جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: منتديات الجامعة و البحث العلمي :: منتدى البحوث العلمية والأدبية و الخطابات و السير الذاتيه الجاهزه :: للغة و اللسانيات. |
الجمعة 15 أغسطس - 22:07:24 | المشاركة رقم: | |||||||
مشرف
| موضوع: علم الجمال الرُّومنسي فى الادب الأمريكي2 علم الجمال الرُّومنسي فى الادب الأمريكي2 علم الجمال الرُّومنسي فى الادب الأمريكي2 » تمثّل السَّنوات ما بين 1837 و1855 واحدة من أكثر المراحل العاصفة في تاريخ تطوّر الفكر الجمالي في الولايات المتَّحدة الأمريكيّة، أي منذ ظهور الخطاب الشّهير الذي ألقاه إمرسون بعنوان "الباحث الأمريكي"، وحتّى مقدمّة" ويتمن لديوان "أوراق العشب"، حيث تتّخذ مشاكل الأدب نغمة ديمقراطية جديدة. لم يكن جديداً لا الموضوع نفسه، الَّذي كرّس لـه إمرسون خطابه "الباحث الأمريكيّ"، ولا دعوته إلى إيقاظ "عقل أمريكا الغافي". فقد كان الأدب الأمريكيّ في ذلك الوقت يغصّ تماماً بالتّضرّعات الدَّاعية إلى الإسراع في خلق أدب قوميّ، بل حتّى إنّ جامعة هارفارد نفسها، الّتي ألقى فيها إمرسون خطابه، كانت قد عرفت قبل ذلك عدداً غير قليل من الخطب المتضمّنة دعوات مماثلة. غير أنّ ما بقي في ذاكرة الأسلاف ولعب دوراً تاريخيَّاً في تشكيل الوعي الذّاتي الأدبي للأمّة الأمريكيَّة هو خطاب إمرسون تحديداً، وليس تلك الخطب الرّنَّانة، المنسيَّة الآن، والّتي كانت تمجّد أدب أمريكا المقبل. إنّ تراث إمرسون ودوره في النّضال من أجل أدب أمريكيّ ديمقراطيّ ما يزالان يقدَّمان، حتّى اليوم وفي حالات كثيرة، تقديماً مشوَّهاً. والنَّقد الأمريكيّ التَّقدُّمي هو الَّذي يحيي صورة إمرسون بوصفه مناضلاً في سبيل الفنّ القومي وضد الشّوفينيَّة، بدلاً من إمرسون المدرسي "الَّذي علَّمتنا كتبنا المدرسية أن نحترم فيه "الاعتدال الهادئ"، بوصفه نموذجاً لسلبيَّة عديمة الضَّرر"(9). فالقول المعروف بأنّ "هرب إنسان واحد من العبوديَّة إلى أرض ماسَّاشوستس يساوي بالنّسبة لقضية الحرِّية أكثر من عشرة آلاف خطبة"، إنَّما ضمن الشّهرة لإمرسون بوصفه مدافعاً متحمساً لمصالح المقهورين والعبيد. فإلى جانب ثورو الّذي ألقى "خطبة في الدّفاع عن الكابتن جون براون"، وقف إمرسون يبدي إعجابه بالشَّجاعة الوطنيَّة التي أبداها جون براون في تزعّمه انتفاضة لتحرير العبيد، ثمّ ألقى عدداً من الخطب في المحكمة دفاعاً عنه. وقد التفَّت حول إمرسون منذ سنة 1835 مجموعة "التَّعاليّين Transcenden tialist"(10) الّتي ضمَّت كثيرين من الأدباء الّذين اشتهروا فيما بعد، مثل هـ.د.ثورو، و م.