جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: منتديات الجامعة و البحث العلمي :: منتدى البحوث العلمية والأدبية و الخطابات و السير الذاتيه الجاهزه |
الثلاثاء 27 أكتوبر - 19:21:49 | المشاركة رقم: | |||||||
مشرف
| موضوع: التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) إعداد محمود لطفي نايف عبد الله إشراف أ. د. وائل أبو صالح ُقدّمت هذه الأطروحة استكما ً لا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها بكلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية، نابلس– فلسطين. 2009 م ت الإهداء الموضوعالأصلي : التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: satarcette
| |||||||
الثلاثاء 27 أكتوبر - 19:22:57 | المشاركة رقم: | |||||||
مشرف
| موضوع: رد: التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) لإهداء إلى الحبيب المصطفى النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين... إلى والدي ووالدتي الحنونين، شعاع دربي، ونور حياتي، وجناحي قلبي... إلى زوجتي الأمل الباسم في حياتي (أم مجدي)... إلى فلذة كبدي وكواكب دربي، أبنائي وبناتي... إلى سلاحي وسندي وعضدي، إخوتي وأختي الوحيدة... إلى صديقي العزيز خميس العجمي رفيق حياتي... إلى كل الذين ساهموا في إخراج هذا البحث... إليهم جميعًا أهدي باكورة جهدي... ث شكر وتقدير الحمد والشكر لله سبحانه وتعالى الذي وفقني إلى إنجاز هذه الدراسة، سائ ً لا إياه التوفيق والسداد، والثبات على الحق... ويسرني أن أتقدم بوافر الشكر، وجميل العرفان، وصادق المحبة، إلى أستاذي ومشرفي، الأستاذ الدكتور وائل أبي صالح، الذي تجشم عناء الإشراف على هذا البحث، فقد كان نعم الأستاذ الموجه، ونعم الصديق الرفيق، لقد أحاطني برعايته وعنايته منذ بداية دراستي، وكان لي خير عون، وأمدني بتوجيهاته ونصائحه ومنحني من جهده ووقته ما يعجز اللسان والقلم عن القيام بشكره.... كما أشكر الدكتور عبد الخالق عيسى، والدكتور فيصل غوادرة، على تفضلهما بالمشاركة في مناقشة هذه الرسالة... ولا أنسى أن أتقدم بالشكر الجزيل لصديقي وأخي الشيخ خميس العجمي، الذي لم يضن عليّ بتقديم يد العون والمساعدة، فربَّ أخ لك لم تلده أمك... فجزى الله الجميع عنا خيرًا وجعل ما قدّموه في ميزان حسناتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.... والله أسأل أن يتقبل هذا العمل العلمي المتواضع، خالصًا لوجهه الكريم وعلى الله قصد السبيل... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الموضوعالأصلي : التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: satarcette
| |||||||
الثلاثاء 27 أكتوبر - 19:25:10 | المشاركة رقم: | |||||||
مشرف
| موضوع: رد: التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) إقرار أنا الموقع أدناه، مقدم الرسالة التي تحمل العنوان: التجربة الزهدية بين أبي العتاهية وأبي إسحاق الألبيري (دراسة موازنة) أقر بأن ما اشتملت عليه هذه الرسالة إنما هي نتاج جهدي الخاص، باستثناء ما تمت الإشارة إليه حيثما ورد، وأن هذه الرسالة ككل، أو أي جزء منها لم يقدم من قبل لنيل أية درجة أو لقب علمي أو بحثي لدى أية مؤسسة تعليمية أو بحثية أخرى. Declaration The work provided in this thesis, unless otherwise referenced, is the researcher's own work, and has not been submitted elsewhere for any other degree or qualification. Student's Name: : اسم الطالب Signature: : التوقيع Date: 2009 م /2/ التاريخ: 12 ح فهرس المحتويات الموضوع الصفحة الإهداء ت الشكر والتقدير ث فهرس المحتويات ج الملخص د المقدمة 1 الفصل الأول: الدوافع العامة والخاصة لشعر الزهد لدى أبي العتاهية وأبي إسحاق الألبيري 4 أو ً لا: الدوافع العامة والخاصة لشعر الزهد لدى أبي العتاهية. 5 1. الداوفع العامة: 8 أ . الحياة الاجتماعية. 8 ب . الحياة السياسية. 10 2. الدوافع الخاصة: 11 أ. الضعة والخوف 11 ب . غريزة الدفاع والتكيف. 20 ج. بخله وحرصه 22 د. مجتمع العامة 25 ه. نيران المظالم ورائحة الموت. 26 و. سماته النفسية واستعداده الفطري. 28 ثانيًا: الدوافع العامة والخاصة لشعر الزهد لدى أبي إسحاق الألبيري. 30 1. الدوافع العامة: 30 أ . الأوضاع السياسية. 31 ب . الأوضاع الاجتماعية. 39 خ الموضوع الصفحة 2. الدوافع الخاصة: 42 أ . عمله بالقضاء. 42 ب . التأثر بشعراء المشرق. 44 الفصل الثاني: الموضوعات التي اشتمل عليها شعر الزهد لدى أبي العتاهية وأبي إسحاق الألبيري. 48 أو ً لا: الموت. 49 ثانيًا: الدنيا. 61 ثالثًا: الوعظ والنصح. 69 رابعًا: ذم حياة الملوك. 79 خامسًا: عواقب الموت. 83 سادسًا: الحكم والأمثال. 88 الفصل الثالث: السمات الفنية لشعر الزهد لدى أبي العتاهية وأبي إسحاق الألبيري. 105 أو ً لا: اللغة: 106 1) شكل القصيدة وأسلوبها 106 ) 2) قرب المعنى وسهولة اللفظ. 110 ) 3) التأثر بالمعاني الإسلامية والأجنبية. 119 ) 4) الجمل الخبرية والإنشائية. 133 ) 5) الشعبية الشعرية. 139 ) 6) الطباق والمقابلة. 142 ) 7) الترادف. 146 ) ثانيًا: الصورة الفنية: 150 أ. التشبيه المفرد. 151 ب. التشبيه التمثيلي والضمني. 154 د الموضوع الصفحة ج. الاستعارة والمجاز المرسل والكناية. 158 ثالثًا: الموسيقا: 167 أ. الجناس. 168 ب. الترديد. 172 ج. التصريع. 177 د. التدوير. 179 ه. الوزن الشعري. 181 و. القافية. 186 الخاتمة 191 المصادر والمراجع 193 b Abstract ذ التجربة الزهدية بين أبي العتاهية وأبي إسحاق الألبيري (دراسة موازنة) إعداد محمود لطفي نايف عبد الله إشراف أ.د وائل أبو صالح الملخص تناولت هذه الدراسة الموازنة بين شعر الزهد عند أبي العتاهية وأبي إسحاق الإلبيري على المنهج التحليلي، وكانت موزعة على ثلاثة فصول: 1. الفصل الأول، شمل الدوافع العامة والخاصة لشعر الزهد لدى أبي العتاهية وأبي إسحاق الإلبيري، فالدوافع العامة لشعر الزهد لدى أبي العتاهية هي: الحياة الاجتماعية، والحياة السياسية. أما الدوافع الخاصة فهي: الخوف والضعة، وغريزة الدفاع والتكيف، وبخله وحرصه، ومجتمع العامة، ونيران المظالم، ورائحة الموت، وسماته النفسية واستعداده الفطري. أما بالنسبة لأبي إسحاق الإلبيري، فالدوافع العامة لشعره الزهدي هي: الأوضاع السياسية، والأوضاع الاجتماعية، أما الدوافع الخاصة فهي: عمله بالقضاء، والتأثر بشعراء المشرق. 2. الفصل الثاني، تناول موضوعات شعر الزهد لدى أبي العتاهية وأبي إسحاق الإلبيري، وهي: أو ً لا: الموت. ثانيًا: الدنيا. ثالثًا: الوعظ والنصح. ر رابعًا: ذم حياة الملوك. خامسًا: عواقب الموت. سادسًا: الحكم والأمثال. سابعًا: الشيب والسخرية من الشيخ المتصابي. 3. الفصل الثالث وتناول السمات الفنية لشعر الزهد لدى أبي العتاهية، وأبي إسحاق الإلبيري، من حيث اللغة، والصورة الفنية، والموسيقا. وقد تناولت في موضوع اللغة: شكل القصيدة وأسلوبها، وقرب المعنى وسهولة اللفظ، والتأثر بالمعاني الإسلامية والأجنية، والجمل الخبرية والإنشائية، والشعبية الشعرية، والطباق، والترادف. وقد تناولت في موضوع الصورة الفنية التشبيه بأنواعه، المفرد، والتمثيلي، والضمني، والاستعارة بأنواعها، والمجاز المرسل، والكناية. وتناولت في موضوع الموسيقا، الجناس، والترديد، والتصريع، والتدوير، والوزن الشعري، والقافية. 1 المقدمة: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا، ملء السموات والأرض وما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، وأصلي وأسلم عليه وعلى آله الأطهار، وصحبه الطيّبين الأخيار، والتابعين ممن ساروا على نهجه في الزهد والعبادة والعمل، وبعد... لقد مكثت طوي ً لا أبحث عن عنوان لأطروحتي، يتناسب مع عمري ومركزي الديني، كنت مترددًا في أي بحث سأكتب، إلى أن هداني الله عز وجل، فطرقت باب أساتذتي الذين لهم المّنة والفضل بعد الله عز وجل، فرست قوارب نفسي في بحر أستاذي الجليل الأستاذ الدكتور وائل أبي صالح، جزاه الله عنا وعن المسلمين خيرًا، فجاء موضوع الدراسة (التجربة الزهدية بين أبي العتاهية وأبي إسحاق الألبيري). لقد حظي موضوع الزهد بدراسات أدبية كثيرة على مرّ العصور، فمنهم من درسه موضوعًا مستق ً لا، ومنهم من درسه مرتبطًا بالتصوف، فكان شعر الزهد محط اهتمامي ودراستي، لاستكمال جهود الباحثين الذين درسوا شعر الزهد في المشرق، والذين درسوا شعر الزهد في المغرب، وخاصة في الأندلس ثم لمعرفة مدى تأثر الشاعر الأندلسي بأخيه المشرقي، وإماطة اللثام عن وجهي الشاعرين، لمعرفة تلك الأسرار والبواعث التي تكمن في شخصيتهما،حيث أنهما عالجا بشعرهما الزهدي قضايا مجتمعيهما، وإيجاد الحلول لها، ومحاولة إصلاح ما فسد منها، فكانا خير مثال للشاعر العابد الزاهد الذي يرى نفسه مسؤولا أمام الله عما تردى فيه المجتمع من مهالك. فقد حاولت هذه الدراسة الموازنة بين شعر الزهد عند أبي العتاهية وأبي إسحاق الألبيري، والتركيز على الدوافع العامة والخاصة، ثم الموضوعات التي اشتمل عليها شعرهما الزهدي، وسماته الفنية. 2 والبحث إذ يستكمل جهود السابقين، فإن الباحث قد درس بإمعان مجموعة من الدراسات الحديثة التي عنيت بهذا الشعر، أو بدراسة خصائصه، واتجاهاته، والقضايا والمؤثرات، وأفاد منها في بحثه، فكان منها: دراسة خالد فرحان،إرحيل البداينة وهي بعنوان: (شعر أبي العتاهية الزهدي "القضايا والمؤثرات")، ودراسة أمين يوسف عودة: (المقامات والأحوال في الشعر الصوفي في العصر العباسي)، ودراسة نزار عبد الله خليل الضمور: (شعر الزهد في القرن الرابع الهجري)، ودراسة محمد قريبيز: (الشعر الصوفي في الأندلس في عصر المرابطين والموحدين)، ودراسة الجيلالي سلطاني: (اتجاهات الشعر في عصر المرابطين بالمغرب والأندلس)، ودراسة محمد نازك و أحمد طه الكفارنة: (الخيال الشعري عند شعراء الصوفية في الأندلس)، ودراسة محمد أشقر: (شعر الجزيرة الفراتية في العصر العباسي)، ودراسة أمين يوسف عودة: (تأويل الشعر وفلسفته عند الصوفية "ابن العربي"). وقد انتظمت الدراسة على المنهج التحليلي لحياة كل من الشاعرين: أبي العتاهية وأبي إسحاق الألبيري، وشعر الزهد لديهما، ومن ثم الموازنة بين الشاعرين من حيث الدوافع والشكل والمضمون؛ لذا كان البحث على الترتيب الآتي: الفصل الأول: دراسة للدوافع العامة والخاصة لشعر الزهد لدى أبي العتاهية وأبي إسحاق الإلبيري، ولكنه يبدأ بتعريف الزهد لغة واصطلاحًا ثم لمحة عن تيار الزهد في العصر العباسي، ثم توضيح مدى تأثر شعراء الأندلس بشعراء المشرق. الفصل الثاني: واشتمل على موضوعات شعر الزهد لدى أبي العتاهية وأبي إسحاق الألبيري، حيث ابتدأ بموضوع الموت؛ وتناول موت الأبوين، و الاستعداد للموت، والإكثار من ذكره وعدم نسيانه، وأنه رحلة من دار الفناء إلى دار البقاء، وعن وصف القبور وأحوال الموتى، ثم التنفير من الدنيا وذمها وأنها لا تعدل عند الله جناح بعوضة، وموضوع النصائح والمواعظ، للناس والحكام والخلفاء، وفيه الحث على العلم الخالص لوجه الله، والإكثار من ذكر الله والتسبيح له وقرع بابه، وموضوع ذم حياة الملوك وذوي المكانة والجاه وأصحاب المال، وما جمعوه من ذهب ومتاع، فإن ذلك مصيره إلى الزوال، ثم موضوع عواقب الموت؛ من بعث، وحساب، 3 وجنة، ونار، فالموت لا يعني نهاية الإنسان، بل هو الانتقال من دار الدنيا إلى دار الآخرة، وما ينتظر الإنسان من حساب، وما بعده من جنة أو نار، ثم موضوع الحكم والأمثال، فكانت تعقد جوامع الحكمة في أبيات شعرية جميلة، ثم موضوع الشيب والسخرية من الشيخ المتصابي، فجمال الشيخ هو في تقواه، ومحو السيء من أعماله بالإكثار من الحسنات. الفصل الثالث: وتناول دراسة السمات الفنية لشعر الزهد لدى أبي العتاهية وأبي إسحاق الألبيري من حيث: اللغة، والصورة الفنية، والموسيقا. دراسة اللغة من حيث: شكل القصيدة وأسلوبها، قرب المعنى وسهولة اللفظ، والتأثر بالمعاني الإسلامية، والجمل الخبرية والإنشائية، والشعبية الشعرية، والطباق، والترادف. أما الصورة الفنية فتناولت الدراسة: التشبيه، والاستعارة، والمجاز المرسل، والكناية. وأما الموسيقا فتناولت الدراسة: الجناس، والترديد، والتصريع، والتدوير، والوزن الشعري، والقافية. وينتهي البحث بخاتمة تسجل خلاصته، وأهم نتائجه. 4 الفصل الأول الدوافع العامة والخاصة لشعر الزهد لدى أبي العتاهية وأبي إسحاق الإلبيري. أو ً لا: الدوافع العامة والخاصة لشعر الزهد لدى أبي العتاهية. 1. الدوافع العامة وهي: أ. الحياة الاجتماعية. ب. الحياة السياسية. 2. الدوافع الخاصة وهي: أ. الخوف والضّعة. ب. غريزة الدفاع والتكيّف. ج. بخله وحرصه. د. مجتمع العامة. ه. نيران المظالم ورائحة الموت. و. سماته النفسية واستعداده الفطري. ثانيا: الدوافع العامة والخاصة لشعر الزهد لدى أبي إسحاق الإلبيري. 1. الدوافع العامة: أ. الأوضاع السياسية. ب. الأوضاع الاجتماعية. 2. الدوافع الخاصة: أ. عمله بالقضاء. ب. التأثر بشعراء المشرق. الموضوعالأصلي : التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: satarcette
| |||||||
الثلاثاء 27 أكتوبر - 19:26:42 | المشاركة رقم: | |||||||
مشرف
| موضوع: رد: التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) - لبنان،ج 1 ص 381 16 العتاهية وهو لا يشك في الظفر بها، فقال له الرشيد: والله ما قصّرت في أمرك، وشرح له الخبر، قال أبو العتاهية: فلما أخبرني بذلك مكثت مليا لا أدري أين أنا، ثم قلت: الآن يئست منها إذ ردّتك، وعلمت أنها لا تجيب أحدا بعدك، فلبس أبو العتاهية الصوف"،( 1) وقال في ذلك من ( أبيات له 2 وَق َ طعْ ُ ت مِنْك حَبائلَ الآما ِ ل وَحَ َ ططْ ُ ت عَنْ َ ظهْرِ المَطِيَّ ِ رحالي وَوَجَدْ ُ ت بَرْدَ اليَأْ ِ س بَيْنَ جَوانِحي وَأَرَحْ ُ ت مِنْ حِّلي وَمِنْ َترْحالي (الكامل) ( وهذه أبيات قالها في حب عتبة تذكر طرفا من حبه لسعدى 3 راعَني يا يَزيدُ صَوْ ُ ت ال ُ غرا ِ ب ِبحِذا ِ ري لِلْبَيْ ِ ن مِنْ أَحِبْابي ُقلْ ُ ت للِقّل ِ ب إِذْ َ طوى وَصْلَ سُعْدى لِهَواهُ البعيدَةِ الأَسْبا ِ ب أَنْ َ ت مِثْلُ الذي يَفِرُّ مِنَ الَقطْرِ حِذارَ النَّدى إِلى الِميزا ِ ب (الخفيف) وقد أكثر أبو العتاهية من ذكر عتبة حتى في مدحه للخليفة، ظّنا منه أن الخليفة سيهبها له، وكان الخليفة مفتونا بها، فلما بلغه إكثار أبي العتاهية في وصفها، غضب فأمر بحبسه، فزج به في غياهب السجن، وقضى أبو العتاهية في السجن فترة من الزمن ثم أفرج عنه لشفاعة قام بها خال الخليفة يزيد بن منصور الحميري، وكان معجبًا به، فأطلقه. 1) المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي: مروج الذهب ومعادن الجوهر، دار الأندلس للطباعة والنشر : ) بيروت،ج 3 .257 – ص 256 . - انظر: الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، ج 3 ص 132 .281 – 2) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 280 ) . - انظر: الحصري: زهر الآداب، ج 1 ص 381 . - انظر: المسعودي: مروج الذهب، ج 3 ص 357 .490 – 3) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 489 ) 17 "خرج أبو العتاهية من السجن يجر أذيال الخيبة العاطفية التي لحقت" به( 1)" ويعاني من صدمة نفسية جديدة أعادت إلى نفسه ذكرى التجربة الأولى، والصدمة المبكرة التي لحقته حين أحب سعدى النائحة؛ وهي من أهل الحيرة، وكانت ذا حسن وجمال، و مولاة لآل معن، وكان يحبها أيضا عبد الله بن معن بن زائدة المكنى بأبي الفضل، ونهاه معن عن التعرض لها ( وتوعده خاصة بعد أن هجاها واتهمها بالنساء".( 2 قرر أبو العتاهية بعد هاتين الصدمتين أن يميت قلبه إلى الأبد، وأن ينصرف عن متع الدينا وملذاتها وأن يعتزل الناس ويفرض على نفسه حياة تقوم على الزهد والتقشف. "ومضى في زهده يجاهد نفسه مجاهدة عنيفة، إذ فرض على نفسه الحج كل عام، كما فرض عليها اعتزال الناس والميل إلى الوحدة، ومفارقة مجالس اللهو والشعر والغزل، كما كان يفرض على نفسه ( أحيانا أن يصوم عن الكلام، ومضى يمارس هذه الرياضات الروحية حتى ودّع الحياة".( 3 وفي بداية زهده مرت به محنة من تلك المحن التي كان يمتحن بها، فقد أمر الرشيد أن يزج به في السجن، والأسباب الحقيقية لهذا السجن ليست واضحة تماما، فالرواة يذكرون أن الرشيد سجنه لأنه طلب إليه أن يقول شعرا في الغزل ولكنه رفض، وصمم الخليفة على طلبه، وصمم الشاعر على امتناعه، وأقسم الخليفة عليه ليقولن شعرا في الغزل أو ليسجنن، وأقسم الشاعر ليصومنّ عن الكلام كله إلا عن قراءة القرآن وذكر لا إله إلا الله محمد رسول الله لمدة ( سنة، وثارت ثائرة الرشيد، وألقى به في السجن، ومن قوله للرشيد وهو في السجن 4 َت َذكَّرْ أمينَ اللهِ حَقِّي وَحُرْمَتي وَما ُ كنْ َ ت ُتولِيني َلعَلَّكَ تَذْكُرُ لَياليَ ُتدْني مِنْك بالُقرْ ِ ب مَجْلِسي وَوَجْهُكَ مِنْ ماءِ البَشا َ شةِ يَقْطُرُ َفمَنْ لِيَ بالعي ِ ن الَّتي ُ كنْ َ ت مَرًَّة إِليَّ ِبها في سالِفِ الدَّهْ ِ ر تَنْظُرُ (الطويل) . 1) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 24 ) .137 – 2)انظر الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، ج 3 ص 136 ) . 3) حليف، يوسف: تاريخ الشعر في العصر العباسي،ص 88 ) . 4) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 534 ) . - انظر: الحصري: زهر الآداب، ج 1 ص 384 18 ( وكتب أبو العتاهية إليه من الحبس أبياتا نقتطف منها 1 َتفْديكَ َنفْسي مِنْ ُ كلَّ ما َ كرِهَتْ َنفْسُكَ إِنْ ُ كنْْ ُ ت مُذْنِبًا فاغْفِرْ يا َليْ َ ت َقلبْي مُصَوَّرٌ َلكَ ما فيهِ َليَسْتَيقِنَ اّلذي أُضّمِرُ (المنسرح) ( فوّقع الرشيد في رقعته "لا بأس عليك"، فأعاد أبو العتاهية عليه رقعته بأبيات فيها: ( 2 َ كأَنَّ ال َ خلْ َ ق رُكَّبَ فيهِ روحٌ لَهُ جَسَدٌ وَأَنْ َ ت عَليْهِ راسُ أَمينَ اللهِ إِنَّ الحَبْسَ بَأسٌ وََقدْ أَرْسَلْ َ ت َليْسَ عَليَكَ بأسُ (الوافر) ( فأمر بإطلاقه، كتب إليه من الحبس 3 إنَّما أًنْ َ ت رَحْمةٌ وَسَلامهْ زادَكَ اللهُ غِب َ ط ً ة وكرامه قِيلَ لي َقدْ رَضِي َ ت عَنيَّ َفمَنْ لي أَنْ أَرى لي عَلى رضاكَ علامه وًحَقيِقٌ أَ ّ لا يُراعَ بسوءٍ مَنْ رآكَ اْبََتسَمْ َ ت مَنْهُ ابْتسِامه ًلوْ َتوْجَّعْ َ ت لي َفرَوَّحْ َ ت عََّني رَوَّحَ اللهُ عَنْكَ يَوْمَ الِقيامه (الخفيف) . 1) المصدر نفسه، ص 556 ) . - انظر: ابن قتيبة: الشعر والشعراء، الجزء الأول، ص 676 . - انظر ابن المعتز: طبقات الشعراء، تحقيق: عبد الستار أحمد فرّاج، الطبعة الرابعة، دار المعارف، ص 231 . 2) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 565 ) . - انظر المبرد: الكامل، ج 3 ص 1053 . - انظر ابن المعتز: طبقات الشعراء، ص 231 . - انظر ابن قتيبة: الشعر والشعراء، ج 1 ص 677 . - انظر الحصري: زهر الآداب، ج 1 ص 384 . 3) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 639 ) . - انظر ابن المعتز: طبقات الشعراء، ص 231 . - انظر ابن قتيبة: الشعر والشعراء، ج 1 ص 677 19 ولما أطلقة الرشيد من الحبس لزم بيته وقطع الناس،فُذكر ذلك للرشيد فقال : قولوا له " صرت زير نساء( 1)، وحِلس( 2)بيت "، فكتب إليه أبو العتاهية ( 3 برمت بالناس وأخلاقهم وصرت أستأنس بالوحدهْ ما أكثر الناس لعمري وما أقّلهم في حاصل العدهْ الموضوعالأصلي : التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: satarcette
| |||||||
الثلاثاء 27 أكتوبر - 19:28:52 | المشاركة رقم: | |||||||
مشرف
