فن التعبير الكتابي
فن التعبير الكتابي أولاً:بين التعبير والإنشاء:
التعبير لغة: الإبانة بالكلام أو الكتابة فالتعبير في هذا المستوى يعني الكلام الذي يدل على المعاني المختزنة في النفس الإنسانية يقال :زيد حسن العبارة ؛أي :البيان ،وعبر زيد
عما في نفسه أي: أعرب وبين عن طريق اللغة التي منطوقها الكلام.
أما الإنشاء في اللغة: فهو إنشاء الشيء أي: إيجاده وإحداثه، وإن شاء الله: ابتداء خلقه، وانشأ زيد داراً:بناها.
والإنشاء عند أهل الأدب: فن ٌيُعلم به جميع المعاني ، والتأليف بينهما وتنسيقها ،ثم التعبير عنها بعباراتٍ أدبية .
فالتعبير والإنشاء :مصطلحان متفقان في المعنى الذي يشكل (تأليف الكلام والتعبير عنه ،ولكن دلالة الكلمتين تظهر لنا أن التعبير هو المظهر العفوي للغة ،في حين أن الإنشاء المظهر الاصطناعي ،وقد لا حظنا ابيضا،أن التعبير أوسع من الإنشاء ،إذ انه يشمل مجالات الحياة كلها لأنه مرآة في كل مكان :في البيت ،والشارع ،والمدرسة ، والطبيعة ).
- اقتباس :
ثانياً: أنواع التعبير:
إذا كان التعبير شفهيا فهو لغة الحديث ،وان كان تحريرياً فهو لغة الكتابة .وسواء أكان التعبير شفهياً أو تحريرياً،يقصد به قدرة الإنسان على أن يفصح عما تختزنه نفسه من مشاعر وأحاسيس ،في طلاقة وانسياب ٍ،أو بعمد إلى نقل هذا المخزون إلى الورق ،عن طريق الكتابة التي لا بد وان تتميز بالقوة والجزالة والوضوح .
أنواع التعبير: ثلاثةٌ:
1-التعبير الوظيفي:
أساسه الواقع الذي يشكل الحياة ،ويمنح من حياته صوراًتساعده على التعبير ،ويكون شفهياًوتحريرياً، يؤدي خدمةً للإنسان في مجتمعه،ويكون على صورة:تعليمات، توجيهات، تقارير، ارشادات، ملاحظات، اعلانات، بطاقة دعوة، اعتذار، برقيات، رسائل.
وهذا النوع من التعبير هام جداً للمعلم في إعداد الطالب ،من خلال تواصله التربوي من خلال الحوار والسؤال والجواب وسرد الحقائق .
2- التعبير الإبداعي:
الغرض منه التعبير عن الذات، ووسائله: قصة، مقالة، خاطرة ، مسرحية ، رسائل وجدانية ، مذكرات شخصية، الشعر الوجداني).
وهذا النوع من التعبير يعتمد على الخيال ،والصور الفنية المتكاملة البناء ،شكلاً ومضموناً،فهو يحمل صفة الابتكار والخلق ،ويكون شفهيا وكتابيا، يعمل على تغذية الروح، والارتقاء بالمشاعر ،وينمي الذوق ويرتقي به .
3- التعبير الأدبي :
ويحمل مجموعة مستويات تتضمن الشرح الأدبي ،أو التحليلي ،فيظهر خصائص النص وميزاته ،كما يتناول الحديث فيه عن العاطفة ،والصور والأسلوب اللفظي ،أو التحليل الأدبي والنقدي.
- اقتباس :
ثالثاً:خصائص التعبير
1- التعبير هو البيان:
والبيان كما يقول الجاحظ:اسم ٌ لكل شيءٍ كشف لك قناع المعنى ، الغاية منه : الفهم والإفهام ،وبأي شيءٍ بلغت الإفهام وأوضحت ،فذلك البيان .
2- رُكنا التعبير:
المعنى المختزن في الذهن والنفس ،والكشف عن هذه المعاني وإظهارها للناس ،يشكل أسلوب التعبير (وعلى قدر وضوح التعبير ودلالته ،يكون إظهار المعنى الخفي في النفس هو البيان .)
3- المعاني مستمرة متجددة:
أما اللغة فهي محددة كما يرى الجاحظ،ولذلك عليها أن تتطور ،حتى تكون قادرة على استيعاب منجزات العصر المختلفة .
4- الصوت والإشارة أداتا التعبير:
فالصوت أداة اللفظ من خلال تقطيع الحروف ثم الكلمات ،والإشارة باليد (وحُسن الإشارة باليد والرأس من تمام حُسن البيان ).
5- التعبير الشفهي والكتابي (القلم احد اللسانين ):
وقديماً قالوا :القلمُ أبقى أثرأً واللسان أكثر هدراً.
6- شروط اللفظ:
يجب ألا يكون سوقياً أو وحشياً ،ولا تلغرفياً مباشراً، أو مرموزاً مبهماً،لذلك فأن اللفظ الجميل المقنع ،ما كان ملائماً لمقتضى الحال ، وقديماً قالت العرب :لكلً مقاتم ٍ مقال .
