جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: الركن الأسلامي العام :: القسم الاسلامي العام |
الإثنين 11 أغسطس - 20:50:08 | المشاركة رقم: | |||||||||
Admin
| موضوع: أنواع التوحيد الذي دعت إليه الرسل أنواع التوحيد الذي دعت إليه الرسل أنواع التوحيد الذي دعت إليه الرسل التوحيد الذي دَعَت إليه رسلُ الله، ونزلت به كتبه - نوعانِ: • توحيد في الإثبات والمعرفة. • وتوحيد في الطلب والقصد. فالأول: هو إثباتُ حقيقةِ ذات الربِّ تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه، ليس كمثله شيءٌ في ذلك كله، كما أخبر به عن نفسه، وكما أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أفصح القرآنُ عن هذا النوعِ كل الإفصاح، كما في أول الحديد وطه، وآخر الحشر، وأول (الم تنزيل السجدة)، وأول آل عمران، وسورة الإخلاص بكمالها، وغير ذلك. والثاني: وهو توحيدُ الطلب والقصد، مثل ما تضمنته سورة ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1]، و﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾ [آل عمران: 64]، وأول سورة ﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ ﴾ [الزمر: 1] وآخرها، وأول سورة يونس وأوسطها وآخرها، وأول سورة الأعراف وآخرها، وجملة سورة الأنعام. وغالبُ سورِ القرآن متضمِّنة لنوعي التوحيد، بل كل سورة في القرآن، فإن القرآن إما خبرٌ عن الله وأسمائه وصفاته، وهو التوحيد العلمي الخبري. وإما دعوةٌ إلى عبادته وحدَه لا شريك له، وخلعِ ما يُعبَد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي. وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته، فذلك من حقوق التوحيد ومكملاته. وإما خبر عن إكرامه لأهل توحيده، وما فعل بهم في الدنيا، وما يكرمهم به في الآخرة، وهو جزاء توحيده. وإما خبرٌ عن أهلِ الشرك، وما فعل بهم في الدنيا من النَّكال، وما فعل بهم في العُقبَى من العذاب، فهو جزاء مَن خرج عن حكم التوحيد. فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم؛ فـ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ توحيد، ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ توحيد، ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ توحيد متضمن لسؤال الهداية إلى طريق أهل التوحيد، ﴿ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ الذين فارقوا التوحيد. وكذلك شهِد الله لنفسه بهذا التوحيد، وشهِدت له به ملائكتُه وأنبياؤه ورسله، قال تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 18، 19]، فتضمَّنت هذه الآيةُ الكريمة إثباتَ حقيقة التوحيد، والرد على جميع طوائف الضلال، فتضمَّنت أجلَّ شهادة وأعظمها، وأعدلَها وأصدقها، مِن أجلِّ شاهدٍ، بأجلِّ مشهود به. وعبارات السلف في ﴿ شَهِدَ ﴾ تدور على الحكم، والقضاء، والإعلام، والبيان، والإخبار، وهذه الأقوال كلها حق لا تنافِيَ بينها؛ فإن الشهادة تتضمَّن كلام الشاهد وخبره، وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه، فلها أربع مراتب: فأول مراتبِها: علم ومعرفة واعتقاد لصحة المشهود به وثبوته. وثانيها: تكلُّمه بذلك، وإن لم يعلم به غيره، بل يتكلم بها مع نفسه، ويتذكرها وينطق بها أو يكتبها. وثالثها: أن يعلم غيره بما يشهَد به ويخبره به ويبيِّنه له. ورابعها: أن يلزمه بمضمونِها ويأمره به. فشهادة الله سبحانه لنفسِه بالوحدانية والقيام بالقسط، تضمَّنت هذه المراتب الأربع: علمه بذلك سبحانه، وتكلُّمه به، وإعلامه وإخباره لخلقه به، وأمرهم وإلزامهم به. • فأما مرتبة العلم، فإن الشهادة تتضمنها ضرورة، وإلا كان الشاهد شاهدًا بما لا علم له به، قال تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزخرف: 86]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((على مثلها فاشهد))، وأشار إلى الشمس؛ قال ابن حجر في بلوغ المرام: "أخرجه ابن عدي بإسناد