جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: الركن الأسلامي العام :: القسم الاسلامي العام |
الثلاثاء 30 ديسمبر - 18:57:54 | المشاركة رقم: | |||||||
Admin
| موضوع: من فقه المقاطعة من فقه المقاطعة من فقه المقاطعة الكاتب: حسن بن عبدالحميد بخاري * شغلت المقاطعة مساحة واسعة جداً من خارطة العالم الإسلامي؛ تعبيراً عن الشعور الغاضب الذي عمّ الأمة تجاه دولة الدانمارك التي أساءت برسومها الساخرة إلى نبي الأمة (صلى الله عليه وسلم) ، وقياماً بإحدى الخطوات الواجبة على الأمة نصرةً لنبيها (صلى الله عليه وسلم) بعد تلك الإساءة ! والراصد لقضية المقاطعة الإسلامية لمنتجات الدانمارك يقف على نتيجتين "قويتين": إحداهما- قوة التفاعل الإيجابي مع قرار المقاطعة والالتزام الجاد به من قِبَل الشعوب المسلمة في كل بلاد الإسلام. والأخرى- قوة أثر تلك المقاطعة –مع أنها لاتزال في بداياتها- على حسابات دولة الدانمارك: السياسية والاقتصادية... وأخرى غيرها! * وبما أن قرار المقاطعة الاقتصادية الذي اتخذته الشعوب المسلمة ذو إطار شرعي (حيث يمثل الدور الواجب على الأمة في نصرة النبي (صلى الله عليه وسلم) )؛ وجب أن يأخذ حظه الكافي من التأصيل الشرعي للمسألة، لئلا تستأثر العاطفة وحدها -مهما كانت صادقة- على القضية، فتتجاوز بها بعض الحدود والضوابط الشرعية.. إفراطاً أو تفريطاً ! ومن هنا فقد كانت هذه الأسطر محاولة - على عجل- لتقريب شيء من فقه المقاطعة الاقتصادية، يتناول عرض الأدلة ووجه الدلالة، وفي طياته إيضاح لبعض المشكلات، ودفع لبعض الشبهات، أرجو أن يتضح به المسلك الشرعي للمسألة، ووراء ذلك من البحث للمستزيد مزيد . وقد جاء بحث مسائل الموضوع تحت العناوين التالية: مشروعية المقاطعة. هل المقاطعة واجبة أو مستحبة؟ لماذا المقاطعة؟ إلى متى المقاطعة؟ 1- مشروعية المقاطعة: ثبت في عدد من الأدلة الشرعية مشروعية المقاطعة التجارية للعدو، وأنها وسيلة مشروعة تُسلك لإرغام العدو والتضييق عليه، أو الانتقام منه وأخذ الثأر، وتلك الأدلة منها ما هو عام الدلالة تندرج تحته المقاطعة، ومنها ما هو خاص بها، ومن ذلكم: ( أ ) كل آيات الجهاد في كتاب الله المتضمنة لجهادي المال والنفس، نحو قوله تعالى:]انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله[، ]ياأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم`تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم[ . والمقاطعة التجارية داخلة في جهاد العدو بالمال؛ لأن الجهاد بالمال كما يكون ببذله لإضعاف العدو، يكون بإمساكه عنه لإرهاقه كذلك! وليُلحظ تقدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في كل الآيات، إلا موضع سورة التوبة:]إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة[، وهذا التقديم للجهاد بالمال على النفس له دلالة ولابد، ولعل منها: اقتدار كل المكلفين على الجهاد بالمال(بذلاً وإمساكاً) بلا استثناء، بخلاف الجهاد بالنفس الذي قد يعجز عنه بعض المكلفين أو يُحال بينهم وبينه. ومنها: كون الجهاد بالمال دعامة للجهاد بالنفس وليس العكس، وكونه أسبق منه إعداداً وتنفيذاً في ميادين الجهاد، فناسب ذلك سبقه عليه في الذكر الحكيم، والعلم عند أحكم الحاكمين! ( ب ) قوله تعالى – في أوجه العمل الصالح الذي يُكتب لصاحبه لوناً من ألوان الجهاد-:]ماكان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولايرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لايصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطأون موطئاًُ يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كُتب لهم به عمل صالح]. والمقاطعة الاقتصادية للعدو نيل عظيم منه ولا شك، لمّا تبور تجارته بديار المسلمين ويحل بها الكساد. ( ج ) قوله (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الصحيح الذي أخرجه أبوداود والنسائي: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم"، وقد تقدم أن الجهاد بالمال كما يكون بإنفاقه في الغزو وتجهيز الغزاة، فإنه يكون بإمساكه عن الوصول للعدو لئلا يتقوى به على قتال المسلمين وعدائهم. ولئلا يُقال: إن هذا تكلف في فهم الدليل وإقحام ما لا يحتمله من المعاني فيه، فهاهنا دليلان من وقائع السيرة، أحدهما فعل والآخر إقرار منه (صلى الله عليه وسلم) ، وكلاهما دال على المشروعية : ( د ) كل الغزوات والسرايا التي كانت قبل غزوة بدر الكبرى، بل حتى غزوة بدر ذاتها كان المقصد منها اعتراض قوافل قريش التجارية وأخذ أموالها وحصارها اقتصادياً، فسرية حمزة إلى (سِيف البحر)، وسرية سعد بن أبي وقاص إلى (الخرّار)، وغزوة الأبواء (ودّان) وسرية عبيدة بن الحارث إلى (رابغ)، وغزوة (بُواط)، وسرية عبدالله بن جحش إلى (نخلة)، وغزوة (العُشَيرة) التي أفلت فيها أبوسفيان بالقافلة في ذهابه إلى الشام، وهي القافلة ذاتها التي خرج النبي (صلى الله عليه وسلم) يريدها حين عادت نادباً إليها أصحابه قائلاً: "هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله يُنفّلكموها"، لكنها أفلتت فكانت غزوة بدر الكبرى ! فكل تلك الغزوات والسرايا كان هدفها الأول هو الحصار الاقتصادي واعتراض القوافل وقطع تجارة قريش، إضعافاً للعدو وكسراً لشوكته... وهل المقاطعة الاقتصادية إلا من هذا الباب ؟ ( هـ) قصة ثمامة بن أثال (رضي الله عنه) لمّا أسلم، فقطع تجارة الحنطة عن قريش التي كانت تأتيهم من قِبَله من اليمامة، وأقسم لهم: "ولا والله لايأتيكم من اليمامة حبّةُ حنطة حتى يأذن فيها النبي (صلى الله عليه وسلم) "، وخبره هذا في الصحيحين. فكان ثمامة (رضي الله عنه) بذلك أول مقاطِع تجاري للعدو في الإسلام –بمعناه الاصطلاحي-، فإنه استشعر دوره ضد قريش لكفرها وحربها لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، واستخدم سلاحه الذي يملك وقاطع تجارتهم، فكان في ذلك إرهاق قريش وتجويعها، حتى أرسلوا إليه (صلى الله عليه وسلم) يسألونه بالرحم أن يكتب إلى ثمامة ليُخلي لهم حمل الطعام، فكتب له النبي (صلى الله عليه وسلم) بذلك ورفع الحصار. وفي الحديث