7- العرب والبيان:
اشتهر العرب على مرِّ العصور بالَبَداهيّة والارتجال ،حيث كانوا أميين لا يكتبون ،ومع ذلك فإنهم مطبوعون ، لا يتكلفون ،وهذا ما يؤكد على أن الارتجال الشفهي هو أصل التعبير.
8- سوء الفهم والإفهام:
بين طرفي الكلام :المتكلم والمتلقي .
9- الإيجاز والإطناب:
حيث أن مفهوم البلاغة :الإيجاز من غير ملل.
10- الدربة والتعلم:
بالتدريب والممارسة والاطلاع والمثاقفة يجود ُ اللفظ ويتسع المضمون .
11- من أهم الشروط الصوتية للتعبير الشفهي:
الصوت القوي ،وسرعة الوصول إلى الهدف الأساسي من التعبير مع العناية بالأسلوب المؤثر، القادر على أن يُبقي المستمعين حوله حتُى آخر كلمة ينطقها .
12- الإيجاز والوضوح :
فأحسن الكلام ما كان قليله يغُني عن كثبره ،يقول الجاحظ:
إن المعنى الشريف ،واللفظ البليغ ،يصنع في القلوب الغيث في التربة الكريمة .
13-اللحن في الكلام:
على المعبًر ألا يقع في مطبِ اللحن في حديثه ، فيرفع ما حقِه النصب ،وينصب ما حقِه الجر يقول عبد الملك بن مروان :اللحن أقبح من آثار الجدري في الوجه .
14- الصدق في القول ,والنقل والتعبير ، وعدم التكلُف أو التصنع:
لأن الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب ، وإذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان.
- اقتباس :
رابعاً: مراحل كتابة الموضوع
لغات التعبير هي الأدوات التي يستعملها الكاتب للتعبير عن أفكاره، وهي كثيرة موزعة على مختلف الفنون الجميلة بدءاً من صراع الطفل، وانتهاءً بالكلمة المنطوقة أو المكتوبة ،وهذا ما يسمى بالأسلوب المعتمد أصلاً على لغة الكتابة ،التي تضفي على النص هندسة جميلة ،وتجعل منه شكلاً مقبولاً .
لذلك كان لا بد لأيّ موضوع ٍمن مراحل مترابطة، تبدأ بالتفكير المتأني، ثم البحث عما يناسب الفكرة ،من عبارات واضحة سليمة ،وشواهد شعرية أو نثرية مناسبة وهذه المراحل هي :
1- مرحلة الاستعداد :
وهي معرفة حدود الموضوع وأبعاده بشكلٍ ذهني ،فيجمع العقل مدارات الموضوع وأبعاده ومنطلقاته ومنعطفا ته وفقراته. فهو مخطط ذهني كامل للموضوع ،يرتسم في العقل قبل أن ينصب على الورق.مما يساعد الكاتب على تهيئة مثل هذا المخطط الذهني كتابة اكبر عدد من الموضوعات المختلفة ،والقصص المتنوعة ،والأشعار العذبة ،وان يحفظ منها ما يراه مناسباً، بحيث يمكن استخدامه استخداماً صحيحاً وموظفاً .
2- مرحلة التمرين على الكتابة:
تبدأ هذه المرحلة في الصف ِ وتنتهي في البيت ..... في الصف لا بد من الانتباه إلى ما يقوله المدرس من شرح وتبسيط وتعليق على الموضوع ،ففي ذلك محاولة أُولى لتجميع أبعاد الموضوع من فم الدرس في الصف ،ويمكن في هذه المرحلة أن تكون الصياغة على شكل قصةٍ بسردها المدرس على طلابه بشرط أن تتضمن أكبر قدر ممكن من عناصر التشريق والإثارة التي تشدو الطلاب وتجلب انتباههم .
3- الحرية في الكتابة :
على المدرس أن يشارك طلابه في استنتاج واستخلاص عناصر الموضوع، ثم يترك لهم حرية الكتابة ،دون أن يمارس عليهم أي ضغط لإتباع أسلوب ما يميل المدرس إليه،ويحبذه شخصياً حتى يتحول إلى مرشد ،يقود طلابه غالى الموضوع .
إن إعطاء الحرية للطالب في اختيار الأسلوب وطريقة التعبير،التي لا تخرج عن حدود الموضوع ، تكسبه الثقة بالنفس ،وتعطيه قدرة اكبر على الممارسة العقلية ،والمحاكمة الذهنية ، لكتابة ما يراه صائبا ومناسبا وموافقا لروح النص .
- اقتباس :
خامساً: طرق كتابة الموضوع
غالباً ما تكون معرفـة البدايـة في كتابة الموضوع , العائق الأول أمام الطالب , فيضيع في زحمة كلمات النص , و تتشتت أفكاره لعد قدرته على تحديد أبعاد النص , و حصر أفكاره ضمن منطلقات هذه الأبعاد و حدودها ,فيمضي الوقت دون أن يعرف كيف يبدأ موضوعه , فكلما كتب سطراً حذفه و كلما حبر ورقة مزقها , دون أن يتمكن من التغلب على هذه العقبة .
