قبسات من فكر مالك بن نبيبعد سقوط الخلافة العثمانية في بداية القرن العشرين انفرط العقد الأخير الذين كان يجمع الدول الإسلامية واسدل الستار على حقبة تاريخية هامة في التاريخ الإنساني والتي عرفت بالحضارة الإسلامية بعدها دخل العرب والمسلمون في نفق مظلم وليل مدلهم وكان الله عز وجل يبعث في كل مرة لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها ودنياها من العلماء والمفكرين فيظهر نتاجهم على شكل ومضات من نور في أفق العالم الإسلامي مأذنة بفجر جديد بعد سبات الأمة العميق ولاشك أن من بين أولائك الأعلام الذين برزوا على مسرح الفكر والثقافة في عالمنا الإسلامي المفكر الكبير والمنظر النحرير مالك بن نبي عليه رحمة الله والرجل معلوم أنه جزائري تعود أصوله إلى ولاية تبسة لكن للأسف انتاجه الفكري كان يستورد من المشرق العربي وكل كتبه تطبع في سوريا ولبنان ومصر وحتى نسلط مزيد من الضوء على تراث هذا المفكر المتميز والفيلسوف العظيم لمن لا يعرفه فالرجل مهندس كهربائي تخرج من الجامعات الفرنسية و رغم كونه مفرنس اللسان واللغة إلا أنه كان متشبع بالثقافة الإسلامية الأصيلة إلى حدالثمالة ولم يحل تخصصه التقني بينه ويين الولوج في عالم الحضارة وهو بحر عميق لا ساحل له غرق فيه الكثير ممن زعم الغوص في قاعه وسبر أغواره وهو لا يجيد السباحة ولا يدفعه إلا فضول السياحة ولكن مالك بن نبي رحمه الله خاض في علم الحضارات فأقرع وخطط وصمم فيه فأبدع وجادل فيه الخصوم فأقنع و اغترف من لججه فأشبع وذلك لما حباه الله به من ذكاء حاد وفكر وقاد وعمل جاد تنوء به العصبة من الباحثين والأكادميين ولا يفوتنا أن ننبه هنا أن الرجل كان موسوعة علمية بكل المقاييس فلما تقرأ كتبه المتنوعة المشارب سرعان ما تتكشف لك عن مكتبة ضخمة في شتى العلوم الإنسانية كالفلسفة والتاريخ والتحليل النفسي بالإضافة إلى علم الإجتماع فضلا عن الإلمام بالثقافة الإسلامية والعالمية على حد سواء ناهيك عن الأمثلة العلمية والرياضية التي يسوقها للتدليل على أرائه وما يخلص إليه وكل ذلك بأسلوب جزل ممتع و حس أدبي وروح شاعرية تتجاوز أحيانا حدود الزما ن والمكان ولعل من أهم ما جادت به قريحة هذا المفكر الفيلسوف -الذي يعتبر طفرة في تاريخ الفكر الإسلامي المعاصر-كتاب (شروط النهضة )الذي ضمنه نظريته في بناء الحضارة وأسس قيامها والمتمثلة في (الإنسان التراب الزمن) هذا الثلاثي إذا ما أضيف له عنصر فعال وهو الفكرة الدينية أمكن من انتاج مركب جديد هو الحضارة ثم أردف الحديث بالعمق والتحليل على محددات وموجهات الحضارة والمتمثلة في الثقافة والعمل ورأس المال إذا ما وضعت في إطارها الصحيح كما أن مالك بن نبي جاء بأفكار جديدة استلهمها من استقرائه للتاريخ الإنساني وتطبيقه لقواعد علم الإجتماع وأسس التحليل النفسي كفكرة القابلية للإستعمار وفكرة المطالبة بالحقوق والتي لا يمكن إلا أن تكون نتيجة لأداء الواجبات أولا وقبل كل شيء وغير ذلك من القبسات التي أضاء بها الكتاب ساحة واسعة في التراث الإنساني ما انفكت قاتمة ومظلمة ولقد ساق مالك بن نبي حشدا ضخما من أقوال الفلاسفة والمفكرين الغربيين ليآزر بها أقواله وهذا لا شك جواب شافي للكثير من طلابنا وباحثينا
الذين وقعوا في مصايد الفكر الغربي وصاروا يتنكرون لكل ما هو إسلامي وأصيل