من الفقه: عدم اشتراط إذن الإمام للمقاطعة، خلافاً لمن قال به! فإن ثمامة قاطعهم ولم يستأذن النبي (صلى الله عليه وسلم) ، بل أقره (صلى الله عليه وسلم) على ذلك ولم ينكر عليه إقدامه على ذلك بلا إذن منه، ولا عدّ ذلك افتئاتاً وجرأة على مقامه (صلى الله عليه وسلم) ، بل لو استدل مستدل بهذا الخبر على اشتراط إذن الإمام لرفع المقاطعة بعد إقدام المسلمين عليها لكان أقرب... وهو بعيد! وبعد: فما سبق من الأدلة دلّ على مشروعية المقاطعة كما تقدم، والدلالة على "المشروعية" أعم من الدلالة على أحد أفرادها: الوجوب، والندب، والإباحة، وإذا كانت المقاطعة –عند الحاجة إليها والمناداة بها- مطلباً شرعياً فقد خرجت من حيّز الإباحة، وانحصر حكمها بين الوجوب والاستحباب (الندب)، وهذا هو المبحث التالي: 2- هل المقاطعة الاقتصادية اليوم واجبة أم مستحبة ؟ الأصل في التعامل مع غير المسلم الإباحة (بالضوابط الشرعية)، وحكم المقاطعة (الدائر بين الوجوب والاستحباب) لا يتعارض مع ذلك الأصل؛ لأن حكم المقاطعة طارئ، يطرأ بطروء أسبابه ودواعيه، ويزول بزوالها ، والنبي (صلى الله عليه وسلم) مع عداوة اليهود له بالمدينة وحصاره إياهم وحربهم وإجلائهم فقد كان يبيع ويشتري معهم، لكنه لمّا احتاج إلى المقاطعة في ظرف من الظروف حاصرهم في حصونهم، بل وحرق نخل مزارعهم كما فعل مع بني النضير، وفي ذلك نزل قوله تعالى: [ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين]. وعندئذ: فمتى احتاج المسلمون إلى المقاطعة التجارية كما هو الحال اليوم مع دولة الدانمارك الصليبية بعد استهزائهم برسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسخريتهم منه، فإن أدنى درجات ذلك هو الاستحباب، وحيث نقول: أدنى درجاته الاستحباب فإن معنى ذلك أنه لا يمتنع أن يصل إلى الوجوب في بعض الأحوال، والمراد بوجوب المقاطعة: تحريم بيع منتجاتهم وشرائها، غير أن هذا التحريم ليس تحريماً لعينه، فإن المحرّمات في فقه البيوع إما أن تحرم لعينها (كبيع الخمر والخنزير)، أولغيرها بمعنى أنها تحرم لكونها وسيلة إلى محرم (كبيع العنب لمن يصنعه خمراً)، وهذا ما يعبّر عنه الفقهاء بقولهم: "الوسائل لها حكم المقاصد"، وعلى هذا يُحمل الوجوب في المقاطعة التجارية –إن قيل به-، أنه لغيره لا لذاته، من جهة أن البيع والشراء مع العدو وسيلة إلى تمكينه مادياً من الاستمرار على عداوته وحربه للمسلمين... وذلك محرّم ! والذي أراه أن المقاطعة التجارية تتجاوز حدّ الاستحباب إلى الوجوب في إحدى صور ثلاث: أ- إذا أمر الإمام بذلك وحمل الناس عليه وجبت المقاطعة ؛ لوجوب طاعة الإمام. ب- إذا انحصرت وسائل دفع العدو وكسر شوكته في المقاطعة، بحيث لم يجد المسلمون وسيلة أخرى وجبت المقاطعة؛ لأن دفع العدو وجهاده بكل الوسائل الممكنة واجب، وإذا انحصرت الوسائل في المقاطعة صارت هي الواجب كله، بحيث يؤدي تركها إلى ترك الواجب الذي يأثم به الجميع. مع مراعاة أن الذي يقرر انحصار الوسائل في المقاطعة وتعذّر غيرها هم المختصون من أهل العلم والدراية بالمسألة المباشرون للقضية ، العارفون بأبعادها، ممن يحسن تطبيق قواعد المصالح والمفاسد، لا أن يكون ذلك حقاً لكل مسلم يمارس فيه اجتهاده الشخصي ! ج- إذا عجز المكلف عن غير المقاطعة من الوسائل المشروعة، ولم يقدر إلا على المقاطعة وجبت في حقه؛ لأنها ستكون في حقه الجزء الذي يحقق به الوجوب في الجهاد والدفع؛ لقدرته عليه وعجزه عن غيره، والواجبات كلها تجب بالقدرة وتسقط بالعجز ! والصورتان الأخيرتان تدخلان في القاعدة الأصولية الشهيرة: "مالا يتم أداء الواجب إلا به فهو واجب" . 3- لماذا المقاطعة ؟ من المهم جداً عند اتخاذ قرار المقاطعة التجارية تحديد الهدف منها، والتي تختلف من حال إلى حال، ومن زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان. فتارة تكون المقاطعة حصاراً لعدو يُراد استسلامه وإخلاء بلاده بما فيها، وتارة تكون إرغاماً له وإضعافاً لإمكاناته، وتارة تكون ثأراً وانتقاماً لاعتداء بدا منه، وتارة تكون ضغطاً عليه لاسترجاع حق اغتصبه ...، وهكذا. فمن الضروري تحديد هدف المقاطعة الذي يتحدد من خلاله المدى الزمني للمقاطعة (وسيأتي الحديث عنها في النقطة التالية)، كما يُحكم على المقاطعة بالنجاح أوالفشل بناءً على تحقق الهدف أو عدمه، وهذا ما يجعل القضية منضبطة شرعاً، غير خاضعة لعواطف جياشة أو حماسة مندفعة، وفي الوقت ذاته يغلق الباب في وجوه المخذّلين والمثبطين، ممن ينادي بعدم جدوى المقاطعة، وأنها ما هي إلا تفريغ شحنة عاطفية ما تلبث أن تنطفئ! وفي قضية الدانمارك اليوم التي تقررت فيها المقاطعة شاع بين الناس خطأً أن الهدف منها هو أخذ حق النبي (صلى الله عليه وسلم) ممن سخر منه وهزئ به، عن طريق المقاطعة! وإنما قلت: "خطأً"؛ لوقوع خلط في هذا المفهوم بين حق النبي (صلى الله عليه وسلم) وواجب الأمة تجاه الاعتداء والتطاول عليه (صلى الله عليه وسلم) ، فالسخرية والانتقاص الذي أظهرته تلك الرسوم اعتداء على حقه (صلى الله عليه وسلم) ، وحقه (صلى الله عليه وسلم) شخصي محض، بمعنى أن أخذ الحق فيه أو العفو عنه متعلق بشخصه (صلى الله عليه وسلم) ، وهذا ما لا يمكن لأحد مهما اتخذ من أسباب أن يدعي أنه استوفى حقه (صلى الله عليه وسلم) ؛ لأن صاحب الحق فقط هو الذي يقرر استيفاء الحق من عدمه، ولا يسع الأمة كلها أن تتنازل عنه، أو تطالب بمطالب (اعتذار أو غيره) ترى أنه يستوفي الحق له (صلى الله عليه وسلم) ، ولهذا صرّح الفقهاء بأن شاتم النبي (صلى الله عليه وسلم) يُقتل ولا يُستتاب؛ لأن التوبة هنا متعلقة بحق شخصي، ولا محل بعد وفاته (صلى الله عليه وسلم) لاستعفائه، ولهذا: فلا المقاطعة ولا غيرها من الوسائل يُقال عنها: إنها تستوفي حق النبي (صلى الله عليه وسلم) أو تُسقطه... فلماذا المقاطعة إذن ؟ إننا إنما ندعوا إلى المقاطعة قياماً بواجب الأمة في القضية، لا استيفاءً لحق النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وهنا نحتاج إلى التفريق بين المسألتين: بين حق النبي (صلى الله عليه وسلم) في القضية، وواجب الأمة فيها... أما حقه فقد تقدم، وأما واجب الأمة فهو النصرة والتعزير والتوقير، على حدّ قول الله سبحانه: ]إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً`لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزّروه وتوقّروه[ ، وواجب النصيحة له (صلى الله عليه وسلم) بالدفاع عنه والذبّ عن عرضه والنيل ممن تعرض له بسوء وإن قلّ، وواجب المحبة المتضمنة لافتدائه (صلى الله عليه وسلم) بالأنفس والأموال والأعراض، ومعاداة من عاداه، ومحاربة من آذاه . وهذه الواجبات المتعلقة بالأمة هي الدوافع لقرار المقاطعة، فالهدف منها إذن: هو إبراء الذمة بذلك، وإقامة شاهد المحبة له (صلى الله عليه وسلم) بالسخط على من تعرض له بأذىً أو ناله بسوء، وردعه وكفّ باطله، وضمان ألا يعود لذلك، وألا يتجرّأ غيره فيفعل فعلته الوقحة، وبالتالي فإن هذه المقاطعة – طالت أو قصرت- لا علاقة لها بحق النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وطالما كان الغرض منها ما ذُكر فلا حرج أن تُحدّ بحدود يكون فيها: بذل المعاذير من المعتدي، والاعتراف بالجريرة، والتماس العفو والصفح، في ندم تام، وعهد غليظ بعدم تكرار ذلك، واستبدال الإحسان - قولاً وفعلاً - بإساءته تلك...، وغير ذلك مما يتحقق معه الهدف من المقاطعة، الذي لن يُسقط – بحال – حق النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وفي حديث ثمامة السابق شاهد على إيقاف المقاطعة(بأمره (صلى الله عليه وسلم) ) متى لاحت في ذلك المصلحة؛ إذ لم يكن الغرض منها قتلهم جوعاً، بل سوقهم إلى الهداية سَوقاً !! وهذا ما يجب أن ترجع الأمة فيه ( أعني حدّ المقاطعة) إلى أولي العلم والبصيرة، ممن يحقق مناط المصالح، ثم يزنها بالمفاسد، ويحكم بالراجح فيها، وهذا هو عنوان المسألة التالية: 4- إلى متى المقاطعة ؟ أحسب أن ما سبق تقريره في النقطة السابقة يُجيبنا عن هذا السؤال! ولذلك فإنه لما خلط بعض الفضلاء بين المقاطعة (وأهدافها) وبين حق النبي (صلى الله عليه وسلم) بنَوا على ذلك استمرار المقاطعة إلى الأبد، ذلك أن حق النبي (صلى الله عليه وسلم) لا يسقط بحال، فوجب أن تكون المقاطعة ماضية إلى الأبد ! وهذا التقرير خطأ من وجهين: الأول- أن فيه خلطاً بين حق النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي لا يسقط بحال، وواجب الأمة الذي لا تبرأ بتركه بحال، وقد تقدم ذلك. الثاني- أنه لو اعتبرنا المقاطعة عقاباً لمن نال من النبي (صلى الله عليه وسلم) أو استيفاءً لحقه منه، فإن فيه خلطاً بين المسيء الشاتم الساخر - وهو الرسّام-، والمقِرّ له –وهو الصحيفة والحكومة-، وبين الشركات التجارية والتجّار والشعب المقصودين بالمقاطعة! فلئن كانت المقاطعة عقاباً فليُنزل بمستحق العقاب فقط، ولئن كانت استرجاع حق فليؤخذ من المعتدي فحسب !! وحينئذ؛ فلا يسعنا إلا أن نقول: إن المقاطعة وسيلة شرعية يُراد بسلوكها تعريف المعتدي بخطئه، وإقراره بجرمه، وإقلاعه عنه، وعدم عودته إليه... الخ، وذلك ما يمكن أن يُحدّ بمطالب يضعها أولوا العلم والبصيرة في الدين وأهل