الهياكل الاجتماعية والسياسية في إيطالياالهياكل الاجتماعية والسياسية في إيطاليا
خريطة سياسية لشبه الجزيرة الإيطالية حوالي العام 1494
حدت الأوضاع السياسية في إيطاليا في القرون الوسطى المتأخرة البعض إلى إطلاق نظرية مفادها: أن المناخ الاجتماعي غير العادي سمح بظهور حالات ثقافية نادرة. إيطاليا لم تكن موجودة ككيان سياسي في الفترة الحديثة المبكرة، بل كانت مقسمة إلى دويلات ومقاطعات صغيرة: مملكة نابولي تسيطر على الجنوب، وجمهورية فلورنسا والدولة البابوية في الوسط، وميلانو وجنوة إلى الشمال والغرب على التوالي، والبندقية إلى الشرق. كانت إيطاليا في القرن الخامس عشر واحدة من أكثر المناطق تحضراً في أوروبا.[27] وكانت العديد من مدنها تقع بين أنقاض المباني الرومانية القديمة، بل يبدو من المرجح أن ترتبط طبيعة الكلاسيكية في عصر النهضة بجذورها في قلب الإمبراطورية الرومانية.[28]
يشير المؤرخ والفيلسوف السياسي كونتن سكينر إلى أن الأسقف الألماني أوتو فون فرايسينج (حوالي 1114-1158) الذي زار شمال إيطاليا خلال القرن الثاني عشر لاحظ وجود شكل جديد ومنتشر من التنظيم السياسي والاجتماعي، مشيراً إلى أن إيطاليا على ما يبدو تركت الإقطاعية وأصبح مجتمعها مبنياً على التجارة (merchants and commerce). وارتبط بهذا أفكار معادية للملكية، متمثلة في الرسمة الجصيّة الشهيرة في أوائل عصر النهضة حكاية الحكومة الجيدة والحكومة السيئة في سيينا التي رسمها أمبروجيو لورنزيتي (رسمت في 1338-1340)، وكانت تحمل رسائل قوية حول فضائل العدل والعدالة والجمهورية والإدارة الجيدة. استطاعت جمهوريات المدن الإيطالية تكريس مفاهيم الحرية في نفس الوقت الذي كانت تكبح فيه جماح الامبراطورية والكنيسة. يروي سكينر أن هناك العديد من حماة الحرية الفردية مثل احتفال ماتيو بالميري (1406-1475) بعبقرية فلورنسا ليس فقط في النحت والفن والعمارة، ولكن أيضاً "بالازدهار الملحوظ في الفلسفة الأخلاقية والاجتماعية والسياسية التي شهدتها فلورنسا في نفس الوقت".[29]
حتى المدن والدول خارج وسط إيطاليا، مثل جمهورية فلورنسا آنذاك، كانت مشهورة أيضاً بكونها جمهوريات تجار، وخاصة جمهورية البندقية. وعلى الرغم من أنها كانت في الواقع أوليغاركية، ولم تكن تشبه الديمقراطية الحديثة إلا بشكل طفيف، إلا أنها كانت ولايات متجاوبة وتحتوي على بعض مزايا الديمقراطية، مع أشكال من المشاركة في الحكم والإيمان بالحرية الفردية.[30][31][32] أفضت الحرية السياسية النسبية المتوفرة إلى تقدم أكاديمي وفني.[33] وبالمثل, فإن موقع المدن الإيطالية مثل البندقية والمراكز التجارية الكبرى جعلتها في مفترق طرق ثقافي. جلب التجار معهم الأفكار من أصقاع العالم، وبالتحديد من المشرق العربي. كانت البندقية بوابة أوروبا التجارية، ومنتجة للزجاج الجيد، بينما كانت فلورنسا عاصمة لصناعة النسيج. كانت هذه الثروات المتدفقة إلى إيطاليا بسبب هذه الأعمال التجارية تعني أن بالإمكان تعميد المشاريع الفنية العامة أو الخاصة، وأيضا أن بإمكان الأفراد تخصيص أوقات فراغ أكبر للدراسة.[33]