ضعيف، وصحَّحه الحاكم فأخطأ". • وأما مرتبة التكلم والخبر، فقال تعالى: ﴿ وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 19]، فجعل ذلك منهم شهادةً، وإن لم يتلفَّظوا بلفظ الشهادة، ولم يؤدوها عند غيرهم. • وأما مرتبة الإعلام والإخبار، فنوعان: إعلام بالقول، وإعلام بالفعل، وهذا شأن كل معلم لغيره بأمرٍ، تارةً يعلمه به بقول، وتارةً بفعل؛ ولهذا كان مَن جعل داره مسجدًا وفتح بابها، وأبرزها بطريقها وأذِن للناس بالدخول والصلاة فيها، مُعلِمًا أنها وقفٌ، وإن لم يتلفظ به. وكذلك مَن وجد متقربًا إلى غيره بأنواع المسار، يكون مُعلِمًا له ولغيره أنه يُحبُّه، وإن لم يتلفظ بقوله، وكذلك بالعكس. وكذلك شهادة الرب - عز وجل - وبيانه وإعلامه، يكون بقوله تارةً، وبفعله أخرى، فالقول ما أرسل به رسلَه وأنزل به كتبه، وأما بيانه وإعلامه بفعله، فكما قال ابن كَيْسان: شهد الله بتدبيره العجيب وأموره المحكمة عند خلقه، أنه لا إله إلا هو، وقال آخر:
ومما يدل على أن الشهادة تكون بالفعل، قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾ [التوبة: 17]، فهذه شهادة منهم على أنفسهم بما يفعلونه. والمقصود أنه سبحانه يشهد بما جعل آياته المخلوقة دالةً عليه، ودلالتُها إنما هي بخلقه وجعله. • وأما مرتبة الأمر بذلك والإلزام به، وأن مجرَّد الشهادة لا يستلزمه، لكن الشهادة في هذا الموضع تدل عليه وتتضمنه، فإنه سبحانه شهِد به شهادة مَن حكم به، وقضى وأمر وألزم عباده به، كما قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [الإسراء: 23]، وقال الله تعالى: ﴿ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ [النحل: 51]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5]، ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا ﴾ [التوبة: 31]، وقال تعالى: ﴿ لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ﴾ [الإسراء: 22]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ﴾ [القصص: 88]، والقرآن كلُّه شاهد بذلك. ووجه استلزام شهادته سبحانه لذلك: أنه إذا شهد أنه لا إله إلا هو، فقد أخبر ونبأ وأعلم، وحَكَم وقضى أن ما سواه ليس بإله، وأن إلهية ما سواه باطلة، فلا يستحق العبادة سواه، كما لا تصلح الإلهية لغيره، وذلك يستلزم الأمر باتخاذه وحده إلهًا، والنهي عن اتخاذ غيره معه إلهًا، وهذا يفهمه المخاطب من هذا النفي والإثبات، كما إذا رأيت رجلاً يستفتي رجلاً أو يستشهده أو يستطبه، وهو ليس أهلاً لذلك، ويَدَعُ مَن هو أهلٌ له، فتقول: هذا ليس بمُفْتٍ ولا شاهدًا ولا طبيبًا، المفتي فلان، والشاهد فلان، والطبيب فلان، فإن هذا أمر منه ونهي. وأيضًا: فالآية دلت على أنه وحده المستحق للعبادة، فإذا أخبر أنه هو وحده المستحق للعبادة، تضمَّن هذا الإخبارُ أمرَ العبادِ وإلزامهم بأداء ما يستحقه الرب تعالى عليهم، وأن القيام بذلك هو خالص حقه عليهم. وأيضًا: فلفظ (الحكم) و(القضاء) يستعملُ في الجملة الخبرية، ويقال للجملة الخبرية: قضية وحكم، وقد حكم فيها بكذا، قال تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ [الصافات: 151 - 154]، فجعل هذا الإخبار المجرَّد منهم حكمًا، وقال تعالى: ﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ [القلم: 35، 36]، لكن هذا حكم لا إلزام معه. والحكم والقضاء بأنه لا إله إلا هو متضمِّن الإلزام، ولو كان المراد مجرَّد شهادة لم يتمكنوا من العلم بها، ولم ينتفعوا بها، ولم تَقُمْ عليهم بها الحجة، بل قد تضمنت البيان للعباد ودلالتهم وتعريفهم بما شهد به، كما أن الشاهد من العباد إذا كانت عنده شهادة ولم يبيِّنها بل كتمها، لم ينتفع بها أحد، ولم تقم بها حُجة. وإذا كان لا ينتفع بها إلا ببيانها، فهو سبحانه قد بيَّنها غاية البيان بطرق ثلاثة: السمع، والبصر، والعقل. • أما السمع، فبسمع آياته المتلوَّة المبينة لِما عرفنا إياه من صفات كماله كلها، من الوحدانية