جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: منتديات الجامعة و البحث العلمي :: منتدى البحوث العلمية والأدبية و الخطابات و السير الذاتيه الجاهزه |
السبت 16 مايو - 21:37:55 | المشاركة رقم: | |||||||
عضو نشيط
| موضوع: القراءة والتأويل في النقد الأبي الحديث القراءة والتأويل في النقد الأبي الحديث القراءة والتأويل في النقد الأبي الحديث محمد القاسمي إن الحديث عن مسألة القراءة والتأويل في النقد الأدبي الحديث يستلزم الوقوف عند تيارات ومدارس نقدية متنوعة وتأثيرات منهجية مختلفة، وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أثر الشكلانية الروسية وخاصة ما يتعلق بعنصر الإدراك والأداة ومفهوم التغريب ثم مفهوم التطور[1]، الأدبي وكذلك الإشارة إلى مساهمة رومان إنكاردن وخاصة حديثه عن بنية اللاتحديد والتحقق والتجسيم، ومساهمة جورج كادامير وخاصة حديثه عن علم التأويل والمنهجية وتاريخ علم التأويل والآراء المسبقة التأويلية والتاريخ الفعلي وأفق الفهم [2]. ومع ذلك فإن هذه التيارات النقدية قد نظرت إلى النص الأدبي من زاوية محددة، فالاتجاهات الشكلانية واللسانية والبنيوية نظرت إلى النص الأدبي باعتباره كائنا لغويا بنيويا يتسم بانغلاق كونه اللغوي، وعدم إحالته على أي مرجع واقعي، وانفصال أنساق الأدلة عن الذات أي عدم ارتباطها بعاملي إنتاج المعنى وتلقيه، وأخيرا تجريد العمل الأدبي من كل وظيفة اجتماعية. أما المنهج المركسي فإن المفارقة المثيرة التي ميزته-حسب أنصار نظرية التلقي- فهي "اعتراضه على أن يكون للفن ولسائر أشكال الوعي الأخرى– الأخلاق والدين والميتافيزيقا- تاريخ خاص... فلا يمكن للأدب أو للفن أن يتجلى كسيرورة جارية إلا في تعلقه بالممارسة التاريخية للإنسان وفي وظيفته الاجتماعية."[3] وفي خضم هذه التصورات التي ميزت هذه المناهج النقدية، نشأت نظرية التلقي باعتبارها نظرية نقدية جديدة تقوم على استلهام تلك التصورات والتغيرات ومحاولة استيعابها، وذلك بتحويل الاهتمام من المؤلف والعمل الأدبي إلى النص والقارئ. فاستغلال النص الأدبي ومحاولة فهمه وتأويله لا يتم إلا بواسطة الدور الذي ينهض به القارئ في هذه العملية، ومن هنا فإن مشروع نظرية التلقي –وكما صرح بذلك كل من ياوس وإيزر-لا يقوم على إقصاء المناهج النقدية السابقة، بل يعمل على استثمارها وتجاوز نقائصها في الوقت نفسه. وبذلك تحولت نظرية التلقي من مجال النقد الأدبي إلى مجال نقد النقد، أو بتعبير د.حميد الحميداني من مجال المعرفة إلى مجال معرفة المعرفة. ويمكن أن نشير في هذا الصدد إلى أن ياوس لم يقلل من أهمية التصور الشكلاني للأدب، وخاصة حديث تينيانوف عن مفهوم التطور الأدبي حيث اعترف بأن الفضل في تجديد الفهم التاريخي للأدب يرجع إلى الشكلانيين، وإن كان هذا الفهم لا يتم في إطار إدراك العمل الأدبي في سيرورته التاريخية المتمثلة في وظيفته الاجتماعية والتأثير الذي يمارسه القراء باستمرار. ولهذا السبب نص ياوس على أن تاريخية الأدب لا تنحصر فقط في التطور الداخلي للأشكال، بل تشمل السيرورة العامة للتاريخ أيضا[4]. وليس المقصود بالتاريخ الأدبي عند ياوس التاريخ الذي يهتم برصد سيرة المؤلفين وآثارهم لأن هذا النوع من التاريخ "ليس تاريخا حقا بقدر ما هو طيف تاريخ"[5]. ومن هنا فإن الكشف عن حقيقة العمل الأدبي لا تتم انطلاقا من معرفة دقيقة بتفاصيل الظروف البيوغرافية أو التاريخية لنشأته، بل من خلال النظر إليه باعتباره بنية دينامية لا يمكن إدراكها إلا ضمن تحولاتها التاريخية المتعاقبة، وقدرة العمل الأدبي على "الوقع" أي على الأثر الذي يحدده النص، وعلى "التلقي" الذي يحدده بصفة منتظمة المرسل إليه، ويفترض الوقع الأثر" نداء أو إشعاعا آتيا من النص، وكذا قابلية المرسل إليه لتلقي هذا النداء أو الإشعاع الذي يمتلكه".