| موضوع: رد: التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) (مجزوء البسيط) ورد البيتان في الأغاني ( 5):"ما أخبر به أبن أبي العتاهية : أن الرشيد لما أطلق أباه من الحبس لزم بيته وقطع الناس، فذكره الرشيد فعُرف خبره،فقال :قولوا له :صرت زير نساء، وحلس بيت " فكتب إليه أبو العتاهية البيتين السابقين. "وظل أبو العتاهية طوال حكم الرشيد في عزلته الروحية التي فرضها على نفسه، حتى إذا مات الرشيد لم يرثه أبو العتاهية، وإنما اتخذ من موته موضوعا للعظة والاعتبار، فهذا الملك الجبار الذي كان يخشاه الناس قد انتصر عليه الموت في النهاية وتساوى ( مع سائر البشر".( 4 أما الخوف فقد كان مبعثه لدى أبي العتاهية بيئة الكوفة التي عاش فيها،حيث أندلعت الثورات في جنبات الدولة الإسلامية في مواجهة العباسيين،" وفي سبيل تأمين العباسيين لأنفسهم أسرفوا في سفك الدماء منذ بدأ أبو عبد الله السفاح إلى عهد الرشيد الذي يعد مفخرة العصر العباسي كله، وإذا كانت الكوفة قد هدأت بعض الشيءعن مقاومة الدولة الجديدة نظرا لوقوعها 1)زير النساء :الذي يكثر زيارة النساء ويحب مجالستهن ومحادثتهن أنظر، المعجم الوسيط،ص 434 ) . 2)حلس بيت : لا يبرحه ولا يفارقه،أنظر :المصدر نفسه،ص 214 ) 3)أبو العتاهية، أشعاره وأخباره، ص 468 ) 106- 5) الأصفهاني، أبو الفرج، الأغاني، منشورات دار الكتب،ج 4،ص 105 ) . 4) خليف، يوسف: تاريخ الشعر في العصر العباسي، ص 89 ) 20 تحت العين الفاحصة من رقابة الدولة لها، فإنها كانت تزخر بفكرها وثاراتها المختبئة المتربصة، ( ولذا خرج السفاح منها ليعسكر قربها وسط جند خراسان شيعة العباسيين الأوفياء".( 1 تلك الخواص السياسية التي كانت تعكس حياة الكوفة وبيئتها هي عامل هام في تكوين شخصية أبي العتاهية حتى أورثته الخوف وحب الانتقام معا، وحب الانتصار لنفسه وللناس من حوله من القهر والعجز معًا. ب. غريزة الدفاع والتكيف: إن المظالم السياسية في الكوفة دفعت أبا العتاهية إلى عالم المجانة والتخنث، ليغرق همومه ويفر من معاناته، وينتقم لنفسه من كل معنى كريم، انتقاما من الدنيا التي لم تحفظ كرامته، وهو في الواقع انتقام من المجتمع، بإهدار قيمه التي يفترض فيه دائما أنه يتمسك بها ويتطلع إليها، وهذا السلوك من ناحية أخرى يوفر له الأمن السياسي حيث لا يطلبه العسس ولا تتعقبه الجاسوسية، بل يظل خارج الدائرة، لا هو في العير ولا في النفير. كان في أول أمره يتخنث ويحمل زاملة المخنثين،( 2) ولعل ريح البطش وارتياع العامة والخاصة للناس في ظل الظروف السياسية السيئة للكوفة، هو الذي حدا بأبي العتاهية أن يطلب سبيل السقوط والمجانة في رحاب المخنثين في مطلع شبابه. وأبو العتاهية نفسه عندما سئل كيف يضع نفسه مع المخنثين أجاب بما يفيد أنه ليس منهم، ولكنه محتال او محتاج إلى صحبتهم، حيث أجاب سائله قائلا: "أريد أن أتعلم كيادهم، ( وأتحفظ كلامهم".( 3 . 1) أبو الأنوار، محمد : الشعر العباسي تطورة وقيمه الفنية،ط 2،دار المعارف، ص 209 ) . 2) الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، ج 4، ص 4 ) . 3) المصدر نفسه، ص 209 ) 21 وفي رجاء الفوز بطلب العوض والراحة والهروب من الضياع والظلم يتجه البعض إلى كؤوس الحياة يعبون منها، ويسرفون على أنفسهم في حياة اللهو والخلاعة، وهذه الظاهرة بدأت في خلافة عثمان، ثم نمت في العصر الأموي، ولكنها عظمت واتسع مداها في أيام العباسيين. كانت بيوت القيان بالكوفة منتشرة، وكانت أشد خطرا وأبعد أثرا من دور اللهو في عصرنا الحديث، لدرجة أن الجاحظ يقول عنها: "لو لم يكن لإبليس شرك يقتل به، ولا علم يدعو ( إليه، ولا فتنة يستهوي بها، إلا القيان لكفاه".( 1 ولعل أشهر دار للقيان بالكوفة دار ابن "رامين" وهذه الدار كانت أكبر مصدر لإشاعة الإغراء والفساد بالكوفة، وكان هذا الرجل وأمثاله يحصلون من وراء هذا الخان الأموال الطائلة من سراة القوم وأوساطهم، وفي هذا الوسط الفاسد انتشر الشذوذ والفتنة بالغلمان لدرجة أن الجواري كن يتشبهن بهم ويطلق عليهن الغلاميات، وتخصصت بعض دور الفساد في تقديم الفتيان دون الفتيات لروادها الشذاذ، لدرجة أنه شاع في تلك البيئة عشق الغلمان. "وفي هذا الجو كان يجد الرضا الاجتماعي حيث لاطبقية داخل الحانات والخمارات ودور اللهو والمجانة، فهناك تتساوى الرؤوس حيث يلعب بها سلطان الكؤوس، ولا تبقى إلا حرية الفعل والقول في مجتمع تسوده حرية واقعية وتعمه مساواة سلوكية، وتسقط فيه كل الحواجز الاجتماعية حيث يترك الناس عند أبواب الحانات كل القيود والتقاليد والمراسم، وفي هذا الجو يتحقق له الرضا النفسي عن ذاته وحياته، ولذا شاع في أخباره أنه كان مخنثا مع ( المخنثين في عصره وبيئته".( 2 وكان بعض من مال به هواه إلى المجون، وغلب عليه في ذلك الجنون، يمقت أبا العتاهية ويحسده ويغتابه، لانصرافه عن طبقته من الشعراء المستخفين، إذ بان له من ضلالهم ما زهده في أقوالهم، فمال عنهم، ورفض مذاهبهم، وأخذ عن طريقهم،" وتاب توبة صادقة، وسلك طريقة حميدة، فزهد في الدنيا، ومال إلى الطريقة المثلى، وداخل العلماء والصالحين، ونوّر الله . 1) أبو الأنوار، محمد، الشعر العباسي تطوره وقيمه الفنية، ص 217 ) .9 – 2) الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، ج 4 ص 8 ) 22 قلبه فشغله بالفكرة في الموت وما بعده"( 1)، ونظم ما استفاده من أهل العلم من السنن وسيرة السلف الصالح، وأشعاره في الزهد والمواعظ والحكم لا مثيل لها، كأنها مأخوذة من الكتاب والسنة، وما جرى من الحكم على السنة سلف هذه الأمة، وكانت طبقته الأولى من الشعراء المستخفين تعيبه حسدا له وبغضا حتى قالوا:" إنه لا يؤمن بالبعث، وإنه زنديق، وإن شعره ومواعظه إنما هي في ذكر الموت، وقد بان في شعره لمن طالعه وعني به كذبهم وافتراؤهم لما ( فيه من ذكر التوحيد وذكر البعث والإقرار بالجنة والنار والوعد والوعيد".( 2 وأبو العتاهية في دوره الجديد ينعم بحياة المساواة التي طلبها من قبل في حياة اللهو، ولكنها كانت قاصرة على مجتمعه داخل الحانة، أما في الزهد فإنه يخرج للمجتمع كله، وينال كبار العتاة فيه بما يريد من القول، وفي مقدمتهم الخليفة أيًا كان ومن كان، وهكذا يسعد بهذا الوضع الجديد الذي يمكنه من رقاب الجميع، لا سيما أهل التسلط والمنعة. لقد أّثرت فيه حياة اللهو والمجون التي فتح عينيه عليها فصرفته إلى الزهد ونأت به عن ( الترف فكثر في شعره ذكر الموت 3 أَبى المَوْ ُ ت إِ ّ لا أَنْ يَكونَ لِمَنْ َثوى مِنَ ال َ خلْقِ ُ طرًَّا حَيُْثما كانَ لاقِيا حَسَمْ َ ت المَُنى يا مَوْ ُ ت حَسْمًا مُبَرَّحًا وَعَلَّمْ َ ت يا مَوْ ُ ت البُكاءَ البَواكِيا وَمَزَقْتنَا يا مَوْ ُ ت ُ كلَّ مُمَزَّقٍ وَعَرَّفَْتنا يا مَوْ ُ ت مِنْكَ الدَّواهِيا (الطويل) ج. بخله وحرصه : تفيض أخبار أبي العتاهية بالحرص وشدة البخل، وبلغت في الأغاني اثني عشر موضعا، بلغ من قسوته فيها أنه أجاع خادمه حتى مات جوعا، فقد كان يجري عليه في اليوم رغيفين بغير 1)مقدمة ديوان أبي العتاهية،ص 37 ) . 2) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 37 ) . 3) المصدر نفسه، ص 434 ) . - انظر: الأسعد، عمر: نصوص من الشعر العباسي، ص 49 23 إدام، ولما عوتب في ذلك قال:" من لم يكفه القليل لم يكفه الكثير، وكل من أعطى نفسه شهوتها هلك، وهذا خادم يدخل إلى حرمي وبناتي، فإن لم أعوده الاقتصاد أهلكني، وأهلك عيالي ومالي". ولما مات هذا الخادم كفن في إزار وفراش خلق، فقال له قائل:" خادم قديم الحرمة، طويل الخدمة واجب الحق تكفنه في خلق، وإنما يكفيك له كفن بدينار! فقال: إنه يصير إلى البلى والحي أولى بالجديد من الميت، فقلت له: يرحمك الله يا أبا إسحق، فلقد عودته الاقتصاد حيا ( وميتا".( 1 وله حكايات ونوادر بعضها يضحك، وبعضها يوجع القلب حسرة عليه وعلى ما آل إليه حاله من البخل على نفسه وأولاده، وقد أحرجه معاصروه وهاجموه، وكانت له إجابات عليهم، منها ما يرويه صاحب الأغاني من أنه قيل لأبي العتاهية:" مالك تبخل بما رزقك الله" فقال: والله ما بخلت بما رزقني الله قط، قيل له: وكيف ذاك وفي بيتك من المال ما لا يحصى؟ قال: ليس ذلك رزقي، ولو كان رزقي لأنفقته". لقد عرف عن أبي العتاهيةحبّه للمال والحرص على الدنيا، وقد كان ذا نظر في العواقب وضبط النفس، فلم يكن شديد الميل إلى الإنفاق في سبيل الشهوات، ولم تكن مشاركته لزملائه في مجونهم أيام شبابه، لتقتل فيه ميله إلى الحرص والرزانة، جاراهم ولكن إلى حين، واندفع في ( تيار الحياة ولكنه لم يرخ لنفسه العنان.( 2 وسبب هذا البخل هو أنه كان يرى هذا المال رزقا خاصا بأولاده يواجهون به الأيام بعد موته، ولا سيما بناته، فقد كان له ابنتان، يقال لإحداهما لله، وللأخرى بالله،( 3) وقد عوّدهن البخل وشدة الاقتصاد، ورباهن عليه، حتى يظل المال بعد موته في أيديهن أمنا وحماية، بدليل أنه . 1) الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، ج 3 ص 132 ) . - انظر نوفل، محمد محمود قاسم،: المختار من الشعر والشعراء في العصر العباسي، ص 184 . 2) المقدسي، أنيس: أمراء الشعر في العصر العباسي، دار العلم للملايين، ط 19 ، آذار 1994 ، ص 153 ) . 3) ابن قتيبة: الشعر والشعراء، ج 1، ص 675 ) 24 يرغب عن تزويجهن من الفقراء، ذلك أنه لما تقدم له خاطب لإحدى ابنتيه قال:" ما كنت ( لأزوجها إلى بائع خزف وجرار؟! ولكن أختار لها موسرًا".( 1 وهو في النص الواحد يناقض نفسه، فحيث يرغب في البذل، يعترف بأن نفسه لا تسمو ( إلى منزلة التورع عن المال والفرح بالظفر به، يقول 2 إِنَّ لِلْ َ خير َلرَسِّمًا بَينًا َ طبَعَ الُله عََليْهِ ما َ طبَعْ َقدْ بََلوْنا النَّاسَ في أَخْلاقِهمْ َفرَأيْناهُمْ لذي الما ِ ل َتبَعْ وَحَبيبُ النَّا ِ س مَنْ أَطْمَعَهُمْ إَنَّما النَّاسُ جَميعًا ِبالطَّمَعْ احْمَدِ اللهَ عَلى تقْديرهِ قدّر الرزق فأعطى وَمََنعْ سُمْتُ َنفْسي وَرَعًا تَصْدُقُهُ فنهاها النقص عن ذاك الوَرَعْ وَلِنفْسي غَفَلاتٌ َلمْ َتزَلْ وََلها بالشَّيْءِ أَحْيانًا وََلعْ وَلِنفَسْي حيِنَ ُتعْطى َفرَحٌ واضِّْطرابٌ عِنْدَ مَنْ ٍ ع وَجَزَعْ (الرمل) والأبيات الثلاثة الأخيرة تكشف عن أنه ليس ممن طبعهم الله على الخير الذي وضّحه البيت الأول، وليست نفسه قادرة على الاستجابة للورع في صدق بسبب ما فيها من نقص الطمع كما في البيت الرابع،وبعده يوضح صراحة،أنه حمل نفسه على صدق الورع فردّها نقصها، وإنها لنفس تفرح بالأخذ، وتجزع ويضطرب أمرها بالمنع، وهي نفس ولوعة بالأشياء، ذلك أن غفلاتها-عن المثل الأعلى- لم تزل ماثلة فيها تردّها وتقهرها. والواضح أن أبا العتاهية يخاف الفقر ويخاف السؤال، ومن هذا المنطلق كان شحيحًا بما ( يصل إلى يده، ومن أقواله في ذلك 3 فالْمالُ مِنْ حَّله قِوامٌ للْعِرْ ِ ض والوَجْهِ والّلسا ِ ن . 1) الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، ج 4، ص 89 ) .219 – 2) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 218 ) . 3) المصدر نفسه، ص 385 ) 25 والَفقْرُ ذُلٌّ عََليْهِ بابٌ مفتاحه العَجْزُ والّتواني (المنسرح) د. مجتمع العامة : كانت الكوفة تتكون من طبقات متعددة تتصدرها طبقة الأرستقراطية العربية، ثم الموالي، ثم العامّة من عرب وفرس، وأنباط وسريان على تفاوت بينهم. في هذا الدور من أدوار أبي العتاهية في الزهد، يعرف كيف يح ّ كم موقفه، لأنه يقع الموقع المناسب من ذوق العامة، وهم القاعدة العريضة من طبقات الأمة، إنه يهوّن عليهم بعظات مشقات الحياة، وويلات المعاناة، وحدّة المفارقات، والمظالم، وهو يسوّي بينهم وبين كل الكبار في مصير الموت والقبر والحساب، ويبقي للعامة فض ً لا على كل الكبار، في أن العامة أبرياء من الظلم، محرومون من النعم، صابرون على كل المحن، ولا شك أن مآلهم الموت وما بعده أرفع منزلة وأوفى كرامة، وفي هذا تميُّز لهم على السادة وأهل الجاه، فأبو العتاهية يرضي العامة من ناحية، ويعلي شأنهم من ناحية أخرى. لقد تمكن أبو العتاهية من السيطرة على العامة في تلقيهم لفنه، لأنه كان شاعرا شعبيا، وفي هذا إحكام لتلك الصلة التي ينشدها في مجتمعه. كان أبو العتاهية في صراعه مع مجتمعه وفي آلامه النفسية، يمثل القاعدة العريضة التي يطلق عليها اسم "مجتمع العامّة"، وبراعة أبي العتاهية تكمن في أنه يدرك تماما أن أهدافه الخاصة هي أهداف مشتركة بينه وبين مجتمع العامة، فهو يمثله أو ينوب عنه، ويتوجه إليه، لأنه نسبه الجديد وحصنه المتين. فعندما رأى أن غلاء الأسعار الفاحش قد عمّ المجتمع البغدادي ولمس الشكوى والتذمر من الناس، لم يجد بُدًّا من حسن التعبير عن ذلك، وتنصيب نفسه محاميا ومدافعا عنهم، ومطالبا 26 أولي الأمر بمراجعة الأمور والنظر بعين العطف إلى حالة الناس، فرفع شكوى إلى أحد خلفاء ( العصر العباسي في زمانه مترجما بذلك ما يعتمل في نفوس الناس بقوله 1 مَنْ مُبْلِ ٍ غ عَنَّي الإِما مَ َنصائِحًا مُتوَالية إنَِّ ِ ي أَرى الأَسْعا ِ ر أسْعارَ الرَّعِيَّةِ غالِية وَأرَى المَكاسِبَ َنزْرَةً وَأَرى الضَّرُورََة فاشِية مَنْ يُرَْتجى فِي النَّا ِ س َ غيْرُكَ للعُيو ِ ن الباكِية مِنْ مُصِْبياتِ جُوَّ ٍ ع ُتمْسي وَُتصْبحُ طا ِ وية مِنْ لِلبُطو ِ ن الجَائِعاتِ وللِجُسوِم العا ِ رية أَلقْيَ ُ ت أَخباراً إِليْكَ مِنَ الرَّعيَّةِ شافِية (مجزوء الكامل) لقد احتمى أبو العتاهية بالزهد ليشفي جراح نفسه، وجراح الطبقة العامة من مجتمعه. ه. نيران المظالم ورائحة الموت: لقد شاهد أبو العتاهية المجازر، وحقارة الدنيا في مجتمع الكوفة حيث اشتد الصراع بين الأمويين والعباسيين،وبين بني العباس أنفسهم، وشاهد هوان الإنسان مهما كان قدره ومنزلته وروّعته مشاهد الموت، وهاله أكثر من مرة،سقوط أهل المنعة والكرامة في ساحة الردى. دخل رجل يدعى بأبي عبيد الله على المهدي، وكان قد وجد عليه في أمر بلغه عنه، وأبو العتاهية حاضرا المجلس، فجعل المهدي يشتم أبا عبيد الله ويتغيّظ عليه، ثم أمر به فجرّت ( رجله وحبس، ثم أطرق المهدي طويلا، فلما سكن أنشده أبو العتاهية 1 أرَىَ الدُّنيا لِمَنْ هِيَ في يَدَيْهِ عَذابًا ُ كلَّما كَُثرَتْ َلدَيْهِ ُتهِينُ المُك ِ رمينَ َلها بِصُغْ ٍ ر وَُتكْ ِ رمُ ُ كلَّ مَنْ هَاَنتْ عََليْهِ إِذا اسَْتغَْنيْ َ ت عَنْ َ شيْءٍ فَدَعْهُ وَ ُ خذْ ما أَنْ َ ت مُحْتاجٌ إَِليْهِ (الوافر) . 1) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 439 ) 411- 1) أبو العتاهية : أشعاره وأخباره، ص 410 ) 27 فتبسم المهدي وقال لأبي العتاهية: أحسنت. فقام أبو العتاهية ثم قال: والله يا أمير المؤمنين، ما رأيت أحدا أشد إكراما للدنيا ولا أصون لها، ولا أشح عليها، من هذا الذي جرّ برجليه الساعة، ولقد دخلت إلى أمير المؤمنين ودخل وهو أعز الناس، فما برحت حتى رأيته أذل الناس، ولو رضي من الدنيا بما يكفيه لاستوت أحواله ولم تتفاوت، فتبسم المهدي ودعا بأبي عبيد الله فرضي عنه، فكان أبو عبيد الله .( يشكر ذلك لأبي العتاهية( 1 لقد عاش أبو العتاهية حياة كثر فيها القتل والتقلبات السياسية في البيت العباسي بين ( أمراء العباسيين، ثم ما كان يلحق العلويين من أذى وتقتيل وتشريد.( 2 وفي عهد الرشيد ضرب وسجن، وشاهد قتل سجين أمام عينيه، ويرى الدكتور يوسف خليف أن سبب سجن الرشيد لأبي العتاهية هو أن أبا العتاهية، كان يكثر ويلح في معانيه على ،( طغيان الملوك وغفلتهم في الدنيا، ثم زوال ملكهم مهما طال، وتساويهم بالسّوقة أمام الموت( 3 ( ويجعل الحديث عنهم موضوعا لاستخلاص العبرة، فيقول في ذلك 4 وَ َ كمْ مِنْ عَظي ِم الشَّأْ ِ ن في َقعْرِ حُفْرَةٍ َتَلحَّ َ ف فِيها ِبالثَّرى وََتسَرْبَلا (الطويل) ( يقول 5 وَكمْ مِنْ مُلوكٍ َقدْ رَأَيْنا َتحَصََّنتْ َفعَطَّّلَتْ الأَيَّامُ مِنْها حُصُوَنها (الطويل) .154 – 1)الأصفهاني، أبوالفرج: الأغاني، ج 3، ص 153 ) . 2) نوفل، محمد محمود قاسم: المختار من الشعر والشعراء في العصر العباسي، ص 181 ) 3) تاريخ الشعر في العصر العباسي،ص 89 ) . 4) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 305 ) . 5) لمصدر نفسه، ص 405 ) 28 وإن الإلحاح على هذه المعاني وانتشارها في الأوساط الشعبية في شعر أبي العتاهية يضع من قدر الخليفة وهيبته في النفوس التي تدرك هذه المعاني وتتمثل بها. ويرى الدكتور محمد أبو الأنوار، أن الرواية التي ترجع سبب سجن الرشيد لأبي العتاهية لعدم قوله في شعر الغزل تتصل باعتبارات سياسية، فيقول: "ويبدو لي أن الرشيد طلب منه القول في شعر الغزل لأنه عندما يقول في الغزل ويقول في الزهد معا يصبح كلامه في الزهد لدى العامة أقل شأنا بل ساقط القيمة، لأنه يغدو مجرّحا في زهده ومواعظه لأن غزله سيخرجه من طبقة الزهاد والناسكين الذين لا شأن لهم بهوى المرأة وغرامها والتغني بها، وإذن ( فالرشيد سجنه ليبعده عن الأوساط الشعبية لاعتبارات تتصل بسياسته للرعية".( 1 وأرى أن أبا العتاهية قال في الغزل في زمن لهوه، وقبل تحوله من تيار اللهو والمجون إلى الإيمان، وتقوى الله،ولكنه تاب بعد ذلك توبة صادقة،حيث أصر على عدم مدح الرشيد طيلة حياته، فنوّر الله قلبه، وسلك طريق الزهد بقية حياته. وعلاقة أبي العتاهية بالبرامكة لم تكن علاقة طيبة،، وعلى الرغم من عدم حبه للبرامكة وميله إلى منافسهم الفضل بن الربيع وعدم مدحه لهم وعدم استجابة يحيى البرمكي لمن توسّط عنده لأبي العتاهية، وعلى الرغم من هذا كله فلا بد أن مصرعهم، قد أراح أعماقه المخوفة المذعورة بتراكم مشاهد الموت في داخلها. و. سماته النفسية واستعداده الفطري: الزهد نمط سلوكي إنساني، يؤدي إليه التكوين النفسي لبعض الأفراد من جهة، وتساعد عليه الظروف الاجتماعية من جهة أخرى، فالناس بحكم تكوينهم النفسي منهم الانبساطي المتفّتح للحياة والمقدم عليها في نهم، ومنهم الانقباضي العازف عن الحياة، الزاهد فيها، المنطوي ( على نفسه.( 2 1) أبو الأنوار، محمد: الشعر العباسي تطورة وقيمه الفنية،ص 240 ) . 2) إسماعيل، عز الدين: في الشعر العباسي، الرؤية والفن، دار المعارف، ص 289 ) 29 رزق أبو العتاهية رهافة الحس منذ صغره، ووجد في نفسه غزارة الطبع التي تمكنه من نظم الشعر، يقول عنه صاحب الأغاني:" إنه كان ذا لباقة وحصافة، وكان هو نفسه يعرف ( موهبته ويعتدّ بها، فقد سئل عن نفسه، فقال: أنا جرّار القوافي، وأخي جرّار التجارة".( 1 ومما يؤخذ عليه عدم ثبوته على مذهب أو نهج معيّن، فهو يعتقد شيئا ما ثم إذا سمع ( طاعنا يذم هذا الشيء، فسرعان ما يتحول عنه دون نقاش أو جدل.( 2 لم تكن شخصية أبي العتاهية على شيء من التماسك والانسجام، ورؤيته للعالم غريبة، تكمن في تلمّس العذاب ضمن السرور، وإدراك النهاية في صميم البداية، والإحساس بالألم خلال الاستمتاع باللذة والشعور بالموت ببصيص بعينيه الرهيبتين وراء الحياة. وهذه الرؤية الغريبة .( نجمت عن مزاج خاص، وعن تكوين نفسي وصحي قلّ نظيره( 3 1) الأصفهاني، أبو الفرج،الأغاني،ج 4،ص 11 ) . 2) نوفل، محمد محمود قاسم: المختار من الشعر والشعراء في العصر العباسي، ص 178 ) . 3)شرارة، عبد اللطيف: أبو العتاهية شاعر الزهد والحب الخائب، نيسان "أبريل" 1962 ، ط 1 ص 25 ) 30 ثانيًا: الدوافع العامة والخاصة لشعر الزهد لدى أبي إسحاق الإلبيري: 1. الدوافع العامة: "وعلى الرغم من كثرة وسائل المتعة في الأندلس، وتطرّف أهلها في الانغماس بالمتع ( والملذات، فإننا نرى تطرفهم في الزهد كذلك".( 1 ونجد أن الزهد يؤلف قيمة عظيمة في الشعر الأندلسي، فقد تفرّد في نظمه والعمل به شعراء بأعينهم، حتى تضمنته الموشحة الأندلسية. "ونتيجة عوامل مختلفة كثر شعر الزهد في الأندلس، ويعود بعضها بسبب تعقد الحياة واضطراب المجتمع الأندلسي في عصر ملوك الطوائف، الأمر الذي جعل كثيرا من الشعراء ينحون منحى زهديا في أشعارهم"،( 2) "كما كان نتيجة ردّة فعل شديدة ضد عدد وفير من أبنائها، ذوي أصوات عالية مسموعة في الانغراق في المادية والابتعاد عن الروحية"،( 3) "ومنه ما أوحى به التديّن، ومنه ما أملاه الفن، ومنه ما حركته اليقظات الروحية،"( 4) فبعض الشعراء تقوده مواقف فلسفية بعينها إلى الزهد والانطواء عن الناس جميعا، مثل عبد الله بن حداد، ومنهم من امتزجت بعض أشعارهم بالنقمة على ما في البلاد من فساد، وتفننوا في إنشادها في صورة نقد لاذع مثل الشاعر السميسر، وكان ساخطا على الحياة والمجتمع والناس جميعا بل على الدهر. ومنهم من اتخذ الزهد في حياته حقيقة واقعة، فدعا إلى الزهد عن عقيدة وفكر امثال منذر بن سعيد البلوطي، وأحمد بن عيسى الإلبيري، ومنهم من وصل إلى درجة الصوفية في مخاطبة الذات الإلهية مثل ابن الفارض، ومنهم من تشبه في طريقته بالشعراء المشارقة، فمذهب . 1) الشكعة، مصطفى: الأدب الأندلسي، موضوعاته وفنونه،، دار العلم للملايين - بيروت، 1975 م،ط 2 ص 56 ) 2) شلبي، إسماعيل: البيئة الأندلسية وأثرها في الشعر، عصر ملوك الطوائف، دار نهضة مصر للطبع ) .502 – والنشر – القاهرة، ص 501 3) الشكعة، مصطفى: الأدب الأندلسي موضوعاته وفنونه ط 5 ص 57 .، كانون الثاني (نيابر ) 1983 م، دار ) العلم للملايين، بيروت – لبنان. . 4) غريّب، جورج: العرب في الأندلس، 1978 ، دار الثقافة، بيروت - لبنان،ط 3 ص 83 ) 31 أبي العتاهية قد انتشر وذاع لدى بعض الأفراد الزهاد الأندلسيين أمثال الحسن بن علي بن إسماعيل القرشي الأشبوني، أحد الأدباء النبلاء والشعراء المحسنين، وله أشعار في التذكير ( والتدبّر في معنى الحياة الدنيا على نحو ما كان ينظمه أبو العتاهية وكان يعرف "بالمطيطل".( 1 "وهناك نوع آخر من أشعار الزهد- وهي مقطوعات- لشعراء زهاد ارتفع صوتهم في الإبانة عن حقيقة الدنيا، والتقليل من شأنها وسط صخب المجون السائد آنذاك، إذ كان الناس في شغل عن الزهد بمفاتن الحياة، والواقع،إن هذه القطع الزهدية لا تحمل عمقا في العاطفة الدينية، وإنما هي مصوغة على هيئة وعظ ونصح بين الترغيب والترهيب، اللذين يصوران عذاب الآخرة أو يذ َّ كران بثواب التوبة وعظيم الأجر، غير أن هذا الفن الزهدي قد اتضحت معالمه في ( هذه الفترة على يد الفقيه أبي إسحاق الإلبيري"( 2) المتوفى سنة 460 ه..( 3 وأبرز دوافع الزهد العامة لدى أبي إسحاق الإلبيري: أ. الأوضاع السياسية: "كانت الأحوال السياسية والاجتماعية السيئة في فترة ملوك الطوائف من الأسباب التي عملت على تقوية النزعة الزهدية، ولكن الشعر الأندلسي عرف هذه النزعة قبل هذه الفترة، إذ كان آنذاك ينحى منحى تعليميا،أو يصدر لأسباب حقيقية من التدين والورع، لقد طبعت الشخصية الأندلسية بطابع القلق والاضطراب وعدم الاستقرار نتيجة لقسوة الحياة، وتنازع الطوائف ، 1) خريوش، حسين يوسف حسين: ابن بسام وكتابه الذخيرة، دار الفكر للنشر والتوزيع، عمان، ص 188 ) . - انظر عباس، إحسان: تاريخ الأدب الأندلسي عصر الطوائف والمرابطين، دار الثقافة، ص 130 2) أبو إسحاق الإلبيري: هو أبو إسحاق إبراهيم بن سعود بن سعد التجيبي الإلبيري ، وهو فقيه ورع وشاعر ) غرناطي، توفي في آواخر سنة 459 ه، واشتهر بقصيدته في التحريض على البطش باليهود أيام باديس بن جيوس ملك غرناطة بعد أن اشتد طغيانهم، وكان من أثرها أن قام الشعب الغرناطي وفتك باليهود في صفر سنة 459 ه. - انظر: ابن الخطيب، لسان الدين: الإحاطة في أخبار غرناطة ، حققه: محمد عبد الله عنان،، مكتبة الخانجي بالقاهرة، 394 ه- 1974 م،مجلد 2، ص 155 ، ط 1 . - انظر: الداية، محمد رضوان: المختار من الشعر الأندلسي، دار الفكر المعاصر، بيروت: لبنان، 1992 ، ط 3 ص 69 . 