فولّر، وآخرين. فكشفت النّظريَّات الأدبيَّة النّقديَّة الّتي عالجها التَّعاليّون النّقابَ عن كثير من الإمكانات الإبداعيّة الكامنة في الأدب الأمريكيّ. وقد أشارت واحدة من أعضاء المجموعة البارزين هي مارغريت فولّر، حتّى قبل ويتمن، إلى الصّلة بين قضيّة الأدب القوميّ وحالة المجتمع الأمريكيّ ومستوى تطوّره الدّيمقراطيّ. إذا كان التّعاليّون قد عبّروا عن مشاعر التَّفاؤل والكرامة والقوميَّة، فإنهم اتَّخذوا بالإضافة إلى ذلك موقفاً رومنسياً طوباوياً من مسألة التّقدّم الرَّأسمالي؛ ذلك أنّ نشاطهم الأدبيّ الجماليّ كان يقوم على أساس الاحتجاج ضدّ ما تتّسم به العقلانيّة التّنويريَّة من محاكمة باردة. ففي مبحث "الطّبيعة"، الّذي يعتبر نموذجاً للنّثر الغنائيّ الفّنيّ، ويتميَّز بشاعريَّة رفيعة، يدعو إمرسون إلى الهرب من مجتمع متنوّر ولكن لا روح فيه، إلى جمال الطّبيعة الفطريّ. لقد كان التّعاليّون يطمحون إلى فهم مشكلات عصرهم الاجتماعيّة، وإلى تأسيس وتحديد الواجب الوطنيّ للكاتب. وقد وُجِد بينهم أناس تخلّوا طوعاً عن تلك الامتيازات الَّتي كان يضمنها لهم وضعهم في المجتمع، ومهنتهم وتحصيلهم العلميّ، وذلك بغية الاقتراب من الشّعب والتّحرّر من قيود المجتمع البرجوازيّ، والتحقّق بالتّجربة من إمكانيَّة تطبيق أفكارهم الاجتماعيَّة الطّوباويَّة. وقد رفض التّعاليّون ما هو قائم من أشكال نظام الدّولة والبنيان الاجتماعيّ،و تمسّكوا بفكرة السَّعي الذَّاتيّ إلى الكمال، فعلّقوا آمالهم على الخير الكامن في كلّ إنسان. وكانوا، في مواجهة نفاق المجتمع البرجوازي (إذ لم يكن في مقدورهم أن يتصوّروا شيئاً آخر في الظّروف الأمريكيّة حينئذٍ) يؤكّدون على ضمير الفرد، وعلى الفكرة التّعاليَّة بخصوص الشّعور الفطريّ بالعدل، ذلك الشّعور الّذي يجب أن يغدو المعيار والقانون الأسمى للوجود البشريّ. إنّ الصّفة المزدوجة لهذه الفلسفة الأخلاقيَّة محكومة بما فيها من مواجهة بين نزعات فرديَّة مثاليَّة ونقد حادٍِّ للحضارة الأمريكيّة برمّتها ولعبادة الجشع المسيطر على البلاد. كان ذلك زمناً يعتبر فيه "سفر التَّكوين" المصدر المرجعيّ الوحيد للمعارف البشريَّة في مجال تاريخ نشوء الأرض والإنسان؛ فقد كان الجيولوجيا وعلم آثار الأحياء لا يزالان في مرحلة الطّفولة، أمّا البيولوجيا فكانت في أوَّل عهد قيامها على أساس علميّ. وحين قام إمرسون، وهو في الثّلاثين من عمره، بزيارة إلى حديقة النّبات الشّهيرة في باريس، أحدثت تلك الزّيارة زلزالاً في نفسه، فقد تكشّفت لـه أفكارُ وحدةِ كلِّ ما هو حيّ، وتمثَّلت الطّبيعة أمامه بوصفها انسجاماً كلّيّاً، و"كناية عن الرّوح البشريَّة". لقد كانت تثير عميق القلق لدى إمرسون مشكلاتُ تلك الثَّورة التّقنيَّة العلميَّة الأولى الّتي كان شاهداً عليها في أمريكا. ففي مقالته "الشّاعر" نراه يسخر من مخاوف أولئك الّذين كانوا يظنّون أنّ الانقلاب الصّناعي سيلغي الفنّ أو سيبدّل من جوهره: "يعتقد السّكّان المقيمون في بلدة للمصانع تخترقها سكّة حديد أنّ شعر وصْفِ الطّبيعة لم يعد ممكناً". لكأنّ إمرسون يطلّ علينا بعد قرن من الزمان ليشارك في النّقاشات الدّائرة حول موضوع الشّاعر والتّقدّم التِّقنيّ، فيقول إنّ الاكتشافات العلميَّة التِّقنيَّة الجديدة وتطويراتها إنّما تصبّ جميعاً