الحمد لله رب المستضعفين،والصلاة والسلام على المجتبى رحمة للعالمين،سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين،وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين،أما بعد: 

إنه لمن دواعي الغبطة والسرور المشاركة في هذه المسابقة الرائعة،ويطيب لي أكثر أنها وسط هذه الكوكبة من الأقلام الساحرة،شاكرين للإشراف الموقر وطواقم العمل الساهرة هذا الجهد،متمنين في النهاية أن تروق لكم هذه الخربشة

الحمد لله رب المستضعفين،والصلاة والسلام على المجتبى رحمة للعالمين،سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين،وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين،أما بعد: 

 

الصدق الذي يفوح من عبارات الإعتذار يجعله دافئا مهما كانت باردة،ويقع على الجرح بردا وسلاما مهما راكم من ملح،فعبارات الإعتذار الكاذبة وإن ملئت بياض الصحف فإنها تعتذر من الأوراق هي أيضا وتتساقط عنها مثلما تسقط أوراق الأشجار معتذرة لها عن إكمال الشتاء بينها،وجرعة النفاق وإن كانت خفيفة أشبه بالسكين الذي يقطع خيط العقد فتنفرط حباته هائمة في كل اتجاه،ولا بديل عن إمساك الخيط من جديد حتى لا تتساقط حباته مثلما لا بديل عن ربط كلمات الإعتذار بالصدق حتى لا تتساقط كلماته.

أعتذر عن تأخري ولا أدري صادقا لما أصبح السئم يطارد قلمي والضجر يقيد أصابعي عند مرافقته منذ أسابيع،وقد كان في خدمة إلزامية لي بعقد مفتوح على حدود الورق دون أرق،ولم أعرف لما صارت كلماتي تتعب من الرقص على لوحة المفاتيح وقد كان يطربها ذلك قبل أن تطرب لطرب الآخرين،ولولا الخوف من صفعة أتلقاها من أصابعي وطعنة يسددها لي قلمي لقلت أنهما باتا من الميليشيات يقادان إلى سفك الحبر وجعل الكلمات تنزف،فهما لم يعودا يفعلان ذلك عن اقتناع وصرت آمرهما وأهددهما فيطيعا وقد كانا يفعلان ذلك بمنشط ويسر ورغبة.

 فكرت وفكرت في هذا الذي حدث لي في أعماق أعماقي والأمر أنذر بإعلان حالة طوارىء لارتباطي بالكتابة،ولم أحدد السبب بدقة بعد،هل ﻷنه هالني ارتزاق الكلام وممارسته التسول على عتبات مفلسة،أم لأن الكلام أصبح بلا كرامة يجيب كل الدعوات ويأكل على كل الموائد،نفس الكلام أجده يجالس طاولات القمار ثم يذهب ليبسط على طاولات المدارس محفظته وكراريسه،وآخر ينتشي برؤية راقصة ثم يثني ركبته لمجالسة الدعاة،فهل الإنسحاب فعل حصيف أم نطلق كومندوس اللغة ومغاويره وفرق الكلمات المقنعة بالبيان لتعتقل كل الكلمات التي تقبض المال لتريق الحبر،ولما لا نخرج الجمل المدرعة للشوارع تمهيدا لإعلان الأحكام العرفية النافذة التي لا تقبل الطعن،ونقيم المحاكم الميدانية وننصب المشانق للكلمات الخائنة ولو وجدناها معلقة بأستار الكعبة.

أعلم بانهماك حدادين حرفيين بدق الأحرف المحماة بضربات قوية لتصبح ذات منحنيات جديدة في العقل والوعي .. المفردات دخلت أفرانهم اللغوية اللاهبة وهوت عليها المطارق الضخمة بعنف مغيرة شكلها واستعمالاتها،بل ظفروا بأكثر مما كانوا يمنون به أنفسهم، ذلك أن الكلمات أصابها الهلع وفقدت ذاكرتها في لحظة خوف غير طبيعية وصارت راضية بتوظيفها الجديد على قدسية معانيها القديمة،أشفقت عليها ﻷنني لم أفقد ذاكرتي بعد ولم يترهل ذهني بعد ولم يتكأ الشحم على العقل،وشعرت برغبة معانقتها وضمها إلى صدري وأن أمسح على رأسها وأربت على كتفها بعد كل هذه القسوة والعنف،إذ لم يعد شيء من حروف اللغة لم يقتاد ويؤسر في استعماله سوى حروف العطف والجر.

لأنني أقدس المعاني الحقيقية للأحرف إذا اجتمعت فإنني أرشها كل يوم بالبخور الهندي بعد أن أغسل بالصابون الحلبي لها وجهها،بعدما اتسخ في رحلات العذاب بين الصحف والمنتديات،كما أحممها كل يوم بعد نشرات الثامنة المقدسة لدى الأنظمة حيث أخذت إلى المستنقعات،واقتيدت قسرا للدفاع عمن لن يدافع التاريخ عنهم،ولها موعد أسبوعي في حمام تركي بعد الجلسات الأسبوعية لمضاجعة الكذب في البرلمانات،في هذه السنوات تعب الكلام من الكلام ولم يتعب قلمي،وتعبت المعاول والفؤوس من السقوط على أشجار الغرقد ولم تتعب يدي،أشعر بروح جديدة ليست هي ما بدأت به المقال وهي من أخرت ظهور كلماتي في المسابقة،وهي أجمل ما سأفوز به،سأعود إلى القيام بالغارات ولن أمنح أحرفي عطلتها المفتوحة التي وعدتها بها،بل سأرمي بها في عملياتها الإستشهادية التي اعتادت عليها وأتقنت فنونها حيث كانت بعد كل عملية تصير حية ترزق في جنات اللغة،صحيح أنها جاءتني أشلاء بعد كل عملية لكن وصيتها قبل الذهاب كانت من كلمة واحدة:استمر.