3) المصدرنفسه، ص 194 ) 32 وشيوع الفتن وكثرة الحروب.( 1) وإن كثرة الحروب والفتن وتقلب الأحوال أثرت في نفوس الشعراء فمالوا إلى الطعن بغدر الأيام وغرور الزمن والتقشف وذكر الله،( 2) وما توحيه الحروب من قلق وخوف يجران إلى التشاؤم وذم الدهر والتفكير بالمصير والخالق. "شهدت الأندلس في القرن الخامس الهجري أحداثا مهمة أثرت في مجرى تاريخ الأندلس كله، وأبرز تلك الأحداث سقوط الخلافة المروانية في الأندلس، وكان ذلك مع انقضاء الربع الأول من القرن الخامس الهجري، انقضت الخلافة المروانية لتبدأ رسميا مدة ملوك الطوائف، ويلاحظ في هذه الفترة وجهان للأندلس، أحدهما قاتم ومضطرب، وهو يخص انقسام البلاد وتجزؤها، والوجه الثاني مشرق وضاء، وهويخص الجوانب الثقافية والحضارية، فقد كانت الأندلس في هذه المدة مركز إشعاع فكري وحضاري، وكان المجتمع الأندلسي مجتمعا مترفا، ( حيث انفتحت أمام الأندلسيين أبواب المشرق والمغرب".( 3 "وكان ملوك الطوائف مع ضعف سلطانهم يتنافسون في اجتذاب الشعراء إلى بلاطهم ( وشراء مدائحهم الطنانة، الجارية على الأسلوب القديم بالجوائز الثمينة".( 4 وفي القرن الخامس الهجري ظهر عدد من الشعراء اشتهروا بالزهد، وجعلوا شعرهم وسيلة لبث آرائهم ولنقد المجتمع، وسخروه لبعض القضايا السياسية والاجتماعية، ومن هؤلاء .( أبو إسحاق الإلبيري الذي أصله من قرية صغيرة تدعى حصن العقاب ( 4 ( ويقول في ذلك 5 أَلا حَيَّ العُقابَ وقاطِنيهِ وَُقلْ أَهْ َ لا ِبهِ وَِبساكِنيهِ حَلَلْ ُ ت ِبهِ فَنفَّسَ ما ِبَنفْسي وَآَنسني َفما اسْتوْحشَ ُ ت فِيهِ (الوافر) . 1) شلبي، سعد إسماعيل: البيئة الأندلسية واثرها في الشعر، عصر ملوك الطوائف، ص 57 ) . 2) الركابي، جودت: في الأدب الأندلسي، دار المعارف بمصر،ط 3،ص 118 ) . 3) شلبي، سعد إسماعيل: البيئة الأندلسية وأثرها في الشعر، عصر ملوك الطوائف، ص 6 ) 4) بروكلمان: تاريخ الشعوب الإسلامية، نقله إلى العربية نبيه أمين فارس، ومنير البعلبكي، دار العلم للملايين -ب ) بيروت، ط 10 . 1984 ، ص 308 ، العقاب: حصن قريب من غرناطه..من صفحة 45 ،رقم 2 . 1396 ه- 1967 م، ص 72 ، 5) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، حققه: محمد رضوان الداية،مؤسسة الرسالة بيروت،ط 1 ) 33 "سكن الشاعر أبو إسحاق الإلبيري مدينة إلبيرة فنسب إليها، ثم انتقل مع أهل إلبيرة إلى ( مدينة غرناطة التي صارت مركز كورة إلبيرة مع أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس"،( 1 وعند تقسيم دولة الأمويين في الأندلس، أصبحت كورة إلبيرة من نصيب بربر صنهاجة بقيادة زاوي بن زيري، وكان قد وفد من إفريقية إلى الأندلس أجيرا للعامريين ثم تلقى هذه الكورة إقطاعا من سليمان المستعين، مكافأة له على مساعدته في مطالبته بالخلافة. قال ياقوت "وربما قالوا لبيرة ويلبيره" مدينة في جنوب الأندلس، كانت مركز كورة كبيرة، من مدنها التابعة لها غرناطة وقسطيلية وشلوبينية". وظلت عامرة إلى نهاية القرن الرابع الهجري. "وكانت إلبيرة – قبل خرابها- من أعظم كور الأندلس، وكانت تسمى في عهود ما قبل ( الإسلام سنام الأندلس".( 2 "وفي إلبيرة كان يوجد فرس من حجر، كان الغلمان يركبونه ويتلاعبون حوله، إلى أن كسر منه عضو، ويزعم أهل إلبيرة أن في تلك السنة التي حدث فيها كسر تغلب البربر على ( المدينة فكان أول خرابها".( 3 وبعد أن تحولت إلبيرة إلى أطلال حيث تعرضت للهدم عام 401 ه- 1010 م، أصبحت العاصمة الجديدة غرناطة تشق طريقها إلى الوجود شيئا فشيئا، حول القلعة الحمراء والتي عرفت بهذا الاسم لاحمرار مبانيها، وقدّر للعاصمة الجديدة أن تحظى بمستقبل لامع، بعد أن اصبحت الملاذ الأخير للحكم الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية. . 1) الداية، محمد رضوان: المختار من الشعر الأندلسي، ص 69 ) . 2) الحموي، ياقوت: معجم البلدان، المجلد الأول، ص 244 ) 3) بيريس، هنري: الشعر الأندلسي في عصر الطوائف، ترجمة دكن الطاهر احمد مكي، دار المعارف بالقاهرة،ط 1، ذو ) . القعدة 1408 ه - يونية 1988 م، ص 297 - انظر: الحميري، محمد بن عبد المنعم: الروض المعطار في خبر الاقطار، حققه: الدكتور إحسان عباس، مكتبة لبنان، . ص 28 - انظر: المراكشي، ابن عذارى: البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق: إ. ليفي بروفينسال، دار الثقافة، . بيروت - لبنان، ج 3 ص 102 34 "كان أبو إسحاق الإلبيري من أهل العلم والعمل معروفًا بالصلاح"،( 1) فقيها عنيفا متشددا، دفع أهل غرناطة إلى القيام على اليهود وقتلهم بنونيته المشهورة.( 2) اهتم باحوال بلده وأمته، وكان له رأي في ظروفها السياسية والاجتماعية، ويغلب على شعره الزهد والتأمل في أحوال الناس والنصح لهم بما يراه طريق الصلاح والنجاح، وهو صاحب القصيدة الزهدية التي ( يقول فيها 3 تَُفتُّ ُفؤادَكَ الأَيّامُ فَتًا وََتنْحِ ُ ت ِ جسْمَكَ السَّاعا ُ ت َنحْتا وََتدْعوكَ المنونُ دعاءَ صِدْقٍ أَلا يا صا ِ ح أَنْ َ ت أُريدُ أَنْتا أَبا بَكْ ِ ر( 4) دَعوُْتكَ َلوْ أَجَبْتا إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِنْ َ غَفلْتا إِلى عِلِْم تكونُ ِبهِ إِمامًا مُطاعًا إِنْ َنهَيْ َ ت وَإِنْ أَمَرْتا (الوافر) لقد تعرض أبو إسحاق الإلبيري في شيخوخته للملاحقة والسخط والقلق، فأصبح مثقفا في شيخوخته، مشرّدا، يجوب ممالك الطوائف الصغيرة، الفاسدة والغارقة في الملذات، تمزقها ( الخلافات الحادة، وأبو إسحاق الإلبيري يحتقر الشعر غير الديني، فيقول 5 فأَنا مُفْحَمٌ عََلى أنَّ َ خيْلي لا ُتجارَى في حَلْبَةِ الشُّعَراءِ (الخفيف) ( ولكّنه في الوقت نفسه يباهي بقريحته الشعرية الممتازة فيقول 6 وََلوْ أَننَّ ِ ي أَدْعو الكَلامَ أَجابَني َ كإِجابةِ المَأْسور دَعْوَة آسِ ِ ر لكنْ رَأَيْ ُ ت َنِبيَّنا َقدْ عابَهُ مِنْ كلِّ َثرْثا ٍ ر وَأَشْدَ َ ق شاعِ ِ ر . 1) عباس، إحسان: تاريخ الأدب الأندلسي، عصر الطوائف والمرابطين، ص 135 ) . 2) غوميث، إميليو جارثيا: الشعر الأندلسي، ترجمه عن الاسبانية الدكتور حسين مؤنس، دار الرشاد - القاهرة، ص 38 ) . 3) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 19 ) 4) أبو بكر: كنية المخاطب المباشر في القصيدة وجعل الحديث إليه وسيلة لبسط آرائه ومواقعه وقيل إنه اسم لابنه. ) . 5) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 89 ) - انظر: غوميث، إميليو غارسيا: مع شعراء الأندلس والمتنبي، تعريف: الطاهر احمد مكي، دار المعارف- القاهرة، . ط 3،جمادى الاولى 1403 ه –مارس 1983 م ص 105 . 6) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 80 ) الموضوعالأصلي : التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: satarcette
| |||||||
الثلاثاء 27 أكتوبر - 19:30:45 | المشاركة رقم: | |||||||
مشرف
| موضوع: رد: التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) َفصَمَتُّ إِ ّ لا عَنْ ُتقى وَلَرُبَّما َقذَفتْ بِحارُ قريحَتي ِبجواه ِ ر (المتقارب) "لقد نال الإلبيري الأذى والعسف بسبب خطته في الصراحة ومنهجه في حياته، ففي أخباره أنه أُجلي عن غرناطة من قبل السلطان بعد أن أكثر التحريض على اليهود، والمساءلة في أمور الدولة، والاعتراض على الترف والسرف في أجهزة الدولة وبين الناس"،( 1) وأنكر على ملك غرناطة كونه استوزر ابن النغريلة( 2) اليهودي - وأنكر على أهل غرناطة انقيادهم له- ( فسعى في نفيه إلى إلبيرة، فقال شعره المشهور 3 أَلا ُقلْ لِصَنْهاجَ َ ة أَجْمعينْ بُدو ِ ر النَّديِّ وَأُسْدِ العَرينْ َلَقدْ زَلَّ سَيَّد ُ كمْ زَلَّ ً ة َتقِرُّ ِبها أَعْيُنُ الشَّامِتينْ َت َ خيِّرَ كاتِبَهُ كافِرًا وََلوْ شاءَ كانَ مِنَ المسْلمينْ (المتقارب) هذه القصيدة تمثل ثورة ضد تسلط اليهود بعامة، وابن النغريلة بخاصة في شؤون دولة بني زيري، وكانت الشرارة التي أذكت نار الثورة يومئذ. ووصف باديس بن حبوس( 4)في البيت التالي( 5 . 1) غوميث، إميليو غارسيا: مع شعراء الأندلس والمتنبي، ص 105 ) 2) ابن النغريلة: هو يوسف بن إسماعيل بن النغريلة، مكن له أبوه إسماعيل في دولة بني زيري وحبّوس ثم باديس، ) وكان فيه ذكاء ودهاء، وكانت الجباية الضخمة التي يقدمها المتصرفون اليهود تسكت باديس وتسره، غير أن الخاصة والعامة استاؤوا من تسلط الكاتب ابن النغريلة والمتصرفين معه، والجباه من جماعته، ورأوا استئثار هؤلاء الرهط وقومهم بخيرات البلاد فأنكروا عليهم ذلك، وحرضوا باديس وقومه مرارًا ووصل ابن النغريلة من الأمير بلقين ولي عهد باديس عبارات فيها تعريض وعهد، فاحتال عليه ابن النغريلة في إحدى جلسات شرابه وسقاه "السم" فمات من أثرها واتهم بها غيره من المشكوك فيهم. . - انظر الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 128 . 3) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 96 ) .107 – - انظر: ابن سعيد الأندلسي: المغرب في حلى المغرب، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ج 2 ص 106 4)باديس بن حبوس:ولي امارة غرناطة بعد أبيه سنة 428 ه وتلقب المظفر بالله، الناصر لدين الله، وصفه ) المؤرخون عامة بالشدة والصرامة التي تصل إلى حدّ البطش والجور.وباديس هو الأمير الذي عاصر فتنة ابن النغريلة اليهودي، وتولى ابن النغريلة الكتابة عند باديس، وتمكن من نفس باديس وأرضاه بجباية الأموال، فأعطاه باديس ثقته مما جعله يتصرف على هواه ويستطيل على الرعية، وتوفي باديس سنة 465 ه. . 5)الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 98 ) 36 عََلى أَّنَكَ الملِكُ المُرْتضَى سَليلُ المُلوكِ مِنَ الما ِ جدينْ (المتقارب) وتلقى باديس بعض التحذيرات مما يحدث، ويبدو أن" أبا إسحاق الإلبيري" العربي الأصل، أبعد عن البلاط، لأنه أدرك طموحات يوسف بن النغريلة اليهودي، ومع الزمن كان .( يوسف بن النغريلة يبدو كل يوم شيئا أكثر لا يحتمل لترفهه وغطرسته، وحتى إلحاده( 1 لقد أحس الشاعر "أبو إسحاق الإلبيري" بغليان مشاعره المناهضة لليهود، وذلك حين نفاه الأمير باديس بن حبّوس تحت ضغط وزيره اليهودي من غرناطة، فتركها واستقر في ضواحي مدينة إلبيرة الخربة، في زاوية تسمى "رابطة العقاب" وهناك نظم فيها قصيدتين ( يقول في الأولى 2 ألِفْ ُ ت العُقابَ( 3) حِذارَ العِقا ِ ب وَعِفْ ُ ت الموا ِ ردَ َ خوْ َ ف الذَّئا ِ ب (المتقارب) ( وفي الثانية 4 وَ َ كمْ ذِئْ ٍ ب ُتجاوِرُهُ ولِكنْ رَأَيْ ُ ت الذَّئْبَ أَسَْلمَ مِنْ َفقيهِ وََلمْ أَجْزَعْ لَِفقْدِ أَخٍ لأَنِّي رَأيْ ُ ت المرْءَ يُؤْتى مِنْ أَخيهِ فآثرْ ُ ت الِبعادَ على التدَّاني لأِنيَّ َلمْ أَجِدْ مَنْ أَصْ َ طفيهِ (الوافر) 1)بيرس،هنري: الشعر الاندلسي في عصر الطوائف، ص 246 ) . 2) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 64 ) . - انظر: ابن سعيد الأندلسي: المغرب في حلى المغرب، ج 2، ص 107 132 إن أبا إسحاق / 3) العُقاب: حصن قريب من غرناطة، قال ابن سعيد في كتاب المغرب في حلى المغرب 2 ) الإلبيري هو من حصن العقاب، وحدد ابن جبير في رحلته المسافة بين غرناطة وهذا الحصن بثمانية أميال، وقال إنه قريب من مدينة إلبيرة الخربةوسمي كذلك لأنه كان على باب الحصن صورة عقاب من حجر قديم بديع المنظر، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تأليف الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني، حققه: احسان عباس، الجزء الأول، . دار صادر: بيروت، ص 162 . 4) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 72 ) 37 "واستخدامه كلمة فقيه تدل على أن نفيه من غرناطة إلى إلبيرة أوهن من أواصر التضامن التي تربطه برفاقه في المهنة، وربما لأنهم لم يساعدوه في محنته"،( 1) "كما يرى أنه لا يُطعن إلا من جهتهم؛ مما حمله على اليأس من الحياة، فآثر الانزواء على الاختلاط بالناس؛ لأنه ( لم يعثر على مَن يصطفيه".( 2 ولأن أبا إسحاق لم يستطع أن يصل إلى باديس اتجه إلى صنهاجة، وهم بربر، ربما كان يتوقع أنهم لا يستطيعون التقاط معاني كل الكلمات تفصي ً لا، لكنهم على الأقل يفهمون الفكرة العامة التي يريد الشاعر أن يعبِّر عنها، والحق أن أبا إسحاق عبَّر في براعة مدهشة عما أراد أن يقوله بأبيات قصيدة ذات إيقاع سهل، ومن خلال كلمات يفهمها أي مسلم حفظ القرآن أو ( درسه، وحتى الأفكار التي عبر عنها من تلك التي يمكن أن يتقبلها الشعب بسهولة، فقال 3 َفعَزَّ اليَّهودُ وَانَت َ خوْا وََتاهوا وكانوا من الأَرْ َذلينْ وَنالوا مُناهُمْ وَجازوا المَدى فحان الهلاكُ وَما يَشْعرُونْ وََقدْ أَنزْلَ اللهُ في وَحْيهِ يُحَذَّرُ مِنْ صُحْبةِ الفاسِقينْ (المتقارب) وهناك بعض الأفكار التي استمدها الشاعر من الدين في المقام الأول، ونلحظ أنها تقنع سامعيه على نحو أفضل، مستخدما وقائع محدّدة تمس الحياة المادية الأكثر التصاقا بفكر الشعب ( البربري في كفاحه اليومي من أجل لقمة العيش، فيقول في ذلك 4 وََقدْ قَسَّموها وَأَعْماَلها َفمُْنهمْ بُكلَّ مَكا ٍ ن َلعينْ . 1) غوميث، إمليو غارسية: مع شعراء الأندلس والمتنبي، ص 90 ) . 2) الشناوي، علي الغريب محمد: دراسات في الشعر الأندلسي، قدّم له: محمود علي مكي، مكتبة الأول، ص 102 ) . 3) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 98 ) - انظر: نيكل، أ. ر: مختارات من الشعر الأندلسي، دار العلوم للملايين-بيروت، كانون الثاني، 1949 م، بيروت، . ص 141 . 4)الالبيري، ابو اسحاق: ص 99 ) 38 وَهُمْ يَلْبَسونَ رَفيعَ ال ُ كسا وَأَنُْتمْ لأِوْضَعِها لاِبسونْ وَرَخَّمَ قِرْدُهُمْ دارَهُ وَأَجْرى عَليَهْا نَمِيرَ العُيونْ َفصارَتْ حوائِجُنا عِنْدَهُ وََنحْنُ على بابهِ واقِفونْ وَيَضْحَكُ مِنَّا وَمِنْ دِينِنا فإنَّا إلى ربَّنا را ِ جعونْ َفبادِرْ إِلى َذبْحِهِ َقرْبَ ً ة وَضَحَّ ِبهِ َفهُوَ كَبْشٌ سَمينْ وّلا َترَْفعِ الضََّ غ َ ط عَنْ رَهْطِهِ َفقَدْ َ كَنزُوا ُ كلَّ عِلقٍ َثمينْ (المتقارب) ( وينتهي الشاعر من هذه الأبيات بتبرير قتل اليهود ونهب أموالهم فيقول 1 وَلا َتحَسَبن َقتَْلهُمْ َ غدْرَةً بَ ِ ل الغَدْرُ في َترْكِهِمْ يَعْبَثونْ (المتقارب) ( وثمة فكرة عليا توجه بها إلى باديس بخاصة فيقول 2 َفلا َترْضَ فِينا ِبأفْعالِهمْ َفأنْ َ ت رَهينٌ ِبما يَفْعَلونْ وَراقِبْ إلِهكَ في حِزِْبهِ فَحِزْبُ الإِلهِ همُ الغالِبونْ (المتقارب) ولما لم يعزل باديس الوزير اليهودي، ولما لم يثب اليهودي إلى رشده، تولى الناس ( بأنفسهم إزاحته من طريقهم بثورة اهتزت لها جنبات غرناطة سنة 459 ه.( 3 وقد استخدم أبو إسحاق الإلبيري في الثورة أسلوب المنشورات، فكتب أبياتا من الشعر في مجموعة من الأوراق ووضعها في أماكن متعددة ليقرأها الناس، ثم هرب إلى ابن ( صمادح.( 4 . 1) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 99 ) . 2) المصدر نفسه نفسه، ص 100 ) . - انظر: بيريس، هنري: الشعرالأندلسي في عصر الطوائف، ص 246 . 3) الشكعة، مصطفى: الأدب الأندلسي موضوعاته وفنونه، ص 77 ) 1413 ه - 1993 م، ، 4) الملاح، د. ياسر: من الفجر إلى الغروب قصة الأدب العربي في الأندلس، ط 1 ) . ص 153 39 لا يبدو أن باديس تأثر بهذا التحذير، ولكن رد الفعل عند بربر صنهاجة كان عنيفا، وبعد أيام من هدوء ظاهري، كانت أبيات الشعر خلالها تنتقل من بيت إلى بيت، ومن فم إلى فم، وموضوع التعليق من وجوه مختلفة، ولكن دائما بطريقة ليست في صالح يوسف بن النغريلة ولا اليهود، وأصبح يقال عنهم الآن علانية، إنهم كانوا ينوون إقامة مملكة يهودية، وانطلقت حركة ذبح اليهود من عقالها. تجمع البربر ثائرين أمام أبواب قصر يوسف بن النغريلة اليهودي، واقتحموه مسرعين وبحثوا عن يوسف، وكان قد تخفى في قبو متنكرا في ثياب قذرة، ثم وجدوه وقتلوه، وكان هذا ،"( بمثابة دعوة إلى السلب والقتل في المدينة، ويقال:" إن ثلاثة آلاف يهودي قتلوا في هذا اليوم( 1 وانفجر تعصب العامة هذا في يوم 9 صفر 459 ه - 30 ديسمبر 1066 م، ولكنها انتهت بانتهائه، ولم تمتد إلى اليوم الثاني، لأن البربر كانوا يكرهون يوسف وحده، أما اليهود فواصلوا حياتهم كما كانوا يعيشون في مقاطعة غرناطة، دون أن يبحثوا فيما تلا ذلك عن .( مناصب ذات مكانة عالية( 2 وبحكم مهنة أبي إسحاق الإلبيري فقيهًا ولانتمائه إلى اسرة عربية عريقة، لم يكن راضيا عن تولي اليهود منصب الوزارة في غرناطة، غير أنه كان يعمل في الوقت نفسه كاتبا للقاضي ( أبي الحسن علي بن محمد بن توبة، من أهل غرناطة، وفيه يقول أبو إسحاق الإلبيري: ( 3 بِعَلَيَّ بْ ِ ن َتوْبَ َ ة فَازَ َقدْحِي وَسَمَتْ هِمَّتي عََلى الجَوْزاءِ (الخفيف) ب. الأوضاع الاجتماعية: لقد دعت إلى الزهد في عصر ملوك الطوائف حالة المجتمع التي كانت تزداد على مدى الأيام سوءًا. فالبيئة الطبيعية بالأندلس هيأت لقيام الدويلات، كما دعا إلى ذلك هذا الخليط من الأجناس والأدباء والملل والأهواء التي كانت تضطرب بها الحياة الاجتماعية في الأندلس، ولا تزال إسبانيا تعاني شر الانقسامات حتى الآن،" لقد انتشرت الطبقية في الأندلس في عصر ملوك . 1) الإلبيري، أبو اسحاق، ديوانه، ص 127 ) . 2) بيرنس، هنري، الشعر الأندلسي في عصر الطوائف، ص 247 ) . 3) الإلبيري، أبو إسحاق، ديوانه، ص 125 ) 40 الطوائف، فكان المجتمع الأندلسي يموج بألوان من المتناقضات، فهذا ناعم مترف، أو لاه مستهتر، وذاك ناسك عابد، أو ورع زاهد، فطبقة الأمراء والوزراء والشعراء والكتاب وبقية وجوه الدولة تتمتع بالثراء، وتسرف في المجون وتحيا في المتاع، وطبقة العامة من الفلاحين وأصحاب المهن المتواضعة تعيش للبؤس، وتحيا للحرمان لتنعم الطبقة الأولى بمجون الغنى ( ولهو الثراء".( 1 كان المجتمع الأندلسي في هذه المدة مجتمعا مترفا على الأغلب الأعم، نشطت الصنائع والمتاجر والزراعة، وانفتحت أمام الأندلسيين أبواب المشرق والمغرب، كما كانت لهم صلات تجارية بالأمم الأجنبية المجاورة، وكانوا في عدد كبير من دويلاتهم يعانون من ضغط الضرائب التي يلح الحكام الجدد في طلبها بعد أن وصلوا إلى السلطان بغتة، وكانوا يعانون من ضغط الغرامات الفادحة، التي اشترى بها أولئك الحكام سكوت الدول المحاربة من الإسبان ورفع ( الحرب عنهم.( 2 وفي غياب الدولة الأندلسية الواحدة اختلفت الأحكام والنظم المالية بين دويلة وأخرى، مما كان يزيد في الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية. لقد أسرف الحكام وذوو الثراء في بناء القصور، وأقاموها على الربا، وشيدوها على ضفاف الأنهار، واختاروا لها أحسن الأسماء مثل الثريا وسعد السعود ( 3)، وجمعوا فيها آيات الروعة والترف والجمال، وآلات المجون واللهو والمتاع، وفرشوها بالديباج وأسدلت على حناياها الستائر، وحّلوها بتماثيل البهائم والأطيار والأشجار ذات الثمار، وألحقوا بها البحيرات المحفوفة بتماثيل الأسود التي ينساب من أفواهها الماء فيحدث نغمات تصبي النفوس ( 4)، وماجت هذه القصور بالنساء، زوجات وإماء، وبالغلمان والجواري والرقيق الأبيض المجلوب. وعاش بجانب هذه الطبقة الغنية القادرة طبقة أخرى، مكافحة مكدودة، تعمل في بناء هذه القصور، وتعاني قسوة الإقطاع، لقد أثقلت بالجزية والضرائب الباهظة التي كانت تقدم لحكام الإسبان، إلى جانب ضرائب أخرى فرضت على الشعوب وقت الحروب. 1) شلبي، سعد إسماعيل: البيئة الأندلسية وأثرها في الشعر، ص 53 ) 2) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 6 ) . 3) ابن سعد، المغرب في حلى المغرب ص 381 ) . 4) ابن بسام، الذخيرة في محاسن اهل الجزيرة، ج 8، ص 104 ) 41 وهكذا كانت الطبقية في الأندلس في عصر الطوائف، طبقة ناعمة مترفة، وأخرى تعاني ألوان التعسف والتنكيل. لقد كان شعر أبي إسحاق الإلبيري صدى لما يتردد في نفوس الشعب الأندلسي من آمال وآلام، في حياتهم المضطربة ومجتمعهم المعقد المحدود، ولقد رزق الإلبيري حظا في نفوس العامة، بقصائده التي تقف بين فّني النثر والشعر، فالذي يقرؤها أو يسمعها يحس بأنه في حالة انجذاب صوفي نحو الله عزّ وجلّ، فهو يكرر اسمه تعالى في نهاية كل بيت، وما عليه إذا خالف تعاليم العروضيين، إذ أعانته مخالفته هذه على الاستغراق الحبيب إلى نفسه، من أمثلة قوله قصيدة بلغت ثلاثة وخمسين بيتا( 1 يَا أَيُّها المُغَْترُّ باللهِ فِرَّ مِنَ اللهِ إِلى الله وَُلذْ ِبهِ واسْألْهُ مِنْ فضْلِه َفَقدْ َنجا مَنْ لاَذ ِباللهِ وَُقمْ لَهُ واللَّيلُ ف ِ ي ِ جنْحِهِ َفحَبذَّا مَنْ قامَ للهِ واتْلُ مِنَ الوَحْ ِ ي وََلوْ آي ً ة ُتكْسى ِبها نورًا مِنَ اللهِ (السريع) ولأبي إسحاق الإلبيري عدة قصائد تدل على مشاركته في الحياة الاجتماعية، وتشير إلى أن زهده كان إيجابيا، ففي إحدى قصائده ينعى خراب إلبيرة فيقول( 2 يُضَيَّعُ مَفْروضٌ وَيُغْفَلُ واجِبٌ وَإنِيَّ على أَهْلِ الزَّما ِ ن َلعاتِبُ أَتَنْدُبُ أَطْلالَ البلادِ وَلا يُرَى لإلبيرََة مِنْهُمْ على الأرْ ِ ض نادِبُ وَما كانَ فيها غَيْرُ بُشْرى وَأَنْعُ ٍم َفَلمْ يَبْ َ ق فيها الآنَ إلاَّ المصائِبُ َ شَققْنا عَلى مَنْ ما َ ت مِنْهُمْ جُيوبَنا وَكان قلي ً لا أنْ تُشقَّ الترائِبُ (الطويل) . 1) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 62 ) . - انظر: عباس، د. إحسان: تاريخ الأدب الأندلسي، ص 137 . 2) الالبيري، ابو اسحاق، ديوانه، ص 73 ) 42 2. الدوافع الخاصة لشعر الزهد لدى أبي إسحاق الإلبيري: أ. عمله بالقضاء: "لقد كثر الزهد في الشعر الأندلسي، ومما ساعد على ذلك صوت الفقهاء، ونمو شخصياتهم، فكانت لهم الكلمة المسموعة والأمر المطاع، فتحملوا العبء ونهضوا بالأمانة، وبعض هؤلاء الفقهاء شعراء يجيدون القريض، ويتخذونه لسان دعوتهم، فأصبح الزهد اتجاها برز في شعر هؤلاء الفقهاء الذين كان لهم بالأندلس صوت مسموع، أمثال: أبي إسحاق الإلبيري، فكان مشهورا بالتقوى والصلاح، وقد لّقبه ابن الخطيب بالمولى العابد، كما انعكس أثر القضاء جليا في شعر الزهد، فقد كان يشترط في القضاة أن يكونوا من أهل الزهد ( والتقوى والصلاح".( 1 "لقد كان لسلطة الفقهاء تأثير في دفع الناس إلى التعصب الديني، والتظاهر بالعبادة، والعزوف عن الدنيا ومباهجها، حتى كثر المتزهّدون، وأصبحت صناعة الزهد شيئا مرغوبا، فكان الشعراء يطبقونه بدافع ديني أحيانا، وبدافع تقليدي أحيانا أخرى، على أن من الشعراء من نظمه وشعر حقا بندمه، وأدرك غررو الدنيا، فأخذ يذكر ذنوبه طالبا مرضاة الله وعفوه"( 2)، وهذه ظاهرة طبيعية لكل إنسان انغمس في الملذات، إذ لا بد له من ساعات ندم يخلد فيها إلى نفسه. "كان أبو إسحاق الإلبيري يعمل كاتبا للقاضي، ويقوم في الوقت ذاته بتدريس مؤلفات شيخه ابن ابي زمنين"( 3)،" ورواية شعره بنفسه، ومن تلاميذه المباشرين حفيد له، هو ابن أخته: .( أبو العباس أحمد بن هشام القيسي"( 4 1) الدريدي، أشجع رشيد عبد الجبار: شعر قضاة الأندلس من الفتح حتى نهاية عصر ملوك الطوائف "رسالة ماجستير"، ) . جامعة النجاح الوطنية - نابلس، فلسطين، ص 116 . 2) الركابي، جودت: في الأدب الأندلسي، ص 118 ) 3) ابن أبي زمنين: هو محمد بن عبد الله بن أبي زمنين الذي ولي الأحكام وكان فقيها نبيها. ) . - انظر: الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 130 . 4) غوميث، إمليو غارسيا: مع شعراء الأندلس والمتنبي، ص 88 ) 43 " الموضوعالأصلي : التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: satarcette