[6] 1- القراءة والتأويل عند ياوس: إن بناء تصور جديد لعمليتي القراءة والتأويل عند رواد نظرية التلقي يقتضي رسم تصور مغاير لمفهوم تاريخية الأدب، ورسم الحدود بين المعرفة الجمالية والمعرفة التاريخية، فتاريخية الأدب حسب ياوس لا تنهض على علاقة التماسك القائمة بين الظواهر الأدبية، وإنما تقوم على تمرس القراء أولا بالأعمال الأدبية، وبذلك يتحول مؤرخ الأدب نفسه إلى قارئ قبل أن يتمكن من فهم طبيعة العمل وتحديده تاريخيا، وبالتالي وضع حكمه ضمن السلسلة التاريخية للقراء المتعاقبين، وفي هذا السياق يرى ياوس أن تاريخ الأدب عبارة عن "عملية جدلية بين الإنتاج والتلقي".[7] أي أن العمل الأدبي لا يستطيع الاستمرار في التأثير إلا إذا استقبله القراء على نحو دائم ومتجدد، وهؤلاء القراء إما أنهم يكتفون باستهلاكه وتقليده، وإما أنهم يتجاوزونه وينتقدونه. وفي هذه الحالة يصبح العمل الأدبي موضوع تجربة أدبية لدى الجمهور المعاصر واللاحق، قراء ونقادا وكتابا كل حسب أفق توقعه الخاص به. إن إعطاء تصور جديد لمعنى التاريخ الأدبي يدخل في صميم المشروع النقدي لجمالية التلقي، ونظرية التلقي بصفة عامة؛ ذلك بأن قراءة العمل الأدبي وتأويله تتم عبر إعادة بناء علاقاته بقرائه المتعاقبين إنطلاقا من الحاضر[8]، أي وضعه في سياق زمني يتيح التغلب على المسافة التاريخية التي توجد بين الحاضر والماضي، ومن هنا تأتي أهمية تاريخ القراءات بالنسبة لياوس نظرا للدور التوسطي الذي تؤديه فيما يخص مد جسور الحوار والتواصل بين الماضي والحاضر والاستئناس بقراءات الأوائل واستثمارها في فهم حدود المعنى في النص الأدبي. ومن هنا فإن العودة إلى تجارب القراء المتعاقبين" تساعد على وضع حدود لإمكانية التأويل عند القارئ الذي ينتمي إلى أفق الحاضر إلى جانب الحدود التي يضعها النص أمامه".[9] وانطلاقا من هذا التصور عمل ياوس على سد الهوة القائمة بين العمل الأدبي والتاريخ العام، أو بين المعرفة الجمالية والمعرفة التاريخية، وذلك من خلال تأكيده على أن الجوهر التاريخي للعمل الأدبي لا يمكن أن يتضح من خلال فحص إنتاجه أو وصفه فقط، بل ينبغي أن نعالج الأدب باعتباره عملية جدلية بين الإنتاج والتلقي.[10] وهذه الجدلية المستمرة بين الإنتاج والتلقي هي التي توفر إمكانيات القراءة والتأويل للأعمال الأدبية. وتنبغي الإشارة في هذا الصدد إلى أن ياوس لا ينظر إلى القراءة والتأويل باعتبارهما مفهومين مستقلين، بل يعتبرهما مفهومين مترابطين ومتلازمين لايمكن الفصل بينهما، فما المقصود بمفهوم التأويل عند ياوس؟ وما هي أسسه وأنماطه؟ إن تحديد مفهوم التأويل عند ياوس مرتبط بطريقة فهم النص الأدبي وبطريقة تحديد معناه أو معانيه المختلفة. وفي هذا السياق لم يجد ياوس بدا من العودة إلى آراء أستاذه كادامير، وخاصة حديثه عن مراحل فهم العمل الأدبي باعتباره سيرورة هيرمينوطيقية. يرى كدامير أن فعل القراءة باعتبارها سيرورة تأويلية يرتكز على ثلاث مراحل: هي الفهم والتأويل والتطبيق. ويعني بالفهم كل الأحكام المسبقة les préjugés التي توجد في وعي المؤول وهو بصدد مواجهة النص لمعالجته.