وبانسجام عضويّ في النّظام العظيم القائم في العالم. كان إمرسون، وهو يؤكّد على الأفكار الدّيمقراطيَّة في عصره، يفهم النّبل الإنسانيّ على أنّه الإصرار "على الوقوف دائماً إلى جانب الضّعفاء وإلى جانب الصّبا، وفي مواقع التّسامح وحرَّيَّة الفكر"، الإصرار على الابتعاد أبداً عن مواقع الجمود الرّتيب، المحافظ، الهلع، وعن صفّ الأغنياء الّذين "يثمّنون القيود والسّلاسل". وقد كان هنري ديفيد ثورو أكثر المتشدّدين بين التّعاليّين في إدانة أخلاق الملكيَّة الخاصّة في مجتمعه البرجوازيّ. إذ أنّ أساس قناعاته الجماليَّة هو الدّيمقراطيَّة العميقة، والتّوجّه إلى الشّعب باعتباره المعيار الأسمى للفنّ والأخلاق والسّياسة. وفي ضوء ذلك تتميَّز تميّزاً خاصاً تلك النّبرة الثّوريَّة في كلمات ثورو بمناسبة الحرب القذرة الّتي كانت تخوضها الولايات المتّحدة الأمريكيَّة ضدّ المكسيك. فحين خاطب معاصريه من اللّيبراليّين الأمريكيّين ودعاة تحرير العبيد، أولئك الّذين كانوا يتشدّقون بالكلام عن الحريَّة والدّيمقراطيَّة، كتب في اعترافه الّلاهب والنّابع من قلبه، بعنوان "العصيان المدنيّ". يقول: "إنَّهم يثنون على الجندي الَّذي يرفض الاشتراك في حرب ظالمة، ولكنَّهم لا يرفضون مساندة الحكومة الظّالمة الّتي تقود هذه الحرب؛ وهم يثنون على من يتحدَّى سلوكهم ووجاهتهم، كما لو أنّ الولاية على قدر من النّدم على ذنوبها جعلها تستأجر من يجلدها، ولكن ليس بالقدر الّذي يجعلها تكفّ عن ارتكاب الذّنب ولو للحظة واحدة". وقد لاقت قولة ثورو الرَّائعة هذه ما تستحقّه من شهرة واسعة خارج حدود أمريكا أيضاً (لا سيّما التّقدير العالي الّذي قابلها به ل.ن.تولستوي) وكثيراً ما كانت ولا تزال تمثّل للكتَّاب الأمريكيّين التّقدميّين راية في نضالهم ضدّ قوى الرّجعيَّة. *** لم يكن على الأدب الأمريكيّ أن يكتفي بإثبات حقّه في الوجود داخل بلاده فقط، حيث كانت سوق الكتاب غارقة بطبعات أمريكيّة جديدة وكثيرة للكتب الإنكليزيَّة الّتي تمثّل الخصم، بل كان عليه كذلك أن يتابع السّجال الدّائم مع النّقد الإنكليزيّ الّذي لم ينِ، منذ قيام الولايات المتّحدة الأمريكيَّة، يطرح على الأمريكيّين سؤالاً واحداً وبصيغ مختلفة, هو "أين أدبكم؟". وإذ يتذكّر جيمس لوويل هذه الملامات يكتب في مقالة لـه تحت عنوان "أدبنا"، بمناسبة الذّكرى المئويَّة لتولّي واشنطن منصب أوَّل رئيس للولايات المتحدة الأمريكيّة، بأنّ هذا السّؤال ليس ظالماً وحسب، بل وهو مغيظ جدّاً: "لقد بذلنا قصارى جهودنا لكي نُفرح الإنكليز بصنع فيرجيلاتنا وميلتوناتنا(11) نحن، إلاّ أنّنا أخفقنا... إنّ مثل هذا السّؤال لم يطرح قط على شعوب أخرى هي أقدم منّا بكثير، وتنتظر قدوم شاعرها الإلهيّ من زمان بعيد"(12). وأثناء السَّعي إلى "إلغاء" هذا السُّؤال، والنّضال في آن معاً ضدّ التّصوّرات "المحليَّة" حول القوميّ في الأدب والفنّ، وقع كثيرون من النُّقَّاد الأدبيّين إبَّان تلك السَّنوات