| |||||||
الثلاثاء 27 أكتوبر - 19:32:02 | المشاركة رقم: | |||||||
مشرف
| موضوع: رد: التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) "ونحسّ ونحن نقرأ زهديات أبي إسحاق الإلبيري بحرارة عاطفته، وصدق انفعاله، وشدة تقواه، وبأنها مطولات تهدف أساسا إلى الزهد في الحياة والتطلع إلى الآخرة. "إن مكانة الفقهاء الدينية والاجتماعية في البلاد ساعدت في انتعاش الفن الزهدي، وقوّت من الشعور الديني، إذ أصبح بعضهم لا يستغني في زاده الروحي .( عن قدر من الورع والتقوى"( 1 "وأجلّ الأندلسيون العلماء والفقهاء ورجال الأدب، وكان لهؤلاء القيادة والريادة في المجتمع الأندلسي، وقد تهيأت لهم تلك المكانة عند الرؤساء والخاصة بفضل ما تمتعوا به من صفات صبغت شخصياتهم حينا، وهبطت بها في أكثر الأحايين، فممن علت منازلهم وسمت .( شخصياتهم العلماء والفقهاء" ( 2 "إن شعر أبي إسحاق شعر شيخوخة، فهو يصرح في ثلاث مناسبات بأنه أكمل ستين :" ( عاما، وفي ثلاث مناسبات أخرى يحدثنا بأنه رأى لداته يرحلون واحدا وراء الآخر( 2 تَمُرُّ لِداتي واحِدًا بَعْدَ واحِدِ وأَعَْلمُ أَنيَّ بَعْدَهُمْ غَيْرُ خالِدِ وَأَحْمِلُ مَوْتاهُمْ وَأَشْهَدُ دَفْنَهُمْ كَأنيَّ بَعيدٌ مِنْهُمُ غَيْرُ شاهِدِ َفها أَنا في عِلْمي ِب ِ همْ وَجَهالَتي كمُسْتيَقِظٍ يَرْنو بِمُقْلةِ راقِدِ (الطويل) وكان أبو إسحاق الإلبيري يعتمد المذهب المالكي، وهو المذهب الرسمي والسائد في الأندلس، يهاجم بعنف وفي عبارات لا يمكن ترجمتها أحيانا أهل إلبيرة، وقد رفعوا على قاضيهم ( ابن أبي زمنين 3 َفها هُوَ ذا يَقْضي على الرَّغِْم مِنْكُمُ َفموتوا بِ َ غيْظٍ واصَْنعوا َ كيْ َ ف شِئُْتمْ (الطويل) . 1)خريوش، حسين يوسف حسين: ابن بسام وكتابه الذخيرة، ص 188 ) , 140 م، ج 3، ص 331 ، 2)الرافعي، مصطفى صادق، تاريخ آداب العرب، ط 1 ) . 3) الالبيري، ابو اسحاق، ديوانه، ص 105 ) 4) المصدر نفسه، ديوانه ص 107 ) 44 ب. التأثر بشعراء المشرق: إن فكرة التأثر والتأثير موجودة منذ العصر الجاهلي وحتى العصر الحاضر، فشعر الزهد في العصر العباسي تأثر بسابقه وأثر في لاحقه، وهكذا في كل عصر من عصور الأدب. "فمن يتصفح أشعار الزهد في العصر العباسي يجد أن هناك قواسم مشتركة بين معانيها وألفاظها، ومعاني وألفاظ شعر الزهد في العصر الأموي، فأبو العتاهية تأثر بأبيات سابق ( البربري في الفكر واللفظ"( 1)، يقول أبو العتاهية 2 لِمَنْ َنبْني وََنحْنُ إِلى ُترا ٍ ب َنصيرُ َ كما ُ خلِقْنا مِنْ ُترا ِ ب (الوافر) ويقول سابق البربري: وَلِلْمَوْتِ َتغْدو الوالِدا ُ ت سِ َ خاَلها َ كما لِ َ خرا ِ ب الدُّو ِ ر ُتبْنى المَساكِنُ (الطويل) عندما فتح العرب المسلمون أسبانيا عام 92 ه، وجدوا الحكم القوطي مسيطرا على البلاد، والكنيسة موجهة للثقافة، فاحتكر رجال الدين العلم والتعليم، واتجهوا به نحو الدين، وجاء الفتح العربي فورث هذه المعارف، وانطلق إلى آفاق رحبة من العلوم والفنون والأخلاق لكل من في شبه الجزيرة من العرب والعجم على السواء، فتقدمت الثقافة العربية بأسبانيا المسلمة تقدما ظاهرا، وتخلفت الثقافة المسيحية. "انتشرت الحضارة العربية في الأندلس بانتشار العرب فيها، وبكثرة المساجد، وأصبحت الأندلس كمحطات الإذاعة، فيها آلات للاستقبال، وآلات للإرسال، استقبلت كل ما أرادت من 1) رواجبة، أحمد راضي: التأثر والتأثير في شعر الزهد في العصر الأموي، إشراف : خليل عودة – رسالة ) .133 – ماجستير، جامعة النجاح الوطنية: نابلس – فلسطين، ص 132 . 2) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 33 ) 45 المشرق، وأرسلت إلى العالم الإسلامي كله، نوعين من الموجات، نوعا ذهب إلى المشرق، ( ونوعا ذهب إلى أوروبا".( 1 وكان عصر بني أمية في الأندلس، وعصر الطوائف من بعده، أزهى عصور المسلمين، وفي هذين العصرين اكتملت الحضارة العربية، وازدهرت وعمّت شبه الجزيرة، وامتدت حتى شملت الشمال الغربي من أوروبا، وكان عهد الطوائف بالأندلس عهد علم، وأدب، نما العلم وكثر المشتغلون به، وازدهر الشعر وتنافس فيه الشاعر والأمير على سواء. نشأ الشعر العربي في الأندلس شرقيا، جاء مع العرب الفاتحين لها أو النازحين إليها، وما أن استقل بهم المقام في هذه البلاد التي فتح الله عليهم حتى بدأ الشعر يستقل وتتكون له دولة، ترسمّت- من الناحية الفنية- خطا المشارقة، لأن أمراء الأمويين كانوا-كأسلافهم من خلفاء بني أمية- يتعصبون للثقافة العربية الأصيلة، فكان هؤلاء الأمويون الأندلسيون يتخذون من كبار الشعراء نماذج تحتذى. ولم يأت القرن الرابع حتى وجدنا الشخصية الأندلسية تسير جنبا إلى جنب مع النزعة العربية التقليدية، ولم يقف الأمر عند حد التقليد، بل تمادى الأندلسيون فتحولوا إلى منافسين، وأتى القرن الخامس وأتى معه ملوك الطوائف، فكان عصر اضطراب سياسي واجتماعي، ولكنه كان عصر استقلال وتقدم وازدهار أدبي، ويرجع الفضل في ذلك لعدة عوامل منها اهتمام عامة ملوك الطوائف بالشعر والشعراء. "وقد تأثر الأدب الأندلسي بالأدب الشرقي، حتى إن الأندلسيين أنفسهم كانوا يلقبون نابغيهم بأسماء المشارقة، فيقولون في ابن خفاجة صنوبري الأندلس، وابن زيدون بحتري الأندلس،"( 2) ومنشأ ذلك أن العلماء والأدباء من أهل الأندلس كانوا يرحلون إلى المشرق فيلقون الأئمة ويأخذون عنهم، ثم ينتقلون إلى الأندلس برواية ما أخذوه فيبثونه في أهلها، وكان الأمويون وعرب الأندلس لا ينفكون ملتفتين إلى الشرق، موطن الجنس والدين واللغة والأدب والحضارة، . 1) أمين، أحمد امين، ضحى الاسلام، مطبعة لجنة التأليف والترحمة والنشر سنة 1953 م، ط 3، ص 303 - ص 304 ) . 2) الرافعي، مصطفى صادق: تاريخ آداب العرب، ج 3، ص 254 ) 46 فيسيرون على ضيائه، ويستمدون من زعمائه وعلمائه، ويحذون في سياستهم وإدارتهم حذو العباسيين. "كما أن الفكر الأندلسي بجملته مرتبط بأخيه المشرقي، ولذلك لا يمكن دراسة نشأة الزهد ( والتصوف في الأندلس بمعزل عن تيارات الزهد والتصوف المشرقية".( 1 "ويبدو أن عدد الزهاد في الأندلس كان من الكثرة بمكان، حتى أن ابن بشكوال- فيما يرى ابن الابار- قد صنف كتابا بعنوان "ازدهار الأندلس وأئمتها"، غير أن هذا الكتاب قد ضاع ( بين آلاف عديدة من كتب التراث التي عدا عليها الزمان بمحنة أو بأخرى".( 2 وعمر الشعر المشرقي أكبر من عمر أخيه الأندلسي، فعندما كان يعيش الشعر الأندلسي في ظلال الحكم الأموي المغربي- الذي اعتز بعروبته وتعصب لها على النحو الذي كان لأسلافه المشارقة- كان الشعر المشرقي يعيش أزهى عصوره في ظلال بني العباس، وما زال يستكمل سماته وخصائصه حتى اكتملت واتضحت خلال القرن الرابع وأوائل القرن الخامس الهجريين. وعلى الرغم من تأثير الشعر العربي القديم في الشعر الأندلسي، إلا أنه بقي وفيا لبيئته الأندلسية، منها تكوّن وبها تعلق، وعليها دار، وكان للأندلسيين شخصية واضحة لم تطمسها هذه المشابهة المشرقية، ومن الشعراء الذين تأثروا بإخوانهم من شعراء المشرق الشاعر أبو إسحاق الإلبيري. وقد وصل الالبيري بشعره الزهدي الى الأدب العربي- لا في الاندلس فحسب- الى القمة، بما أضفى عليه من حرارة الوجد والانفعال والإقرار بالضعف الإنساني أمام مغريات 1) بهجت، منجد مصطفى: الاتجاه الإسلامي في الشعر الأندلسي، الطبعة الأولى، 1407 ه - 1986 م، مؤسسة ) . الرسالة، ص 146 . 2) الشكعة، مصطفى: الأدب الأندلسي موضوعاته وفنونه، ص 57 ) 47 الحياة ومكافحة الشهرة العارمة، فإذا بكى أحسست أنه ينتزع انتزاعا من هذا العالم الأرضي، .( ويفارقه وروحه معلقة به( 1)ومن ذلك قوله( 2 َفيا إِخْوَتي مَهْما َ شهْدُتمْ جََنازتي َفقوموا لِربّي واسْألوهُ َنجَاتي وَ ِ جدّوا ابْتها ً لا في الدُّعاءِ وأَخْلِصوا َلعلَّ إِلهي يَقْبَلُ الدَّعواتِ (الطويل) وثمة فكرة مطروحة وشائعة إلى حد كبير في الشرق والغرب على السواء، وهي السخرية من الشيخ المتصابي، يعرض عن نذير الشيب، وينغمس في الحب والفجور، غافلا عن رحيله القريب والخطير. فيقول أبو إسحاق الإلبيري في ذلك( 3 فَقدَ اّللداتِ وَزَادَ غَيًا بَعْدَهُمْ ه ّ لا َتيّق َ ظ بَعْدَهُمْ وََتنبَّّها يا وَيْحَهُ ما بالهُ لا يَنَْتهي عَنْ َ غيّهِ والعُمْرُ مِنْهُ َقدِ انْتهَى (الكامل) "لقد استطاع المسلمون في الأندلس أن يقيموا دولة للشعر والأدب، ووصلوها بتراثهم القديم وأودعوها ذوات نفوسهم، فلماضيهم قداسة، ولحاضرهم مكان، فأتى أدبهم بين الأصالة والتقليد وفيّا لماضيهم، مصيخا لحاضرهم، وتلك خاصة فكرية شهد لهم بها التاريخ، وحسبهم أن ( يذكروا على مدى الزمان".( 4 . 1) عباس، إحسان، تاريخ الأدب الأندلسي، عصر الطوائف، ص 137 ) . 2) الإلبيري، أبو اسحاق، ديوانه، ص 56 ) . 3) المصدر نفسه، ص 47 ) . 4) شلبي، سعد إسماعيل: البيئة الأندلسية وأثرها في الشعر، ص 402 ) 48 الفصل الثاني الموضوعات التي اشتمل عليها شعر الزهد لدى أبي العتاهية وأبي إسحاق الإلبيري. أو ً لا: الموت. ثانيًا: الدنيا. ثالثًا: الوعظ والنصح. رابعًا: ذم حياة الملوك. خامسًا: عواقب الموت. سادسًا: الحكم والأمثال. سابعًا: الشيب والسخرية من الشيخ المتصابي. 49 لقد أملى العصر العباسي على معظم الشعراء خوض أغراض الشعر لمجاراة الحياة الإجتماعية، ومن بين هذه الأغراض شعر الزهد والحكمة، وابو العتاهية كشاعر عباسي طرق هذا المجال وأبدع فيه. أما أبو اسحاق الألبيري "فإنه يكاد يكون شاعرا زهديا خالصا، والجانب الأكبر من ديوانه شعره زهدي في جوهره، وهي حالة مثيرة في القرن الذي عاش فيه، لأن هذا الطراز من الشعر لم يكن مألوفا على نحو واسع في عصر مقبل على المتع منهمك في الملذات( 1)، "ويلاحظ قارئ شعر أبي إسحاق الإلبيري هجوما على الدنيا، وعلى الانغماس في ملذاتها، وعلى .( الاسترسال في مطالب الحياة التي يجرّ بعضها بعضا"،( 2 وعند دراستنا لشعر الزهد لدى أبي العتاهية وأبي إسحاق الإلبيري وجدناه يشتمل على الموضوعات الآتية: أو ً لا: الموت: فكرة الموت، ذلك المصير المحتوم للإنسان، - بل لكل حيّ – كانت أقوى أسلحة ابي العتاهية للتخويف الموجع والزجر القاسي حتى للتقاة الراغبين في التطهر من أجل هذا المصير، وهذه الفكرة كان أبو العتاهية يعزف عليها فيزلزل قلوب العصاة والمؤمنين .( على سواء( 3 فهو يخاطب الإنسان الذي نسي الموت ويطلب الخلود في الدنيا فيقول له: لا تثق بالدنيا وبالصحبة فيها، فالموت يأتي ويفرّق هذه الجماعة، ثم يأتي له بدليل آخر على الموت، ألا وهو ( موت الأبوين، فيقول 4 أَنْساكَ مَحْياكَ المماتا َف َ طَلبْ َ ت في الدُّنيا الثَّباتا . 1) غوميث، إميليو غرسيه: مع شعراء الأندلس والمتنبي، ص 91 ) . 2) الدّاية، محمد رضوان: المختار من شعر الأندلس، ص 69 ) . 3) شلبي، سعد إسماعيل: البيئة الأندلسية وأثرها في الشعر، عصر ملوك الطوائف، ص 505 ) .75 – 4) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 74 ) 50 أَوَثِقْ َ ت بالدُّنيا وأَنْ َ ت َترى جَماعََتها َ شتاَتا هَلْ فِيهما لكَ عِبْرةٌ أَمْ خِلْ َ ت أنَّ لكَ انْفِلاتا يا من رأى أبَوَيهِ في ما َقد رأى كانا فماتا (مجزوء الكامل) تلك النصيحة تسوي بين جميع البشر، فمصيرهم واحد، إلا أن الحياة تنسيهم الموت زورًا وبهتانا، لقد استخدم الشاعر أبو العتاهية في الأبيات السابقة أسلوب الاستفهام، ليكون الخطاب أشد وقعا وأثرا في النفس اللاهية عن ذكر الموت، ثم نراه استخدم كاف المخاطب في هذا الحوار مع الإنسان، واستخدم قافية التاء مع ألف الإطلاق لتدل على انطلاق الإنسان في هذه الحياة والانفلات فيها. ورد في الأغاني( 1): "حدّث المعّلى بن أيوب قال: دخلت على المأمون يوما وهو مقبل على شيخ حسن اللحية خضيب، شديد بياض الثياب، على رأسه لاطئة( 2)، فقلت للحسن بن أبي سعيد وكان كاتب المأمون على العامّة: من هذا؟ فقال: أما تعرفه؟ فقلت لو عرفته ما سألتك عنه، فقال: هذا أبو العتاهية، فسمعت المأمون يقول له: أنشدني أحسن ما قلت في الموت فأنشده الأبيات السابقة، قال: فلما نهض تبعته فقبضت عليه في الصحن أو في الدهليز فكتبتها عنه". وفي غفلة الناس عن الموت، وهو بينهم يغدو ويروح، لا مفر منه ولو عمّر الإنسان ما ( عمّر نوح، فيقول 3 ُ كلُّنا في َ غفْلةٍ وال مَوْ ُ ت يَغدو وَيَروحُ ُنحْ على َنفْسِكَ يا مِسْ كينُ إِنْ ُ كنْ َ ت َتنوحُ لَتموَتنَّ وإِنْ عُمِّرْ َ ت ما عُمِّرَ نوحُ (مجزوء الرمل) .152 – 1) الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، ج 3، ص 151 ) 2) لاطئة: من لاطئة الشيء، لزق، ولاطئة هي قلنسوة صغيرة تلصق بالرأس، وهي ما تسمى بالطاقية. المعجم الوسيط، ) . ص 862 .99 – 3) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 98 ) . - انظر البستاني، بطرس: منتقيات أدباء العرب في الأعصر العباسية، ص 29 51 استخدم أبو العتاهية في هذه الأبيات التفعيلات القليلة من بحر مجزوء الرمل لتتناسب مع ما يحدث عنه من قصر حياة الإنسان مهما طالت، حتى لو بلغت حياة نوح عليه السلام. ومما يدل على صدق عاطفته في هذه الأبيات هو استخدامه لضمير جمع المتكلمين (نا)، فهو يتكلم عن نفسه أولا، ثم عن غيره، ونراه بعد ذلك يوجه الخطاب لكل إنسان يغفل عن الموت ويصفه بالمسكين. ورد في الأغاني 1) "حدّث محمد بن صالح العدوي قال: أخبرني أبو العتاهية قال: كان الرشيد مما يعجبه غناء الملاحين في الزلالات إذا ركبها، وكان يتأذى بفساد كلامهم ولحنهم، فقال: قولوا لمن معنا من الشعراء يعملوا لهؤلاء شعرا يتغنون به، فقيل له: ليس أحد أقدر على هذا من أبي العتاهية، وهو في الحبس، قال: فوجّه إليَّ الرشيد: قل شعرا حتى أسمعه منهم، ولم يامر بإطلاقي، فغاظني ذلك فقلت: والله لأقولن شعرا يحزنه ولا يٌسرُّ به، فعملت شعرا ودفعته إلى من حّفظه الملاحين، فلما ركب الحرّافة( 2) سمعه، قال: فلما سمع ذلك الرشيد جعل يبكي وينتحب، وكان الرشيد من أغزر الناس دموعا في وقت الموعظة وأشدّهم عنفا في وقت الغضب والغلظة. فلما رأى الفضل بن الربيع كثرة بكائه أومأ إلى الملاحين أن يسكتوا". لقد أخد ابو الهتاهية فكرة أن الموت آتٍ لا محالة لكل حيّ على وجه الأرض، وإن الدنيا دار بلاء وشقاء وعناء، من سرّهُ زمن ساءته أزمان، والمغرور فيها من يظن أن القوة والصحة دائمتان، فالمرء عليه أن يغتنم شبابه قبل هرمه، وحياته قبل موته، فمن أراد الثواب فليقل خيرًا أو ليصمت، فيقول أبو العتاهية( 3 مَنْ يَعِشْ يَكْبُرْ وَمَنْ يَكْبُرْ يَمُتْ والمَنايا لا ُتبالي مَنْ أََتتْ َنحْنُ في دا ِ ر بَلاءٍ وأذى وَ َ شقاءٍ وَعََناءٍ وَعََنتْ .178 – 1) الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، ج 3، ص 177 ) . 2)الحرّافة: ضرب من السفن فيها مرامي نيران، انظر المعجم الوسيط، ص 190 ) .56 – 3) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 55 ) - انظر: ابن عبد ربه، أحمد بن محمد: العقد الفريد، تحقيق: دكتور عبد المجيد الترهيني، دار الكتب العلمية: بيروت .139 – 1407 ه - 1987 م، ص 138 ، – لبنان،ج 3، ط 3 52 مَنْزلٌ ما يَثْبُ ُ ت المَرْءُ بهِ سالمًا إلا قلي ً لا إِنْ َثبَتْ أيُّها المغرورُ ما هذا الصِّبا َلوْ َنهَيْ َ ت النَّفْسَ عَنْهُ لانتهَتْ رَحِمَ اللهُ امرأً أَنْص َ ف مِنْ َنفْسِهِ إذْ قال َ خيْرًا أوْ سَ َ كتْ (الرمل) استخدم الشاعر أسلوب الشرط ليؤكد للإنسان موته، واستخدم لذلك قافية التاء الساكنة لتتناسق مع الوضع، إن الموت قريب من الإنسان، وهو أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، وكأس ( الموت لا بد لكل إنسان أن يشربه، وقال 1 ما أَقْربَ الموْ َ ت مِّنا تَجاوزَ اللهُ عنَّا َ كأنَّهُ َقدْ سََقانا ِب َ كأْسِهِ حَيْ ُ ث ُ كّنا (المجتث) إن الإنسان يأمل أن يخلد في هذه الدنيا، ولا يدري أن الموت يقطع حبال هذا الأمل، ويقف له بالمرصاد، فإذا أمسى حيا فقد لا يعيش إلى الصباح، وإذا أصبح فقد لا يعيش إلى ( المساء، يقول أبو العتاهية في ذلك 2 أَؤَمِّلُ أَنْ أُ َ خلَّدَ والمَنايا يَثبْنَ عليَّ مِنْ ُ كلِّ النَّواحي وَما أدْري إذا أمْسَيْ ُ ت حيّا َلعلِّي لا أعي ُ ش إلى الصَّبا ِ ح (الوافر) يكثر أبو العتاهية في شعره الزهدي من التعابير الدينية، ففي البيتين السابقين كأني بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"( 3)، وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء...". . 1) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 396 ) . 2) المصدر نفسه، ص 99 ) 3) البخاري، الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم: صحيح البخاري، حققه: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ) دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، ج 7 53 وقد أبدع أبو العتاهية في وصف الموت، حين يموت الإنسان وكأن الأرض قد احتوته صفر اليدين، وحيدا لا يجد إلا عمله، وكيف أن بكاء الأهل لا يغني عنه شيئا، فلنتذكر الموت ( ونبكي أنفسنا ونسعد إخواننا قبل فوات الأوان، ففي ذلك يقول 1 َ كأَنَّ الأرْضَ َقدْ ُ ط ِ ويَتْ عََليّا وََقدْ أَخْرَجْ ُ ت ممّا في يَديّا َ كأَنِّي َقدْ صِرْ ُ ت مُنْفردًا وحيدًا وَمُرْتهنًا َلدْيكَ بما عَليَّا َ كأنَّ الباكياتِ عليَّ يومًا ولا يُغْني البكاءُ عليَّ شيّا َذ َ كرْ ُ ت منيّتي َفب َ كيْ ُ ت َنفْسي أَلا أَسْعِدْ أُ َ خيَّكَ يا أُ َ خيّا (الوافر) ( وقال أبو العتاهية 2 وَما المْو ُ ت إِلا ِ رحْلةٌ غيرَ أَّنهُ مِنَ المْن ِ ز ِ ل الفاني إلى المْن ِ زل الباقي (الطويل) فاستخدم أداة الحصر "إلا" ليحصر الموت بأنه رحلة، وليس نهاية المطاف بالإنسان، وإن ( من ينظر إلى الأموات عندما يوضعون في قبورهم فيقول في ذلك 3 وَعَ َ ظتْكَ إِجْداثٌ ُ خُفتْ فِيهنَّ أَجْسادٌ سُبُتْ وَأَرْتْكَ َقبْركَ في القبُو ِ ر وَأَنْ َ ت حيٌّ لم َتمُتْ (مجزوء الكامل) .443 – 1) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 442 ) . - انظر: ابن عبد ربه: العقد الفريد، ج 3، ص 138 . 2) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 251 ) . - انظر: شامي، يحيى: أروع ما قيل في الشعر العربي،، دار الفكر العربي: بيروت 2003 ، ج 1، ص 101 3) أبو العتاهية، أشعارة وأخباره، ص 78 - ص 79 ) ورد البيت الأول: وعظتك أحداث صمت وبكتك ساكنة خفت. - انظر: المسعودي، أبو الحسين علي بن الحسين بن علي: مروج الذهب ومعادن الجوهر، الشركة العالمية للكتاب، . ج 3، ط 2، ص 359 54 يكفيك موعظة أيها الإنسان أن تشاهد الأجساد الميته تلقى في القبور، فالموعظة للحي وليست للميت، لقد ظل أبو العتاهية ثلاثين عاما يتغنى بالكأس الخالدة كأس الموت الدائرة على ( الخلق، فالكل مصيره إلى الفناء، والكل وشيك الزوال، والكل سيصبح ترابا في تراب، فيقول 1 لِدُوا للمَوْتِ وابْنوا لل َ خرا ِ ب َف ُ كلُّ ُ كم يصيرُ إلى ذها ِ ب ألا يا مَوْ ُ ت َلمْ أرَ مِنْكَ بُدّا أََتيْ َ ت فلا تحي ُ ف ولا ُتحابي َ كأَّنك َقدْ هَجَمْ َ ت عَلى مَشيبي َ كما هَجَمَ المشِيبُ على َ شبابي (الوافر) لقد تنوع أسلوب أبي العتاهية في الأبيات السابقة من الأمر إلى الاستفهام إلى النداء، فالأسلوب الإنشائي في مثل هذه المواقف، وخاصة ذكر الموت، يشد السامع والقارئ ويجعله أكثر خوفا واعتبارا لما يجري حوله، ثم ينهي هذه المقطوعة بتصوير الموت حين يهجم فجأة هجوم المشيب على الشباب. ويتقدم أبو العتاهية ليوجع أكثر وبقدر أشد، ولا يفوته أن يغمز بمسؤولية الراعي والرعية، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وإن الله سائل كل إنسان ما ( استرعاه يوم القيامة، كما نرى في المقطوعة الآتية، فيقول 2 يا راعيَ النَّفْ ِ س لا ُتغْفِلْ ِ رعايََتها َفأَنْ َ ت عَنْ ُ كلِّ ما اسَْترْعَيْ َ ت مسؤولُ إني َلفي مَنز ٍ ل ما زلْ ُ ت أعْمُرُهُ على يقي ٍ ن بأنِّي عَنْهُ منْقولُ َلمْ يُشْ َ غ ِ ل الموْ ُ ت عَنَّا مُذْ أُعِدَّ لنا وَ ُ كلَّنا عنْهُ بالَّلذاتِ مشْغولُ (البسيط) لقد استهل الشاعر هذه المقطوعة بنداء لكل إنسان، وهذا النداء يحمل في طياته النهي عن الغفلة، وعدم الانشغال باللذات، لأننا على يقين بأننا سنرحل عن هذه الدار إلى دار أفضل، تلك هي الدار الآخرة. ومن روائع زهده ما قاله منذرا بالمشيب، وأن الإنسان عليه أن يكون . 1) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 33 ) .279 – 2) المصدر نفسه، ص 278 ) ورد في البيت الأول: يا راعي الشاء لا تغفل رعايتها فأنت عن كل ما استرعيت مسؤول . - انظر: الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، ج 3، ص 161 55 مستعدا لداعي الموت، لأن الموت لا يفرق بين صغير وكبير، ولا صحيح وسقيم، حتى الطبيب ( المداوي من الأمراض والعلل، فربما يموت الطبيب ويعيش المريض فيقول 1 نعى لك ظل الشباب المشيب وَنادَتْكَ باسِْم سِواكَ ال ُ خ ُ طوبُ َف ُ كنْ مُستعدًَّا لِداعي المَُنو ِ ن َف ُ كلُّ الذي هُوَ آتٍ َقريبُ وََقبَْلك داوَى الطَّبيبُ الم ِ ريضَ َفعا َ ش المَ ِ ريضُ ومَا َ ت الطَّبيبُ (المتقارب) وفي الأبيات الآتية نراه شديد الإيحاء بالمشهد الجنائزي الذي يبدأ بمرض الموت وينتهي ( بانسحاب المشيعين من حول القبر، وما يتبع ذلك من نسيان الناس لموتاهم فيقول 2 وَ َ كأَنَّ ِبالمْرءِ َقد يَبْكي عَليْهِ أقْربُوهُ حَرَُّفوه وجّهوهُ مَدّدوُه َ غمّضوهُ أَرْفعُوهُ َ غسّلوهُ كفّنوهُ حّنطوهُ فإذا مَا ُل ّ ف في الأَ ّ كفا ِ ن قالوا فاحْمِلوهُ أخْرجُوهُ فوق أعوا دِ المَنايا َ شيَّعوهُ فإذا صَّلوا عليهِ قِيلَ هاُتوا واقِْبروهُ َ خّلفوهُ َتحْ َ ت رَمْ ٍ س أَوَْقروهُ أثَْقلوهُ وَدّعوهُ فارَُقوهُ أسْلموُهُ َ خّلفوهُ وانَْثنوا عَنْهُ و َ خلَّو ه َ كأَنْ َلمْ يَعْ ِ رفوهُ (مجزوء الرمل) نراه في هذه الكلمات المعبرة المليئة بالصور الحية للمشهد الجنائزي حين ينعى صاحبه، يصور حضور المشيعين، والإسراع في تغسيله وتكفينه، والكل يلتف من حوله يودعه، أقاربه وأصحابه، ثم يحمل على الأكتاف ليصلى عليه، وبعدها يدفن في قبره، فإكرام الميت دفنه، وتنزل جموع المشيعين تاركين الميت خلفهم، يتبادلون الأحاديث بينهم كأنهم لم يعرفوه من قبل. . 1) ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم: عيون الأخبار، ج 2، ص 352 ) ورد البيت الثاني: فكن مستعدا لريب المنون فإن الذي هو آت قريب . - انظر: ابن عبد ربه: العقد الفريد، ج 3، ص 140 . - انظر: أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 681 . 2) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 422 الموضوعالأصلي : التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: satarcette
| |||||||
الثلاثاء 27 أكتوبر - 19:34:36 | المشاركة رقم: | |||||||
مشرف
| موضوع: رد: التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) "هذه المقطوعة تدل على اقتدار أبي العتاهية في التقاط المعاني البسيطة من جهة، وفي براعة إيقاعها من جهة أخرى، والتركيز فيها ليس على الجانب الوعظي فحسب، بل على جانب الإيجاع بعقوبة الموت في الحياة وما يتبعها من نسيان الناس لموتاهم، وأما الأساليب الوعظية، وأبيات التأمل والحكمة ففي بقية القصيدة حيث تبلغ أبياتها ثلاثة وأربعين بيتا "،( 1) جاءت القصيدة على مجزوء الرمل ذي التفعيلات القليلة وذلك حتى لا يملّ القارئ أو السامع من الإطالة، ثم الترابط بين الأبيات والتصوير الحي للمشهد. لقد كثر الحديث عن الموت، فهو كالحب أمدنا بحصاد وفير من القطع الشعرية التي تكشف لنا شيئا عن الروح الأندلسي،( 2) وأبو إسحاق الإلبيري زاهد آمن بالموت وأقبل عليه، وقد ( علم أن الموت حق وأن الدنيا معبر للآخرة، فنراه يندب نفسه، ويذكرها المعاد فيقول 3 َ كأَنِّي ِبَنفْسي وَهِيَ في السَّ َ كراتِ ُتعالِجُ أَنْ َترْقى إلى اللَّهَواتِ وََقدْ زُمَّ رَحْلي واسَْتقَّلتْ رَكائِبي وََقدْ آَذنتْني بالرَّحي ِ ل حُداتِي إِلى الله أَشْ ُ كو جَهْلَ َنفْسي َفإّنها َتميلُ إِلى الرَّاحاتِ والشَّهَواتِ وَمَا يَعْ ِ ر ُ ف الإِنْسانُ أَيْنَ وََفاُتهُ أَفي البَرِّ أَمْ في البَحْ ِ ر أَمْ ِبَفلاةِ (الطويل) الموت طالما وقف عنده الزهاد، واستشفوا منه العبرة، لأنه الجسر الذي يبلغهم الآخرة ويصلهم بها، وكثيرا ما ذكرهم المشيب بقربه ومشهده المريع، ينتظر الناس فيه دورهم على .( الرغم منهم( 4 وها هو المشهد الجنائزي يتكرر عند زاهد الأندلس أبي إسحاق الإلبيري، كما هو عند شاعر المشرق أبي العتاهية، فنراه يذكر الموت، وبأنه لا يفرق بين صغير أو كبير، فإذا ما واراه أصحابه في لحده ورجعوا، انتهبوا ماله، وأخذوا يقتسمون ما وراءه من متاع، فيقول( 5 .264 – 1) أبو الأنوار، محمد: الشعر العباسي تطوره وقيمه الفنية، ص 263 ) . 2) بيريس، هنري: الشعر الأندلسي في عصر الطوائف، ص 408 ) .56 – 3) الإلبيري، أبو إسحاق، ص 52 ) . 4) بهجت، منجد مصطفى: الاتجاه الإسلامي في الشعر الأندلسي في عهدي ملوك الطوائف والمرابطين، ص 446 ) . 5) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 120 ) 57 َ كمْ آمِ ٍ ن للمَُنو ِ ن لاهٍ عَ ِ ن الرَّدَى با َ ت مُطْمَئِّنا صَبَّحَهُ وافِدُ المَنايا َفعايَنَ المَوْ َ ت حِينَ عَنَّا حَتَّى إِذا ما َقضى بَكاهُ حَمِيمُهُ مُعْ ِ و ً لا مُ ِ رنَّا ( وارَوْهُ في َلحْدِهِ وسَنُّوا عََليهِ مِنَ التُّرا ِ ب سَنَّا( 1 واْنَتهبُوا ماَلهُ و َ شنُّوا ال َ غاراتِ فيما حَواهُ َ شنَّا لِمِثْ ِ ل هَذا َف ُ كنْ مُعِدَّا ما َقدْ أَعَدَّ الهُداُة مِنَّا وارَْتقِ ِ ب المَوْ َ ت َفهُو حَتْمٌ يَخَْت ِ رمُ( 2) الطِّفْلَ والمُسِنَّا (البسيط) إن تنوع الأساليب في شعر الزهد ظاهرة ذائعة الانتشار عند شعراء المشرق والأندلس، فها هو زاهد الأندلس أبو إسحاق الإلبيري في مقطوعته الشعرية التالية يوجّه إلى إخوته هذا الرجاء بأن يطلبوا له النجاة من العذاب، وأن يخلصوا في الدعاء لعلّ الله يقبله، وخير الدعاء دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب وأن يكون خالصا لله سبحانه، حيث يقول( 3 َفيَا إِخْوَتي مَهْمَا َ ش ِ هدُتمْ جَنازَتِي َفُقوموا لِرَبِّي واسْأَلوهُ َنجاتي وَ ِ جدُّوا اْبتها ً لا في الدُّعاءِ وأَخْلِصُوا َلعَلّ إِلهي يَقْبَلُ الدَّعَواتِ وَُقولوا جَمي ً لا إِنْ عَلِمُْتمْ خِلاَفهُ وَأَغْضُوا عَلى ما كانَ مِنْ هََفواتِي وَلا َتصُِفوني ِباّلذي أَنا أَهُْلهُ َفأَشْقى وَحَلُّونِي ِب َ خيْ ِ ر صِفاتِ (الطويل) لقد بدأ الإلبيري هذه المقطوعة بالنداء "يا إخوتي" ثم بعد النداء تكرر أسلوب الأمر"فقوموا"، "واسألوه"، "وأخلصوا"، "وقولوا"، "وأغضوا"، إن تكرار مثل هذا الأمر دليل على إيمانه العميق بأن الموت حق، ولا بد لكل إنسان من أن يشرب كأسه، ويتحدث 1) سنّ الماء، التراب: صبّه صبًّا سه ً لا، على وجه الأرض. ) . - انظر: المعجم الوسيط، ص 481 2) يخترم: اخترمته المنية: أخذته. ) . - انظر: المعجم الوسيط، الجزء الأول، ص 229 . 3) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 56 ) . - انظر: شلبي، سعد إسماعيل: البيئة الأندلسية واثرها في الشعر، عصرملوك الطوائف، ص 508 58 أبو إسحاق الإلبيري عن تجاهل الإنسان لحقيقة الموت في حين أن الموت يترصدنا كل لحظة( 1) كما يقول( 2 إلى َ كمْ أقولُ وَلا أفْعَلُ وَ َ كمْ َذا أحومُ ولا أنزلُ وَأزْجُرُ عَيْني َفلا َترْعوى وأنصَحُ َنفْسي لا يَغَْفلُ وَ َ كمْ ذا أؤَمَّلُ ُ طولُ البَقا وَأغَفِلُ والموْ ُ ت لا يَغَْفلُ وَفي ُ كلَّ يوم يُنادي بنا مُنادي الرَّحيل: ألا فانزلوا (المتقارب) بعد أن عرضنا لموضوع الموت عند أبي العتاهية وأبي إسحاق الإلبيري، نجد أن أبا العتاهية تعرّض في موضوع الموت للمعاني الآتية: التخويف والزجر القاسي، وهو مفرق الجماعات والأصحاب، وغفلة الناس عن الموت وهو قريب ولا مفر منه، وظهور الشيب أشد نذير لقرب الأجل، والدنيا دار شقاء وبلاء وعناء، وعدم الأمل في الدنيا لأن الإنسان إذا أمسى فلا ينتظر الصباح، وإذا أصبح فلا ينتظر المساء، والموت رحلة من الفناء إلى البقاء، ويبلغ الترويع مداه في المشهد الجنائزي، من إعلان الموت إلى النزول عن المقابر ونسيان الميت. أما الإلبيري فقد تطرق إلى المعاني الآتية: الاتعاظ بالموت والاعتبار بالآخرة، والأمل في عفو الله والتضرع إليه، وكل ما في الحياة الدنيا عرض زائل وأنها مجرد طريق إلى الدار الباقية، وغفلة العاصي عن الموت الذي يهجم بغتة، وتساوي الناس أمام الموت، وكذلك التعرض للمشهد الجنائزي ونسيان الأهل لصاحبهم بعد أن يواروه الثرى. لقد أكثر كل من أبي العتاهية وأبي إسحاق الإلبيري من المفردات الدينية في شعرهما وخاصة موضوع الموت الذي قهر الله به عباده، يموت الصالحون ويموت الطالحون، يموت الصغير ويموت الكبير، والغني والفقير، حتى الأنبياء عليهم السلام قد شربوا من كأس الموت ومروا بسكراته. . 1424 ه- 2003 م، ص 89 ، 1) عيسى، فوزي: في الأدب الأندلسي،، دار المعرفة الجامعية، ط 1 ) . 2) شلبي، سعد إسماعيل: البيئة الأندلسية وأثرها في الشعر، عصر ملوك الطوائف، ص 508 ) 59 نلاحظ من خلال هذا العرض مدى تأثر الإلبيري بأبي العتاهية حين يعرض موضوع الموت بأسلوب إنشائي متنوع، كالأمر والاستفهام والنهي، وكذلك نسيان الناس للميت في حال دفنه مباشرة، ثم الطلب من كل إنسان أن يستعد لداعي الموت قبل أن يفاجئه الأجل بغتة وهو غافل، لا فرق بين صغير وكبير أو مريض وطبيب. أما نقاط الخلاف بين أبي العتاهية وأبي إسحاق الإلبيري فهي أن أبا العتاهية استخدم فكرة الموت للتخويف والزجر لنفسه ولغيره، حتى وصل به الأمر لينكر على الناس البنيان والتعمير ثم إعمار الأرض بالزواج والتكاثر وهذا ما يخالف سّنة الكون في أن يعمر الإنسان هذه الدنيا بالعمل والتكاثر، ثم يريد من الانسان أن يشغل حياته في كل لحظة بذكر الموت ولا يغفل عنه ساعة، وهذا أيضا مخالف لديننا الحنيف حيث يطلب منا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن نكثر من ذكر هادم اللذات، لا أن ننشغل بذكره دائما، ثم هويطلب من الإنسان حين يغزو الشيب مفرقيه أن يجلس ويستعد للموت، وهذا ما يخالف أمر ديننا الحنيف الذي يح ّ ث الناس على الجد والعمل حتى آخر لحظة من الدنيا. يؤمن أبو العتاهية بأن الموت رحلة من الحياة الفانية إلى الحياة الباقية، لكنه يركز على صنف واحد من الناس ألا وهو الإنسان الغافل، فلم يذكر الصنف الآخر الذي يستقبل الموت الموت استقبالا حسنا، وأنه يستبشر بملك الموت حين يراه، قال تعالوُجُوهٌ يَوْمئِذٍ نَاضِرةٌ إِلى .( رَبَّها نَاظِرَةٌ)( 1 يعتبر أبو العتاهية النسيان جريمة بحق الإنسان، وأن الدنيا لا يؤمن جانبها. إن النسيان نعمة من الله سبحانه على الإنسان وإلا لما استطاع أن يعيش هذا العمر والهموم تتراكم عليه، أما الدنيا فهي مزرعة للآخرة، وربُّ العالمين خلق الدنيا والحياة لكي يعمرها الإنسان بالخير، ولتكون الطريق إلى الجنة. فالخوف الشديد من الموت يؤثرسلبا في حياة الإنسان، أما أبو إسحاق الإلبيري فهو آمن بالموت، ولكنه لم يفزع منه بالقدر الذي فزع منه أبو العتاهية، يؤمن بأن الأجل سوف ينزل .23 – 1) سورة القيامة، الآيات 22 ) 60 بالناس وعليهم أخذ العبرة ممن سبقوهم، فأين الأهل والأصحاب؟ إنه يؤمن بأن الموت إذا حلّ بساحة الإنسان فلا مردّ له، ملك الموت جند من جنود الله لا يستطيع الإنسان أن يحترس منها لأنها مؤيدة بعلم الله. يؤمن أبو إسحاق الإلبيري بأن كل إنسان سوف يمر بسكرات الموت، وحين تعالج الروح من الجسد لتصعد إلى خالقها، حتى الرسول صلى الله عليه وسلم عانى من سكرات الموت حين انتقل إلى الرفيق الأعلى، ويؤمن كذلك بأن الموت لا يفرق بين صغير وكبير، فقد يموت الصغير قبل الكبير، ولكن أبا العتاهية ركز على موت كبار السن، ويؤمن أبو إسحاق الإلبيري كذلك بأن الإنسان لا يدري متى يموت، وأين يموت، وهذا مما لا يتنافى مع القرآن الكريم حين يقول رب العالمين (وَمَا َتدْري نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا َتدْري نَفْسٌ بِأيَّ أَرْضٍ .( تَمُو ُ ت)( 1 يؤمن بأن بعد الموت يأتي البعث، وأن كل إنسان سوف يستلم كتابا فيه أعماله "مال هذا الكِتا ِ ب لا يُغادِرُ صَغِيرًَة وَلا َ كبيَرة إِ ّ لا أَحْصْاها وَوَجَدُوا مَا عَمُلوا حَاضِرًا .( وَ َ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدا "( 2 لم يصل الأمر بالإلبيري بأن يترك الإنسان الدنيا ويستعد للموت، بل هو يريد منه أن يعمر الدنيا بالخير والمعروف، ويتجنب المنكر والذنوب استعدادا للموت. يذكر الإلبيري ما بعد الموت من حساب وعذاب، وجنة ونار، فيقول يا ويحي من اليوم العصيب، وهو يريد الاستزادة من الخير حتى بعد وفاته، فيطلب من إخوته وأصحابه والمشيعين أن يسألوا الله له النجاة من النار والفوز بالجنة، وأن يخلصوا الدعاء له لعل الله يقبل ذلك، ويطلب إليهم مسامحته وأن يذكروه بأحسن الصفات وأن يتجاوزوا عن هفواته وأخطائه. . 1) سورة لقمان، الآية 34 ) . 2) سورة الكهف، الآية 49 ) 61 لقد استخدم أبو إسحاق الإلبيري ضمير المتكلم المفرد، في شعره عن الموت، فيقول مثلا " تمر لداتي"، "وأحمل موتاهم"، "فها أنا"، "تغازلني"، "وتنشر لي"، "شبابي"، "بدلت"، "تحاربنا"، "لهفي"، "ولا تصفوني"، "زُمّ رحلي"، "أشكو"، "إخوتي"، "إلهي"، "بالذي أنا أهله" "فأشقى". وقد شاع استخدام ضمير المتكلم بكثرة في شعره فلا يكاد يخلو بيت من الشعر من ذكر ضمير المتكلم "المتصل أو المنفصل أو المستتر" و"الجمع والمفرد". أما خوف أبي العتاهية من الموت، وحتى يخوّف غيره، استخدم ضمير المخاطب بأنواعه المتصل والمنفصل والمستتر، وأكثر منه في شعره، فيقول "أنساك"، "محياك"، "أوثقت"، " وأنت"، " نح على نفسك"، " لتموتن"، "وإن عمرت"، "أيها المغرور"، "وعظتك"، "ونعتك"، " وأرتك"، "خبرك"، "وأنت حي"، "لم أر منك"، " أتيت"، " كأنك قد هجمت"، "يا راعي الشاء"، "ونادتك"، "سواك"، "كن مستعدا"، "وقبلك". فاستخدام ضمير المخاطب عند أبي العتاهية بكثرة دليل على خوفه من الموت، واستخدام أبي إسحاق الإلبيري لضمير المتكلم دليل على عدم خوفه من الموت وعلى استعداده له. ثانيا: الدنيا: قال تعالى: " وَمَا هَذِهِ الحَياُة الدُّنْيا إِ ّ لا َلهْوٌ وََلعِبٌ، وإِنَّ الدَّارَ الآخِرَة َلهِيَ الحيَوانُ .( َلوْ كاُنوا يَعْلمونَ" ( 1 فالدنيا متاع زائل وعبث باطل، وتمّني النفس أماني يُفني الإنسان عمره في سبيل تحقيقها، والشاعر أبو العتاهية يحتقر الحياة الدنيا ويع ّ ظم الآخرة فيقول في غرور الدنيا( 2 َنصَبْتِ َلنا دُونَ التََّفكُّر يا دُنْيا أَمانِيّ يَفْنى العُمْرُ مِنْ َقبْ ِ ل أَنْ َتفْنى مَتى َتنَْقضي حاجَا ُ ت مَنْ َليْسَ واصِ ً لا إِلى حاجَةٍ حَتَّى َتكونَ َلهُ أُخْرى (الطويل) . 1) سورة العنكبوت، الآية 64 ) . 2) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 7 ) 62 فالشاعر عمد إلى التشخيص فجعل من الدنيا شخصا ينصب شباكا ليصطاد بها، فهذه الشباك وراءها سجن وقيد، وكأن الدنيا تنصب للإنسان حبال الأماني ليقع في شركها. فالأبيات قريبة من النثر تخلو من الموسيقى واعتمدت البحر الطويل، لتعطي النفس الإنسانية نفسية في التأمل والتفكير في هذه الدنيا الفانية. وله أيضًا في فناء الدنيا وزوالها( 1 سََتخُْل ُ ق ِ جدَّةٌ وَتجوُد حالُ وَعِندَ الحَقِّ ُتخَْتبَرُ الرِّجالُ وَلِلدُّنْيا ودائِعُ في ُقلو ٍ ب بها جَرَتِ الَقطيعَ ُ ة وال ِ وصالُ َت َ خوّ ُ ف ما َلعّلكَ لا َتراهُ وََترجُو مَا َلعَّلكَ لا َتَنالُ وََقدْ َ طَلعَ ال ِ هلالُ لِهَدِْم عُمْري وَأَفْرَحُ ُ كلَّما َ طَلعَ ال ِ هلالُ (الوافر) يقرر الشاعر خلال الأبيات أن الدنيا مصيرها إلى الزوال والفناء، فهي دار ممر لا دار مقر، وسيصبح كل جديد فيها قديما، والإنسان يفرح بظهور الهلال وبزوغ شهر جديد وهو لا يدري أنه كلما طلع هلال نقص عمره. لقد بدأ الشاعر القصيدة بحرف السين ليؤكد هذه الحقيقة، وهي فناء الدنيا وزوالها، واستعمل كلمة " تخلق" للدلالة على حقارة الدنيا وهوانها كالشئ الخلق. قال الأصمعي: صنع الرشيد طعاما وزخرف مجالسه وأحضر أبا العتاهية وقال له: صف لنا ما نحن فيه من نعيم هذه الدنيا، فقال أبو العتاهية( 2 عِشْ مَا بَدا َلكَ سالِمًا فِي ظِلِّ شاهَِقةِ الُقصو ِ ر (مجزوء الكامل) فقال الرشيد: أحسنت، ثم ماذا؟ فقال: .310 – 1) المصدر نفسه، ص 309 ) . 2) المصدر نفسه، ص 136 ) 63 يُسْعى عََليْكَ ِبما اشَْتهَيّ َ ت َلدى الرَّوا ِ ح أو البُكو ِ ر (مجزوء الكامل) فقال: حسن، ثم ماذا؟ فقال: َفإِذا النُّفوسُ َتَقعَْقعَتْ فِي ظِلِّ حَشْرَجَةِ الصُّدو ِ ر َفهُناكَ َتعَْلمُ مُوقِنًا ما ُ كنْ َ ت إِلا فِي ُ غرو ِ ر (مجزوء الكامل) فبكى الرشيد، فقال الفضل بن يحيى البرمكي: بعث إليك أمير المؤمنين لتسرّه فأحزنته، فقال الرشيد: دعه، فإنه رآنا في عمى، فكره أن يزيدنا منه. وقال أبو العتاهية موضحًا حقيقة أخرى وهي أن كمال الدنيا وتمام سرورها دليل على خذلانها( 1 هِيَ الدُّنْيا إِ َذا َ كمَُلتْ وََتمّ سُرورُهَا َ خَذَلتْ وََتفْعَلُ في اّلذينَ بَُقوا َ كما فِيمَنْ مَضُوا َفعََلتْ (مجزوء الوافر) سأل أبو العتاهية أعرابيا في الحج وعليه شملة إذا غطى بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطى رجليه بدا رأسه، فقال له: كيف اخترت هذا البلد القفر على البلدان المخصبة، فقال له: يا هذا، لولا أن الله قّنع بعض العباد بشر البلاد، ما وسع خير البلاد جميع العباد، فقال له: من أين معاشكم؟ فقال: منكم معشر الحجاج، تمرون بنا فننال من فضولكم، وتنصرفون فيكون ذلك، فقال: إنما نمر وننصرف في وقت من السنة، فمن أين معاشكم؟ فأطرق الأعرابي ثم قال: لا والله لا أدري ما أقول، إلا أننا نرزق من حيث لا نحتسب، أكثر مما نرزق من حيث نحتسب، فوّلى أبو العتاهية وهو يقول( 2 أََلا يا َ طالِبَ الدُّنْيا دَ ِ ع الدُّنيا لشانِيكا . 1) المصدر نفسه، ص 78 ) . - انظر: ابن عبد ربه: العقد الفريد، ج 3، ص 122 . 2) الأصفهاني، أبو فرج: الأغاني، ج 3، ص 167 ) . - انظر: أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 275 64 وَمَا َتصَْنعُ ِبالدُّنْيا وَظِلُّ اللَّي ِ ل يَكْفِيكا (الهزج) لقد استهل أبو العتاهية البيت الأول بأداة العرض "ألا" التي تفيد الطلب بلين دون العنف، ثم بأداة النداء"يا" وهذا العرض والنداء ليس لطالب العلم أو الدين، ولكنها لطالب الدنيا، ثم بعد النداء يأتي فعل الأمر "دع"، فهو يطلب منه ترك الدنيا لمن يبغضه، ثم بعدها ينهي هذا الطلب بالاستفهام "وما تصنع"، ماذا تصنع أيها الإنسان بهذه الدنيا؟ ويكفيك منها أخف شيء، ألا وهو ظل الليل. أما أبو إسحاق الإلبيري فيقول الضبّي( 1) عنه: "إنه كثير الشعر في ذم الدنيا"، فالدنيا عند شعراء الزهد ظل زائل، وهي غير مأمونة العواقب، ولذلك يترّفعون عنها .( ولا يبالون بها( 2 ( فيقول 3 ُ كلُّ امْ ِ رئٍ فِيما يَدِينُ يُدانُ سُبْحانَ مَنْ َلمْ يَخْلُ مِنهُ مكانُ يَا عامِرَ الدُّنيا لِيَسْ ُ كَنها ومَا هِيَ بالَّتي يَبْقى ِبها سُكَّانُ تفنى وَتبَْقى الأَرْضُ بَعْدَكَ مِثَْلما يَبْقى المُنا ُ خ وََترْحَلُ الرُّكْبانُ أَأُسَرُّ في الدُّنيا ِب ُ كلِّ ِ زيادَةٍ وَ ِ زيادَتي فِيها هِيَ النُّقْصانُ! (الكامل) فالشاعر الزاهد أبو إسحاق الإلبيري الغرناطي رحمه الله، يبدأ البيت الأول بالمثل القائل "كما تديّن تدان"، وفي البيت الثاني يستمد المعنى القرآني من الآية الكريمة، قال سبحانه: " ُ كلُّ مَنْ .( عََليْها فَا ٍ ن"( 4 1) الضبي، أحمد بن يحيى بن عميرة، المتوفى سنة 599 ه: بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس، دار الكتاب ) العربي، 1967 م، . ص 225 . 2) بهجت، منجد مصطفى: الاتجاه الإسلامي في الشعر الأندلسي، ص 446 ) . 3) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 119 ) . 4) سورة الرحمن، الآية 26 ) 65 فبدأ الشاعر الأبيات بالأسلوب الخبري، ثم بعد ذلك أسلوب النداء، ثم يعود إلى الأسلوب الخبري، ثم أسلوب الاستفهام، هذا التنوع في الأسلوب دليل على عزوفه عن هذه الدنيا، ويريد من هذا التنوع أن يثبت للسامع أن الدنيا متلوّنة، فليس هناك سرور دائم ولا حزن دائم. "وآخر قصيدة له أنشدها لابن أبي رجاء، وكان قد دخل عليه في علته التي توفي فيها، ( وعذله على رداءة مسكنه".( 1 ولما مرض الفقيه الزاهد أبو إسحاق الإلبيري دخل عليه الوزير أبو خالد هاشم بن رجاء، فرأى ضيق مسكنه، فقال: لو اتخذت غير هذا المسكن لكان أولى بك( 2)؟ فقال( 3 قاُلوا: أَلا َتسَْت ِ جدْ بَيْتًا َتعْجَبُ مِنْ حُسْنِهِ البُيوتْ َفُقلْ ُ ت ما ذِل ُ كمْ صَوابٌ حَفشٌّ( 4) َ كثِيرٌ لِمَنْ يَموتْ َلوْلا شِتاءٌ وََلفْحُ َقيْظٍ وَخو ُ ف لِصٍّ وَحِفْ ُ ظ ُقوتْ وَنِسْوَةٌ يَبَْتغِينَ سِتْرًا بََنيْ ُ ت بُنْيانَ عَنْ َ كبوتْ (مجزوء البسيط) لقد ضرب مثلا في الزهد يعجب منه الزهاد، فهو اختار أخف سكن له ألا وهو بيت العنكبوت، وهذا المعنى مستمد كذلك من القرآن الكريم، قال سبحانه وتعالى: (وإِنَّ أَوْهَنَ البُيوتِ .( لَبَيْ ُ ت العَنْ َ كبوتِ َلوْ َ كاُنوا يَعَْلمونَ)( 5 ونراه يدير حوارا بينه وبين زائريه الذين قدموا عليه في مرضه، فلم يعجبهم هذا البيت المتواضع البسيط، ولكن ابا إسحاق الإلبيري يعتبر هذا البيت على تواضعه كثير بالنسبة له، . 1 ) غومث، إميليو غرسيه: مع شعراء الأندلس والمتنبي، نقله إلى العربية د. الطاهر أحمد مكي، ص 100 ) . 2 ) المقري: نفح الطيب، ص 38 ) . 3 ) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 62 ) . - انظر: المقري: نفح الطيب، ج 5، ص 38 . - انظر: ابن سعيد الأندلسي: المغرب في المغرب، ج 2، ص 107 . - انظر: ابن الخطيب، لسان الدين: الإحاطة في أخبار غرناطة، مجلد 4، ص 317 4 ) الحفش: البيت الحقير القريب السقف من الأرض، والبيت الصغير من بيوت الأعراب. ) . - انظر: المعجم الوسيط،مادة: خفش، ص 206 . 5 ) سورة العنكبوت، الآية 41 ) 66 فلولا البرد والحر، والخوف من اللصوص وحفظ الطعام، والنسوة اللاتي يردن الستر، ما زاد بيته عن بيت العنكبوت. هذا الحوار الهادئ البسيط الذي يتناسب مع جو المرض، قد أثر في اختيار الألفاظ الهادئة البعيدة عن الخشونة، وما اختيار القافية "التاء الصامتة" إلا زيادة في هذا الهدوء الذي لا بد منه عند زيارة المريض، وهذا يدل على مقدرة الشاعر في المقاربة الفنية بين الموضوع والقافية. لقد كثر ذمّ الدنيا بدءا بالقرآن الكريم، والحديث الشريف، ثم الشعر الذي هو ديوان العرب. فالشاعر أبو إسحاق الإلبيري يذم الدنيا بقوله( 1 نادَتْ ِبيَّ الدُّنيا َفُقلْ ُ ت َلها اقْصِري ما عُدَّ في الأَكْيا ِ س( 2) مَنْ َلبّاكِ ما َفوْ َ ق َ ظهْ ِ ركِ قاطِنٌ أَوْ ظاعِنٌ إِلا سَيُهْ َ شمُ في ثِقا ِ ل رَحاكِ أَنْتِ السَّرَابُ وَأَنْتِ دَاءٌ كامِنٌ بَيْنَ الضُّلو ِ ع َفما أَعَزَّ دَواكِ ( يُعْصَى الإِلهُ إِذا أُطِعْت وَطاعَتي للهِ رَبِّي أَنْ أَ ُ شقَّ عَصاكِ( 3 ما إِنْ يَدومُ الَفقْرُ فِيكِ وَلا الغَِنى سِيّانُ َفقْرُكِ عِنْدنا وَغِناكِ (الكامل) يستهل الشاعر هذه المقطوعة بحوار بينه وبين الدنيا، تناديه الدنيا ليقبل عليها، لكنه يرفض تلبية هذا النداء، ثم يعمد إلى دعم هذا الرفض بأدلة وبراهين، لأن الدنيا لا ترحم كحجر الرحى تهشم كل من يقع تحتها، ويصفها بالسراب والمرض الخطير داخل الضلوع، وكأني به يشبهها بمرض السرطان اليوم، الذي عجز الطب عن مداواته، طاعتها معصية لله، وعدم دوام الفقر والغنى على ظهرها. .36 - 1) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 34 ) 2) الأكياس: جمع كيّس من كاس كيسا وكياسة: عقل وظرف وفطن. ) .843- - انظر:: المعجم الوسيط، باب الكاف، فضل الألف، حرف السين، مادة : كاس، ص 842 3) شق العصا: شق عصا الطاعة: خالف وتمرّد، وش ّ ق عصا الجماعة: فرّق كلمتها. ) . - انظر: المعجم الوسيط، مادة شق، ص 515 67 لقد أكثر الشاعر في هذه المقطوعة من ضمير المخاطب، كياء المخاطبة، وكاف المخاطب وتاء المخاطبة، وحتى ضمير الخطاب المنفصل، وهذا دليل على شدة هجومه على الدنيا وعدم ترك الفرصة لها أن ترد على هذا الهجوم، لقد استخدم الشاعر البحر الكامل بتفعيلاته الطويلة كي يطوّل الهجوم على هذه الدنيا الدنيئة، وذلك باستخدامه الألفاظ واضحة وسهلة وتناسب أسلوب الذم"اقصري"، " سيهشم"، "السراب"، "داء كامن"، "أشق عصاك"، ومما ساعده أيضا هو اختيار الحروف المفخمّة لتفخيم الدنيا وذلها، فنراه يكثر من حرف القاف والصاد والظاء والطاء والضاد والغين. بعد أن عرضنا لموضوع الدنيا عند أبي العتاهية وأبي إسحاق الإلبيري نجد أن أبا العتاهية تعرض في موضع الدنيا للمعاني الآتية: فناء العمر قبل أن تفنى الدنيا، كل جديد لا بد أن يصبح خلقا، جرت القطيعة والوصال بسبب أماني الدنيا، ظهور الهلال دليل على قصر عمر الإنسان، والغرور في الدنيا لا يذكره الإنسان إلا حين تغرغر الروح، عدم التمسك بالدنيا بل أن يتركها الإنسان لمن يبغضه لا لمن يحبه، لأن حب الدنيا لا يغني عن الآخرة. أما الإلبيري فقد تطرق في موضوع الدنيا للمعاني الآتية: كل من على الأرض فان، لا يبقى بها ساكن، فيزول الإنسان وتبقى الأرض والعمران، وكل زيادة في الأرض هي نقصان من العمر، خشونة العيش والاكتفاء من الدنيا بالقليل وأقل القليل ليصل الأمر إلى الظل، وبيت العنكبوت، الدنيا خدّاعة كالسراب، لا تدوم على حال، من سرّه زمن ساءته أزمان. نلاحظ من خلال هذا العرض مدى تأثر الإلبيري بأبي العتاهية، فهناك تشابه في المعاني كفناء الدنيا وعدم خلودها، والزيادة في الدنيا تعني نقصان العمر والاكتفاء من الدنيا بما يكفي رمق العيش، وعدم التمسك بها، فهي غدّارة وخدّاعة لا تدوم على حال معينة. وهناك تشابه في الألفاظ المختارة المناسبة لهذا الموضوع مثل الفناء، النقصان، تفنى، يهشم، الفقر، السراب، داء، تقعقع، حشرجة الصدور، خذل، القطيعة، هدم، فجميع هذه الألفاظ تحمل معنى الزهد في الدنيا وعدم التمسك بها. 68 أما نقاط الخلاف بين أبي العتاهية وأبي إسحاق الإلبيري فكانت أن أبا العتاهية استخدم الأسلوب الإخباري وذلك من أجل أن يخبر القارئ بأحوال الدنيا ويطلعه على حقيقتها، ويترك له الأمر في اختيار ما يناسب، فهو لا يريد أن يفرض الرأي على القارئ. وأما الإلبيري فقد نوّع في الأسلوب، فاستخدم الأسلوب الإنشائي كثيرا، ثم الإخباري واعتمد على الحوار لكي يكون التاثير أكثر، فيقول "يا عامر الدنيا"، " أأسرُّ من الدنيا"، "ألا تستجد بيتا"، والحوار مثل:"نادت بي الدنيا"، "فقلت لها"، "أنت السراب"، "أنت داء كامن". ولقد استخدم أبو العتاهية ضمير المخاطب والمتكلم والغائب في مقطوعاته الشعرية، مثل " نصبت لنا"، "بها"، "عمري"، "لك"، "نراه"، " عليك". وأما الشاعر الإلبيري فقد أكثر من ضمير المتكلم، مثل: "فقلت"، "بنيت"، "بي"، "عندنا"، وأكثر من ضمير المخاطب مثلك "ظهرك"، "رحاك"، "دواك"، "عصاك"، "فيك"، "فقرك"، "غناك"، واستخدام الشاعر لهذين الضميرين حتى يظهر مدى التناغم مع أسلوب الحوار الذي استخدمه الشاعر في شعره. لقد كان الإلبيري أكثر من أبي العتاهية تاثيرًا بالقارئ أو المتلقي، من خلال أسلوبه وصوره وتشبيهاته، فقد صوّر لنا الدنيا بالسراب، والمرض العضال، وحجر الرحى، وشق العصا وبنيان عنكبوت لخداعها ومهانتها، لكن مقطوعات أبي العتاهية خلت في أغلبها من الصور والتشبيهات، فكانت شبيهة بالنثر أكثر من الشعر، لأنه أكثر في شعره من تشويه الدنيا بالحديث الخطابي الوصفي. 69 ثالثًا: الوعظ والنصح: كان أبو العتاهية متعدد الجوانب، موزّع النشاط، ومفتاح تلك الشخصية المعقدة شعوره بالنقص بسبب منبته المتواضع، وقد دفعه ذلك الشعور في اتجاهين رئيسين: دفعه إلى مهاجمة الطبقات العليا في المجتمع، وصار بذلك من الثوار والتمردين، ثم دفعه إلى أن يلبس مسوح الوعظ والمتصوفين، لكي يتلقى معهم تكريم العامة واحترامهم، وصار بذلك من دعائم الاستقرار وحماة الآداب والتقاليد. والقارئ لشعر أبي العتاهية يرى فيه قدرا كبيرا من الوعظ الخالص، ومنه قوله( 1 أََنلْهو وَأَيَّامُنا َتذْهَبُ وََنلْعَبُ وَالمَوْ ُ ت لا يَلْعَبُ عَ ِ جبْ ُ ت لِذي َلعِ ٍ ب َقدْ َلها عَ ِ جبْ ُ ت وَمالِيَ لا أَعْجَبُ أَيَلْهو وَيَلْعَبُ مَنْ َنفْسُهُ َتمو ُ ت وَمَنْ ِ زُلهُ يَخْرَبُ َترى ُ كلَّ ما ساءَنا دائِمًا عََلى ُ كلِّ ما سَرََّنا يَغْلِبُ (المتقارب) استهل الشاعر هذه الأبيات بالاستفهام الذي يحمل في طياته الاستغراب والتعجب ممن يلهو ويلعب في هذه الدنيا وهويعلم أنه سيموت، وأن منزله الذي يعمره سيخرب، ويعلم كذلك أن الأحزان في هذه الدنيا أكثر من السرور، فنصيحته في هذه الأبيات هو عدم اللعب واللهو، فهو يقدم هذه النصيحة مغّلفة بالخوف والزهد، الخوف من الموت والزهد في الدنيا. لقد وصل الأمر بالشاعر أبي العتاهية أن يقدم النصح والوعظ حتى للخلفاء والحكام، وها هو يعظ الرشيد بقوله( 2 لا َتأْمَ ِ ن المَوْ َ ت فِي َ طرْفٍ ولا َنَف ٍ س وَإِنْ َتمَنَّعْ َ ت ِبالحُجّا ِ ب والحَرَ ِ س َفما َتزالُ سِهَامُ المَوْتِ نافَِذًة فِي جَنْ ِ ب مُدَّ ِ ر ٍ ع مِنْها ومُتَّ ِ ر ِ س . 1) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 38 ) ، - انظر: الكفراوي، محمد عبد العزيز: تاريخ الشعر العربي في العصرين الأول والثاني من خلافة بني العباس، ج 2 . ص 128 . 2) أبو العتاهية، أشعارة وأخباره، ص 194 ) . - انظر: الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، ج 3، ص 180 70 َترْجُو الّنجَاَة وََلمْ َتسُْلك مَسالِ َ كها إِنَّ السَّفيَن َ ة َلا َتجْري عَلى اليَبَ ِ س (البسيط) فلما سمعها الرشيد تقبّلها، وبكى حتى بلّ كمّه. لقد بدأ الشاعر أبياته بالحديث عن الموت، وأنه لا يؤمن جانبه، حتى ولو كان في حصن حصين لنفسه وبيته، وفي البيت الثالث كلمات موحية ومعبرة وعظيمة في مدلولها، فهو يضرب المثل بالإنسان الذي يريد النجاة من الغرق في الآثام، ولا يستعد لهذه النجاة، كالسفينة التي تحتاج الماء لكي تجري، فهي لا تجري على الأرض اليابسة. لقد أثرت مواعظ أبي العتاهية حتى في غير المسلم، حيث مرّ عابد براهب في صومعة فقال له: عظني، فقال: أعظك وعليكم نزل القرآن ونبيكم- محمد صلى الله عليه وسلم- قريب العهد بكم؟ فقلت: نعم. قال: فاتعظ ببيت من شعر شاعركم أبي العتاهية حين يقول ( 1 َتجَرّدْ مِنَ الدُّنْيا َفإِنَّكَ إِّنما وََقعْ َ ت إِلى الدُّنْيا وَأَنْ َ ت مُجَرّدُ (الطويل) بيت من الشعر بعد القرآن والحديث، يكفي لأن يكون واعظًا وما ذلك إلا للمعنى العظيم الذي يحمله. يطلب أبو العتاهية من الإنسان أن يتجرد من هذه الدنيا، من كل شيء، لا مال، ولا منصب، ولا جاه، ولا ولد ولا ممتلكات، والسبب لأن مجيء الإنسان كان هكذا، فهو يريد من الإنسان أن يعود من الدنيا كما جاء إليها. وأبو العتاهية في زهدياته يتحول إلى واعظ، وهويستمد عظاته يستمد من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، ووعظ الوعاظ من أمثال الحسن البصري، كما يستمد من أشعار سابقيه، وقد وقف المبرد عند موعظة له يستهلها بقوله ( 2 يا عَجَبًا ُ كلُّنا يَحِيدُ عَ ِ ن ال حَيْ ِ ن وَ ُ كلًّ لِحَيْنِهِ لاقِ . 1 ) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 109 ) . - انظر: الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، ج 3، ص 176 . 2) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 589 ) . - انظر: ضبف، شوقي: تاريخ الأدب العربي، العصر العباسي الأول، ص 250 71 َ كأَنَّ حَيًَّا َقدْ َقامَ نادِبُهُ والَتفَّتِ السَّا ُ ق مِنْهُ ِبالسَّاقِ واسَْتلّ مِنْهُ حياَتهُ مََلكُ ال مَوْتِ َ خفِيًَّا وَقِيلَ مَنْ راقِ (السريع) أبو العتاهية يبدأ هذه المقطوعة بالتعجب كعادته من الإنسان، الذي يحاول تجنب الأجل وهو لا بد ملاقيه، والشطر الثاني من البيت الثاني فيه تناص من القرآن الكريم، قال تعالى: (والتفَّتِ السَّا ُ ق بِالسَّاقِ)( 1). والتفاف الساق بالساق كناية عن فقدانهما للحركة، كذلك آخر البيت .( الثالث اقتباس من القرآن الكريم، قال الله عزّ وجل (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ)( 2 والقائل إما أهل الميت حين ييأسون منه، ويطلبون له "الراقي" أو الطبيب، وإما الملائكة حين يسألون من يرقى به؟ أملائكة الرحمة، أم ملائكة العذاب؟ ومن مواعظ أبي العتاهية التي تحمل في طياتها الحذر من الدنيا، قوله( 3 وََقدْ يَهْلِكُ الإِنْسانُ مِنْ با ِ ب أَمْنِهِ وَيَنْجُو ِبإِذْ ِ ن اللهِ مِنْ حَيْ ُ ث يَحْ َذرُ (الطويل) فهذه موعظة عظيمة لكل إنسان يأمن لهذه الدنيا وغدرها، فقد يكون هلاك الإنسان من حيث يأمن، وتكون النجاة من حيث الحذر،فمن مأمنه يؤتى الحذر. أما أبو إسحاق الإلبيريفجاء موضوع الوعظ والنصح في قصيدته التي تبلغ ثلاثة عشر ومئة بيت، وفيها يخاطب ابنه أبا بكر، كما جاءت الإشارة إلى اسمه في القصيدة، وهي قصيدة تعد نسيج وحدها في موضوعها، ومقاصدها متعددة ومراميها متنوعة، فهي صورة قيمة لما يوعظ به الإنسان، ويزجر به الغافل التائه، يقدّم لابنه حججا منطقية، ليكون كلامه أوقع في . 1) سورة القيامة، الآية 29 ) . 2) سورة القيامة، الآية 27 ) . 3) المبرد: الكامل، مجلد 3 ص 420 ) . - انظر: أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 151 72 النفس، وأبلغ في التأثير، ويسلك فيها سبلا علمية في ضرب الأمثلة ليبلغ غايته من النصح، وهي أول قصيدة في الديوان من بحر الوافر في قافية التاء المطلقة( 1) يبدؤها بقوله( 2 َتُفتُّ ُفؤَادَكَ الأَيَّامُ َفّتا وََتنْحِ ُ ت ِ جسْمَكَ السَّاعا ُ ت َنحْتا وََتدْعوكَ المَنونُ دُعاءَ صِدْقٍ أَلا يا صا ِ ح أَنْ َ ت أُريدُ أَنْتا (الوافر) فالشاعر أبو إسحاق الإلبيري استخدم الألفاظ المؤثرة، والتي تصل أعماق الجسم إلى القلب الذي هو محط نظر الرب، فاستخدم الفعل "نفت " أي تدقه وتجعله فتاتا، وكذلك الفعل "تنحت" فجعل الجسم كشيء صلب تنحت الساعات والزمن منه كل يوم قليلا حتى ينتهي بعد ذلك. وفي البيت الثاني استخدم الفعل "تدعوك"، ولكن هذا الدعاء يخاف منه كثير من الناس وذلك لأنه ليس لحفل ولا لوليمة، إنه دعاء الموت، وهذا الدعاء من صفاته أنه دعاء صدق، وينتقل إلى دعوته إلى ما فيه نفعه في الدنيا والآخرة، فيقول( 3 إِلى عِلْ ٍم َتكونُ ِبهِ إِمامًا مُطاعًا إِنْ َنهَيْ َ ت وَإِنْ أَمَرْتا وَتْجلو ما ِبعَيْنِكَ مِنْ عَ َ شاها وََتهْديكَ السَّبيلَ إِذا ضََللْتا (الوافر) ويسترسل في أبياته مغريا بالتعلم مبينا عائده عليه، وضرورة الإسراع بالنهل منه، فيقول( 4 وََتحْمِلُ مِنْهُ في نادِيكَ تاجًا وَيَكْسوكَ الجَمالَ إِذا اعَْترَيْتا هُوَ العَضْبُ( 5) المُهَنَّدُ َليْسَ يْنبو ُتصِيبُ ِبهِ مَقاتِلَ مَنْ ضَرَبْتا الموضوعالأصلي : التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: satarcette
| |||||||
الثلاثاء 27 أكتوبر - 19:38:18 | المشاركة رقم: | |||||||
مشرف
| موضوع: رد: التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) َفَلو َقدْ ُذقْ َ ت مِنْ حَلواهُ َ طعمًا لآَثرْ َ ت التعلُّمَ واجَْتهدْتا . 1) بهجت، منجد مصطفى: الاتجاه الإسلامي في الشعر الأندلسي في عهدي ملوك الطوائف والمرابطين، ص 215 ) . 2) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 19 ) . - انظر: الحميري: الروض المعطاء، ص 29 . 3) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 20 ) . 4 ) المصدر نفسه، ص 20 ) 5 ) العضب: عضب السيف عضوبًا: صار قاطعًا. ) . - انظر: المعجم الوسيط، مادة :غضب، ص 636 73 وََلمْ يَشْ َ غلكَ عَنهُ هوىً مُطاعٌ ولا خِدْرٌ( 1) ِبرَبْرَِبهِ( 2) َ كَلفِتا وَلا أَنهاكَ عَنْهُ أني ُ ق رو ٍ ض ولا دُنْيا يُزخْرُفِها ُفتِنَْتا فلا تأمن سؤال الله عنه بتوبيخ علمت فهل عملتا؟ (الوافر) ويخلص بعد ذلك إلى العلم الحقيقي الذي ينبغي أن يسعى إليه، ذلك المقترن بالتقوى والإحسان وهو آخذ بيد صاحبه إلى النجاة، فيقول( 3 َفرَأْسُ العِلِْم َتقْوى اللهِ حقًَّا وََليْسَ ِبأَنْ يُقالَ َلَقدْ رَأَسْتا (الوافر) إن خير ما يورثه الأب لابنه هو العلم النافع، فالمال والجاه يزولان، أما العلم فبه يكون إمامًا مطاعًا وكلمته مسموعة، وبالعلم تزول الظلمة عن العيون ويهتدي به إلى الطريق الصحيح. ويسترسل في بيان آثار العلم على صاحبه، فبه- أيضًا- يلبس تاجا يُعرف به، ويلبس ثوب الجمال، وهو السيف القاطع الذي يصيب به قلب عدوه، ومن جرب العلم لم يشغله عنه شيء، حتى الفتاة الجميلة في خدرها، ثم يطلب من ابنه أن يعمل بهذا العلم؛ لأن الله سائله يوم القيامة عن هذا العلم، هل عمل به أم ضيّعه؟ ويطلب من ابنه أن يسعى في طلب العلم، ذاك العلم المقترن بتقوى الله - عز وجل-. ونلاحظ من خلال هذه الأبيات التركيز على ضمير المخاطب، لأن النصح يكون موجها من شخص مجرّب في الحياة إلى شخص آخر، فاستعمل "كاف المخاطب وتاء المخاطب" مرة بعد أخرى. 1 ) الخِدر بالكسر ستر يمد للجارية في البيت، وكل ما واراه من بيت ونحوه. ) . - انظر: المعجم الوسيط، مادة :خدر، ص 343 2 ) الربرب: القطيع من بقر الوحش. ) . - انظر: المعجم الوسيط، مادة: دبر، ص 346 . 3 ) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 22 ) 74 وفي نهاية الأبيات ينهي النصيحة بصيغة النهي "فلا تأمن"، وهذا النهي موجه لابنه كي يعمل بعلمه حتى لا يسأله الله يوم القيامة عن علمه وماذا عمل به، وهذا المعنى مستمد من الحديث الشريف لقوله صلى الله عليه وسلم :- " لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن جسمه فيم أبلاه، وعن عمره فيم أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن .( علمه ماذا عمل به"( 1 ثم ينتقل بعد ذلك إلى المقارنة بين الجهل والعلم، وبين المال والعلم، فيقول( 2 وََليْسَ لِجاهِ ٍ ل في النَّا ِ س مَعَْنى وََلوْ مُلْكُ العِراقِ َلهُ َتأَتَّى جَعَلْ َ ت المالَ َفوْ َ ق العِلِْم جَهْ ً لا َلعَمْرُكَ فِي الَقضِيَّةِ ما عَدَلْتا وَبَيَْنهُما ِبَنصِّ الوَحْ ِ ي بَوْنٌ سََتعَْلمُهُ إِذا طه َقرَأْتا وَإِنْ جََلسَ ال َ غنِيُّ على الحَشايا لأَنْ َ ت عَلى ال َ كواكِب َقدْ جََلسْتا (الوافر) هناك فرق عظيم بين الجاهل والعالم، ولو ملك الجاهل العراق بخيراته فالعالم الذي يعمل أفضل منه، ومن يعتبر أن المال مقدم على العلم فهو ليس عاد ً لا في ذلك، فهناك فرق عظيم بينهما، فالإنسان في سورة طه يطلب الزيادة من العلم لقوله سبحانه وتعالى: .( "وَُقل رَّبَّ ِ زدْنِي عِلْمًا"( 3 ويطلب من ابنه ألا يغتر بالغني الذي يجلس على الحشايا والفراش الوثير الفاخر، فأنت بعلمك تجلس على لواء العلم الذي يرفع صاحبه فوق الجميع. 1) الترمذي، سنن الترمذي: الجامع الصحيح، حققه: عبد الرحمن محمد عثمان، دار الفكر للطباعة والنشر – بيروت، ) . 1403 ه – 1983 م، ج 4، ص 36 ، ط 2 . 2) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 22 ) - انظر بهجت، منجد مصطفى: الاتجاه الإسلامي في الشعر الأندلسي في عهدي ملوك الطوائف والمرابطين ، ص .216 . 3 ) سورة طه، الآية 114 ) 75 ويمضي أبو إسحاق الإلبيري في أبياته زاجرا ابنه من التعلق بالدنيا، ويعرض له مشاهد من الدنيا المتقلبة التي لا تقر على قرار، ويدعوه إلى إخلاص النية لله سبحانه، وسؤاله توفيقه سؤالا مخلصا، والتسبيح له وقرع بابه بالإكثار من ذكره( 1)، فيقول في ذلك( 2 َفَليْسَتْ هذِهِ الدُّنيا ِبشيءٍ َتسَوؤُكَ حِقْبَ ً ة وََتسُرُّ وَقْتا وَسَلْ مِنْ رَبِّكَ التَّوفِي َ ق فِيها وَأَخْلِصْ فِي السُّؤا ِ ل إِذا سَأَلْتا ونادِ إِذا سَجَدْ َ ت َلهُ اعْتِرافًا ِبما ناداهُ ُذو النُّو ِ ن بْنُ مَتَّى وَأَكْثِرْ ذِكْرَهُ فِي الأَرْ ِ ض دَأْبًا لُِتذْ َ كرَ فِي السَّماءِ إِذا َذ َ كرَْتا (الوافر) نلاحظ من خلال هذه المقطوعة تأثر الشاعر بالقرآن الكريم، حيث أخذ من ما يعظ به ابنه، ويدعوه للزهد في الدنيا، وألا يترك ذكر الله فيها، وأن يدعو في سجوده دعاء يونس -عليه السلام- حين التقمه الحوت، فلولا أنه كان من المسبّحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون، هكذا يريد من ابنه أن يتسلح بسلاح الإيمان وبإخلاص النية لله سبحانه، فاستخدم النفي والأمر في ذلك، فالدنيا لا تساوي شيئا، ولو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء، ثم أفعال الأمر "سل، ناد، أكثر، أخلص"، وذلك لشدة حرصه على صلاح ابنه من بعده. وليس هناك من شك أن الإلبيري كان شأنه شأن الزهاد والمتصوفين الذين يستعظمون ما أتوه من ذنوب ويجدون أنهم قد أتوا ذنوبًا كثيرة، وإن كانت في الحقيقة قليلة، إذ هي من الأخلاق التي دأبوا على التخلق بها زجرا لأنفسهم من الزلل( 3)، فقد ورد في الحديث الشريف: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على .( أنفه قال به هكذا فطار"( 4 . 1 ) بهجت، منجد مصطفى: الاتجاه الاسلامي في الشعر الأندلسي، ص 216 ) .25- 2 ) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 23 ) . 3 ) بهجت، منجد مصطفى: الاتجاه الإسلامي في الشعر الأندلسي، ص 217 ) . 1416 ه - 1999 م، مؤسسة الرسالة: ج 6، ص 131 ، 4 ) ابن حنبل: مسند الإمام أحمد، ط 1 ) 76 وهو بدافع الحرص يحاول أن يبقي ولده من غير عيب، طاهرا غير مدّنس، ثم يطلب منه أن يكون حذرا من أبناء جنسه، يخالطهم ويزاملهم بحذر، وأن يعرض عنهم إن جهلوا عليه، ولا يقيم على ضيم في بلد، وسيكون بعدها أميرا، لأنه سلم بنفسه، فيقول( 1 َفلا َترْضَ المَعايِبَ فهيَ عارٌ عَظيمٌ يُو ِ ر ُ ث الإِنْسانَ مَقْتا ( وَ َ خفْ أَبْناءَ ِ جنْسِكَ واخْ َ ش مِنْهُم َ كما َتخْ َ شى الضَّراغِمَ والسَّبَنْتى( 2 وَخالِطْهُم وَزَايلْهُم حِذارًا وَ ُ كنْ كالسَّامِريِّ( 3) إِذا َلمَسْتا وَإِنْ جَ ِ هُلوا عَليْكَ َفُقلْ سَلامًا َلعلَّكَ سَوْ َ ف َتسَْلمُ إِنْ َفعَلْتا وَلا َتلْبَثْ ِبحَيٍّ فيهِ ضَيْمٌ يُمي ُ ت الَقلْبَ إِلا إِنْ ُ كِبلْتا (الوافر) لقد تنوع أسلوب أبي إسحاق الإلبيري في هذه المقطوعة، فاستهلها بالنهي من المعايب "فلا ترض المعايب"، ثم الأمر بفعل الأمر "خف"، ولكن هذا الخوف من أبناء جنسه، ثم الفعل "اخش"، فالخشية منهم كالخوف من الأسود والنمور، ثم مخالطتهم والحذر منهم، وأن يكون كسامري بني إسرائيل الذي عوقب بألا يمسه أحد، ثم الصفح عن جاهلهم، وفي الختام ينهي هذه المقطوعة بالنهي عن المكوث بالمكان الذي يشيع بين أهله الظلم، فيخرج إلى أرض السلام، ليسلم فيها بنفسه. وتحمل بعض قصائده روح الوعظ والتحذير والتذكير بما ينتظر المرء من مصير، والدعوة إلى ترويض النفس ومحاسبتها( 4) من مثل قوله( 5 لا َتبْكِ َثوْبَكَ إنْ أَبَْليْ َ ت ِ جدَّته وابكِ الذي أبَْلتِ الأيامُ من بَدَنكْ وَلا تكوَننَّ مُختا ً لا بجدَّتهِ فرُبَّما كانَ هذا الثوبُ مِنْ َ كَفنكْ ولا َتعْفه إذا أبْصَرتهُ دَنِسًا فإنَّما اكْتسبَ الأوسا َ خ مِنْ دَرَنِكْ (البسيط) .29- 1 ) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 28 ) . 2 ) السبنتى: النمر، ابن منظور: لسان العرب، مجلد 6، ص 142 ) 3 ) السامري عظيم في بني إسرائيل وقبل هو منهم وقيل دخل فيهم- دعاهم إلى الضلالة وعبادة العجل، قال الحسن: ) جعل الله عقوبة لسامري ألا يماس الناس ولا يماسوه عقوبة له ولمن كان منه إلى يوم القيامة، وكأن الله عز وجل شدد عليه . المحنة بأن جعله لا يماس أحدا ولا يمكن أن يمسه أحد، انظر الإلبيري:أبو اسحاق، ديوانه، ص 29 . 4) عيسى، فوزي: في الأدب الأندلسي، ص 89 ) . 5) المقري: نفح الطيب، ج 3، ص 225 ) 77 لقد استخدم في هذه الأبيات أسلوب النهي "لا تبك"، "لا تكون"، "لا تعفه"، وذلك ليتلاءم مع التحذير، فهو يطلب من الإنسان أن يبكي على أيامه التي مضت دون عودة، وكل جديد في هذه الدنيا سوف يبلى، فحاسب نفسك أيها الإنسان قبل أن ُتحاسب وزِنّ أعمالك قبل أن توزن عليك. بعد أن عرضنا موضوع الوعظ والنصح عند أبي العتاهية وأبي إسحاق الإلبيري نجد أن أبا العتاهية تعرض للمعاني الآتية: عدم اللعب واللهو في الدنيا لأن الموت يقف للإنسان بالمرصاد، وينكر على الإنسان أن يعمّر في الدنيا ومصير ذلك إلى الخراب، والاستعداد للنجاة من العذاب، والتجرد من الدنيا والعودة منها كما جاء إليها، التفكر ومحاسبة النفس، وتصوير الموت وسكرته والتفاف الساق بالساق، والحذر لأن فيه النجاة من الهلاك. أما المعاني التي تعرض لها أبو إسحاق الإلبيري فهي: الأيام تهدم جسم الإنسان وتفتت قلبه، والتمسك بالعلم وليس أي علم، إنما العلم المقترن بالتقوى، والعلم الذي يعمل به صاحبه، العلم أهم من المال، وعدم التمسك بالدنيا فهي متقلبة وأحزانها أكثر من مسراتها، وتعمير الدنيا بذكر الله وبالدعاء والسجود، الحذر من أبناء جنسه أكثر من الأسود والنمور، وعدم المكوث في بلد يشيع بين أهله الظلم والرحيل إلى بلد أكثر أمنا وسلامة. نلاحظ من خلال هذا العرض تأثر أبي إسحاق الإلبيري بأبي العتاهية، فهناك تشابه في بعض المعاني المطروقة، فنجد مث ً لا الزهد في الدنيا وعدم التمسك بها، والزمن يهلك الإنسان ويقربه من أجله، وعدم تعمير الدنيا؛ لأن مصيرها إلى الخراب، والحذر لأن فيه النجاة والسلامة، وهناك خلاف بسيط بينهما، فأبو العتاهية يرفض التعمير في الدنيا مهما كان نوعه، وأبو إسحاق الإلبيري يطلب تعمير الدنيا بذكر الله والدعاء والصلاة؛ لأن الدنيا مزرعة الآخرة، وأبو العتاهية يدعو إلى التفكر ومحاسبة النفس، وأبو إسحاق الإلبيري يدعو إلى التمسك بالعلم والتفكر في خلق الله؛ لأن العلم الذي يريده هو العلم الشرعي. 78 فالمعاني عند الشاعرين مختارة ومنتقاة ومناسبة للغرض الذي قيلت فيه، ألا وهو الزهد، وهي مؤثرة في نفس قارئها وسامعها، فهي تزلزل القلوب بقوتها وتأثيرها، "لا تأمن الموت في طرف ولا نفس"، "سهام الموت قاصدة"، "تجرّد من الدنيا"، "التفت الساق بالساق"، "وقيل من راق"، "تفت فؤادك"، "تنحت جسمك"، "تدعوك المنون"، "لا ترض المعايب"، "خف أبناء جنسك"، "أخشاهم". أما من ناحية الأسلوب فأسلوب الشاعرين يتناسب مع موضوع النصح والوعظ، لقد تنوع أسلوب الشاعر أبي العتاهية بين الخبري والإنشائي وشمل: الاستفهام" أتلهو"، "أيلهو"، والأمر مثل: "واعلم"، "تجرد من الدنيا"، والنهي مثل: "لا تأمن". والملاحظ أنه أكثر من تكرار كلمة "تعجب" في نصحه ووعظه، فقد تكررت هذه الكلمة أكثر من مرة، فنجد مثلا: "عجبت لذي لعب"، "ومالي لا أعجب"، "يا عجبا للناس"، "يا عجبا كلنا يحين عند الحين".وما ذلك إلا لشدة حرصه على سماع النصائح والمواعظ، ولقد كان في أسلوبه أكثر تقريعا وتخويفا حين يصور سكرة الموت، والتفاف الساق بالساق، ثم يصل به الأمر إلى عدم اللعب واللهو، حتى التجرد من كل شيء في هذه الدنيا. أما الألفاظ فقد جاءت واضحة وسهلة بعيدة عن الغريب، تناسب جميع طبقات الشعب ليفهمها المتعلم وغير المتعلم. وأما أبو إسحاق الإلبيري فقد اقتصر في وعظه ونصحه على القصيدة التي يخاطب بها ابنه معتمدا على الحجج المنطقية والإقناع، فنراه أولا اعتمد الأسلوب الخبري وبجمل فعلية فعلها مضارع ليكون النصح أكثر استمرارا وثبوتا، مثل: "تفت"، "تنحت"، "تدعوك"، "أريد"، وأول نصيحة له كانت هي التمسك بالعلم، وقد عدّد فوائده الكثيرة، وحتى يُقبل ولده على العلم، أخذ يصور له العلم بصور كثيرة، على سبيل المثال: العلم هو العضب المهند، أي السيف القاطع، وأنه فضّل العلم على المال وجاء بالأدلة من القرآن الكريم. 79 والنصيحة الثانية كانت عن معاملته لأبناء جنسه، فهذه المعاملة تبنى على الخوف والحذر والمسامحة وإنكار الظلم، واعتمد في ذلك على أفعال الأمر، وذلك لأن مخالطة الناس تحتاج إلى صبر وتحمل، وحتى تكون حياة ولده سليمة من الأذى والشر. والنصيحة الثالثة هي الزهد في الدنيا، وعدم التمسك بها، والإكثار فيها من ذكر الله والعمل الصالح. لقد اختار أبو إسحاق الإلبيري الكلمات المناسبة المقنعة والأدلة الواضحة مثل: "ذقت من حلواه طعما"، "لم يشغلك عن هوى مطاع"، "فقل سلاما"، "لواء علمك قد جلست"، "لتذكر في السماء". واختيار الشاعر لقافية التاء له دلالة صوتية، فهو صوت مهموس،وكان الشاعر يريد أن يهمس بهذه النصائح في أذن ولده لكي لا تغيب عن ذهنه أبدا، وجاءت الألفاظ سهلة واضحة قريبة من العامة، كما نلحظ أنه يقتبس من القرآن الكريم والقصص الدينية، كقصة السامري. من ذلك نرى أن أبا إسحاق الإلبيري كان في وعظه ونصحه أكثر واقعية من أبي العتاهية. رابعًا: ذم حياة الملوك: إن منبت أبي العتاهية المتواضع، جعله يهاجم الطبقات العليا كالملوك والخلفاء وذوي المكانة والجاه وأصحاب المال، فيقول في ذلك( 1 وَ َ كمْ مِنْ عَظي ِم الشَّأْ ِ ن في َقعْ ِ ر حُفْرَةٍ َتَلحَّ َ ف َفيها ِبالثَّرى وََتسَرْبَلا (الطويل) لقد بدأ أبو العتاهية باستخدام "كم" الخبرية التي تفيد التكثير، أي إن هناك كثيرا من أصحاب الجاه والسلطان، عندما وضعوا في حفرة القبر، لم ينزل معهم من حطام الدنيا شيء، . 1 ) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 305 ) 80 فأصبح التراب هو لباسهم وفراشهم، وهذا المعنى مستمد من قوله تعالى:"وَلقدْ ِ جئْتمُونا .( ُفرادَى َ كمَا َ خَلقْنا ُ كم أَوَّل مَرَّةٍ وََترْكُتم مَّا َ خوَّلْنا ُ كمْ وَرَاءَ ُ ظهو ِ ر ُ كم "( 1 وقد تأثر المعتصم عند سماع شعره فلما أحس بالموت قال لابنه الواثق: ذهب والله أبوك يا هرون، لله در أبي العتاهية حيث يقول( 2 المَوْ ُ ت بَيْنَ ال َ خلْقِ مُشَْتركٌ لا سُوَقةٌ يَبْقى وَلا مَلِكُ (السريع) في هذا البيت جعل المعتصم يشعر بالخوف من الموت لأنه لم يفرق بين الملك وعامة الناس، وأحس المعتصم أن هذا العرش والملك الذي يتربّع عليه سوف يزول. لقد كان أهل عصر أبي العتاهية واثقين من نقمته على الفروق الطبقية والأوضاع الاجتماعية الجائرة، وتلك حقيقة لم يكن يحاول هو نفسه إخفاءها، وكان منظر المواكب الضخمة يؤذيه أشد إيذاء، فلا يملك الصبر على ما يرى، ومن ذلك ما رواه صاحب الأغاني من أن حميد الطوسي مر في موكبه، وبين يديه الفرسان والرجالة، وحميد واضع طرفه على معرفة فرسه، والناس ينظرون إليه ويعجبون منه، وهو يلتفت تيها،فقال أبو العتاهية( 3 لِلْمَوْتِ أَبْناءٌ ِب ِ همْ ما شِئْ َ ت مِنْ صََلفٍ وَتيهِ وَ َ كأنَّنِي ِبالْمَوْتِ َقدْ دَارَتْ رَحاهُ على بَنِيهِ (مجزوء الكامل) . 1 ) سورة الأنعام، الآية 94 ) . 2) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 267 ) . - انظر: الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، ج 3، ص 175 . 3) أبو العتاهية، أشعاره وأخباره، ص 670 ) ، - انظر: الكفراوي، محمد عبد العزيز: تاريخ الشعر العربي في العصرين الأول والثاني من خلافة بني العباس، ج 2 . ص 157 . - انظر: الأصفهاني، أبو فرج: الأغاني، ج 3، ص 173 81 فهو يصور الموت بالرحى إذا دارت لم تفرّق بين أحد إلا من تخطئ فيعمّر ويهرم. وقال أيضا يثبت حقيقة زوال ملك الملوك وكأن هذا المُلك أصبح خيالا( 1 َ كمْ مِنْ مُلوكٍ زَالَ عَنْهُمْ مُلْ ُ كهُمْ َف َ كأَنَّ َذاكَ المُلْكَ كانَ َ خيالا" (الكامل) ويؤيد هذا أيضًا بقوله( 2 وَ َ كمْ مِنْ مُلوكٍ َقدْ رَأَيْنا َتحَصَّنتْ َفعَ ّ طلتِ الأَيَّامُ مِنْها حُصُوَنها (الطويل) فنراه في هذا البيت يستعمل "كم" الخبرية التي تفيد التكثير، فالحصون والقلاع لا تفيد أمام عجلة التاريخ والزمان، فسرعان ما تتعطل هذه الحصون وتصبح أطلالا. أما أبو إسحاق الإلبيري فهو يذم حياة الملوك وما جمعوه من ذهب ومتاع، فإن ذلك مصيره إلى الزوال، وأنهم في حياتهم كانوا كالأسود ولكن الموت جاء فأصابهم بسهمه فأرداهم قتلى فيقول( 3 أَيْنَ المُلوكُ وَأَيْنَ مَا جَمَعوا وَمَا َذ َ خرُوهُ مِنْ َذهَ ِ ب المَتا ِ ع الذاهِ ِ ب كاُنوا ُليو َ ث َ خفِيَّةٍ لكِنَّهُمْ سَ َ كُتوا غِياضَ أَسِنَّةٍ وَقواضِ ِ ب َقصََفتْهُمْ ِ ريحُ الرَّدَى وَرَمَتْهُمْ َ كفُّ المَنو ِ ن ِب ُ كلِّ سَهْ ٍم صائِ ِ ب (الكامل) بدأ أبو إسحاق الإلبيري هذه الأبيات بالاستفهام عن مكان الملوك وما جمعوه في الدنيا من ذهب ومتاع زائل، وصفهم بالأسود التي لا تظهر، ولكن الموت لهم بالمرصاد، فجاءتهم ريح الموت العاتية تقصفهم وتقتلعهم من جذورهم، ثم سدّد عليهم الموت بكفه فأصابهم بسهمه القاتل. لقد امتلأت هذه الأبيات بالصور البلاغية مثل: قصفتهم ريح الردى، رمتهم ك ّ ف المنون، وكان هو السائل و المجيب. 1 ) أبو العتاهية، أشعاره وأخباره، ص 307 ) . 2 ) المصدر نفسه، ص 405 ) . 3 ) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 115 ) 82 ثم ننتقل إلى مقطوعة أخرى فيها مقارنة حياة الملوك في الدنيا وحياتهم في القبر، مخلفين وراءهم كل متع الدنيا، فلا أنيس فيها ولا جلبيس( 1 ( وَمِنْ مَلِكٍ كانَ السُّرورُ مِهادُهُ مَعَ الآنِساتِ ال ُ خرَّدِ ال َ خفِراتِ( 2 َ غدًا لا يُذودُ الدُّودَ عَنْ حَرِّ وَجْ ِ ههِ وكانَ يَذودُ الأُسْدَ في الأجَماتِ وَعوّدَ أُنْسًا مِنْ ظِباءِ كِناسِهِ وآرامِهِ( 3) بالرُّقَّ ِ ش والحَ َ شراتِ وصارَ ِببَطْ ِ ن الأرْ ِ ض يَلَْتحِ ُ ف الثَّرى وَ َ كانَ يَجُرُّ الوَشْيَ والحَبَراتِ (الطويل) فحياة الملوك في الدنيا فرح وسرور مع الفتيات الأبكار الجميلات، أقوياء شجعان يقاومون الأسود، أما اليوم فهم يعيشون مع الدود الذي لا يستطيعون دفعه عن وجوههم وأجسامهم، وأصبح أنيسهم في وحشة القبر الحيات والحشرات، وأصبح فراشهم وغطاؤهم من التراب بعد أن كانوا يجرون وراءهم الثياب المزركشة، هذه حال الملوك ولكن من يعتبر! بعد أن تعرضنا لموضوع ذم حياة الملوك عند أبي العتاهية وأبي إسحاق الإلبيري نجد أن أبا العتاهية تعرض للمعاني الآتية: الملوك وعامة الناس متساوون أمام الموت، مسكن الملوك القبر وفراشهم ولباسهم التراب. وأن ابا إسحاق الإلبيري تعرض للمعاني الآتية: مسكن الملوك القبر ولباسهم وفراشهم التراب، وأنيسهم الحيات الرقش والحشرات، لا يذودون الدود عن أنفسهم. نلاحظ التشابه في المعاني بين أبي العتاهية وأبي إسحاق الإلبيري، وهذا ما يعكس تأثر الإلبيري بأبي العتاهية، لقد كرر أبو العتاهية"كم" الخبرية في أبياته، فنجد مثلا: "كم من عظيم . 1 ) المصدرنفسه، ص 53 ) 2) الخرد:خردت الفتاة: ظلت عذراء. ) . - انظر: المعجم الوسيط، مادة خرد، ص 348 الخفرات: جمع الخفرة: وهي الفتاة التي اشتد حياؤها. . - انظر: المصدر نفسه، مادة خفر، ص 269 3 ) آرام: جمع رئم: وهو الظبي الخاص البياض. ) . - انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة رئم، ص 83 الموضوعالأصلي : التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: satarcette
| |||||||
الثلاثاء 27 أكتوبر - 19:40:30 | المشاركة رقم: | |||||||
مشرف
| موضوع: رد: التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) الشأن"، "كم من ملوك زال"، "كم من ملوك قد رأينا"، وهذا التكرار يدل على كثرة الملوك الذين كانوا يتنعمون في الدنيا، ونسوا ما ينتظرهم في القبر من وحشة وعذاب. لقد نجح أبو العتاهية وأبو إسحاق الإلبيري في قرع أسماع الملوك، بتخويفهم أولا وقبل كل شيء بالموت الذي لا تخطئ سهامه أحدا، فمن ذلك "الموت بين الخلق مشترك"، "وكأني بالموت قد دارت رحاه"، " للموت أبناء"، "قصفتهم ريح الردى"، "رمتهم كف المنون". ثم بعد ذلك عرضا لحياة الملوك في الدنيا وحياتهم في القبور حيث لا أنيس ولا جليس. خامسًا: عواقب الموت: "بعث وحساب وجنة ونار": وقال أبو العتاهية في عواقب الموت موضحا أن موت الإنسان لا يعني راحته من العناء، ولكن ما بعد الموت أشد، فبعد الموت يأتي البعث ثم الحساب، فيقول( 1 َفَلوْ أَنَّا إِذا مِتْنا ُت ِ ركْنا َل َ كانَ المَوْ ُ ت راحَ َ ة ُ كلِّ حيِّ وَلكِنَّا إِذا مِتْنا بُعِثْنا وَُنْسألُ بَعْدَهُ عَنْ ُ كلِّ شيِّ (الوافر) وقال أيضا يذ ّ كر الرشيد بالحساب والبعث لمّا أمر بحبسه والتضييق عليه( 2 أَلا يا أَيُّها المَلِكُ المُرَجّى عََليْهِ َنواهِضُ الدُّنْيا َتحومُ أَقِلْني زَلَّ ً ة َلمْ أَجْ ِ ر مِنْها إِلى َلوٍْم وَمَا مِثْلي مَُلومُ وَ َ خلِّصْني ُت َ خلَّصْ يَوْمَ بَعْثٍ إِذا للنَّا ِ س بُرِّزَتِ الجَحيمُ (الوافر) فهو يطلب من الرشيد أن يخلصه من السجن الذي وضع فيه عسى الله أن يخلصه من العذاب يوم البعث حين يحكم الله بين الناس، فريق في الجنة وفريق في السعير. نجد أبا العتاهية يستهل هذه الأبيات بأداة العرض "ألا" وهو الطلب بلين لا شدّة فيه، ثم تليها أداة النداء"يا"، وفي البيت الثاني جاء الطلب وهو الخلاص من السجن، فبدأ البيت بفعل . 1 ) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 435 ) 2 ) الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، ج 3، ص 161 - الأبيات لم ترد في الديوان. ) 84 الأمر "أقلني"، ثم البيت الثالث بالفعل "خّلصني"، مع أن هذه الأبيات كانت لغرض شخصي هو الخلاص من السجن، إلاأنه استغل هذا الظرف وذ ّ كر الرشيد بالبعث والحساب. قال يذ ّ كر الإنسان بيوم القيامة، وأنه يأتي ربه فردا كما خلقه أول مرة( 1 ما أَقْرَبَ المَوْ َ ت جَدّا أَتاكَ يَشَْتدُّ َ شدّا َتمو ُ ت َفرْدًا وََتأْتي يَوْمَ القِيامَةِ َفرْدا ُ طوبَى لِعَبْدٍ َتقِيٍّ َلمْ يَأْلُ في ال َ خيْ ِ ر جُهْدا (المجتث) في الأبيات السابقة يتعجب أبو العتاهية من قرب الموت للإنسان فهو أقرب للإنسان من شراك نعله، وأن الإنسان يموت وحيدا ويبعث وحيدا، لا ينفعه ماله ولا ولده، فيتبع الإنسان ثلاثة: ماله وولده وعمله، يرجع اثنان، ويبقى واحد، يرجع ماله ولا ولده، ويبقى عمله، في هذا اليوم العصيب لا ينفع الإنسان إلا التقوى، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. ونراه يصور الموت بباب يؤدي إما إلى الجنة وإما إلى النار، فإن عَمِل الإنسانُ بما يرضي الله فهو من أهل الجنة، وإن عمل بما يعصي الله فهو من أهل النار فيقول( 2 المَوْ ُ ت بابٌ وَ ُ كلُّ النَّا ِ س داخُِلهُ َفَليْ َ ت شِعْريَ بَعْدَ البا ِ ب ما الدَّارُ؟ الدَّارُ جَنَّ ُ ة ُ خلْدٍ إِنْ عَمِلْ َ ت ِبما يُرْضي الإلهَ وإِنْ َقصّرْ َ ت فالّنارُ (البسيط) أما أبو إسحاق الإلبيري، فكان يخرج على العرف الشعري المألوف في القافية، ويصنع قصائده على نحو من التسبيحة، فيبني القصيدة جميعها على قافية واحدة لا يغيرها( 3)، وهذا يسمى المزدوج، والقصيدة بناها على لفظ الجلالة، بلغت ثلاثة وخمسين بيتا يقول فيها( 4 يا أَيُّها المُغَْترُّ باللهِ فِرَّ مِنَ اللهِ إلى اللهِ وَُلذْ بهِ واسْأَلْهُ مِنْ َفضْلِهِ َفَقدْ َنجا مَنْ لاَذ ِباللهِ وَصارَ مَنْ يُسْعَدُ فِي جَّنةٍ عالِيةٍ في رَحْمَةِ اللهِ . 1 ) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 125 ) . 2 ) المصدر نفسه، ص 141 ) . 3 ) عباس، إحسان: تاريخ الأدب الأندلسي، عصر الطوائف والمرابطين، ص 137 ) . 4 ) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 65 ) 85 يَسْكُنُ في الفِرْدَو ِ س في ُقبَّةٍ مِنْ ُلؤُْلؤٍ في جِيرَةِ اّللهِ (مجزوء البسيط) فبدأ أبو إسحاق الإلبيري هذه الأبيات بنداء الإنسان المغتر في هذه الدنيا، تعوّذ بالله والجأ إليه واسأله من فضله، فالسعادة هي الفوز بالجنة، وبأعلى مراتب الجنة وهي الفردوس الأعلى، كما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: " عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- قال: الجنة مائة درجة بين كل درجتين مسيرة مائة عام، والفردوس أعلى درجة، ومنها تخرج أنهار الجنة، والعرش من فوقها، وإذا سألتم الله تبارك .( وتعالى فاسألوه الفردوس"( 1 بدأ الأبيات بنداء إلى المغتر "يا أيها المغتر" ثم الأمر "فر"، "لذ"، "اسأله"، وهو بهذا ير ّ غب في الجنة، ويرهّب من النار والعذاب. ونحن عندما نقرأ أو نسمع مثل هذه القصيدة نحس بأن أبا إسحاق الإلبيري كان في حالة انجذاب صوفي نحو الله عز وجل، يكرر اسمه تعالى في نهاية كل بيت وما عليه إذا خالف .( تعاليم العروضيين، إذا أعانته مخالفته هذه على الاستغراق الحبيب إلى نفسه( 2 فتكرار لفظ الجلالة في آخر الأبيات دليل على عظم الموقف، وأن الإنسان يجب أن تكون أعماله كلها خالصة لوجه الله. وفي القصيدة الآتية التي بناها على الترهيب من النار، وكلها تنتهي بلفظ النار، حتى بلغت ثمانية وثلاثين بيتا، يقول( 3 وَيْلٌ لأهْ ِ ل الّنا ِ ر في النَّا ِ ر ما َذا يَُقاسونَ مِنَ النَّا ِ ر ( يَهْوي ِبها الأَشْقى على رَأْسِهِ فالوَيْلُ للأشْقى مِنَ الّنار( 4 . 1)الترمذي، سنن الترمذي، ج 4، ص 675 ) . 2)شلبي، سعد إسماعيل: البيئة الأندلسية وأثرها على لاشعر، عصر ملوك الطوائف، ص 59 ) . 3)الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 90 ) 4)القطر: النحاس الذائب أو ضرب منه. ) . انظر: المعجم الوسيط، مادة قطر، ص 778 86 وَلو ِ جبالُ الأَرْ ِ ض َتهْوي ِبها ذابَتْ َ كَذوْ ِ ب القِطْ ِ ر في النَّا ِ ر يا أَيُّها النَّاسُ ُ خذوا حِذْرَ ُ كم وَحَصِّنوا الجَنَّ َ ة للنَّا ِ ر وَأَكْثِروا مِنْ ذِكْ ِ ر مَوْلا ُ كمُ َفذِكْرُهُ يُنْجي مِنَ النَّار (السريع) نلاحظ في المقطوعة السابقة بأ أبو إسحاق الألبيري بكلمة "ويل" ثم تكررت هذه الكلمة في الشطر الثاني من البيت الثاني "فالويل للأشقى"،فيها وعيد بالهلاك للإنسان الشقي، وهذا المعنى مستمد من القرآن الكريم لقوله سبحانه وتعالى: "لا يَصْلاها إ ّ لا الأَشقى"( 1)، لقد اختار الشاعر الكلمات المناسبة للترهيب والوعيد مثل: "يقاسون"، "ويل"، "ذابت"، "خذوا حذركم"، حصنوا"، "ينجي"، ويظهر التاثر بمعاني القرآن الكريم كذلك في البيت الرابع "خذوا حذركم"، ( أخذت من قوله تعالى: " يَا أَيُّها الذينَ آمنوا ُ خُذوا حِّذرَ ُ كم ".( 2 يصور الشاعر النار وما يقاسيه أهلها من الحر الشديد، فلو جبال الأرض وضعت بها فإنها تذوب كالنحاس، ثم يطلب من الناس أن يحذروا النار، وذلك بتحصين الجنة، وأن يكثروا من ذكر الله فهو الذي ينجي من عذاب النار. فتكرار كلمة النار في كل بيت دليل على عظم الأمر، فليست كنار الدنيا، حرها شديد، وقعرها بعيد، وقودها الناس والحجارة، وهذا التكرار العمودي من شأنه ترسيخ المعنى في ذهن السامع. نلاحظ من الدراسة السابقة أن أبا العتاهية تطرق إلى المعاني الآتية: الموت ليس نهاية الإنسان بل هناك بعث وحساب وعقاب وجنة ونار، والاستعداد للخلاص من يوم البعث والمصير، ويوم القيامة يأتي الإنسان فيه فردا لا ينفعه ماله ولا ولده، بل عمله الصالح، وبالموت ينتقل الإنسان من دار إلى دار، ومصير الإنسان إما الجنة وإما النار. .15 - 1 ) سورة الليل: آية 14 ) . 2 ) سورة النساء: آية: 71 ) 87 وأما الإلبيري فقد تطرق إلى المعاني الآتية: اللجوء والاحتماء، والسؤال لله، والجنة هي دار السعادة لمن فاز برحمة الله، النار مصير العصاة المذنبين ولشدة حرها تذيب الجبال، والحذر من النار والإكثار من ذكر الله فهو الخلاص من النار. وهذه المعاني وردت أيضا عند أبي العتاهية، لهذا السبب نقول: إن أبا العتاهية كان موقفا أكثر من الألبيري. كما نلاحظ تأثر أبي العتاهية بالمعاني القرآنية، فنراه يذكر صفة الخلد، وبرّزت الجحيم، وتموت فردًا، وقد تأثر الإلبيري كذلك بالمعاني القرآنية، فنراه يعرض للجنة ويعرض للنار، فذكر أسماء الجنة ومسكن أصحابها، ثم عرض للنار، وكرر لفظة النار في جميع أبيات القصيدة، ثم الويل والهلاك لأصحاب النار، هذه النار هي مصير الشقي، كما يطلب من الناس الحذر من النار والإكثار من ذكر الله، للخلاص والنجاة من النار. نجد من خلال الأبيات تأثر أبي العتاهية والإلبيري بالقرآن الكريم، وأن معانيه مستمدة من آياته، وقد حفلت الأبيات بتكرار بعض الألفاظ في جميع أبيات القصيدة؛ وذلك ليستحوذ على اهتمام السامع ويجلب انتباهه، والألفاظ سهلة وبسيطة وتتناسب مع الموقف. أما أبو إسحاق الإلبيري فقد استخدم ضمير الغائب مثل "اسأله"، "به"، "بها"، "رأسه"، "فذكره"، "فضله"، لذا فقد كان أبو العتاهية أكثر تأثيرًا في نفوس السامعين؛ لأن حديثه كان بضمير الدال على الجماعة، والخطاب فيه مباشرة في التأثير والتلقي، بخلاف ضميرؤ الغائب الذي يبتعد ولو قليلا عن المباشرة المؤثرة. وقد أكثر أبو إسحاق الإلبيري من استخدام فعل الأمر لحرصه الشديد على نجاة الناس من النار فقال: " فر من الله إلى الله"، "لذ به"، "خذوا حذركم"، "حصنوا الجنة"، أكثروا من ذكر الله"، وأما أبو العتاهية فقد نوّع بين الفعل الماضي والمضارع والأمر، وللتنوع دلالا ت مختلفة في نفس كل من المبدع والمتلقي. أما أبو العتاهية فقد نوع في أسلوبه واستخدم أسلوب النداء " يا أيها الملك "، والأمر " أقلني، خلصني "، والتمني " فليت شعري"، وحاول من خلال أسلوب التذكير بالبعث والحساب استغلال عطف الرشيد ليخلي سبيله من السجن. الموضوعالأصلي : التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: satarcette
| |||||||
الثلاثاء 27 أكتوبر - 19:43:41 | المشاركة رقم: | |||||||
مشرف
| موضوع: رد: التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) لقد خلت ابيات الشاعرين من الصور الفنية؛ وذلك لأنها تتحدث عن مواقف حقيقية مع أنها غيبية، فكانت الألفاظ سهلة وواضحة، ونتج عنها اقتراب الشعر من صورة النثر، كما نلمس في الأبيات صدق الشعور وحرارة الإيمان. سادسًا: الحِ َ كم والأمثال: إذا ما ذكر الزهد ذكرت معه الحكمة التي جاءت في تضاعيف الشعر العربي الغنائي مستقلة حينا وغير مستقلة حينا آخر. وفي هذا الشعر الحكمي يعبر الشاعر عن تجربته الشخصية والاجتماعية أو التاريخية والدينية، وهو شعر يتضمن أسمى القيم التي ترضي العقل والخلق والدين، حيث يقول أبو العتاهية( 1 َ كمْ غافِ ٍ ل عَنْ حِيا ِ ض الموْتِ في َلع ٍ ب يُمْسي ويُصْبِحُ رَ ّ كابًا لِما هَ ِ ويا ( البسيط) شعر تمتزج فيه الحكمة بوجدان الشاعر، وتصدر عنه ليعبر خلالها عن وجهة نظره إلى الموت والحياة والوجود، وقد تكون مجرد خاطرة، وقد تتجاوزها لتكون حكمة بكل ما في الكلمة من معنى؛ لأنها إذ ذاك تهم الإنسان في كل زمان ومكان( 2)، فيقول أبو العتاهية( 3 إذا المَرْءُ َلمْ يَلْبَسْ ثِيابًا مِنَ الّتثقى َتَقلَّبَ عُرْيانًا وَإِنْ كانَ كاسِيا ( الطويل) ومن الشعر المستمد من الواقع، وهو يدخل في صميم الشعر الحكمي ما قاله أبو العتاهية( 4 لا َتسْأَلنَّ المَرْءَ ذا َ ت يَدَيْهِ( 5) َفلْيَحْقِرَنَّكَ مَنْ رَغِبْ َ ت إَِليْهِ . 1) أبو العتاهية، أشعاره وأخباره، ص 433 ) . 200 م،ج 1 ص 9 ، 2) شامي، يحيى: أروع ما قيل في الشعر العربي، دار الفكر العربي - بيروت،ط 1 ) . 3) أبو العتاهية، أشعاره وأخباره، ص 434 ) 4) المبرد، الكامل، ج 3، ص 699 ، والأبيات غير موجودة في الديوان ولا في التكملة. ) 5) ذات يديه: ما في يديه من مال وغيره. ) . انظر: المعجم الوسيط، مادة ذات، ص 331 89 المَرْءُ ما َلمْ َترْزَهُ( 1)َلكَ مُكْ ِ رمٌ فإِذا رَزَأْ َ ت المَرْءَ هُنْ َ ت عََليْهِ (الكامل) فأبو العتاهية يدعو في هذين البيتين إلى الزهد لما في أيدي الناس، انسجامًا مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:" أزهد في الدنيا يحبك الله، وأزهد فيما في أيدي الناس يحبوك". رواه ابن ماجة وغيره بأسانيد حسنة ( 2)، فيبدأ الحكمة بالنهي عما في أيدي الناس من مال ومتاع وإلا فيحتقره الناس، ثم أن يتجنب أن يسبب للناس ما يضرهم؛ لأن ذلك يسبب له الهوان والذل عندهم. ولأبي العتاهية مكانة عالية في الحكم، فهو يعقد جوامع الحكمة في أبيات شعرية جميلة، من ذلك قوله( 3 أَجَلَّكَ َقوْمٌ حِينَ صِرْ َ ت إِلى الغَِنى وَ ُ كلُّ َ غنِيٍّ في العُيو ِ ن جَليلُ وََليْسَ الغَِنى إِلا غَِنىً زَيَّنَ الَفَتى عَشِيَّ َ ة يَقْ ِ ري أَوْ َ غداَة يُنيلُ (الطويل) حكمة جامعة بالغة، فالناس اليوم يجّلون ويحترمون الغنِيَّ مالا، أما الفقير فلا مكانة له ولا احترام، والغنى الذي يزين صاحبه، هو حين يكرم الضيف ويتصدق على الآخرين. ونرى أبا العتاهية يذيع حكمًا وأمثا ً لا كثيرة مقتبسا لها من الآداب الفارسية، ومما يروى عن حكماء العرب مثل لقمان، وأفرد لها قصيدته ذات الأمثال، التي يقال إنها انتدت إلى أربعة آلاف بيت. 1) ترزه: تصيلبه مصيبة. ) انظر: المعجم الوسيط، مادة ترز، ص 365 ، 2 ) ابن ماجة، الحافظ أبو عبد الله بن يزيد القزويني،، حقق وعلق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الريان للتراث،ج 2 ) . ص 1373 2) أبو العتاهية، أخباره وأشعاره، ص 318 ) . وانظر شامي، يحيى: أروع ما قيل في الشعر العربي، 2000 م، دار الفكر العربي-بيروت،ط 1، ج 1، ص 9 90 " وكانت عامة بغداد تتعلق بحكمه ووعظياته وزهدياته، وفي أخباره أن بعض الملاحين غنوا الرشيد في إحدى نزهاته على صفحات دجلة بعظة من عظاته، وفي ذلك ما يدل على ما كان لأشعاره الزاهدة من صدى عميق في نفوس الطبقة العامة التي لم تكن تعرف ترفًا ولا نعيمًا، إنما كانت تعرف الكدح وشظف العيش، وكأنما أحست عنده أنه يتغنى آلامها وبؤسها "( 1)، فيقول( 2 للهِ دُنيْا أُنا ٍ س دائِبينَ َلها َقدِ ارَْتعَوْا فِي ريا ِ ض الغِيّ والفَِت ِ ن َ كسائِماتٍ رَوا ٍ ع َتبَْتغي سِمَنًا وَحَتُْفها َلوْ دَرَتْ في َذلِك السِّمَ ِ ن (البسيط) فهو يحذر الناس من الغرق في الفتن والضلال، فمن يسعى دائبا في ذلك فهو كالأنعام السائمة( 3)، التي ترعى وتريد المزيد وهي لا تدري أن هلاكها وموتها يكمن في السمن، فهؤلاء الذين يريدون المزيد من الضلال والانحراف عن الصواب، وهم لا يدرون أن موتهم وهلاكهم في هذه الطريق التي سلكوها، فهم كالأنعام بل أضل سبي ً لا. هذه الحكمة صورة فنية رائعة، يشبه فيها من يرتعون في الضلال، بالإبل التي ترعى وتبتغي المزيد، ووجه الشبه أن هلاكهم وفناءهم في هذا، ويصور من وقعوا في هذه البساتين كالأنعام والبهائم التي ترتع، فاستخدم الفعل "ارتعوا". " وحِ َ كمه منتزعة من سياق مواعظه، ومما يلفتنا في حكمه العناية المركزة في الكلام عن الصديق، مما يدل على أنه كان يعاني قلة الأصدقاء، ويشتهي توافر الصداقة الحقة فيمن يصادقهم "( 4)، وهو القائل للمعنى الشهير بيننا( 5 . 1 ) ضيف، شوقي: تاريخ الأدب العربي، العصر العباسي الأول، ص 251 ) . 2 ) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 398 ) . - انظر المقدسي، أنيس: أمراء الشعر العربي في العصر العباسي، ص 150 3 ) السائمة: كل إبل أو ماشية ترسل للرعي ولا تعلف. ) . - انظر: المعجم الوسيط، مادة: سام، ص 491 . 4 ) ضيف، شوقي: تاريخ الأدب العربي، العصر العباسي الأول، ص 251 ) . 5 ) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 274 ) . - انظر: المقدسي، أنيس: أمراء الشعر العربي في العصر العباسي، ص 150 91 إِنَّ أَخاكَ الصِّدْ َ ق مَنْ َ كانَ مَعَكْ وَمَنْ ضَرَّ َنفْسَهُ لِيَنَْفعَكْ وَمَنْ إِذا رَيْبُ الزَّما ِ ن صَدَّعَكْ َ شتَّ َ ت فِيهِ َ شمَْلهُ لِيَجْمَعَكْ (الرجز) وقال المسعودي: " ولو لم يكن لأبي العتاهية إلا هذه الأبيات التي أبان فيها صدق الإخاء .(1)" ( ومحض الوفاء لكان مبرزا على غيره ممن كان في عصره( 1 فأبو العتاهية يبين من خلال البتين صفة الصديق الحق، فهو الذي يساعدك دائما، وتجده إلى جانبك وقد تصل به بعض الأحيان أن يضر نفسه لينفع صاحبه، ومن صفاته أنه إذا تعرّض صديقه لمصائب الزمان، وفرّقهم عن بعضهم فإنك تجده يفعل كل شيء ليجتمع به ويبقى قريبا منه. لقد استخدم الشاعر كاف المخاطب ليكون الكلام أبلغ وأكثر تأثيرا في نفس السامع، ومع أن أصدقاء اليوم قلما نجد منهم من يلتزم بهذه الصفات، فهو في هذا المعنى يقترب من المثل الذي يقول:" الصديق وقت الضيق". الناس كلهم وكأنهم في قالب واحد، لا تجد في الدنيا أحدا يمدح غيره، بل جميع الناس :(2) ( يذمون غيرهم، ويمدحون أنفسهم، يقول أبو العتاهية( 2 َفتَّشْ ُ ت ذِي الدُّنْيا َفَليْسَ ِبها أَحَدٌ أَرَاهُ لِآ َ خرَ حامِدْ حَتَّى َ كأَنَّ النَّاسَ ُ كلَّهُمُ َقدْ أَفْر ُ غوا فِي َقال ٍ ب واحِدْ (الكامل) ومما يؤكد الحقيقة السابقة أن الناس كلهم قالب واحد، يرى أن الناس لو جاءهم نبي من الأنبياء عليهم السلام يطلب عونًا ومساعدة، ما قدموا له شيئًا، وإن صاحبك وصديقك هو من لم تطلب منه شيئا فإذا احتجت إليه، فسرعان ما تجده تخلى عنك، وأصبح يتكلم بحقك، فيقول( 3 َلوْ رَأَى النَّاسُ َنِبيًَّا سائِ ً لا ما وَصَُلوهُ . 1)المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج 3، ص 319 ) . 2)أبو العتاهية، أشعاره وأخباره، ص 107 . انظر: الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، ج 3، ص 163 ) . انظر:النويري: نهاية الأرب في فنون الأدب، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، ص 81 . 3)أبو العتاهية، أشعاره وأخباره، ص 423 الموضوعالأصلي : التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: satarcette
| |||||||
الثلاثاء 27 أكتوبر - 19:47:31 | المشاركة رقم: | |||||||
مشرف
| موضوع: رد: التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) أَنْ َ ت مَا اسَْتغَْنيْ َ ت عَنْ صا حِِبكَ الدَّهْرَ أَ ُ خوهُ فِإذا احَْتجْ َ ت إَِليْهِ ساعَ ً ة مَجَّكَ ُفوهُ (مجزوء الرمل) التمس لأخيك عذرًا، فالصديق الحقيقي من يلتمس لأخيه عذرا في حال زلت قدمه، فالإنسان ليس معصوما من الخطأ، وإذا عاتب الإنسان صديقه في كل خطأ، وزلة فإنه يأتي يوم لا يجد فيه صديقا، وأبو العتاهية في الأبيات الآتية يبين صفات الصديق الذي يحبه، فيقول( 1 أُحِبُّ الَفتى يَنْفي الَفواحِ َ ش سَمْعُهُ َ كأَنَّ ِبهِ عَنْ ُ كلِّ فاحِ َ شةٍ وَقْرا سَلِيمَ دَواعي الصَّدْ ِ ر لا باسِطًا يَدًا ولا مانِعًا َ خيْرًا ولا قائِ ً لا هُجْرا إِذا ما بَدَتْ مِنْ صاحِ ٍ ب َلكَ زَلَّةٌ َف ُ كنْ أَنْ َ ت مُحْتا ً لا لِزَلَّتِهِ عُذْرا (الطويل) والشاعر يبين في هذه الأبيات صفات الإنسان الذي يحبه، فهو من لا يسمع إلا الخير، لأن الله سبحانه وتعالى سيحاسبه عن سمعه وعن بصره، ثم إنه يتمتع بقلب سليم من الضغائن والأحقاد، ليس مبذرًا ولا بخي ً لا، ولا يدعو إلى قطيعة، وأخيرًا هو من يلتمس لأخيه عذرًا عن زلته. نجد أن الشاعر تأثر بالمعاني القرآنية في هذه الأبيات مثل "نفي الفواحش، وقرًا، سليم دواعي الصدر، لا باسطا يدا، ولا مانعا خيرا"، وكلمة "وقر" استخدمت في القرآن الكريم لعدم سماع الحق والخير، إلا أن الشاعر استخدمها في موضع الخير أي عدم سماع المنكر. ومهّد الشاعر الكلام بالفعل المضارع "أحب" ليدل على الثبوت والاستمرار بحب الفتى الذي يتصف بالصفات المذكورة، ثم في البيت الأخير وجّه الخطاب لإنسان يخاطبه، فاستخدم ضمير المخاطب ثم أكد في شطر البيت الثاني بالضمير المنفصل "أنت"، فلم يقل "فكن محتالا لزلته" بل قال: "فكن أنت محتالا لزلته"، للتاكيد على حقيقة التماس العذر للصاحب والصديق. " أما بالنسبة للأمثال، فعندما يطالع القارئ شعر أبي العتاهية فإنه يجد نفسه أمام إنسان شاعر يعيش عصره، ويعرف ما يدور فيه، فينقل ذلك شعرا مؤثرا في النفوس، لا يلبث عند . 1) أبو العتاهية، أشعاره وأخباره، ص 159 ) 93 فهمه لشعر أبي العتاهية إلا أن يقر بزهده وحكمته، ويبعده عن مواطن الريب، ويعترف بسعة اطلاعه وقوة شاعريته، فهو في قصيدته ذات الأمثال، يودع فيها كل المعاني الشعرية المؤثرة في النفس الإنسانية، والتي ترد العصاة والغواة عن طريق الغي والضلال إلى طريق الهداية، أضف إلى ذلك، إنها قصيدة تعليمية ترسم دستورًا للعلاقات بين الناس، وبينهم وبين خالقهم، وتبين طرق الخير الموصلة إلى الجنة، إلى جانب الكثير من المعاملات المستمدة من المعاني الكريمة، والقصيدة طويلة تبلغ ثمانية وأربعين بيتًا "( 1)، ومطلعها( 2 حَسْبُكَ مِمّا َتبَْتغيهِ القو ُ ت ما أَكَْثرَ القو َ ت لِمَنْ يمو ُ ت (الرجز) ذكر يوما شعر أبي العاتاهية بحضرة الجاحظ، إلى أن جرى ذكر أرجوزته المزدوجة ( التي سماها "ذات الأمثال" فأخذ بعض من حضر ينشدها حتى أتى على قوله 3 يا لِلشَّبا ِ ب المَ ِ ر ِ ح التَّصابي رَوائِحُ الجَنَّةِ في الشَّبا ِ ب (الرجز) فقال الجاحظ للمنشد:" قف، ثم قال: انظروا إلى قوله: روائح الجنة في الشباب، فإن هذا له معنى كمعنى الطرب الذي لا يقدر على معرفته إلا القلوب وتعجز عن ترجمته الألسنة إلا بعد ،( التطويل وإدامة التفكير، وخير المعاني ما كان القلب إلى قبوله أسرع من اللسان إلى وصفه" ( 1 وهذه الأرجوزة من بدائع أبي العتاهية، ويقال إن فيها أربعة آلاف مثل، منها قوله( 2 لِ ُ كلِّ ما يُؤْذِي وَإِنْ َقلَّ أََلمْ ما أَطْوَلَ اللَّيلَ عَلى مَنْ َلمْ يََنمْ (الرجز) ( إِنَّ الشَّبابَ والَفرا َ غ وال ِ جدَهْ مَفْسَدَةٌ للمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدهْ( 3 ما زَاَلتِ الدُّنْيا َلنا دارَ أَذى مَمْزوجَ َ ة الصَّفْ ِ و بأَلوْا ِ ن الَقَذى (الرجز) لقد أودع أبو العتاهية قصيدته ذات الأمثال معاني وأهدافًا نبيلة، صدرت عن إنسان مجرب وا ٍ ع لما يدور في العصر العباسي من خير وشر، وخالط أراذل الناس وعلية القوم، فمثل هذه الأبيات مشعل من مشاعل الشعر العربي، التي يمكن الاستدلال بها في ظلمات العيش، . 1 ) نوفل، محمد محمود قاسم: المختار من الشعر والشعراء في العصرالعباسي، ص 182 ) . 2 ) أبو العتاهية: أشعاره وأخباره، ص 446 ) . - انظر: الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج 10 ، ص 196 . 3 ) أبو العتاهية، أشعاره وأخباره، ص 448 ) 94 المعاملات مع النفس الإنسانية والناس عامة، ولم تكن لتصدر عن أبي العتاهية لولا خبرته في وكثرة مخالطته للناس، ومعرفة ما يدور بينهم، فهو قد جمع من عادات الناس وتصرفاتهم مع بعضهم بعض مادة أدبية، صاغها شعرا حالما، ذا رنة موسيقية لها علوق بالنفس، كما يمكن الاستشهاد بها فيما يناسبها واستعمالها مثلا يعين على الثبوت في عمل معين، أو تعين في .( الابتعاد عن شيء فيه ضر وبلاء( 1 وقوله( 2 َلنْ ُتصْلِحَ النَّاسَ وَأَنْ َ ت فاسِدُ هَيْها َ ت ما أَبْعَدَ ما ُتكاِبدْ (الرجز) وهو معنى في غاية الجمال يريد بذلك أن المجتمع لا يصلح ما لم يصلح كل فرد ذاته، فهو ينفي نفيا قاطعا صلاح الناس إذا لم يبدأ الإنسان بصلاح نفسه، ثم بعد ذلك يدعو غيره .( مصداقا لقوله تعالى: " أَتأْمُرونَ النَّاسَ بالبِرَّ وََتنْسَوْنَ أَنُْفس ُ كمْ وَأَنُْتمْ تَتُْلونَ الِكتَابَ أَفلا تَعْقُِلونَ"( 3 ومن أجمل معانيه قوله( 4 يُوسِّعُ الضِّي َ ق الرِّضا بالضِّيقِ وإِنَّما الرُّشْدُ مِنَ التَّوْفيقِ (الرجز) فالإنسان العاقل هو الذي يرضى بالقليل وبما قسمه الله له من الرزق. وقال أبو العتاهية( 5 وََلمْ أَر ما يَدومُ َلهُ اجْتِماعٌ سَيَفَْت ِ ر ُ ق اجْتِماعُ الَفرَْقدْي ِ ن (الوافر) . 1 ) نوفل، محمد محمود قاسم: المختار من الشعر والشعراء في العصرالعباسي، ص 182 ) . 2 ) أبو العتاهية، أشعاره وأخباره، ص 446 ) . 3 ) سورة البقرة، الآية 44 ) . 4 ) أبو العتاهية، أشعاره وأخباره، ص 447 ) . 5 ) الصدر السابق نفسه، ص 659 ) . أنظر: المبرد، الكامل، مجلد 3، ص 1444 95 وهو مثل يضرب لأي اجتماع، فلا بد مصيره الافتراق، مهما طال الزمن كاجتماع نجمي الفرقدين في السماء، فهما سيفترقان بالرغم من اجتماعهما. لقد تطرق أبو العتاهية في حكمه وأمثاله إلى المعاني الآتية: الزهد لما في أيدي الناس كي تحبه الناس، والناس تجل وتحترم الغني في ماله ولكن الغنى الحقيقي هو غنى النفس والكرم، والمتكالبون على الدنيا والمهتمون بها كالإبل السائمة التي ليس لها همّ سوى الشبع، الصديق الوفي المخلص هو الذي يضحي بنفسه من أجل صديقه، الناس كلهم في قالب واحد، الناس أصدقاؤك ما دمت لم تطلب منهم مساعدة وهم بخلاء حتى على الفقراء، والإنسان المحبوب هو الذي يبتعد عن الفواحش والمنكرات، وقلبه سليم من الحقد والضغينة، ومن يلتمس لأخيه عذرا، ومن الأمثال ما يوضح المعاني الآتية: يكفي الإنسان من هذه الدنيا هو الحصول على القوت، الأذى مهما قلّ فهو مؤلم كالليل يشعر صاحبه بطوله؛ لأنه لم يذق طعم النوم، ليس الإفساد كالإصلاح، وإن المزاح قد يجر إلى الفساد فهو شر ومكروه، القوة والفراغ والغنى تلك هي أمور تدعو إلى فساد الإنسان، الدنيا لا تدوم على حال، فلا سرور دائم ولا حزن دائم، وحتى سرورها ففيه نوع من الألم، الإصلاح يبدأ بالنفس ثم الآخرين، الإنسان الذي يرضى بالقليل فإنه يحس بالمتعة والراحة، كل اجتماع مصيره الافتراق مهما طال الزمن. وحكم أبي إسحاق الإلبيري، فلم تكن مستقلة بغرض عن غيرها وإنما نلحظها في ( أشعاره، يقول الإلبيري 1 َفرَأْسُ العِلِْم َتقْوى اللهِ حَّقًا وََليْسَ ِبأَنْ يُقالَ َلَقدْ رَأَسْتا (الوافر) ففي هذا البيت يبين أبو إسحاق الإلبيري أهمية العلم الشرعي، فهو العلم الرئيس حقًا، وليس العلم هو الحصول على الشهادة والمنصب، وليُقال بأن فلانًا عالم، فهذا ليس له من علمه إلا السمعة والرياء. . 1 ) الإلبيري، أبو إسحاق: ديوانه، ص 22 ) 96 هذه حكمة صدرت عن شاعر حكيم، قرنت العلم بإخلاص النية - لله سبحانه- لا للحصول على الألقاب والمراكز، فقد استخدم الإلبيري الأسلوب الخبري التقريري ليقرر هذه الحقيقة العظيمة. ويقول أبو إسحاق الإلبيري محذرًا الإنسان من قبول المعايب والمخازي؛ لأنها عار ( عظيم عليه، ولا يجني منها إلا المقت والعذاب 1 َفلا َترْضَ المَعايِبَ َفهيَ عارٌ عَظيمٌ يو ِ ر ُ ث الإِنْسانَ مَقْتا (الوافر) نجد الشاعر في هذا البيت قد استخدم أسلوب النهي، ينهى عن أمر عظيم وخطير، وهو عدم الرضى أو القبول بالمعايب، ووضع النتائج التي تترتب على القبول بهذه المعايب، وأشد هذه النتائج أنها عار على صاحبها لا يفارقه طول حياته، ثم إنها تسبب الهمّ والمقت له في حياته. إن التجارب التي مرّ بها الإلبيري صقلت حياته، وجعلته يخاف من أبناء جنسه كما ( يخاف الأسود والنمور، فنراه يقول: ( 2 وَ َ خفْ أَبْناءَ ِ جنْسِكَ واخْ َ ش مِنْهُمْ َ كما َتخْ َ ش الضّراغِمَ والسَّبَنْتى (الوافر) إنه بدأ هذه الحكمة بفعل الأمر "خف"، ولكن هذا الخوف ليس من الأعداء ولا من الحيوانات المفترسة، إنما هو من أبناء جنسه، الذين يخالطهم ويعيش معهم، ولكنه عاد وكرّر هذا الخوف بفعل الأمر "اخش" وما ذلك إلا للتأكيد على هذا الأمر لخطورته. فالشاعر الفقيه الإلبيري لم ينفك في شعره وحِكمه متأثرًا بالقرآن الكريم، فهو يدعو الغنسان إلى التوبة الصادقة، التي يمحو بها ذنوبه كما يمحو سجود السهو غفلة من سها في ( صلاته، فيقول 3 . 1 ) المصدر نفسه، ص 28 ) . 2) المصدر نفسه، ص 29 ) . 3) المصدر نفسه، ص 49 ) 97 إِنَّ الذُّنوبَ ِبَتوْبَةٍ ُتمْحَى َ كما يَمْحُو سُجودُ السَّهْ ِ و َ غفَْل َ ة مَنْ سَها (الكامل) التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإن باب التوبة مفتوح حتى قيام الساعة، فالشاعر يدعو في هذه الحكمة إلى الإسراع في التوبة، ففيها تزول الذنوب عن ابن آدم، ويؤكد ذلك باستخدام "إنّ"، كما انه ذهب إلى أكثر من ذلك، إلى تشبيه هذه الحالة بسجود السهود الذي يمحو غفلة المصلي "تشبيه تمثيلي"، وهذه رحمة من الله سبحانه بعباده. ويقول أبو إسحاق الإلبيري محذرًا من النفس الامارة، وموضحًا هوان الدنيا على ( الإنسان العاقل 1 مَا أَميلَ النَّفْسَ إِلى البَاطِل وَأَهْونَ الدُّنيا عَلى العاقِل (السريع) لقد بدأ البيت بأسلوب التعجب من حرص النفس على الميل إلى الباطل، ثم تعجب كذلك من هوان الدنيا على الإنسان العاقل الذي يعرف بعقله أنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وأنها لهوانها ودناءتها سميت بالدنيا، فهو كرّر أسلوب التعجب في هذه الحكمة من هذين الأمرين الباطل والدنيا. بعد أن عرضنا لموضوع الحكمة عند أبي إسحاق الإلبيري نجده قد تطرق إلى المعاني الآتية: العلم الحقيقي: هو العلم المقرون بإخلاص النية لله سبحانه، وليس من أجل الشهادة والألقاب، وتجنب المعايب والمخازي؛ لأنها تسبب الهمّ والمقت لصاحبها، والخوف الشديد والحذر من بعض الناس الذين تخالطهم، والمسارعة إلى التوبة من الذنوب قبل فوات الأوان، والتحذير من النفس الأمارة بالسوء، والشيب أكبر نذير للإنسان، وعدم الثقة بالغنى لأن صروف الدهر متقلبة ومتغيرة. الموضوعالأصلي : التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: satarcette
| |||||||
الأحد 8 أكتوبر - 15:31:37 | المشاركة رقم: | |||||||
Admin
| موضوع: رد: التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) الموضوعالأصلي : التجربة الزهدية بين أبي العتاهية (دراسة موازنة) // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: berber
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |