المحافظة على الاموال العامة المحافظة على الاموال العامة يقرر الاسلام أن الكون وما فيه ملك لله تعالى، وأن المال مال الله تعالى، >ولله ملك السموات والأرض< سورة الفتح آية (14)، وقال سبحانه: >وآتوهم من مال الله الذي آتاكم<، سورة النور آية (33) فالمال مال الله وهو وديعة في يد الانسان وعلى الانسان أن يتصرف بهذه الوديعة على وفق ما يريد الحق سبحانه فهو يطيع أمره في كسب المال وطرق انفاقه لتتحقق العبودية والطاعة الخالصة لله والايمان الكامل به، فالمال الخاص والمال العام يتعلق بكل منهما حق لله تعالى، وهذا المال لا يجوز كسبه أو انفاقه إلا وفق شرع الله تعالى وذلك بتحليل ما أحل وتحريم ماحرم. بعض الناس يتساهل في الاموال العامة وربما يمد يده إليها، وقد تكون الاموال العامة على صورة مرافق وخدمات فيعبث بها ويعتدي عليها وهذا حرام شرعاً ولابد من بيان وجوب المحافظة على الأموال العامة وذلك بتعريف الاموال العامة وبيان اهميتها في المجتمع، وما هي الركائز الاساسية في التعامل مع المال العام والمرافق العامة. المال العام هو المال الذي تعود ملكيته الى مجموع أفراد الأمة ويكون الانتفاع به لهم جميعا وهذه الأموال شاملة للأموال المنقولة وغير المنقولة ومن الأموال العامة المرافق العامة التابعة للمساجد والطرق والحدائق والمنشآت والآلات والمستشفيات والمدارس وغير ذلك، وبذلك نتبين أهمية الممتلكات والمرافق العامة للأمة، فالأمة تقوم برصد المال العام وانشاء المرافق العامة في مجتمعها لتحقيق أهدافها ومصالحها من خلال تقديم خدمات للجميع يتحقق بها الرخاء والرفاء، كما أن التنمية وبناء اقتصاد الأمة، لايقومان إلا على الأموال العامة، واقتصاد الأمة يسهم في استقرار اوضاع الناس ويمكن من تقدم الأمة حضارياً، وبالاقتصاد القوي يتحقق التكامل الاجتماعي بين ابناء الوطن الواحد وبسببه تتوفر اسباب القوة ووسائل الدفاع عن الوطن. والمحافظة على المال العام هو حفاظ على قوة الأمة، التي أمر الله تعالى باعدادها فقال: >واعدوا لهم ما استطعتم من قوة< سورة الأنفال آية (60)، والقوة تشمل مجالات كثيرة ومنها قوة الاقتصاد المتمثل في المال العام الذي ترصده الأمة لتحقيق اهدافها، إن المجتمع الذي يصان فيه المال العام والمرافق العامة مجتمع قوي، والمجتمع الذي يستهين بذلك مجتمع ضعيف، لان القوة الحقيقية في الايمان الذي يغرس الامانة والاخلاص في الفرد والمجتمع. كما أن المحافظة على الاموال العامة مظهر من مظاهر الانتماء والوفاء للأوطان، فلما كان المال عصب الامة كان لزاماً على الجميع أن يتكاتفوا لصيانته والمحافظة عليه وتقويته. ولقد وضع الاسلام ركائز اساسية في التعامل مع المال العام والمرافق العامة، وعني الفقهاء ببيان الاحكام الفقهية التي تشكل ركائز اساسية في كيفية التعامل مع المال العام والمرافق العامة وقرروا احكاماً فقهية يجدر بالجميع الاطلاع عليها والتقيد بها لتحقيق السعادة في الدارين، الدنيا والآخرة، وها نحن نذكر طرفاً من هذه الركائز. 