[11] أما التأويل فيعني به ذلك الوجه الجلي، أو المحك الفعلي لأنه يطرح صلاحية تلك الأحكام مع معطيات النص أو عدم صلاحيتها.[12] وبطبيعة الحال فإن هاتين المرحلتين تنتميان إلى الأفق الحاضر الذي يعيش فيه المؤول، ومعنى ذلك أن فهم النص فهما شاملا لن يكتمل إلا إذا انتقل المؤول إلى مرحلة التطبيق ليستعيد من خلالها المعاني التي أسندت إلى النص نفسه في آفاق تاريخية horizons historiques تتضمن تأويلات الآخرين وقراءاتهم، يستخلص منها ما يلائم أفقه الراهن. وبهذا المعنى يصبح النص الأدبي وغير الأدبي قابلا للتحيين والتطبيق في أحوال وأزمان مختلفة، وقابلا لأن يأخذ معاني جديدة بحسب الوضعية التاريخية للمؤول وأحكامه المسبقة.[13] وقد استثمر ياوس هذه الأفكار والآراء النقدية سواء في كتابه "نحو جمالية للتلقي" أو في كتابه "نحو هيرمينوطيقا أدبية" حيث ركز في كتابه الأخير على ثلاث مراحل لتأويل النص الأدبي، على غرار المراحل الثلاث التي ارتكز عليها فن الفهم عند كادامير، وهي: 1 القراءة الجمالية أو أفق الإدراك الجمالي horizon de la reception esthetique وفيها يقوم القارئ بإنجاز فهم متدرج لشكل العمل المدروس أو بنيته. 2-القراءة التأويلية أو أفق التأويل الاسترجاعيhorizon d'interprétation rétrospective وفيها يبرز القارئ الأفق السابق عن طريق بناء أحد المعاني الممكنة. 3- القراءة التاريخية أو أفق التطبيق horizon d' application ويعيد القارئ فيها، باعتباره مؤرخا، بناء أفق انتظار القراء الأوائل ومراجعة آفاق القراء المتعاقبين.[14] ويستفاد من تتبع هذه المراحل الثلاثة أن فهم النص وتأويله يتم عبر ربط النص الأدبي بسلسلة النصوص السابقة التي تنتمي إلى نفس الجنس، وفي هذا الصدد يرى ياوس أن "النص الجديد يستدعي بالنسبة للقارئ مجموعة كاملة من التوقعات والتدابير التي عودته عليها النصوص السابقة والتي يمكنها في سياق القراءة، أن تعدل أو تصحح أو تغير أو تكرر. ويندرج التعديل والتصحيح ضمن الحقل الذي يتطور فيه الجنس"[15]. وقريب من هذا المعنى حديث ريكور عن القراءة والتأويل، وعن كيفية إنتاج النص الأدبي وتلقيه وتأويله. فقد عالج في هذا المقام مفهوما بالغ الأهمية هو التباعد[16]distantiation إذ ذهب إلى أن النص يتباعد عن المقاصد النفسية للكاتب، والمقاصد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تحيط بإنتاجه، ثم المقاصد الذاتية للقارئ.كما أن عملية التباعد تتحقق من خلال تجاذب قطبين أساسيين هما: عالم النص وعالم القارئ.فالأول يخلق عالما خاصا به بعيدا عن المؤثرات الواقعية وعن مقاصد الكاتب ونواياه النفسية، لأن ما يدل عليه النص لا يطابق تمام المطابقة ما يريد الكاتب أن يبوح به، أما الثاني أي عالم القارئ فذهب ريكور إلى أن عملية القراءة تعد تحققا فعليا لإمكانيات النص الدلالية، على اعتبار أنها تعيد إنتاجه وتأويله، وتربط خطابه بخطابها، وفق سياق اجتماعي وثقافي مخالف للسياق الذي ظهر فيه النص أي وفق الانتظارات المرتبطة بالأفق الخاص بالقارئ. ومن هنا وضع ريكور مفهومين لقراءة النص الأدبي ظلا متعارضين في حقل الدراسات اللسانية والبنيوية والسيميائية وهما التفسير البنيوي أو القراءة البنيوية ثم الفهم التأويلي أو القراءة التأويلية. ففي القراءة الأولى –أي القراءة البنيوية- يتم عزل النص عن محيطه الخارجي وتعليق توقعات القارئ وانتظارات أفقه، وذلك قصد وصف البنية المحايثة أو الدلالية العميقة للنص. أما القراءة الثانية –أي القراءة التأويلية فيتم فيها فك العزلة عن النص قصد ربطه بمحيطه الخارجي وبأفق القارئ أو عالمه، يقول ريكور: "التفسير والتأويل يتعارضان ويلتقيان في قلب فعل القراءة نفسه"[17] وهكذا حاول كل من ياوس وإيزر –وهما من تلاميذ كادامير- أن يعيدا الاعتبار إلى الهيرمينوطيقا الأدبية من خلال تقديم بديل منهجي يخص تأويل النصوص الجمالية. ورغم أهمية هذا التصور الذي عبر عنه ريكور فيبقى مشروع ياوس في هذا الصدد متميزا عن غيره لأن استند في تأسيس مشروعه النقدي على مجموعة من المفاهيم الإجرائية التي تضبط عملية القراءة وفي مقدمتها: منطق السؤال والجواب وأفق الانتظار ومفهوم المسافة الجمالية. 1- منطق السؤال والجواب : تنبغي الإشارة منذ البداية إلى أن ياوس قد استقى مفهوم السؤال والجواب من كادامير الذي ذهب إلى أن فهم العمل الفني، يعني فهم السؤال الذي يقدمه هذا العمل إلى القارئ باعتباره جوابا، لأن النص عندما يكون بين يدي القارئ يصبح موضوعا للتأويل، منتظرا جوابا ما عن سؤاله.[18] وقد تنقلب العلاقة القائمة بين القارئ والنص بحيث يصبح القارئ هو صاحب السؤال، وينتظر من النص جوابا محددا. وهكذا تخضع العلاقة بين الطرفين لمنطق السؤال والجوابla logique de la question et de la reponse.وفي هذا الصدد يشير ياوس إلى أن فهم النص الأدبي الذي ينتمي إلى الماضي يقتضي إعادة اكتشاف السؤال الذي قدم له جوابا في الأصل، أي إعادة بناء أفق الأسئلة للقراء الأوائل. ومن هنا تدخل مهمة المؤرخ الأدبي الذي يتتبع الأسئلة التاريخية المتعاقبة وصولا إلى مرحلة يتم فيها استنطاق النص ليجيب عن سؤال ينتمي إلى أفق الحاضر. وبذلك يصير تاريخ قراءات نص أدبي معين عبارة عن لعبة حوارية ومفتوحة من الأسئلة والأجوبة. وهنا تبرز قوة العمل الإبداعي وغناه، وبالتالي قدرته على الإجابة عن الأسئلة التي تطرح عليه على مر العصور. وفي المقابل تصبح بعض الأعمال الأدبية مبتذلة ومألوفة بسبب عجزها عن السؤال، وبسبب أن الأسئلة التي كانت تتضمن أجوبتها لم تعد لها سوى فائدة تاريخية. فالنص الفني، والشعري بصفة خاصة كما يقول ياوس "ليس مدونة أحكام سماوية تقدم مسبقا أجوبة عما تطرحه من أسئلة، فخلافا للنص الديني الشرعي، الذي يعتبر حجة والذي يتعين إدراك معناه الجاهز... فإن النص الشعري متصور كبنية مفتوحة تقتضي أن ينمو فيها... معنى منزلا من أول وهلة بل معنى يتم تفعيله من خلال تلقياته المتعاقبة التي تطابق تسلسل الأسئلة والأجوبة"[19]. 2- مفهوم أفق الانتظار: يرى ياوس أن العمل الأدبي غالبا ما يحمل إلى القارئ مجموعة من المعطيات التي تشكل نسقا من الانتظارات والعلامات التي تترسب في العمل الأدبي نتيجة تأثره بالنصوص الأخرى التي تنتمي إلى نفس الجنس الأدبي. مما يخلق لدى جمهوره نمطا معينا من التلقي ويدفعه إلى استحظار تجربته السابقة عن النصوص التي سبق أن قرأها[20].