و بما أن الوقت لا يكون في معظم الأحيان ملك الطالب خلال الامتحان , وجدت أن أضع بين يدي طلابنا الأعزاء مجموعة من الطرق المختلفة التي تسهل عملية البدء في كتابة الموضوع على أمل أن تساعده في التغلب على هذه العقبة . و هذه الطرق هي بمثابة مراحل بسيطة و سهلة تساعد الطالب على الكتابة دون خوف أو اضطراب و ما عليه سوى اعتماد ما يناسبه منها .
الطريقة الأولـى :
تكون بشرح فكرة الموضوع شرحاً كافياً بأسلوب مترابط جذاب , فإذا كان لدينا البيت التالي :
و من يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
موضوعاً مطالبين بشرحه و كتابته , فإننا نبدأ كتابته على الشكل
التالي :
الحيـاة .... خضم واسع , تتصارع أمواج البشر الراغبة في المجد الآملة بالخلود , و ما المجد إلا ذلك الجبل الشامخ الذي ترنو إليه الأنظار .
و القمم مسارح النسور , و ملاعب الأطفال , و لن يقوى على الوصول إليها غير العصامي القوي , و قد ألقى جسده تأكله أشواك الطريق الممتدة ما بين أحلامه و قمم الخلود .
الطريقـة الثانيـة :
و تكون بافتتاح الموضوع , بقول مشابه لنص الموضوع المعطى , لا فرق في أن يكون ( آية كريمة , أو حديثاً شريفاً أو قولاً مأثوراً أو بيتاً من الشعر ) فلو كان لدينا الموضوع التالي :
لولا التعاون بين الناس ما شرفت نفـس و لا ازدهرت أرض بعمران
فإننا نقول في بدايته : قال اللـه تعالـى في كتابه الكريم : ( و تعاونوا على البر و التقوى ) و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (( إن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ))كل القيم السماوية و شرائع الأرض أمرت بالتعاون و حضت عليه , و الأمة التي يتعاون أفرادها فيما بينهم هي الأمة المنتصرة دائماً .
الطريقة الثالثـة :
و تكون بأن يبدأ الطالب موضوعه بقصة مناسبة للموضوع أو بحوار يكون معناه موافقاً النص الأصلي , فلو كان لدينا الموضوع التالي :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( لأن يأخذ أحدكم حبلة فيأتي بحزمة من حطب فيبيعها فيكف بها الله وجهه , خير من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه ))
فيمكننا أن نبدأ الموضوع على الشكل التالي :
يحكى أن حداداً صنع سكتين للحراثة في وقت واحد ثم علقهما على الجدار , و بعد مـدة قدم فلاح و اشترى إحدى السكتين و خرج بهـا إلى الحقل تشـق الأرض تقلب سافلها عاليها و بعد أن انتهى موسم الحراثة اضطر صاحبها أن يبيعها , فحملها ألى الحداد الذي صنعها أول مرة و باعـه إياها . أخذها الحداد ووضعها على الجدار جانب أختها التي لم تغادر مكانها .
التفتت نحوها و قالت لها هازئة : ما أتعس حظك يا أختاه لقد عملت و تعبت حتى أكل الصدأ جسدك فأفقدك بهاءك أما أنا فلا أزال هنا مستريحة لا أبالي بما يدور حولي فأجابتها السكة العاملة : أنت مخطئة يا أختاه ... نعـم إنك مستريحة هانئة و لكن انظري إلى جسمك الذي علاه الصدأ من جراء الكسل أما جسمي فإني أراه يبرق ذهباً حصده الفلاح و قدمه قوتاً للأطفال , بفضل ما قمت به من عمل أديتـه على أكمل وجـه .
من هذه القصة البسيطة ندرك أن العمل حق من حقوق الحياة على الإنسان و هو حق مقدس وواجب لا بد أن يؤديه على أكمل وجه , و أجمل صورة و العامل المجد هو الذي يغمس أصابعه بعناصر الأرض و يبعث النور من عينيه و الشقاء من جسده و العرق من جبينه , ليبني مع إخوانه الكادحين وجـه حضارة أمتنا المناضلة ...إلخ .
الطريقة الرابعـة :
و تكون بشرح الموضوع نفسه فيكون بمثابة مقدمة نستطيع الإنتقال منها إلى صلب الموضوع , فلو كان لدينا الموضوع التالي :
و إذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً و عويلا
إننا نستطيع أن نبدأ الموضوع على الشكل التالي :
مما لا خلاف عليه أن الأخلاق هي البناء القوي الـذي تبني الأمم المتحضرة على دعائمه أساس نهضتنا و بقدر ما يكون البناء قوياً يعلو مستقبل الأمـة و الأمـة المصابة بأخلاقها , هي أمة خاسرة ضائعة لا يمكنها أن تتقدم في أي مضمار , كما لا يمكن لأفرادها أن ينتصروا أو يحققوا شيئاً ما إذا لم تكن الخلاق هـي القاعدة العريضة التي تقف عليها الأمة و ينطلق منها الأفراد ....إلخ .