أولاً- مقدمة حول نظريات التجارة الخارجية وسياساته
تحدث التجارة الخارجية بين وحدتين اقتصاديتين بسبب اختلاف الأسعار، حيث نرى من ناحية التوازن الجزئي أن الاختلاف بالأسعار ناتج عن تغيرات في العرض والطلب. أما من ناحية التوازن الكلي وفي حالة استيفاء شروط محددة (مثلاً: وجود منحنى سواء الجماعة) نستطيع أن نبين أن التجارة الخارجية تحدث إذا كانت الأسعار النسبية (في حالة ما قبل حدوث التجارة) مختلفة. وعليه، فإن اختلاف الأسعار النسبية هو الحافز والمحرك للتجارة والذي بدوره يعكس تغيرات في التكاليف.
ومن أبرز نظريات التجارة الخارجية ما يلي:
نظرية ريكاردو - هابرلر: وفقاً لهذه النظرية فإن الاختلاف في التكنولوجيا يؤدي إلى حدوث التجارة الخارجية بين الدول ويحدد مواصفاتها كما أن اختلاف أسلوب الإنتاج (نتيجة لاختلاف دوال الإنتاج) بين الدول يؤدي إلى اختلاف منحنيات إمكانيات الإنتاج بينها وبما أن الدول متشابهة في كل الجوانب الأخرى وبالذات جوانب الطلب فستكون الأسعار النسبية للسلع (وبالتالي المزايا النسبية) مختلفة بين الدول قبل حدوث التجارة.
نظرية هكشر- أولين: وفقاً لهذه النظرية فإن الاختلاف الوحيد بين الدول هو في نسب عوامل الإنتاج المتوفرة لها وأن الدول متشابهة في كل الجوانب الأخرى. في حالة دولتين على سبيل المثال A و B سلعتين X و Y مدخلين L و K للإنتاج، تفترض النظرية أن:
أي أن نسبة العوامل الرأسمالية المستخدمة مع كل عامل أعلى في الدولة B، مما يعني أن الدولة B تتميز بوفرة عوامل رأس المال والدولة A تتميز بوفرة العمال (الأيدي العاملة).
أي أن إنتاج Y يحتاج إلى عوامل رأس المال بكثافة أكثر مقارنة مع X (وأن X تستخدم الأيدي العاملة بكثافة مقارنة مع Y). ويفترض أيضاً هنا أن وجه المقارنة بين X و Y يظل ثابتاً حتى لو تغيرت نسب الإنتاج (أي أن Y تستخدم رأس المال بكثافة بصرف النظر عن مستوى الإنتاج).
وبالتالي، فإن نظرية هكشر - أولين تنص على أن كل دولة ستركز على إنتاج السلع التي تستخدم العوامل ذات الوفرة النسبية لها بكثافة وتقوم بتصديرها، وستستورد السلع الأخرى. في المثال أعلاه ستقوم الدولة A بتصدير X واستيراد Y وسيحدث العكس بالنسبة للدولة B.
نظرية اختلاف الأذواق: الافتراض هنا أن الدول متشابهة في إمكانياتها الإنتاجية (دوال الإنتاج، نسب عوامل الإنتاج…) وأن الاختلاف الوحيد بينها يكمن في تذوقها للسلع. أي أن منحنيات الإنتاج متطابقة وأن منحنيات السواء مختلفة.
ثانياً- التحسينات في النظريات الأساسية والتوجهات الحديثة
تكلفة النقل في التجارة العالمية: إن إضافة تكلفة النقل يمكنه أن يعيق التجارة الخارجية للسلع التي من الممكن أن يتاجر بها عالمياً لو كان النقل بدون تكلفة (يمكن دراسة تأثير تكلفة النقل على التجارة الخارجية باستخدام نموذج العرض والطلب). وتكلفة النقل تكون في بعض الأحيان السبب المباشر في حدوث التجارة بين الدول، خاصة في حالة الدول ذات الحدود المشتركة.
السلع غير المتاجر بها عالميا: وجود بعض السلع التي لا تدخل في عملية التجارة في الاقتصاد المحلي له تأثير مباشر على حجم ونوعية التجارة الخارجية بالنسبة للدولة (السياحة مثلاً).
السلع الوسيطة: وجود بعض السلع التي تدخل في العملية الإنتاجية لسلع أخرى له تأثير على حجم ونوعية التجارة بين الدول (النفط ومشتقاته).
الموارد الطبيعية: يجب إضافتها ضمن المدخلات الأساسية للإنتاج مثل العمالة ورأس المال.
العوامل المحددة: يتم إنتاج بعض السلع أحياناً باستخدام عوامل محددة وهذا ما سيغير من نوعية وحجم التجارة بين الدول عند أخذها في الاعتبار (مثال: إنتاج السلعة X يحتاج إلى L و K وإنتاج Y يحتاج إلى L و N).
تنقل عوامل الإنتاج: تم بناء النظريات الأساسية على افتراض أن عوامل الإنتاج لا تنقل بين الدول. وهذا الافتراض لا ينطبق في وقتنا الحالي ولذا يجب تعديل وتحسين النظريات وفقاً لذلك (انتقال العمالة مثلاً).
