها وفرضيتها لكن تركها تهاوناً وكسلاً بها فإنه يكفر وإن كان مقراً بوجوبها، قالوا لو كان مقراً بها حقيقةً لأداها، فتركه لها مع قدرته على أدائها دليلٌ على فقدان الإيمان بوجوبها، فحكموا على التارك لها بالكفر بمعنى أنهم يمنعون أن يرِث منه أقاربه المسلمون وزوجته المسلمة، ولا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، لأنهم يعتبرونه خارجاً من الملة، مرتداً عن الإسلام بتركه تلك الفرائض العظيمة، وإن أقر بوجوبها، لأن الترك وعدم العمل يُنبئ عن ضُعف إيمانٍ بوجوبها، ومنهم من يقول لا، كفرٌ دون كفر، فيكون مرتكباً كبيرةً من كبائر الذنوب، لكنَّه يزيد على هذا بأنه يوصف بالكفر، وإن كان كفراً لا يخرج من الملة، لكن في الحقيقة ما أظن من في قلبه مثقال ذرةٍ من إيمان يدع هذه الصلوات، لا يدعها إلا من في قلبه شكٌ وريب، لأنها عنوان الإيمان، تجدد بها إيمانك، وتقوِّي بها صلتك بينك وبين ربك، فلنتقي الله في صلواتنا، ولنحافظ عليها في أوقاتها، ولنحرص عليها، ولنربي عليها أبناءنا وبناتنا ومن عندنا ومن لنا عليهم كلمة، وندعو الناس إليها، ولنحذرهم من تركها، نسأل الله أن يمن علينا وعليكم بالمحافظة عليها، يقول صلى الله عليه وسلم: "من حفظها وحافظ عليها كانت له نور ونجاة وبرهان يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نور ولا نجاة ولا برهان يوم القيامة، وحُشِر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف" أئمة الكفر والضلال .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشي