العنصر النسوي و رهان التعليم الخصوصي



العنصر النسوي و رهان التعليم الخصوصي
فاطمة معتصم
لا شك ان المتتبع لمسار التعليم الخصوصي بالمغرب سيلمس ما شهده القطاع من انتعاش مرده الاهتمام المباشر الذي أصبحت توليه الدولة سواء كان ماديا أو معنويا مباشرا لمديري مثل هذه المؤسسات التعليمية /الاستثمارية ...و لعل اللافت أكثر هو الاعتماد على توظيف العنصر النسوي مربيات و مدرسات و مرافقات ....و لأن الأمر أصبح ظاهرة شبه عامة ارتأينا أن نسأل أهل الاختصاص، فوقع الاختيار على الباحث التربوي المغربي الأستاذ محمد الصدوقي و الذي قارب الموضوع من جوانبه المتعددة.
فكانت البداية مع تاريخ المؤسسات الخاصة حيث جاء رد الأستاذ الصدوقي كالتالي:

*تاريخيا،كانت بداية نشأة التعليم الخصوصي بالمغرب مع الفترة الاستعمارية الفرنسية،حيث بادر بعض الوطنيين إلى إنشاء المدارس الحرة كشكل من أشكال مقاومة المخططات الاستعمارية،وذلك من اجل بناء تعليم وطني ومستقل.وبعد الاستقلال تم تقوية التعليم العمومي الوطني،وبدأ هذا النوع من المدارس يقل تدريجيا.
في العقود والسنوات الأخيرة بدأنا نشهد تصاعدا مسترسلا في المدارس والمؤسسات التعليمية الخصوصية(الخاصة بالأجانب او المغاربة او المختلطة)،نظرا لعدة أسباب ومنها:
- تصاعد أعداد الجاليات الأجنبية المقيمة بالمغرب.
- التشجيع المستمر للدولة للتعليم الخصوصي،للتخلص من ضغوطات نفقات ومشاكل التعليم العمومي الذي يثقل كاهلها، كما تدعي؛حيث بالإضافة إلى الامتيازات القديمة،ثم منح هدايا/امتيازات أخرى جديدة او تدعيم القديمة وتوسيعها،من خلال الاتفاق الإطار الأخير بين الدولة وممثلي قطاع التعليم الخاص،إذ حظي هذا القطاع بامتيازات الإعفاءات أو التخفيضات الضريبية والجمركية،والتسهيلات العقارية والاقتراضية ،و الاستفادة المجانية أحيانا، من الخدمات العمومية للوزارة الوصية(تأطير،تكوين،تدريس،تقويم،تأهيل...).كل ذلك جعل الرأسمال يتهافت على الاستثمار في هذا القطاع المغري بالأرباح السهلة.

أما عن سبب لجوء اغلب الأسر المغربية الى تسجيل ابنائها بمدارس خاصة فقد كان جوابه أن مرد ذلك إلى:

*تردي صورة ووظيفة المدرسة العمومية(كما أريد لها)،وذلك لاعتقادها_اي الأسر_ بفعالية وجودة هذا التعليم،وبالتالي ضمان مستقبل أحسن،لأبنائها.

وردا على سؤال راهن التعليم الخصوصي بالمغرب فقد جاء على النحو التالي :

*... التعليم الخصوصي المغربي، كان في الماضي يلعب دورا وطنيا في غياب دولة وطنية قوية ومستقلة، لكنه أصبح اليوم يلعب دورا تجاريا محضا وابتزازيا لدولة ضعيفة،تعول على القطاع الخاص للتخفيف من أزماتها المالية والتدبيرية.لكن هل التعليم الخصوصي لبى متمنيات الدولة،التي تضحي بالمال العام وباستنزاف مواردها البشرية والمالية لصالح الرأسمال الخاص،وعلى حساب جودة وجاذبية وصورة المدرسة الوطنية العمومية؟
بعض الأرقام فقط قمينة بالجواب عن ذلك:نسبة التلاميذ الممدرسين بالقطاع الخاص لا تتعدى 6 بالمائة،حسب آخر تصريح لوزير التربية الوطنية؛ التعليم العالي الخاص بمؤسساته 117 لا يستقطب سوى حوالي 6 بالمائة(2005) ،وتطمح الدولة إلى نسبة 20 أو 25 بالمائة في أفق 2010.
المؤكد موضوعيا ومجتمعيا،ان التعليم الخصوصي هو تعليم نخبوي في اغلبه،موجه إلى فئات اجتماعية محدودة(طبقة وسطى نسبيا وبرجوازية)،وحسب بعض المؤشرات السوسيو اقتصادية فإن جزء كبير من الطبقة الوسطى بدأ يلتحق تدريجيا بالطبقة الكادحة،نظرا للتردي المستمر للقدرة الشرائية ولقيمة الأجرة، والارتفاعات الصاروخية لكلفة العيش ،مما يندر بالتقلص التدريجي لزبناء القطاع الخاص،و النسب الحالية المتوفرة حسب مساهمة هذا القطاع على التخفيف من مشاكل الدولة،وبالتالي تهدر هذه الأخيرة مواردها المالية، التي كان من الأحسن توظيفها للنهوض بالمدرسة العمومية.
ومن خلال نسب استقطاب التعليم الخصوصي للمتعلمين،نستنتج أيضا هزالة مساهمته في التشغيل،وخصوصا مص بطالة ذوي الشواهد العليا،وإن أضفنا أن أرباب هذه المدارس يفضلون غالبا ذوي الشواهد "الدنيا"،ولا يصرحون بالأعداد الحقيقية للمدرسين،و عدم الشفافية و التحايل والتلاعبات في تطبق قانون 06.00 بمثابة النظام الأساسي للتعليم الخصوصي،وخصوصا المواد المتعلقة بالأطر العاملة،فإن هذا القطاع لا يساهم بشكل دال في امتصاص أزمة بطالة خرجي الجامعات أساسا.
ورغم الهدايا والامتيازات الكبيرة التي تقدمها الدولة لأرباب المؤسسات التعليمية الخاصة، مما يضاعف أرباحهم أكثر،فإن العاملين بهذا القطاع يعيشون عدة مشاكل منها:هزالة الأجرة،عدم الاستفادة من الامتيازات النظامية المخولة لزملائهم بالقطاع العمومي( الاستقرار في المنصب،الترقية،عدد الساعات،العطل،الرخص،التطبيب...)،والكثير من
أشكال الاستغلال والتحايل واللاإنصاف.و غض الطرف عن إخراج نظام أساسي منصف لهؤلاء،يمكن اعتباره أيضا امتيازا آخر لأرباب هذه المدارس يضاف إلى الهدايا العمومية الكثيرة لتشجيع التعليم الخصوصي على حساب العاملين والمدرسة العمومية والمال العام.

و عن نسب تشغيل النساء و الغرض من وراء ذلك رد الأستاذ الصدوقي بأن:

* بعض الدراسات،والمعاينات الواقعية،التي اهتمت باتجاهات اختيار جنس العامل لدى أرباب العمل،فإنها تميل إلى تفضيل المرأة لعدة اعتبارات،منها:نظرا لأن اغلب أرباب العمل ذكور،فإنهم يفضلون المرأة التي قد يستغلونها جسديا أيضا؛ونظرا لتنميطهم للمراة في بعض السمات الشخصية : القناعة ،الانضباط،،الخضوع،المطواعية،الإنتاجية،عدم مساهمتها في التنظيم والاحتجاج النقابين...




وأظن ان عقلية بعض باطرونات قطاع التعليم الخصوصي لا تخرج كثيرا عن هذه النمطية الذكورية السائدة حول تمثلاتهم وتصوراتهم حول المرأة،والتي تجعلهم يفضلون العنصر النسوي في مؤسساتهم التربوية،لتتعرض لاستغلال مزدوج،دون وجود إطار قانوني حقيقي خاص،يحمي كل العاملين بهذا القطاع،ويؤمن مستقبلهم المهني والاجتماعي.ورغم وجود قانون الشغل الذي ينظم العلاقة بين المشغل والعامل،فإنه لا يلائم خصوصيات وحقوق هذه الفئة التعليمية،على غرار القطاع العام الذي يخص بعض قطاعاته بقوانين أساسية،ومنها التعليم العمومي.

حاولنا إذا ان نعطي صورة عامة لما يجري ،عبر اشراك أستاذنا محمد الصدوقي و الذي نتقدم له بجزيل الشكر و عظيم الامتنان و الذي تعامل بجديته المعهودة مع الموضوع
نشكره على سعة صدره و على إضافاته القيمة...
اجرى الحوار:فاطمة معتصم.