وهنا يرى ياوس أن عملية القراءة لابد لها أن تستحضر أفقين اثنين، الأفق الذي يحمله العمل الأدبي، والأفق الذي يوجد في وعي المتلقي، فالأول مرسوم في النص ويدعى التأثير Effet والثاني معطى من قبل القارئ ويدعى التلقي[21]. ويضيف ياوس أن الأفق الذي يحمله العمل الأدبي يتميز بخاصيتين تأثيريتين هما: التخييب Deception ثم الاستجابة أو التأكيدConfirmation، مؤكدا أن العامل الأساسي في إنجاز أي مشروع علمي بصفة خاصة أو أي تجربة خاصة بصفة عامة يتمثل في تخييب الانتظار deception de L- attente على اعتبار أنه عندما "نستخلص بأن فرضياتنا خاطئة، نكون آنذاك مهيئين أكثر للاحتكاك بالواقع"[22]. وهنا ينص أن الطرح العلمي لتخييب الانتظار يساعد على تحديد وظيفة الأدب من الناحية الاجتماعية، لأن العمل الأدبي لا يكتفي بتخييب أفق انتظار قرائه، بل يثير أيضا أسئلة مخيبة ومشاكسة قد تمس الحكومة أو الدولة أو الدين أو الجنس. مما يدفع القارئ /المتلقي إلى مراجعة معتقداته وتصوراته. ويمكن القول إن قدرة الأدب على تخييب أفق انتظار القراء لا يقتصر على المعايير الجمالية الشكلية، بل يشمل كذلك المعايير الاجتماعية، وهذا يجسد ارتباط التطور الداخلي للأدب بتعاقب القراءات وتطور التاريخ العام. ومن جهة أخرى يقيم ياوس علاقة وثيقة بين مفهوم الأفق ومفهوم المسافة الجمالية. ذلك بأن قراءة العمل الأدبي ينجم عنه حدوث مسافة جمالية فاصلة بين أفق الانتظار السائد وبين أفق المستحدث في العمل الجيد. فالمسافة بين أفق التوقع والعمل أي بين ما تقدمه التجربة الجمالية السابقة من أشياء مألوفة و "تحول الأفق الذي يستلزمه استقبال العمل الجيد تحدد بالنسبة لجمالية التلقي الخاصية الفنية لعمل أدبي ما، "فكلما تقلصت هذه المسافة وتحرر وعي المتلقي من إرغام إعادة توجهه نحو أفق تجربة تعد مجهولة، كان العمل أقرب من مجال فن الطبخ أو التسلية منه إلى مجال كتب فن الأدب "[23]. ب- فعل القراءة عند إيزر: تنبغي الإشارة منذ البداية إلى أن المشروع النقدي عند إيزر يختلف في جانب كبير منه عن توجه ياوس في قراءة العمل الفني. فبينما اهتم ياوس في إطار مشروعه المعروف بجمالية التلقي بإدماج تاريخ الأدب، وخاصة مفهوم التطور الأدبي عند تينيانوف في معالجة الظاهرة الأدبية، وبتوظيف ما انتهى إليه كادامير في علم التأويل، نجد إيزر، وهو الباحث في الأدب الانجليزي، يهتم أكثر بالاتجاهات التأويلية للنقد الجديد وبالنظريات السردية، كما تأثر كثيرا بتصورات إنكاردن وبعدد من مفاهيمه النقدية. ويبقى الفارق الأساسي بين الناقدين أن ياوس يهتم بقضايا ذات طبيعة تاريخية واجتماعية، في حين يهتم إيزر بالنص الفردي وعلاقة القراء به، وهذا ما حدا بـ هولاب إلى القول :"إذا اعتبرنا أن ياوس يتناول العالم الكبير للتلقي فإن إيزر يهتم بالعالم الصغير للتجاوب"[24]. وهكذا فإن استبعاد الجوانب التاريخية والاجتماعية من العمل الأدبي، أو على الأقل وضعها في الدرجة الثانية، جعل إيزر يعيد النظر في ثنائية الذات والموضوع أثناء عملية القراءة، وذلك عبر تجاوز هذه الثانية والتركيز على الذات القارئ. وفي هذا الصدد ينص إيزر على أن قراءة العمل الفني تفترض انقساما في الذات وليس انقساما بين الذات والموضوع، ويوضح إيزر ذلك بقوله :"إذا فهمنا القراءة على هذا المنوال فإنها تحدث في الواقع تصاعدا في الإدراك الذاتي الذي يتطور خلال عملية القراءة... وهكذا تصبح القراءة وسيلة يحقق الوعي ذاته من خلالها.