الدراية في الأمة، ممن أوتي حظاً وافراً من الموازنة بين المصالح والمفاسد، وترجيح المتكافئ منهما، مع فقه تام بالواقع ومجاري الأحداث وتطورات الأوضاع؛ وصولاً إلى تحقيق المصالح من المقاطعة، واجتناباً لما يُتوقع من مفاسد، دون أن يكون لذلك أدنى أثر فيما يتعلق بحقه (صلى الله عليه وسلم) ، بمعنى أن الرسّام الآثم لو جاءنا بمعاذير الدنيا كلها وقبّل منا الأيدي والرؤوس والأرجل، طالباً أن نصفح عنه ونغفر له خطأه ... فإن الأمة لا تملك ذلك بحال ! وهنا يجب أن نعلم أن من الفقه: فقهَ حال الأمة اليوم ومعرفة وزنها بين الأمم؛ لتحديد المطالب التي يسمح بها ثقلُها ووزنُها، وأن الأمة اليوم في غَلَبة وضعف من أمرها إلى حدّ أشبه بوضع الإسلام في العهد النبوي المكي منه في العهد النبوي . ولذلك فليس من الحكمة اليوم المطالبة بمطالب أكبر من حجم الأمة، أو الإصرار على إقامة حدّ شاتم الرسول (صلى الله عليه وسلم) على المعتدي بتلك الرسوم، فإن كل ما ورد في السنة من وقائع أمر فيها النبي (صلى الله عليه وسلم) أو أقرّ فيها بقتل من شتمه وهجاه إنما هي وقائع مدنية، كقصة كعب بن الأشرف، وعصماء بنت مروان الخَطْمية، والأعمى الذي قتل أم ولده، وغيرها كثير، حتى قتل عبدالله بن خَطَل الذي كان متعلقاً بأستار الكعبة يوم الفتح، كل ذلك إنما كان أيام صولة الإسلام بالمدينة وقوة دولته، وأما قبلُ.. فلم يُعرف أنه (صلى الله عليه وسلم) انتقم ممن كان يؤذيه، مع أنه كان يناله في مكة من الأذى والشتم ما هو أشد مما كان في المدينة، بل ما هو أعظم من الشتم وأمرّ ! ألم يوضع سلا الجزور على ظهره وهو ساجد؟ فلم يكن (صلى الله عليه وسلم) - مع شدة غضبه- يصنع شيئاً أكثر من الدعاء ؛ مراعاةً للمصلحة، ومعرفة بما يناسب الوضع آنذاك. أو لم يكن يملك قتل عقبة بن أبي معيط أو الوليد ين المغيرة أو أبي جهل أو أبي لهب أو غيرهم من صناديد الكفر أو يأمر خفية بقتلهم ؟! بلى.. ولكن الحكمة النبوية الراشدة التي تزن المصالح والمفاسد لم تكن ترى مثل هذا الرأي في ظرف كذلك، وهي ذاتها الحكمة النبوية القائلة في المدينة –بعد العز والتمكين-: "مَن لكعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذى الله ورسوله" ، "ألا آخذٌ لي من ابنة مروان؟" ، وقيل له يوم الفتح : هذا ابن خَطَل متعلق بأستار الكعبة، فقال: " اقتلوه " !! وليفطن كثير من الغيورين ممن أخذتهم الحمية أن كثيراً مما يمارسونه أو ينادون به من قتل وحرق ونحوه قرارات حمقاء! خاصة في ظل ظرف الأمة الراهن وأوضاعها المزرية، مما قد يُفسد ثمار المقاطعة الناجحة، فيقلب الكفة لصالح العدو. وكم نحتاج في هذه المرحلة إلى حكمة تفقه الحِكم النبوية في أطوار الأمة ومراحلها وما يناسب كل مرحلة منها؛ لنفرّق جيداً بين: الحكمة والفقه في الدين، وبين: الخَوَر والانهزامية والاستسلام لواقع الأمة المرير ،،، الموضوعالأصلي : من فقه المقاطعة // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: berber
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |