آداب علوم انسانية آداب علوم انسانية
الأجوبة :
محور الثالث: الواجب والمجتمع:
إن المصدر الوحيد للواجب الأخلاقي حسب دوركايم هو المجتمع الذي يمارس نوعا من القهر والجبر على الأفراد الذين ينتمون إليه، حيث إنه يرسم لهم معالم الامتثال للواجب الأخلاقي باعتباره الغاية الأسمى التي تهدف إلى استمرار النظام والتوازن الاجتماعيين، يسلب الواجب الأخلاقي وعي وإرادة الأفراد، لأنه لا يعبر عن سلطة فردية لكونه نتاج ضمير ووعي جمعيين، وبالتالي فإن الأفراد باعتبارهم أعضاء في مجتمع حينما يتصرفون تصرفا أخلاقيا، فإنهم لا يسلكون إلا بمقتضى القواعد الأخلاقية ذات الطبيعة الإلزامية والإكراهية، يتصف بها الواجب باعتباره ظاهرة اجتماعية بامتيازـ فإرادة المجتمع تتجاوز وتفوق إرادة الأفراد، لاعتبار واحد هو أن الإنسان، حسب دوركايم لا يمكن أن يكون إنسانا إلا بانتمائه إلى مجتمع محدد.
وحسب برغسون لا يجب أن نحصر مفهوم الواجب في بقعة الوطن الضيقة بل علينا أن نوسع منه حتى يشمل الإنسانية بكاملها، فلا ينبغي إنكار أهمية المجتمع في تحديد الواجبات الأخلاقية، غير أنه بالمقابل لابد من الانفتاح على الواجبات الإنسانية من حيث هي كذلك إذا كانت غاية القيام بالواجب في الفلسفة الأخلاقية هي الواجب ذاته، فإن الأمر معاكس تماما حينما نقارب الواجب الأخلاقي من منظور اجتماعي، حيث تتحدد دلالاته انطلاقا من رغبات الأفراد وإرادتهم، لتصير في الوقت نفسه إرادة المجتمع تقهر وعي الأفراد فتجعلهم ملزمين بالقيام بالواجب بنوع من الترهيب أو الترغيب الاجتماعيين، نفس الشيء قد يقال عن بعض المذاهب الفلسفية الوجودية حينما اعتبرت الإنسان مشروعا، بمعنى أنه حر في الاختيار، لكنها رغم ذلك قيدت تلك الحرية لاعتبار واحد، هو أنه يجب لاختيارات الفرد أن ترتبط بالناس الآخرين وبالإنسانية جمعاء، فعندما أختار لنفسي فإنني يجب أن أكون مسؤولا عن اختياري تجاه ذاتي ومجتمعي أيضا