هكذا أريد


قال و هو ينظر إلى السيجارة الفاخرة بعد نوبة سعال حاد:

-سأقلع عن هذا السم يوماً من الايام.

-لماذا لا تقول اليوم ؟

التفت و هو يطفئ السيجارة، فاذا بها زوجته فاطمة واقفة عند الباب، استوى واقفا معتمدا عكازه الخشبي المزخرف،

-هذه انت؟ حضرت في الوقت المناسب، أريد ماءا ساخنا للوضوء.

-انه جاهز في انتظار ك، و انا ايضا لنصلي معاً.

قدمت اليه المنديل، جفف وجهه ويديه،

-لا أعلم ماذا سيحل بي من دونك.

*******

"السلام عليكم "

همست بدورها " السلام عليكم .. السلام عليكم "

-تقبك الله صلاتك يا حاجة.

-لنا و لكم.

-أتمنى أن يكون العشاء جاهزا.

-طبعا.. دقيقتان و سيكون على المائدة.

***********

رد غطاء الطاجين، فحملته مع بقايا الخبز إلى المطبخ، قال:

-اتصل محمد و قال انه سيرسل نقود العمر ة لهذا العام.

اطلت من باب المطبخ مبتسمة، أردف:

-و قال انه سينتظرنا كالعادة في المطار.

-الله يرضى عليه.. و زينب، الم تتصل ؟

-ليس بعد، لا بد انها مشغولة، الا تعرفين عمل الشر طة؟

-نصحتها ان تبتعد عن تلك المهنة لكن ر اسها اصلب من خوذة الجندي..

-اتريدين ان تقفي امام مستقبل ابنتك ؟

-و اي مستقبل في مهنة كلها اخطار و قلة نوم، ستفني عمر ها في ...

-(قاطعها) في خدمة و طنها (غير من لهجته) الا تذكرين طفولتها؟ كانت مختلفة عن بنات سنها،، هن يلعبن بالدمى، اما هي فتفضل المسدسات و مطاردة اللصوص نسج خيالها.

********

اطفا عقب السيجارة و اشعل واحدة اخرى، نظر اليها طويلا،

-لدي شعور غريب انك اخر سيجارة، لا اعلم، ربما قد اقلع عن التدخين الليلة..

حول نظره الى العلبة على الطاولة، امسكها بين يديه و ضغطها ثم رماها خارج الشرفة. و ضع السيجارة بين سببابته ووسطاه و نفث الدخان من انفه، نقلها بين سببابته و ابهامه في اليد الاخرى و اطفاها. اغلق الكتاب و وضعه جانبا، لم يعد يجد في المطالعة مهربا من ملل التقاعد، فكر في النزول و لعب الورق مع البقال فتذكر المصعد المعطل و ركبتيه العجوزتين اللتان لن تتحملا صعود الدرج. نظر الى النجوم المتوهجة في السماء فتذكر الحرب و امجادها بطلقاتها و انفجاراتها و كرها و فرها و استراتيجياتها و الاغلبية الساحقة من معارفه اللذين ماتوا خلال الحرب او بعدها و علب السجائر المجانية التي كانت توزع آنذاك.

اعتمد عكازه وقف و نظر الى الاسفل من اعلى الشرفة، حاول ان يقع بصره على العلبة اللتي رماها قبل قليل، خانه نظره الحسير فانسحب الى السرير. كانت نائمة، اتخذ مكانه بجانبها و اسلم جفنيه للنوم.

********

لم يمر وقت طويل عندما استيقظ على لفحة هواء بارد، احس ان احدا يقف بجانبه وجه نظره متبعا احساسه، وجده بِحُلَّةٍ بيضاء ينظر اليه نظرة باردة لا دلالة لها، قفز على الفور من مكانه و صرخ في وجه هذا الغريب الذي اقتحم غرفة نومه،

-من انت ؟ و ماذا تفعل في منزلي في غرفتي؟

-ليس لدي وقت لاضيعه معك فانا هنا لاخذك معي (اجابه بنبرة لا تقل برودا عن نظرته).

-آه .. هذا انت .. انت .. لقد سمعت عنك كثيرا.

-لم تسمع عني كل شيء، فبعدك هناك امراة في الهند و رجل في... ليس من حقي الكلام كثيرا..

-الى اين ستاخذني ؟

-ستعلم كل شيء في حينه.

نظر الى زوجته، كانت تغط في نوم عميق و بطنها يعلو و ينخفض، استلقى على ظهره،

-سبحان الله، ان الله لا ينسى عباده المومنين، لطالما دعوت في صلاتي ان اسلم روحي بهدوء في بيتي. فهذا كل ما اريد...



**************************************

شكرا

ما شاء الله عليها يسعدني اني اكون اول وحد