دير مار إيليا قرب الموصل.دير مار إيليا قرب الموصل.
كانت الحيرة منبعا للفكر والمعرفة وزخرت بمعاهد العلم ومدارسه فقد تلقى إيليا الحيري مؤسس دير مار إيليا دراسته الدينية في مدرسة في الحيرة[5]، كما تلقى مار عبدا الكبير دراسته في إحدى مدارس الحيرة[6]، وعند فتح خالد بن الوليد عين التمر وجد في كنيسة أربعين صبيا يتعلمون من جملتهم سيرين أبو العلامة محمد بن سيرين وكذلك نصير أبو موسى بن نصير فاتح الأندلس وكذلك يسار جد المؤرخ ابن إسحاق وكذلك تعلم المرقش الأكبر وأخوه حرملة الكتابة وبعض العلوم في الحيرة، فقد كان لموقع الحيرة الأثر الكبير في تلاقح الحضارات، وقد كان ملوك الحيرة يهتمون بالتدوين كما عند النعمان بن المنذر الذي أمر بنسخ أشعار العرب في الكراريس فنسخت له وقد عثر على بعضها مدفونا في قصره الأبيض في زمن المختار، وكانوا يشجعون الشعراء بالعطايا فقد كان من شعراء الحيرة: المثقب العابدي وعبيد بن الأبرص والنابغة الذبياني وطرفة بن العبد ولقيط بن يعمر الأيادي وعدي بن زيد العبادي وعمرو بن كلثوم وعمرو بن قميئة وأعشى قيس والمرقش الأكبر ولبيد بن ربيعة. وقد كانت الحيرة مركزا علميا هاما وملتقى الأدباء في الجاهلية، وكان النعمان بن المنذر يجتمع بأدباء العرب في قصر الخورنق ويقيم مهرجانا أدبيا يسمى "المؤتمر" فكانت الحيرة محجا للأدباء والمثقفين، وكذلك الطب كان متقدما في الحيرة في زمن المناذرة وحافظت الحيرة على شهرتها في الطب في العصر الإسلامي، فكان حنين بن اسحق النصراني العبادي من أقدر أطباء المتوكل في العصر العباسي وكان أبوه صيدلانيا بالحيرة ولهذا الطبيب إسهامات مشهودة، ومن الناحية الدينية فكانت بلاد المناذرة على المذهب المسيحي النسطوري حتى أن العديد من ملوكهم تنصروا بل ونشروا هذه العقيدة في شرق الجزيرة العربية (بيت قطراية). برز من الحيريين القديس حنانيشوع، والقديس مار يوحنا، والقديس عبد المسيح الحيري[7]، والقديس "هوشاع" الذي حضر مجمع إسحاق الجاثليق عام (410م)، وشمعون الذي أمضى أعمال مجمع "يهبالا" الذي انعقد سنة (420م) وشمعون الذي حضر مجمع "أقاق" الذي انعقد سنة (486م)، و"ايليا" الذي وقع على مجمع باباي المنعقد سنة (497م)، و"ترساي" الذي تحزب سنة (524م) لنرساي الجاثليق ضد "اليشاع" و"افرام", و"يوسف" الذي وقد حضر مجمع "أيشوعياب الأرزني" الذي انعقد سنة (585م)، وشمعون بن جابر الذي نصرّ الملك النعمان الرابع في سنة (594م) على مايذكره مؤرخو الكنيسة[8]. وقد كان مار يشوعياب الأرزوني المتوفى سنة (596م) من أصل عربي. درس الديانة في "نصيبين"، ثم تقّدم فصار أسقفاً على "أرزون"، ثم ترقى حتى صار بطريكاً على النساطرة سنة (580م). وقد زار الملك "النعمان" وتوسط عند الروم لمساعدة "خسرو ابرويز" ضد "بهرام". ولما توفي نقل إلى الحيرة فدفن في دير "هند" ابنة النعمانْ. أما كنيسة الباعوثة في الحيرة وهي كرسي من كراسي المطرانية الدائمة فقد كانت المركز الديني الرئيسي في الحيرة وصمدت حتى أزمنه متأخرة وتناول المؤرخين بناءها بإعجاب. وشهد عام (424م) انعقاد مجمع "داد يشوع" في الحيرة لتنظيم شؤون الكنيسة النسطورية.
[عدل]الحياة السياسية
بعد انحسار حكم مملكة تدمر العربية عن منطقة غرب الفرات التي بضمنها الحيرة بدأ جذيمة الأبرش جهوده ليحكم تلك المنطقة وكانت تدمر عدوا شديدا للفرس أذاقتهم الرعب والهزائم. كانت الحيرة قاعدة ملك جذيمة وضم حكمه عانة وبقة وهيت والأنبار, وبعد جذيمة انتقل الحكم لعمرو بن عدي أول ملك من ملوك المناذرة والذي عاصر قيام الإمبراطورية الساسانية حين هاجم ملك الفرس نرسي مملكته وجعلها تابعة له لأسباب عدة منها موقع الحيرة الأستراتيجي الذي يتحكم بخطوط القوافل فيمكن للفرس التحكم بخطوط التجارة وتصريف بضائعهم بشكل غير مباشر, وجعل حكومة المناذرة درع من هجمات العرب أو الروم.
الجيش