اشتغال المسلمين بالفلسفةاشتغال المسلمين بالفلسفة
لم يهتم المسلمون بالآداب اليونانية لأنها كانت وثنية في مبدئها ومنتهاها فلم يحفلوا بها كثيرًا. وكانت معرفتهم بالفلسفة اليونانية عن طريق بلوتارك الذي نقل عن ديوجين اللايرتي، وفرفوريوس، وجالينوس. ولذلك كانت معرفتهم بالفلسفة السابقة لسقراط مزيجًا من الأساطير والخرافات التي نسبوها إلى فلاسفة اليــونان المتأخــرين في مدرسة الإسكندرية.
وقد عرف المسلمون الفلاسفة الذين جاءوا قبل سقراط كأنبا دقليس الذي كانوا يسمونه ابن دقليس، وديموقريطس وفيثاغورث، وكذلك عرفوا السوفسطائيين أمثال بروتاغوراس وجورجياس وعرفوا سقراط عن طريق ما كتبه عنه إسكانوفان في التعاليق وكتبوا عن سيرة سقراط وموته ودفاعه عن فكره حتى موته.
وكذلك عرفوا أفلاطون واعتبروه أقرب الفلاسفة إليهم لأنه تكلم عن الخلق الإلهي وأثبت وجود الصانع وبرهن على وجود النفس وخلودها وكان تأثيره فيهم كبيرًا. تأثر به الكندي والفارابي وابن سينا وكل التيار الإشراقي الصوفي ومن دار في فلكهم. وتأثر هؤلاء أيضًا بأفلوطين صاحب الأفلاطونية المحدثة والمذهب الإشراقي. وقد كان أرسطو مثار إعجاب فلاسفة الإسلام إذ إنهم، كما كانوا يجلّون أفلاطون الإلهي، أصبحوا يقدرون أرسطو العقلي إعجابًا بعلمه وعقله وإجلالاً لفلسفته. لكنهم وضعوا حول سيرته روايات وأساطير قصصية كانت من عمل مدرسة الإسكندرية والسريان المتأخرين، ونُسبت إليه كتب كثيرة لم تكن من تأليفه، نذكر منها على سبيل المثال، كتاب التفاحة وكتاب الربوبية واشتغلوا بكتبه كثيرًا لا سيما كتب المنطق، وكذلك عرفوا كتبه في الأخلاق والطبيعيات والسياسة. وقام فلاسفة الإسلام بمحاولة الجمع بين رأي الحكيمين أفلاطون وأرسطو. وعندما توغل المسلمون في الفلسفة وفي شروح أرسطو ومنطقه وأقيسته وأصبحوا أساتذة وطال باعهم في التفلسف، حصلت في القرن الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين حركة ترجمة عكسية من العربية إلى اللاتينية. وقد أثرت هذه الترجمات على الفكر الأوروبي وأعادت إلى الأوروبيين التراث اليوناني مزيدًا ومنقحًا ومشروحًا ومعلقًا عليه، ونشأت مدرسة أوروبية في العصور الوسطى تُسمى بالرشدية لقيامها على آراء الفيلسوف المسلم ابن رشد الذي كانوا يعرفونه بأفروس وعرفوا ابن سينا بأفيسينا، وكان كتاب القانون في الطب لابن سينا يدرَّس في جامعات فرنسا إلى القرن الثالث عشر الميلادي كما عرفته أيضًا قاعات أكسفورد إلى نهاية القرن الثالث عشر الميلادي. وقد كانت الفلسفة الإسلامية الجسر الذي نقل الفلسفة اليونانية إلى أوروبا.