[25] إن التركيز على عنصر الذات القارئة في التعامل مع الظاهرة الأدبية مرتبط بطبيعة تحديد المعنى في النص الأدبي. فإذا كانت النزعة الموضوعية تؤكد أنه ليس هناك سوى معنى واحد ومحدد بالنسبة إلى كل عمل أدبي، وهذا المعنى يكون في غالب الأحيان مرتبطا بقصد المؤلف، فإن إيزر من خلال تركيزه على الذات القارئة يؤكد أن النص يقدم معاني مختلفة، وأن الذي يحدد إمكانات تأويل تلك المعاني هو القارئ اعتمادا على مجموعة من القرائن النصية التي تمنح القارئ حرية أكبر في تحديد المعنى أو المعاني التي يتضمنها النص، أو خلق معاني أخرى بطرق مختلفة. ومن هنا فإن ما يهم إيزر في قراءة كل عمل أدبي هو التفاعل بين بنية النص ومتلقيه. فإذا كانت البنيات متضمنة في النص "فإنها لا تستوفي وظيفتها إلا إذا كان لها تأثير على القارئ"[26]. فقراءة العمل الأدبي بحسب إيزر دائما لا يجب أن تهتم بالنص الفعلي فحسب، بل ينبغي أن تهتم، وفي نفس المستوى، بالأفعال المرتبطة بالتجاوب مع ذلك النص، "فالنص ذاته لا يقدم إلا مظاهر خطاطية يمكن من خلالها أن ينتج الموضوع الجمالي للنص، بينما يحدث الإنتاج الفعلي من خلال فعل التحقق، ومن هنا يمكن أن نستخلص أن للعمل الأدبي قطبين قد نسميهما: القطب الفني والقطب الجمالي، الأول هو نص المؤلف، والثاني هو التحقق الذي ينجزه القارئ".[27] وبذلك يحاول إيزر أن يسلك مسلكا يهدف إلى نوع من التقارب بين الذات والموضوع، بين القارئ والنص، لأن المعنى في نظره هو نتيجة التفاعل بين الطرفين أي بين النص والقارئ خلافا للتأويل التقليدي الذي يركز اهتمامه على توضيح معنى الخفي في النص. لكن كيف يتم التفاعل بين النص والقارئ؟ وكيف يتم تحديد المعنى من خلال فعل القراءة؟ يرى إيزر أن ما يميز النص الأدبي بصفة عامة والنص السردي بصفة خاصة هو عدم الاتساق بين أجزاء النص، أي أن النص عبارة عن أجزاء متجاورة ولكنها غير متصلة، ومهمة القارئ هي جعل تلك الأجزاء والعناصر النصية متصلة ومتماسكة، وجعلها في إطار مشترك. ويطلق إيزر على عدم الارتباط بين أجزاء النص اسم الفراغ أو البياض ويصفه بأنه "شاغر في النظام الإجمالي في النص، يؤدي ملؤه إلى تفاعل أنماط النص"[28]. والفراغ شيء مقصود في النص الأدبي لأن هذه الفجوات –أي عدم التوافق بين النص والقارئ هي التي تحقق الاتصال في عملية القراءة، وترسم الطريق من أجل قراءة النص،... وفي نفس الوقت تلزم القارئ إتمام البنية، وبذلك يتم إنتاج الموضوع الجمالي"[29]. هكذا يضع إيزر القارئ في مركز مشروعه التأويلي، فالقارئ عنده لم يعد طرفا مستهلكا لمعنى النص وقصدية المؤلف وإنما تحول إلى عنصر فاعل إلى عملية إنتاج المعنى. وبطبيعة الحال فإن المقصود بالقارئ عند إيزر يختلف عن مجموعة من القراء الذين حددت هوياتهم مسبقا مثل "القارئ الأعلى لـريفاتير، والقارئ المخبر لـفيش والقارئ المقصود لـوولف، لأن هؤلاء القراء لهم وجود فعلي وحقيقي. فالنص الفني بحسب ريفاتير مثلا عبارة عن مجموعة من الوقائع الأسلوبية الموسومة وغير الموسومة والتمييز بين هذه الوقائع لا تتم إلا من خلال ذات متبصرة، أما بالنسبة إلى إيزر فإنه يقترح نمطا آخر من القراء سماه القارئ الضمني ويعني به دور مكتوب في النص ومجسد للمقاصد التي يحتوي عليها بشكل افتراضي، إنه بنية نصية وليس شخصا خياليا.[30] وهذه البنية تتوقع قارئا حقيقيا قادرا على التفاعل مع التأثيرات النصية، ومن هنا فإن القارئ الضمني عند إيزر هو دائم الإنجاز والتحقق ولايمكن تصوره منفصلا عن فعل القراءة. المراجع بالعربية والفرنسية - الشكلانية الروسية : تأليف فيكتور إرليخ، ترجمة محمد الولي، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2000. - جماية التلقي : هانس روبرت ياوس، تقديم وترجمة، د.رشيد بنحدو، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 2003. - نظرية التلقي: تأليف روبرت. هولاب ترجمة خالد التوزاني و الجلالي الكدية، منشورات علامات،الطبعة الأولى1999 -[1] - فعل القراءة: تأليف فولفغانغ إيزر، ترجمة حميد لحمداني و الجلالي الكدية، منشورات مكتبة المناهل مطبعة النجاح الجديدة،البيضاء. - Hans George Gadamer. verite et Methode : les grandes lignes d une hermeneutique philosophique.seuil.paris 1976 - Hans Robert Jaus.pour une esthetique de la reception traduit par claude Maillard preface de Jean Starobinski gallimard paris 1978.. - Hans Robert Jaus. Pour une hermeneutique litteraire traduit par Maurice Jacob Edition Gallimard 1988. - Paul Ricoeur du texte a l action Essai d hermeneutique Edition Seuil Paris 1967.. -[1] الشكلانية الروسية : تأليف فيكتور إرليخ، ترجمة محمد الولي، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2000. [2] - -Hans George Gadamer. verite et Methode : les grandes lignes d une hermeneutique philosophique.seuil.paris 1976 [3] - جماية التلقي: هانس روبرت ياوس، تقديم وترجمة، د.رشيد بنحدو، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 2003، ص36-37. [4]-Hans Robert Jaus.pour une esthetique de la reception traduit par claude Maillard preface de Jean Starobinski gallimard paris 1978p 43. [5] - جماية التلقي، ص24. [6] - نفسه، ص 160. [7] - نفسه، ص 59. [8] -- pour une esthetique de la reception p13 [9] - pour une hermeneutique litteraire p 366. [10] - نظرية التلقي: هولاب، ص55. [11]- Verite et Methode p104-107 [12] - نفسه، ص104-107. [13] - نفسه، ص104-108. [14] -Jauss. Pour une hermeneutique litteraire traduit par Maurice Jacob Edition Gallimard 1988 p 357- 416 [15]- جمالية التلقي، ص66. [16] - Paul Ricoeur du texte a l action Essai d hermeneutique Edition Seuil Paris p 112. p126. [17]- نفسه، ص 159. [18] - Verite et Methode p216-217. [19]- جمالية التلقي، ص162-163. [20] - Pour une esthetique de la reception p50. [21] - Pour une hermeneutique litteraire p 430-431 [22] - Pour une esthetique de la reception p 47 [23]- جمالية التلقي، ص70. [24] - نظرية التلقي، ص77. [25] - نفسه، ص84. [26] - فعل القراءة، إيزر، ص13. [27] -- نفسه، ص12. [28] - فعل القراءة، ص82. [29] - نظرية التلقي، ص86. [30] - فعل القراءة، ص30. الموضوعالأصلي : القراءة والتأويل في النقد الأبي الحديث // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: souad1968
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |