الانحراف كنتاج للوصم الاجتماعي:الانحراف كنتاج للوصم الاجتماعي:
يرجع أصل نظرية الوصم إلى ما كتبه "تاننبوم" عام 1938م عن أن ما يؤدي إلى خلق المجرم إنما هو الكيفية التي يعامله بها الآخرون وذلك حيث أشار إلى أن تلك الكيفية وما يصاحبها من عمليات مرحلية بما يلازمها من تأثير وتأثير متبادل مشترك إنما تؤدي إلى تأكيد الشر والإثم أو المبالغة في تصويرهما. حيث يرى أن عملية صنع المجرم تحتوي على عناصر تشمل وضع علامات وألقاب وتعريفات وفعل وشرح تقوم الجماعة بإلصاقها على الأفراد. وتؤدي عملية الوصم هذه إلى خدمة أغراض الجماعة وتحقيق البعض من أهدافها حيث إنها تساعد على بلورة نقمة الجمهور ضد الشخص المخالف وأيضاً تأكيد نقمة الفرد الموصوم نحو نفسه (Tannenbaum, 1938).
ومن أوائل المتعلقين بمفهوم الوصم من اللاحقين لتاننبوم عالم الاجتماع الشهير إدون ليمرت والذي يرجع الانحراف في السلوك بصفة عامة إلى آثار الخبرة الناشئة عن الوصم الاجتماعي وقد سبق أن استعرضنا آثار الانحراف الاجتماعي لدى ليمرت في جزء سابق من هذا البحث.
أما العالم الآخر الذي له إسهامات مهمة في مجال الوصم الاجتماعي فهو "هوارد بيكر" الذي يرى أن الجماعات البشرية هي التي تخلق الانحراف عن طريق صنع القواعد ا لتي يتكون الانحراف نتيجة خرقها حيث يطبق القانون على بعض الأشخاص الذين يوصمهم المجتمع بوصمة الانحراف ويوصفون بالخروج عن القانون. ومن هنا لا يصبح الانحراف ذاته صفة للفعل الذي يرتكبه الشخص بل نتيجة لما يطبقه الآخرون عليه من القواعد أي نتيجة وصم الشخص من قبل الآخرين كمذنب حيث يقع على الشخص ليكون منحرفاً والفعل الذي ارتكبه انحرافاً. فالأشخاص الذين يرتكبون الأفعال المخالفة للمعايير أو قواعد السوية الاجتماعية لا يصبحون منحرفين إلا بعد أن يتعرضون لوصمة الانحراف والخبرة الناشئة عن مثل هذه الوصمة (Becker, 1963).
وباختصار يمكن القول أن أهم عناصر عملية تكوين السلوك المنحرف من وجهة نظر هذه النظرية هي الخبرة الناشئة لدى الشخص بعد القبض عليه وما يتعرض له من عملية دمغه أو وصمه بوصمة الانحراف بما يجعلها العلامة الفارقة لدى الشخص والتي تمثل المقام الأول فوق كل الصفات الأخرى التي يحتلها الفرد في مجتمعه.