تطور المقاومة الأمازيغية بقيادة يوغرطة:تطور المقاومة الأمازيغية بقيادة يوغرطة:
بادرت الحكومة الرومانية منذ نزول قواتها على أراضي تمازغا وبعد وفاة الملك ماسينيسا إلى تقسيم شمال إفريقية إداريا إلى ثلاث مناطق رئيسية، وهي: أفريكا اللاتينية ويقصد بها تونس وكانت خاضعة كليا لقبضة الرومان، ونوميديا وتمتد من التراب التونسي إلى العاصمة الأمازيغية سيرتا ( قسنطينة)، وتنقسم هذه المملكة الجزائرية إلى قسمين: القسم الأول كان تحت نفوذ مسبسا ابن ماسينيسا(146-118 ق.م)، والقسم الآخر كان تحت تصرف يوغرطة. أما موريطانيا Maurétanie فقد وضعوها تحت تصرف القائد البربري بوكوس Boccus. ولقد اختار الرومان لمراقبة هذه الممالك الأمازيغية عاصمة في تونس تكون بديلا لقرطاجنة سموها بـــ "جنونيا".
ومن جهة أخرى، شرع الرومان في بناء سد أمني يسمى خط الليمس Limes وهو عبارة عن حصون وقلاع وخنادق ومراكز المراقبة للسيطرة على إفريقيا الشمالية والتحكم في مواردها الاقتصادية، وهذا الخط يمتد طولا بين الساحل المتوسطي وحدود التراب الصحراوي جنوبا. أما عرضا فيمتد الخط من طرابلس مرورا بالبحيرات التونسية وجبال الأوراس، فيمر ببسكرة جنوبا ، ثم يجتاز قرية بوسعادة حتى نهر وادي شلف . وبعد ذلك يقطع تاخمارت والزفيزف وتلمسان ومغنية. ويعبر هذا الخط الفاصل الحدودي المغرب مرورا بتازة ومنعرجا بمدينتي وليلي وطنجة حتى يصل إلى جنوب الرباط.4
بيد أن الأمازيغ لم يرضوا بالحكم الروماني في إفريقيا الشمالية ولم يقبلوا بتدخلاته في نوميديا وموريطانيا، ولم يرضوا كذلك بخط الليمس الذي اعتبروه خطا استعماريا عنصريا يراد منه طرد الأمازيغيين من أراضيهم الخصبة وتحويلهم إلى شعب ذليل وفقير من الدرجة الدنيا. هذا ما دفع يوغرطة ليجمع الأمازيغ ويوحدهم في مملكة واحدة بعد أن اغتال أبناء عمه ماسينيسا "أذربعل" و"هيمسعال" ليسيطر على حكمهما، وۥخضع مملكة نوميديا ليسيرها بنفسه. وبالتالي، اتخذ يوغرطة سيرتا ( قسنطينة) المدينة الجبلية الواقعة في جبال الأوراس عاصمته منذ سنة 104 ق.م، واستطاع أن ينظم الجيش ويقسمه إلى مشاة وفرسان ، وأن يدربه على أحدث الطرق العسكرية لمجابهة الاحتلال الروماني. وقد كان الجيش الأمازيغي كله تحت تصرف القائد يوغرطة الذي ضرب به الجيش الروماني مرات عدية، فانتصر عليه في عدة معارك وخاصة معركة سوتول قرب گالمة بالجزائر. وكانت الحروب التي خاضها يوغرطة ضد الرومان تسمى عند المؤرخ اللاتيني سالوست بـــ"حروب يوغرطة" التي وقعت بين 111 و105 ق.م.
هذا، وقد حقق يوغرطة انتصارا حاسما على ألبيونس سنة 110ق، وكان لهذه الهزيمة " وقع شديد في روما حيث ساد السخط والتذمر أوساط الشعب بقيادة زعمائه وخطبائه الشعبيين، الذين طالبوا بخوض حرب لاهوادة فيها ضد الملك النوميدي لرد الاعتبار والثأر للكرامة الرومانية. مما يبدو معه مدى انعكاس تناقضات المجتمع الروماني على سير الأحداث في شمال إفريقيا، فحرب نوميديا كانت ميدانا للحسم في الصراعات الاجتماعية السياسية بين الطبقات الرومانية.