وغيرها، غاية البيان، لا كما يزعمه الجهمية ومَن وافقهم من المعتزلة ومعطِّلة بعض الصفات من دعوى احتمالات توقع في الحيرة، تنافي البيان الذي وصف الله به كتابه العزيز ورسوله الكريم، كما قال تعالى: ﴿ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ [الزخرف: 1، 2]، ﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ [يوسف: 1]، ﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ ﴾ [الحجر: 1]، ﴿ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 138]، ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [المائدة: 92]، ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]. وكذلك السنة تأتي مبيِّنةً ومُقرِّرةً لما دل عليه القرآن، لم يُحوِجْنا ربنا - سبحانه وتعالى - إلى رأي فلان، ولا إلى ذوق فلان ووَجْدِه في أصول ديننا؛ ولهذا تجد مَن خالف الكتاب والسنة مختلفين مضطربين، بل قد قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، فلا يحتاج في تكميلِه إلى أمرٍ خارج عن الكتاب والسنة. وإلى هذا المعنى أشار الشيخ أبو جعفر الطحاويِّ فيما يأتي من كلامه بقوله: لا ندخلُ في ذلك متأوِّلين بآرائنا، ولا متوهِّمين بأهوائِنا، فإنه ما سلم في دينه إلا مَن سلم لله - عز وجل - ولرسوله صلى الله عليه وسلم. • وأما آياته العيانية الخلقية، فالنظر فيها والاستدلال بها يدل على ما تدل عليه آياته القولية والسمعية، والعقل يجمع بين هذه وهذه، فيجزم بصحة ما جاءت به الرسل، فتتفق شهادة السمع والبصر والعقل والفطرة. فهو سبحانه لكمال عدله ورحمته وإحسانه وحكمته ومحبته للعذر وإقامة الحجة، لم يبعث نبيًّا إلا ومعه آيةٌ تدلُّ على صدقِه فيما أخبر به، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ﴾ [النحل: 43، 44]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ ﴾ [آل عمران: 183]، وقال تعالى: ﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾ [آل عمران: 184]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ﴾ [الشورى: 17]، حتى إن مِن أخفى آياتِ الرسل آياتِ هود، حتى قال له قومه: ﴿ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ ﴾ [هود: 53]، ومع هذا فبيِّنتُه من أوضح البينات لمَن وفَّقه الله لتدبرها، وقد أشار إليه بقوله: ﴿ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [هود: 54 - 56]. فهذا من أعظم الآيات: أن رجلاً واحدًا يُخاطِب أمةً عظيمةً بهذا الخطاب، غير جَزِع ولا فَزِع ولا خوَّار، بل هو واثق بما قاله، جازم به، فأشهَدَ اللهَ أولاً على براءته من دينِهم وما هم عليه، إشهادَ واثقٍ به معتمد عليه، مُعلِّم لقومه أنه وليُّه وناصره، وغير مسلِّط لهم عليه، ثم أشهدهم إشهادَ مجاهرٍ لهم بالمخالفة أنه بريء من دينهم وآلهتهم التي يُوالُون عليها ويبذلون دماءهم وأموالهم في نصرتِهم لها، ثم أكَّد ذلك عليهم بالاستهانة لهم واحتقارهم وازدرائهم، ولو يجتمعون كلهم على كيده وشفاء غيظهم منه، ثم يُعاجِلونه ولا يمهلونه، لم يقدروا على ذلك إلا ما كتبه الله عليه، ثم قرر دعوتهم أحسن تقرير، وبيَّن أن ربَّه تعالى وربهم الذي نواصيهم بيده هو وليُّه ووكيله القائم بنصرِه وتأييده، وأنه على صراطٍ مستقيم، فلا يَخذُلُ مَن توكَّل عليه وأقر به، ولا يُشمِّتُ به أعداءه، فأي آية وبرهان أحسن من آيات الأنبياء وبراهينهم وأدلتهم؟ وهي شهادة من الله سبحانه بينها لعباده غاية البيان. ومن أسمائه تعالى (المؤمن)، وهو في أحد التفسيرين: المُصدِّق الذي يُصدِّق الصادقين بما يُقِيم لهم من شواهد صدقهم؛ فإنه لا بد أن يُرِيَ العبادَ من الآيات الأفقية والنفسية ما يُبيِّن لهم أن الوحي الذي بلَّغه رسلُه حق، قال تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [فصلت: 53]؛ أي: القرآن؛ فإنه المُتقدِّم في قوله: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [فصلت: 52]، ثم قال: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت: 53]. فشهِد سبحانه لرسوله بقوله أن ما جاء به حق، ووعد أنه يُرِي العباد من آياته الفعلية الخَلْقية ما يشهد بذلك أيضًا، ثم ذكر ما هو أعظم من ذلك كله وأجلُّ، وهو شهادته سبحانه بأنه على كل شيء شهيد؛ فإن من أسمائه (الشهيد) الذي لا يَغِيب عنه شيء، ولا يعزُبُ عنه، بل هو مُطَّلِع على كل شيء مُشاهِد له، عليم بتفاصيلِه، وهذا استدلالٌ بأسمائه وصفاته، والأول استدلالٌ بقوله وكلماته، واستدلاله بالآيات الأفقية والنفسية استدلال بأفعاله ومخلوقاته. فإن قلت: كيف يستدل بأسمائه وصفاته؛ فإن الاستدلال بذلك لا يعهد في الاصطلاح؟ فالجواب: أن الله تعالى قد أودَع في الفطرةِ التي لم تتنجَّس بالجحود والتعطيل، ولا بالتشبيه والتمثيل، أنه سبحانه الكامل في أسمائه وصفاته، وأنه الموصوف بما وصف به نفسه ووصفه به رسله، وما خفي عن الخلقِ من كماله أعظمُ وأعظم مما عرَفوه منه، ومن كماله المقدَّس شهادته على كل شيء واطِّلاعه عليه، بحيث لا يَغِيبُ عنه ذرة في السموات ولا في الأرض، باطنًا وظاهرًا، ومَن هذا شأنُه كيف يليق بالعباد أن يُشرِكوا به، وأن يعبدوا غيره، ويجعلوا معه إلهًا آخر؟ وكيف يليق بكماله أن يُقِرَّ مَن يكذِبُ عليه أعظم الكذب، ويُخبِر عنه بخلاف ما الأمر عليه، ثم ينصُرُه على ذلك ويُؤيِّده ويُعلِي شأنه، ويُجِيب دعوته ويُهلِك عدوَّه، ويُظهِر على دينه من الآيات والبراهين ما يَعجِز عن مثله قوى البشر، وهو مع ذلك كاذب عليه مُفترٍ؟! ومعلوم أن شهادتَه سبحانه على كل شيء، وقدرته، وحكمته، وعزته، وكماله المقدس، يأبى ذلك، ومَن جوَّز ذلك، فهو من أبعد الناس عن معرفته. والقرآن مملوءٌ من هذه الطريق، وهي طريقُ الخواصِّ، يستدلون بالله على أفعاله وما يليق به أن يفعله ولا يفعله، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾ [الحاقة: 44 - 47]، وسيأتي لذلك زيادة بيان - إن شاء الله تعالى. ويستدل أيضًا بأسمائه وصفاته على وحدانيَّتِه وعلى بطلانِ الشرك، كما في قوله تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الحشر: 23]، وأضعاف ذلك في القرآن، وهذه الطريق قليلٌ سالكها، لا يهتدي إليها إلا الخواصُّ، وطريقة الجمهور الاستدلال بالآيات الشاهدة؛ لأنها أسهل تناولاً وأوسع، والله سبحانه يُفضِّل بعض خلقه على بعض. فالقرآن العظيم قد اجتمع فيه ما لم يجتَمِع في غيره، فإنه الدليل والمدلول عليه، والشاهد والمشهود، قال تعالى لمن طلب آيةً تدل على صدق رسوله: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [العنكبوت: 51]. وإذا عرف أن توحيد الإلهية هو التوحيدُ الذي أُرسِلت به الرسل وأُنزِلت به الكتب، كما تقدَّمت إليه الإشارة، فلا يلتفت إلى قول مَن قسَّم التوحيد إلى ثلاثة أنواع، وجعل هذا النوع توحيد العامة، والنوع الثاني توحيد الخاصة، وهو الذي يثبت بالحقائق، والنوع الثالث توحيدًا قائمًا بالقدم، وهو توحيد خاصة الخاصة! فإن أكمل الناس توحيدًا الأنبياءُ صلوات الله عليهم، والمرسلون منهم أكمل في ذلك، وأولو العزم من الرسل أكملهم توحيدًا؛ وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، صلى الله عليهم أجمعين، وأكملهم توحيدًا الخليلانِ: محمد وإبراهيم، صلوات الله عليهما وسلامه، فإنهما قاما من التوحيد بما لم يَقُمْ به غيرُهما علمًا، ومعرفةً، وحالاً، ودعوةً للخلق، وجهادًا، فلا توحيد أكمل من الذي قامَت به الرسل، ودعوا إليه، وجاهدوا الأمم عليه؛ ولهذا أمر سبحانه نبيَّه أن يقتديَ بهم فيه، كما قال تعالى بعد ذكرِ مناظرة إبراهيم قومَه في بطلان الشرك، وصحة التوحيد، وذكر الأنبياء من ذريته: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90]، فلا أكمل من توحيد مَن أُمِرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يقتديَ بهم، وكان صلى الله عليه وسلم يُعلِّم أصحابَه إذا أصبحوا أن يقولوا: ((أصبحْنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبيِّنا محمد، وملة أبينا إبراهيم حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين))؛ رواه أحمد، فمِلة إبراهيم: التوحيد، ودين محمد صلى الله عليه وسلم: ما جاء به من عند الله قولاً وعملاً واعتقادًا، وكلمة الإخلاص: هي شهادة (أن لا إله إلا الله)، وفطرة الإسلام: هي ما فطر عليه عباده من محبته وعبادته وحده لا شريك له، والاستسلام له عبوديةً وذلاًّ، وانقيادًا وإنابةً. فهذا توحيد خاصة الخاصة، الذي مَن رغب عنه، فهو من أسفه السفهاء، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 130، 131]. وكل مَن له حسٌّ سليم وعقلٌ يُميِّزُ به، لا يحتاج في الاستدلال إلى أوضاع أهل الكلام والجدل واصطلاحهم وطرقهم ألبتة، بل ربما يقعُ بسببِها في شكوكٍ وشُبَهٍ يحصلُ له بها الحيرة بالضلال والرِّيبة، فإن التوحيد إنما ينفعُ إذا سلم قلب صاحبه من ذلك، وهذا هو القلب السليم الذي لا يفلح إلا مَن أتى الله به. ولا شك أن النوع الثاني والثالث من التوحيد، الذي ادَّعَوا أنه توحيدُ الخاصة وخاصة الخاصة، ينتهي إلى الفناء الذي يُشمِّرُ إليه غالب الصوفية، وهو درب خَطِر، يُفضِي إلى الاتحاد، انظر إلى ما أنشده شيخ الإسلام أبو إسماعيل - رحمه الله تعالى - حيث يقول شعرًا:
وإن كان قائله - رحمه الله - لم يُرِد به الاتحاد، لكن ذكر لفظًا مجملاً محتملاً جذبه به الاتحادي إليه، وأقسم بالله جهدَ أيمانه إنه معه، ولو سلك الألفاظ الشرعية التي لا إجمال فيها كان أحق، مع أن المعنى الذي حام حوله لو كان مطلوبًا منا، لنبَّه الشارع عليه، ودعا الناس إليه، وبيَّنه، فإن على الرسول البلاغ المبين، فأين قال الرسول: هذا توحيد العامة، وهذا توحيد الخاصة، وهذا توحيد خاصة الخاصة؟! أو ما يقرب من هذا المعنى؟ أو أشار إلى هذه النقول والعقول حاضرة؟ فهذا كلام الله المنزل على رسوله، صلى الله عليه وسلم، وهذه سنة الرسول، وهذا كلام خير القرون بعد الرسول، وسادات العارفين من الأئمة، هل جاء ذكر الفناء، وهذا التقسيم عن أحد منهم؟ وإنما حصل هذا من زيادة الغلو في الدين، المُشبِه لغلوِّ الخوارج، بل لغلو النصارى في دينهم. وقد ذم الله تعالى الغلو في الدين ونهى عنه، فقال: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾ [النساء: 171]، ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 77]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تشددوا فيشدد الله عليكم؛ فإن مَن كان قبلكم شددوا فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات، رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم))؛ رواه أبو داود؛ انتهى. وقوله تعالى: ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الشورى: 5]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ [الأعراف: 206]، وقوله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 98]، وتقدَّم الإيمان بهم من السُّنة في حديث جبريل وغيره، وفي صحيح مسلم أن الله تعالى خلقهم من نورٍ، فعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خُلِقَت الملائكة من نور، وخُلِق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم)). الموضوعالأصلي : أنواع التوحيد الذي دعت إليه الرسل // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: berber
| |||||||||
الإثنين 11 أغسطس - 21:26:11 | المشاركة رقم: | |||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: أنواع التوحيد الذي دعت إليه الرسل أنواع التوحيد الذي دعت إليه الرسل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بارك الله فيك أخي على الموضوع الرائع شكرا على الإفادة وننتظر منك الجديد الموضوعالأصلي : أنواع التوحيد الذي دعت إليه الرسل // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: جميلة
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |