عندما يبحث المرء في ذاكرته عن أبرز الفصائل الحيوانية التي تشتهر بها دولة قطر، تتبادر إلى الذهن فورًا صورٌ لحيوان المها العربي أو الضب. ولكن عقب توقيع اتفاقية ثلاثية الأطراف مؤخرًا بين إكسون موبيل للأبحاث – قطر، عضو واحة العلوم والتكنولوجيا في قطر، وجامعة قطر وجامعة تكساس إي أند أم في جالفستون، تجري حاليًا دراسة بحثية تعتزم تسليط الضوء على حيوانات الأطوم (أبقار البحر) التي لا تحظى بالقدر الكافي من الشهرة في دولة قطر.

تُعد أبقار البحر من الثدييات البحرية النباتية كبيرة الحجم التي يصل وزنها إلى أكثر من 400 كيلوجرام، وتتغذى هذه الحيوانات على الأعشاب البحرية وتعيش في المياه الساحلية في أكثر من 37 بلدًا حول العالم.

بإمكان هذه الفصيلة الحيوانية أن تعيش لمدةٍ تصل إلى 70 عامًا، ونظرًا لأنها من الثدييات المعمّرة ذات الأحجام الكبيرة ومعدل تكاثرها المنخفض، فإنها الفصيلة الوحيدة الباقية على قيد الحياة من عائلة الأطوم المنحدرة من مجموعة خيلانيات الثدييات البحرية، كما أنها مدرجة على قائمة الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة ضمن فئة الحيوانات المهددة بالانقراض.

تعدّ سواحل دولة قطر موطنًا لثاني أكبر تجمع من حيوانات أبقار البحر في العالم، حيث تأتي في المرتبة الثانية بعد أستراليا. وبالرغم من إجراء عدد محدود من البحوث المتعلقة بأبقار البحر في دولة قطر حتى الآن، إلا أن الاتفاقية الجديدة تسعى إلى تطوير الفهم العلمي اللازم لاتخاذ قرارات بيئية مستنيرة حيال أبقار البحر التي تقطن سواحل دولة قطر.

جرى تطوير المقترح البحثي من قبل الباحثين المشاركين الرئيسيين؛ الدكتور كريستوفر مارشال، الأستاذ المشارك في الأحياء البحرية وعلوم الحياة البرية ومصايد الأسماك بجامعة تكساس إي أند أم في جالفستون، والدكتور محسن الأنسي، الأستاذ المشارك في البيئة البحرية بجامعة قطر. وتتولى إدارة المشروع البحثي جامعة تكساس إي أند أم في جالفستون، أحد أفرع جامعة تكساس إي أند أم، بمشاركة جامعة قطر، ومركز إكسون موبيل للأبحاث- قطر الذي يضطلع بدعم المشروع ماليًا.

قالت الدكتورة جنيفر دوبون، مدير البحوث في إكسون موبيل للأبحاث – قطر، خلال حوارها مع مجلة "المؤسسة”: "بدأ الحديث عن هذه الدراسة للمرة الأولى أثناء مشاركتي في أحد اجتماعات جمعية علوم الثدييات البحرية في نيوزيلندا في ديسمبر 2013. التقيت باحثين من جامعة تكساس إي أند أم في جالفستون، الذين عرفوا أنني سأنتقل إلى دولة قطر في وقت لاحق من ذلك الشهر. اشترك الدكتور مارشال من جامعة تكساس مع الدكتور الأنسي من جامعة قطر في تطوير هذا المقترح، وتم البحث عن التمويل والشركاء المعاونين، وبالتالي كان التوقيت مثاليًا لأنني كنت أعتزم القدوم إلى دولة قطر وكان بإمكاني بناء هذه الشراكات. عندما وصلت إلى دولة قطر، لمست وجود فرصة حقيقية لدراسة هذه الفصائل الفريدة. انصب اهتمام مركز إكسون موبيل للأبحاث – قطر، منذ تأسيسه قبل 5 سنوات، على بحوث إدارة البيئة، وتحديدًا على البيئات البحرية ذات الطبيعة الخاصة، ومن ثم تطلعنا إلى استكمال المسيرة معتمدين على هذه الخبرات البحثية، إلى جانب العمل على زيادة الوعي بالموارد البيئية البحرية الموجودة هنا في دولة قطر.”

يتوفر قدر قليل من المعلومات حول تجمعات أبقار البحر في سواحل دولة قطر، خاصةً إذا ما قورنت بالبحوث المنشورة عن نظيراتها الأسترالية. ورغم إجراء عدد من الدراسات السابقة، إلا أن وجود بحوث شاملة ومحدّثة سوف يعزز الجهود المستقبلية المحتملة لحماية هذه الفصائل.