في تطرّف آخر وهم يطوّرون أفكارهم حول شموليَّةٍ ما للثَّقافة الرّوحية. ذلك أنّ لوويل نفسه، وهو يدعو إلى تصوير "الحياة الاجتماعيَّة والسيَّاسيَّة والأُسريَّة الأمريكيَّة" تصويراً صادقاً، كان يرى، مثلاً، أنّ خلق شخصيَّة من الحياة، أو صورة ساطعة، كافٍ بحدّ ذاته، أمّا الخصوصيَّة القوميّة فسوف تتجلَّى في عموميَّة تلك الشّخصيَّة. فالأثر الفّنيّ الصّادق، سواء كان يصوّر شخصية إنسان يعيش في أيّامنا أو قبل الطّوفان، في أمريكا أو في اليونان القديمة، يكفيه أن يكون صادقاً ليصبح، حسب زعمه، أثراً قوميَّاً. وهكذا، فقد استعيض في جوهر الأمر عن مسألةِ ما للثَّقافة الفَّنَّية من خصوصيَّة قوميَّة حقّاً بمقولة جماليَّة خاصَّة بصدق التَّصوير. بهذا المعنى كان لونغفيلو قريباً جدّاً من شعر لوويل. فقد اتخذ موقفاً ضدّ "المحدوديَّة الإقليميَّة" وعارضها بـ "الشّموليّة". وبينما كان ينكر ضرورة الأدب القوميّ، راح يدعو إلى خلقٍ "أدبيّ فطريّ". إذ أعلن لونغفيلو الشَّابّ، منذ مقالته "دفاع عن الشّعر"، أنّه يناصر العنصر القوميّ بوصفه سمة مميَّزة للأدب، إلاّ أنّه بمرور السّنين راحت تظهر في أحكامه نبرات ذات نغمة "معادية للعنصر القوميّ" على نحو جليّ. وقد كانت وجهة نظر لونغفيلو إلى الأدب القوميّ في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة "لا قوميَّة" (كوسمو بوليتيَّة) جدّاً، وتجلّى ذلك، على سبيل المثال، في روايته "كافانا" (1849). ففي حوار مستفيض حول الأدب الأمريكيّ يطوّر بطل الرّواية، المعلّم تشرشل، أفكاراً قريبة من أفكار الكاتب نفسه تدور حول أنّه لا ينبغي على أدب الولايات المتّحدة الأمريكيَّة أن يكون قوميَّاً، بل عليه أن يكون ذا طابع عامّ: "إنّ الانتماء القومي حسن في حدود معلومة فقط؛ والانتماء إلى العالم كلّه أمر أفضل.فكلّ ما هو جيّد في شعراء جميع البلدان، ليس ما هو قوميّ فيهم، وإنما ما هو عام فيهم. ذلك أنّ جذورهم ضاربة في أرضهم الأمّ، أمّا أغصانهم فتخفق في الهواء المجرّد من الوطنيَّة، الهواء الواحد بالنّسبة لجميع النّاس. إنّ أوراقهم تشعّ بنورٍ لا حدود لـه ومتساوٍ بالنّسبة لجميع البلدان"(13). لقد عبّر لونغفيلو عن جملة من الأفكار والملاحظات الصَّحيحة، شأنه في ذلك شأن كثيرين من أنصار مثل هذه الأفكار الّتي كانت منتشرة آنذاك، غير أنّه لم يفهم جوهر تشكّل الأدب القوميّ الأمريكيّ، حين كان ينظر إلى هذه العمليَّة بوصفها مزجاً آلياً لعناصر غير متجانسة، دون أن يلحظ ظهور صفات وملامح جديدة كانت تكتسبها الشَّخصيَّة القوميَّة في طور تشكّلها. *** اختتمت المرحلة الّتي بلغ النّضال فيها أوجَهُ من أجل ترسيخ الأدب القوميّ عشيَّة الحرب الأهليَّة بظهور أوَّل شاعر واقعي أمريكيّ وهو والت ويتمن. فمقدّمته الأولى لديوان "أوراق العشب" (1855) مشبعة إيماناً وضّاء بمستقبل عظيم لأمريكا وبأدبها. ذلك أنّ الأفكار السَّامية والأحلام الوردَّية لهذا الشَّاعر الَّذي لم تكن بعد قد حنَّكته تجربة الحرب الأهليَّة وما أعقبها من رشاوى وسرقات، قد لاقت في هذه المقدّمة تعبيراً مليئاً بالإعجاب. إنّ تلك المقدّمة بيان فنٍّ ديمقراطيّ للسّنوات القادمة مكتوب بشعور من القلق الشّعريّ الحقّ، ويشعّ إيماناً بمستقبل أمريكا الَّذي يلوح أمام الخيال الذاهل لهذا الشَّاعر الدّيمقراطيّ الشّابّ: "إنّ رسالة الشّعراء الأمريكيّين هي توحيد القديم والجديد... يجب على شاعرهم أن يكون جديراً بشعبه... وأن تتجاوب روحه مع روح بلاده، فهو يجسّد حقولها وطبيعتها وأنهارها وبحيراتها"(14). لم يكن ويتمن يوماً يعتبر أنّ أمريكا الَّتي عاصرها قد أقامت فنَّها القوميّ الَّذي كان بوسعها أن تفخر به. وكانت رغبته الأقوى هي أن يؤمن ويعرف بأنّه سيكون لأمريكا شعرها العظيم. أيّ شعر سيكون ذلك؟ ـ هذا هو السّؤال الَّذي كان يقلق ويتمن دائماً. وبينما كان ويتمن يتخطّى ما في مقدّمته لـ "أوراق العشب" من إعجاب ساذج، أكدّ في كتابه "آفاق ديمقراطيَّة "بأنّ الشّرط الضروريّ لازدهار الأدب القوميّ لا يتمثّل إلا في الوحدة الرّوحيَّة للولايات، وفي تكاتفها حول المهامّ المشتركة الّتي تواجهها البلاد، وفي تجاوز هيمنة مصالح التّملّك الخاصّ؛ إذ كان يبدو لـه أنّ خلق أدب أمريكيّ أصيل هو أمر وثيق الصّلة بالتّحرّر من قيود الرَّأسماليَّة، وبتطوير واقع الدّيمقراطيَّة في أمريكا. كتب ويتمن قبل وفاته بزمن قصير، وبطلب من مجلَّة "أمريكا الشمالية"، مقالة "الأدب القوميّ الأمريكيّ" (1891). وتنتهي هذه الوصيَّة الأدبيَّة بسؤال يمكن أن يبدو غريباً إذ ينطق به شاعر أمريكا العظيم، وهو: "الأدب الأمريكيّ؟ وهل يوجد هذا الشّيء، بل هل يمكن أن يوجد بالفعل؟". تلك هي المحصِّلة المرَّة لنصف قرن من تأمّلات أحد أعظم أدباء أمريكا. فقد كان ويتمن في شيخوخته شاهداً على التَّمزُّق داخل المجتمع الأمريكيّ، وعلى تطوّر العلاقات الرّأسماليَّة القاتلة بالنّسبة للأدب، والّتي كانت تتجلّى في الولايات المَّتحدة الأمريكيّة في شكلها الصّريح والأكثر تنفيراً. لقد كان في الواقع الأمريكيّ أثناء نموّ هيمنة الاحتكارات كثير من الجوانب والظّواهر الَّتي أرغمت هذا الشّاعر على الارتياب في إمكانيَّة التّحقّق القريب لحلمه بقيام أدب مشعٍّ عظيم في المستقبل. *** بعد الحرب الأهليَّة يزداد الاتّجاه الواقعيّ ترسّخاً في أدب الولايات المتّحدة الأمريكيَّة. ثمّ تغرب الرُّومنسيَّة ومعها علم الجمال الرُّومنسيّ. لقد كان علم الجمال لدى الرّومنسيّين الأمريكيّين يعكس حلمهم الطّوباويَّ المعادي للبرجوازيَّة، حلمهم بحرّيّة أدبهم وبلادهم الولايات المّتحدة الأمريكية، ذلك الحلم الموجّه ضدّ الجشع والتّكالب على المال "والطّمع الاجتماعيّ والفرديّ"، كما يقول إمرسون. لقد كان ذلك الحلم وهماً رومنسيَّاً بقدر ما كان ينطلق من تمجيد "الحرّيَّات الأمريكيَّة" الدّيمقراطيَّة الّتي تمّ إحرازها إبَّان حرب الاستقلال. ولنقد هذا العالم الآخذ بتكوين علاقاته البرجوازيَّة كان لا بدَّ من دفع تصوّره حول الأدب القوميّ إلى خارج أطر الفهم الرّومنسي للعالم. لقد واجه الأدب الأمريكيّ مشكلات كانت تتطلّب حلاًّ واقعياً جديداً. وبدهيّ أنّ علم الجمال الواقعيّ، وهو يتطوَّر خلال العقود التّالية، كان يقوم بإعادة نظر نقديَّة للتّراث الفّنيّ والنّظري الذي تركه لـه أسلافه. وكانت هذه العمليَّة تتّخذ في بعض الأحيان أشكالاً سجاليّة حادّة، حيث تعرَّضت لإعادة النّظر، بل ولإلغاء ظالم أحياناً، قيم فنِّيَّة معترف بها، بعد أن خيِّل أنّها قد استقرَّت. فلنتذكّر على الأقل موقفاً شهيراً لمارك توين وهو ينكر على كوبّر حقّه في أن يسمّى واحداً من عظماء رومنسيّي أمريكا. ولم تمضِ الأمور بدون تطرّفات أخرى في تقييم نشاط وأفكار الرُّومنسيّين, أو بدون تشويهات وتفسيرات اعتباطيَّة متحيّزة في نظرتها إلى نظريَّاتهم. وقد كانت السّيرورة المشروعة لتشكُل وترسُّخ الاتّجاه الجديد في الحياة الفنِّيَّة للبلاد تجد انعكاسها الطّبيعيّ في ذلك كلّه. غير أنّه لا يجوز أن نتعامى عن واقعة هي أنّ ما لحق بتقصّيات الرُّومنسيّين الفكريَّة والإبداعيَّة من تشويه وتزوير كان أحياناً وما يزال إلى الآن في الولايات المتّحدة الأمريكيّة ذا طابع واضح في صبغته الأيديولوجيَّة والمعادية للدّيمقراطيَّة. وهكذا، يتلاعب النّقد البرجوازيّ المعاصر وبطرق شتّى بتفسير مقولتي "الشّموليّ" و"القوميّ" كطرحين أسفرت عنهما نقاشات تاريخيَّة محدّدة. فمن ناحية، هناك من يروّج لنظريّات "نزع الصّفة القوميَّة" عن الأدب، تلك النّظريَّات الدّارجة جدّاً في علم الأدب البرجوازيّ المعاصر في الولايات المّتحدة الأمريكية، ولأفكار تدعو إلى تخطّي المحدوديَّة "القوميَّة" للفنّ. ومن ناحية أخرى، هناك "أنصار" آخرون للتّوجّهات القوميَّة يعودون إلى علم الجمال الرّومنسيّ من أجل تأسيس طموحات الولايات المتّحدة الأمريكيَّة للهيمنة الأدبيَّة, بل والأيديولوجيَّة في العالم. فالمجلَّدات الثلاثة من "التَّاريخ الأدبي للولايات المّتحدة الأمريكية" الّتي كتبت أثناء الحرب العالميَّة الثانية، مثلاً، تقيِّم نشوء الأمّة الأمريكيَّة والأدب الأمريكيّ بوصفه تجسيداً لحلم كان يراود شعوب أوربّا منذ قرون. لكأنّ الحلم ببلد كأمريكا كان موجوداً قبل اكتشافها بزمن طويل، وذلك على شكل تصوّر البشريَّة لعصرها الذّهبيّ، ولفردوسها المفقود وللوفرة المادِّيَّة والحرِّيَّة الرّوحيَّة. تلك هي النّزعات الصّريحة في تعصّبها القوميّ الّتي ينطوي عليها هذا الجهد المكرّس لدراسة الأدب الأمريكيّ. وحين كانوا يصدرون أجزاء "التّاريخ الأدبيّ للولايات المّتحدة الأمريكيَّة"، في سنوات الحرب العالميَّة الثّانية نفسها أيضاً، أطلق ألفرِد كيزِن فكرة تفوّق الأدب والفنّ الأمريكيّ. فقد كان في كتابه "في الأرض الأمّ" واحداً من السَّبَّاقين إلى طرح تلك الفكرة الّتي التقطها فيما بعد كثيرون من علماء الأدب البرجوازيّين، وهي: "لقد أمّنونا على التّراث الثَّقافيّ الأوروبيّ لأنّ أمريكا هي وحدها القادرة على تطويره في المستقبل"(15). هكذا ولدت الأسطورة حول الصّفة الشّموليَّة لأدب وفنّ الولايات المّتحدة الأمريكيَّة الّلذين زُعِم أنّهما يتمثَّلان إنجازات الثّقافة الأوربيَّة. إنّ أحد مؤسسي نظريَّة "نزع الصّفة القوميَّة" عن الأدب، وهو لايونيل تريلّنغ الذي ذاع صيته بعد صدور كتابه "التَّخيّل اللّيبراليّ"، يعيد معالجة التّراث الفّنيّ الّذي خلَّفته الرّومنسيَّة الأمريكيَّة فينكر وجود الرّواية الاجتماعيَّة الأمريكيّة ودور الرّواية الرّومنسيَّة في الاستيعاب الفّنيّ للوجود الاجتماعيّ. يقول تريلّنغ: "لم تترسّخ جذور الرّواية في أمريكا. لا أعني أنّه لم يكن عندنا روايات عظيمة، بل إنّ الرّواية في أمريكا تحيد عن نموذجها الكلاسيكيّ، أي عن تصوير قضايا الواقع الّتي تنبع من المجال الاجتماعيّ. ذلك أنّ الكتَّاب الأمريكيّين العباقرة لم يلتفتوا إلى الجانب الاجتماعيّ من المسألة. فقد كان بو وملفل بعيدين جدَّاً عن ذلك الجانب؛ إنّ الواقع الّذي كانا يبحثان عنه لم يكن لـه إلاّ صلة غير مباشرة بالمجتمع. وقد كان هوثورن يؤكّد بنبوءة أنّ ما يكتبه ليس روايات وإنّما هو أحاديث رومنسية. وهكذا، فقد عبّر عن يقينه بأنّ الأساس الاجتماعيّ غائب في مؤلّفاته"(16). وإذ يحاول تريلّنغ أن يتجاهل الجوهر الاجتماعيّ في كتب كلٍّ من كوبّر وملفل وهوثورن وبو، فإنّه يرسم لوحة مشوَّهة للرومنسيَّة الأمريكيَّة بتجريدها من خصوصيّتها القوميَّة ومن خصوصيَّة مدلولها الاجتماعيّ. وقد عُدَّ موقف تريلّنغ هذا إيذاناً ببدء وإعادة تقييم الرّومنسيَّة من منظور الحداثة (مودرنيزم) وكان موجّهاً توجيهاً واضحاً ضدّ آراء تيودر درايزر الّتي أدلى بها في مقالته "الرّواية الأمريكيّة العظيمة"، تلك الآراء الّتي قدّمت من النَّاحية التّاريخيَّة توصيفاً صادقاً للرّواية الأمريكيَّة من منطلقات ديمقراطيَّة. وتجدر الإشارة أيضاً إلى واقعة فحواها أنَّه أصبح شائعاً منذ زمن بعيد في علم الأدب الغربيّ تطبيق المعايير الجماليَّة الحداثيَّة على مفهوم الرّومنسيَّة الأمريكيّة. وبوساطة هذا النّوع من إعادة الفهم والتقييم يصبح هوثورن، مثلاً، قريباً من كافكا، ثمّ يُعْلَن أنّ هوثورن، شأنه شأن ملفل، هو "كاتب روايات حداثيَّة". وفي كتاب أ.ن. كاول، "الرّؤية الأمريكيّة"، يجري تأويل قضايا التّراث الأساسيَّة في الثّقافة الأمريكيَّة في ضوء مشكلات ومنهجيَّة الحداثة المعاصرة، ويُعْلَن أنّ علم الجمال لدى هذه الحداثة "مؤهَّل تماماً لتطبيقه على مشكلة الشّكل في رواية القرن التَّاسع عشر الأمريكيّة"(17). يتصدّى كاول في هذا الكتاب لبعض قضايا الفنّ الأمريكيّ الجماليَّة العامَّة فيستعيض عن الطّريقة التاريخيَّة الاجتماعيَّة بالطّريقة التّجريديَّة الحداثيَّة، وبذلك فهو لا يكتفي بإسقاط الخصوصيَّة القوميَّة من مؤلّفات كبار الرّومنسيّين الأمريكيّين، بل ويشطب