[size=48]التجارة الخارجية غير المنظمة مثل التجارة غير المشروعة أو التهريب: نظراً لوجود هذه الظواهر في التجارة بين الدول لابد من أخذها بعين الاعتبار. [/size]
ثالثاً- بعض التوجهات والنظريات الجديدة
- الفجوات التكنولوجية: هناك فجوات تكنولوجية بين الدول (أي أن بعض الدول تقود والبعض الآخر يتبع) والتي إن أخذت في الاعتبار تؤدي إلى خلق أساس نظري مختلف للتجارة الخارجية.
- دورة حياة السلعة: تمر عملية إنتاج السلع منذ اكتشافها بعدة مراحل يعتمد فيها إنتاجها على نوعيات مختلفة من العوامل مما قد يقتضي استيراد دولة لسلعة كانت هي المصدر لها في فترات سابقة، وعادةً ما يحدث هذا في سلع المواد الأولية (الخام) الناضبة.
- تأثير الدخل: تعطي النظريات هنا اعتباراً هاماً ودوراً فعالاً لجانب الطلب. وهي عموماً (وخاصة نظرية Linder والتي تعتبر أهمها وأشهرها) تستند على افتراضين هما أن احتمال تصدير الدولة لسلعة يزداد مع توافر الأسواق المحلية للسلعة وأن مجموعة السلع الموجودة في الأسواق المحلية تعتمد على معدل دخل الفرد.
- الشركات متعددة الجنسيات: تمثل التجارة بين هذه الشركات وبين فروعها جزء كبير ومتزايد من الحجم الكلي للتجارة ونظراً لأهميتها الإضافية في نقل رؤوس الأموال والتكنولوجيا بين الدول فإن عملية إنتاج السلع لم تعد تتم في دولة واحدة وإنما تتم من خلال إنتاج الأجزاء بواسطة الشركات ذات الميزة النسبية أو ذات حقوق ملكية للتكنولوجية المطلوب لإنتاج هذا الجزء في دول مختلفة "سلعة عالمية".
- اختلاف السلع: نظراً لاختلاف الأذواق والآراء حول السلع نجد أنه في معظم الأحيان توجد نوعيات كثيرة من نفس السلعة (نوعيات متعددة من نفس حجم السيارات وأحياناً من نفس الموديل، نوعيات مختلفة من المشروبات الغازية وأحياناً نوعيات من نفس المشروب …). وفي كثير من الأحيان تصدر الدول بعض النوعيات وتستورد في نفس الوقت نوعيات أخرى مما يؤدي إلى ظاهرة التجارة البينية في نفس السلعة.
- وفورات الحجم: تستند النظريات هنا على ظاهرة أنه بالنسبة لبعض السلع كما زاد حجم الإنتاج منها كلما قلت تكلفة إنتاج الوحدة منها. وترتبط مثل هذه الظواهر وبدرجة عالية مباشرة بالمعرفة الناتجة عن البحث والتنمية وظروف المنافسة غير التامة. وتؤدي مثل هذه الظاهرة إلى خلق أسباب للتجارة بين الدول تخرج تماماً عن نطاق المزايا النسبية.
رابعاً- السياسات التجارية
تتضمن السياسات التجارية مراقبة مباشرة على الواردات والتي تهدف إلى تحويل الإنفاق المحلي بعيداً عن السلع الأجنبية وفي اتجاه السلع المحلية، ورقابة تهدف إلى تشجيع الصادرات وذلك بتحويل الطلب الأجنبي في اتجاه السلع المحلية، وأيضاً رقابة على تحرك رأس المال لتجنب التدفق أو التسرب والذي يمكن أن يكون سبباً في مشاكل اقتصادية عديدة. ويمكن تقسيم الرقابة المباشرة إلى ثلاثة أقسام:
- الرقابة الضريبية: وتضم الرسوم أو الدعم والحوافز الخاصة بباب من أبواب ميزان المدفوعات. وتحتوي الرقابة الضريبية على الرسوم أو الدعم والحوافز المفروضة على الصادرات والواردات. ومن أكثر الوسائل استعمالاً هي الرسوم الجمركية على الواردات ودعم الصادرات. وتهدف الأولى إلى تحويل الطلب من السلع المستوردة إلى السلع المحلية بينما تهدف الثانية إلى التحفيز والتشجيع على التصدير.
ومن سياسات تنمية التجارة الخارجية تعتبر سياسات تمويل وضمان الصادرات فضلاً عن إقامة المناطق الحرة من الوسائل المستخدمة في دعم التجارة الخارجية. بالإضافة إلى ذلك تعمد بعض الدول إلى رسم سياسات استراتيجية تتمثل في دعم بعض القطاعات المحورية ولا سيما تلك القطاعات القابلة للتصدير بما يؤثر إيجابياً على الميزان التجاري وبالتالي على ميزان المدفوعات لتلك الدول.