تابعت الدكتورة جنيفر دوبون حديثها قائلةً: "نعتقد أن هذه التجمعات من أبقار البحر تعيش في أقصى الحدود الشمالية. وعندما نضع هذه الحقيقة إلى جوار الظروف البيئية القاسية في الخليج العربي، فقد يؤدي ذلك إلى حدوث تحوّل في المعايير الظاهرية والتكيّفات البيئية لهذه الحيوانات بالمقارنة مع أبقار البحر الأسترالية. أشارت التقارير الواردة إلى ميل أبقار البحر إلى التجمع شمالي غرب دولة قطر في فصل الشتاء، ثم قيامها بالانتشار في أماكن متفرقة حول الساحل خلال فصل الصيف. تؤدي ندرة التقارير والمشاهدات الواردة إلى انخفاض مستوى الوعي بين سكان دولة قطر حول هذه الحيوانات، ونأمل أن تسهم هذه الدراسة في رفع مستوى اهتمام الأشخاص تجاه هذه الفصائل الفريدة.”

ينطوي البرنامج البحثي على 3 أهداف هي إجراء دراسات مسحية عبر الشواطئ لجمع البيانات الظاهرية (الشكل والحجم) وأخذ عينات من الحيوانات الجانحة، وتحديد أعمار أبقار البحر عن طريق تحليل أنسجة الأنياب المأخوذة من هذه العينات، وإجراء مقابلات مع الصيادين لتحديد مناطق وجود أبقار البحر وتقدير أعدادها استعدادًا لتنفيذ دراسات واسعة النطاق في المستقبل.

أضافت الدكتورة جنيفر دوبون: "بدأ تنفيذ الاتفاقية في الأول من يونيو عام 2014، ومنذ ذلك الحين عكفنا على جمع العينات التي أتيحت لنا. على غرار المناطق الأخرى في مختلف أنحاء العالم، تشكل التنمية الساحلية في دولة قطر تهديدًا متزايدًا على الثدييات البحرية مثل أبقار البحر، وقد تعلق أعداد منفردة منها في شباك الصيد أو تضربها الزوارق البحرية، لذا نرى بين الحين والآخر جثثًا لأبقار البحر جرفتها المياه إلى الشاطئ. لدينا حتى الآن 8 عينات من أبقار البحر الجانحة تم جمعها من شتى أنحاء الدولة، تراوحت حالتها بين حيوانات جنحت حديثًا وأخرى متحللة تمامًا. واظبنا كذلك على جمع قياساتٍ لأطوال حيوانات أبقار البحر، ونخطط لإجراء تحاليل على أنسجة أنيابها. نحن الآن في انتظار التصاريح لإرسال هذه العينات إلى جامعة تكساس إي أند أم في جالفستون لإجراء تحاليل عن فئاتها العمرية، وتتمثل خطوتنا المقبلة في إجراء سلسلة من الدراسات المسحية عبر الشواطئ بصفة منتظمة في شمالي غرب دولة قطر خلال فصل الشتاء.”

أشارت الدكتورة جنيفر دوبون إلى أنه فور تحقق الهدف الأول المتمثل في إجراء الدراسات المسحية الشاطئية، فإن النتيجة النهائية ستنطوي على إعداد خريطة بمناطق جنوح هذه الحيوانات باستخدام نظم المعلومات الجغرافية، للبدء في فهم المتغيرات الزمانية والمكانية لتجمعات أبقار البحر حول السواحل القطرية. وسيتم دمج البيانات الظاهرية التي تم جمعها خلال عمليات مسح الشواطئ مع نتائج تحاليل الأنسجة (الهدف الثاني للدراسة) من أجل فهم بنية الفئات العمرية والتاريخ الطبيعي لمراحل عمرية محددة من تجمعات أبقار البحر في دولة قطر، كالنسبة بين أعداد الصغار والبالغين من هذه الحيوانات على سبيل المثال.

استطردت الدكتورة جنيفر دوبون: "نسعى أيضًا إلى تكوين فهم أفضل حول السن الذي تصل فيه أبقار البحر إلى مرحلة البلوغ والتكاثر، ومن هنا يمكننا تطوير نماذج لعمليات النمو والتكاثر عن طريق ربط بيانات العمر، التي حصلنا عليها من تحليل الأنياب، بالبيانات الفعلية التي تم جمعها ميدانيًا.”