1 - تحريم مد اليد الى المال العام والأخذ منه، فهو حرام مؤكد، لأنه حق الجميع، ولما كان الاسلام يحرم الاعتداء على اموال الناس الخاصة لما فيه من اعتداء على حقوق الاشخاص فإنه يحرم الاعتداء على المال العام بصورة أشد لما فيه من اعتداء على حقوق جميع افراد الأمة، لذا حرم الاسلام السرقة والاختلاس والخيانة، وما أعظم وأكبر بشاعة الخيانة، فقد نهى الله تعالى عنها بقوله: >ياأيها الذين آمنوا لاتخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وانتم تعلمون< سورة الأنفال آية (27)، وبين أنه لايحب الخائنين، ولقد استعاذ الرسول صلى الله عليه وسلم من الخيانة فقال: >اللهم إني اعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، واعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة< رواه النسائي وأبو داود وابن ماجة. ويجب المحافظة على المال العام والمرافق العامة كما يحافظ الانسان على ملكه الخاص ومرافقه الخاصة وذلك بصيانتها من العبث والاسراف في الاستعمال كاستخدام الكهرباء والماء والمواد الانشائية ونحو ذلك، فينبغي أن يكون استعمالها بالقصد والاعتدال، فالانسان كما يقتصد ويعتدل في الانفاق من امواله الخاصة يجب كذلك أن يعتدل ويقتصد في الاموال العامة والمرافق العامة، ولقد حرم الاسلام الاسراف فقال تعالى: >ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين< سورة الأعراف آية (31). فواجب الجميع أن يحرصوا على المحافظة على الاموال العامة حرصهم على اموالهم الخاصة، بل أشد، لأن منفعة المال العام عامة للجميع وفيه حق الأمة وهو مقدم على حق الفرد. 2 - السعي الى اصلاح ما يتلف من المرافق العامة وبالتالي عدم إتلافها بطريق العبث أو قصد الفساد والتخريب لأن التلف إذا تراكم أدى بالتالي الى تراكم المتلفات ويصعب عندئذ القيام باصلاحها وإن أمكن اصلاحها، فيكون ذلك على حساب المال العام وبتكاليف مضاعفة، ، فمن هنا كان واجباً على كل فرد ان يقوم بواجبه في الصيانة واصلاح العطل في هذه المرافق منذ البداية، وهي مسؤولية مشتركة على الجميع، قال عليه الصلاة والسلام: >كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته< رواه البخاري وأبو داود وأحمد. 3 - حراسة الاموال العامة والمرافق العامة لئلا تتعرض للتخريب أو السرقة ويجب محاسبة من يعبث بها أو يسيء استعمالها فلابد من محاسبة السارق والمختلس أو المهمل في المرافق العامة وأن توضع العقوبة الرادعة التي تعمل على التهيب والحذر في نفس الانسان من الاستهتار بالمال العام ويجب عدم التفريط في مسؤولية من يسيء في ادارته للمال العام، ولذلك وضع الاسلام عقوبته الرادعة للسارق والمختلس. لقد عني الاسلام بمبدأ: من أين لك هذا؟ عناية فائقة، فهو المبدأ الذي يشكل ركيزة اساسية في المحافظة على المال العام وهو مأخوذ من تطبيق الرسول صلى الله عليه وسلم لمحاسبة احد عماله حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل ابن اللتبية على صدقات بني سليم. روى البخاري ومسلم عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل النبي رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال: >اما بعد فإني استعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول: هذا لكم وهذه هدية أهديت إلي، أفلا جلس في بيت أبيه أو أمه حتى تأتيه هديته، وهذا إن كان صادقاً؟ والله لايأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة، فلا اعرفن احداً لقي الله يحمل بعيراً له رغاء او بقرة لها خوار أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه فقال: اللهم هل بلغت؟< 4 - طاعة ولي الأمر واجبة في اتباع كل ما من شأنه أن يبين ويوضح كيفية التعامل مع المرافق العامة والممتلكات العامة وهذا يعني أن القوانين والأوامر والتعليمات التي وضعت في كيفية استعمال المرافق العامة ينبغي تطبيقها لأنها ما وضعت إلا من أجل المحافظة على هذه المرافق امتثالا لقوله تعالى: >ياأيها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم< سورة النساء آية (59). إن الاعتداء على المال العام يؤدي الى الفساد العام والى إضعاف الأمة وإضعاف قوتها وهو أكل مال حرام له عواقبه السيئة في الدين والخلق وعلى النفس والعيال وعلى المجتمع، فالمعتدي على المال العام سارق، وقد نفى الرسول صلى الله عليه وسلم الايمان عن السارق حيث قال: >لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن< رواه الترمذي والنسائي وأحمد. وهو منافق لأنه خان الأمانة ففي الحديث: >آية المنافق ثلاث.. وذكر منها، وإذا اؤتمن خان< رواه أحمد والبخاري ومسلم، وفي الحديث: >لا دين لمن لا أمانة له< رواه الطبراني، وإضراره بالعيال والنفس، أن يأكل حراماً ويطعمهم حراماً وفي الحديث: >كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به< رواه البيهقي في شعب الايمان وأبو نعيم في الحلية، وهو مسؤولية يسأل عنه يوم القيامة ففي الحديث: >لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن اربع< رواه الطبراني، وذكر منها، >وعن ماله من أين اكتسبه وفيما انفقه< كما أن الاعتداء على المال العام غلول وقد قال تعالى: >ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كلُّ نفس ما كسبت وهم لايظلمون< سورة آل عمران آية (161)، وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً سرق شملة من الغنائم، وهي قطعة قماش صغيرة أنه في النار فقال: >والذي نفسي بيده إن الشملة التي اخذها يوم خيبر لتشتعل عليه ناراً< رواه مسلم، فلما سمعوا كلامه صلى الله عليه وسلم جاء رجل بشراك او بشراكين للنبي صلى الله عليه وسلم. وهذه دعوة لكل من اعتدى على المال العام ليتوب ويرد ماأخذ حكما لأن أكل الاموال العامة يلحق الضرر بالاقتصاد ويدمره. كما أن الاعتداء على المال العام يذهب بركة مال الانسان ويفتح عليه أبواباً كثيرة من الانفاق، فقد يمرض ولده أو هو أو زوجته ويحتاج إلى كثير من النفقات وذلك من باب العقوبة الربانية، والله أعلم. إن تاريخنا يزخر بنماذج عظيمة في المحافظة على المال العام، لقد صنع هذا الدين أمة أمينة عفيفة، ولقد كان الايمان بالله والتربية الايمانية المستمرة يولدان الاحساس بالمسؤولية وعظيم التبعة عند الله عز وجل، فيجعل الإيمان من كل إنسان حارساً أميناً على أموال الأمة، وأثبت هنا بعض القصص التاريخية في هذا المجال، منها قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أحد جنوده الذي جاء بكنوز من الذهب والفضة من احدى المعارك وهي غنيمة للمسلمين وقعت تحت يد هذا الجندي الأمين فجاء بها الى عمر ووضعها بين يديه فقال رجل من الحاضرين: عففت فعفوا ولو رتعت لرتعوا ، وقصة عمر ابن عبد العزيز الذي كان إذا اراد أن يتكلم في حاجة خاصة من حوائجه أطفأ الشمعة التي هي من بيت مال المسلمين ثم أضاء شمعة من ماله الخاص. ونحن والحمد لله تعالى مانزال نسمع أن في مجتمعنا من يتعفف حتى عن استعمال الأوراق البيضاء من مال الأمة فلا يدخلها في بيته ليكتب عليها ما يتعلق بمصالحه الشخصية. كما لانزال نسمع عن مسؤولين راقبوا الله تعالى فلم يستعملوا السيارات الحكومية إلا في اغراضها الرسمية، ويتنزهون عن استعمالها في الاغراض الشخصية، فالخير في هذه الأمة موجود وموصول والحمد لله، والذكرى تنفع المؤمنين.