أيضاً ما في تلك الملّفات من مدلول تاريخيّ ملموس. ويمكن أن نجد شيئاً مماثلاً على صفحات مجلَّة "بارتيزان ريفيو" الأمريكيَّة الصّريحة العداء للمنظور الاشتراكيّ. فقد كتب أحد محرّري هذه المجلَّة في افتتاحيَّة مخصّصة للموروث الأدبيّ القوميّ، قائلاً: "إنّ الكتب الّتي تجسّد ـ حسب رأيي ـ الموروث الأمريكيّ في أدب اللّغة الإنكليزيَّة تعتبر ثمرة من ثمار الحداثة مبكّرة، بل وغير متناسقة أحياناً"(18). فيعلن النّاقد أنّ مؤلّفات كوبّر وإمرسون وهوثورن وثورو وملفل هي إرهاص بأدب الحداثة المعروف في أيّامنا. وهو يضع هؤلاء الكتّاب في الموقع النّقيض من "العالم الحقيقيّ" لأبطال درايزر والأدباء الواقعيّين الآخرين. إن محاولات هذا النّقد الرَّامية إلى تشويه تراث الرّومنسيَّة وإعلان علم الجمال الرّومنسيّ بشيراً بعلم جمال الحداثة، هي محاولات تصطدم اليوم في أمريكا بنقد تقدّميّ ديمقراطيّ فتيّ يشتدّ عودهُ مع الزّمن. فها هو أحد النّقّاد الزّنوج، فيليب باتشر، مثلاً، يكتب قائلاً إنّها لقيِّمة اليوم على وجه الخصوص تلك الغائيَّة والنّزعة الإنسانيَّة في آراء إمرسون، وتلك الرّحابة الّتي تتحلّى بها معالجته قضايا عصره. "إنّ أنصار الفلسفة المحض يتذمّرون أحياناً من العودة إلى إمرسون وإلى قضيَّة محرّري العبيد، مفترضين أنّ الاهتمام بعيوب العبوديَّة كان يعيق انشغالهم بالفلسفة"(19). ويبيّن ف. باتشر على نحو مقنعٍ كل ما ينطوي عليه هذا الطّرح من اختلاق. لقد تبيَّن أنّ القضايا الجماليَّة الّتي كان الرّومنسيّون الأمريكيون يعالجونها في النّصف الأوّل من القرن التاسع عشر هي قضايا مهمة وملحّة في أيّامنا. وكثيراً ما تجدّد نشوب المعارك الأيديولوجيّة حول تراث الرّومنسيّين الأمريكيّين بين أبناء القرن العشرين بحثاً عن إجابات على ما يقلقهم من أسئلة. وهنا تكن القيمة الثّابتة لأفضل إنجازات الفكر الجماليّ الموروثة عن الماضي. لقد أكّد جيمس فينيمور كوبّر مرَّة قائلاً بأنّ أمريكا: "خيَّبت وعلى نحوٍ مبكٍ تلك المبادئ الّتي أعلنَّاها نحن بالذَّات" ـ أي أفكار الثّورة الأمريكيّة. وقد وصلت الولايات المّتحدة الأمريكيّة إلى الذّكرى المائتين لقيامها محمَّلة بتناقضات وتباينات أشدّ إدهاشاً من تلك الّتي تحدّث عنها قبل مائة عام أوّل "أولاد أمريكا العاقّين"، أعني كتَّابها الرّومنسيّين. الموضوعالأصلي : علم الجمال الرُّومنسي فى الادب الأمريكي2 // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: محمد12
| |||||||
السبت 16 أغسطس - 16:20:25 | المشاركة رقم: | |||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: علم الجمال الرُّومنسي فى الادب الأمريكي2 علم الجمال الرُّومنسي فى الادب الأمريكي2 جزاك الله الف خير الموضوعالأصلي : علم الجمال الرُّومنسي فى الادب الأمريكي2 // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: زوليخة
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |