جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: قسم البحوث :: قسم المواضيع العامة والشاملة |
الإثنين 18 مايو - 21:57:22 | المشاركة رقم: | |||||||
جوهري
| موضوع: الورق الورق يعتبر الورق المادة الرئيسية للخط، فقد استعمل النسّاخ والخطاطون لوحاتهم الفنية والزخرفية قبله على رقائق الحجارة، والجلود وأوراق البردي، وبعد أن نقل العرب صناعة الورق عن الصينيين، ازدهرت الكتابة وانتشرت صناعة الكتاب انتشاراً مذهلاً، فنقلوا هذه الصناعة في تجاراتهم إلى أوربا وجزر البحر الأبيض المتوسط، وإلى أفريقيا وسائر بلاد المشرق. كان المصريون يستعملون البردي لصنع الحبال والحصر والألبسة، وقد رأى العباسيون أن يقيموا مصنعاً لصناعة ورق البردي في العراق، وكان المعتصم هو أول من فكّر في ذلك، فقد أسس منزلاً ملكياً في سماوة على نهر دجلة، وقد جلب له العمال المصريين، والخبراء بصناعة البردي، لكن هذه التجربة باءت بالفشل([1]). كان الخطاطون يسمّون ورق البردي المصنوع في مصر بـ (ورق الطومار) فلما صنعوا الورق من القطن ولحاء الشجر راحوا يسمّون هذا النوع من الورق بـ (الكاغد) حيث اشتهرت به سمرقند، ومنها انتقل إلى بغداد، حيث أمر هارون الرشيد بفتح معمل مثله في بغداد، فحلّ ورق الكاغد محل "الرّق" الذي كان يستعمل في الدواوين والمراسلات، فلما انتهى استعمال ورق البردي (الطومار) راح الناس يقولون: إن كواغيد سمرقند عطّلت قراطيس مصر. وكان الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك أول من كتب على ورق الطومار (البردي) وأمر أن تكون كتبه ورسائله ذات صفة رسمية، وأن يكون الخط والورق جيّدين، وكان يقول عن كتبه والكتب التي ترد إليه (تكون كتبي والكتب إليّ خلاف كتب الناس بعضهم إلى بعض)([2]). وحيث أن الورق قليل في بداياته (طومار أو كاغد) وأنهما يستوردان بتكلفة عالية، فقد أمر الخلفاء في الاقتصاد عند استعمالها، فقد أمر عمر بن عبد العزيز كُتّابه أن يجمعوا الخط في حجم صغير، فكانت كتبه بطول شبر أو نحوه. وحينما شكا إليه بعض ولاته قلة القراطيس كتب إليه يقول: (أن دقّق، وأقلل كلامك، تكتف بما عندك من القراطيس). قال يوسف بن صبيح الكاتب حين دخل على أبي جعفر المنصور: (… فسلّمت، فأدناني وأمرني بالجلوس، ثم رمى بربع قرطاس وقال لي: أكتب وقارب بين الحروف، وفرّج بين السطور، واجمع خطّك، ولا تسرف في القرطاس…)([3]). وإلى جانب معمل الورق في بغداد، كانت بلاد الشام سبّاقة إلى صناعة الورق، فقد أُنشئت عدة معامل للورق في دمشق وطرابلس الشام، وطبرية، كما اشتهرت الفسطاط (القاهرة) بصناعة نوع من الورق يسمى (المنصوري). وكان لبغداد في القرن التاسع شهرة بصناعة نوع من الورق الممتاز الذي يسمى (البغدادي) كان هذا النوع من الورق يمتاز باللّيونة والطراوة والثّخن، وكانت المصاحف تكتب به، وقد استعمله الخلفاء والوزراء في دواوينهم، وقد بيّن القلقشندي في كتابه صبح الأعشى درجات جودة الورق الذي يصنع في البلاد العربية فقال: (كان أعلى أجناس الورق (البغدادي) ويستعمله كتّاب الإنشاء في المكاتب السلطانية، ودونه في الرتبة الورق الشامي، ودونه في الرتبة الورق المصري، ودون ذلك ورق أهل المغرب والفرنجة، فهو رديء جداً، سريع البلى، قليل المكث…)([4]). وقد خضعت تسميات الورق إلى أسماء الحكام والأمراء والمقاطعات التي أنشئ فيها معمل الورق، أو عصر الحاكم الذي حكم، فكانت أنواعه كثيرة، ومختلفة جودة ولوناً، وانتشاراً، وذكر ابن النديم أنواعه وهي: 1-الفرعوني: الذي كان يحاكي الورق المصري (ورق البردي) 2-السليماني: الذي سمي باسم المراقب المالي لهارون الرشيد في خراسان. 3-الجعفري: نسبة للوزير جعفر بن يحيى البرمكي 4-الطليحي: نسبة إلى طلحة بن طاهر والي خراسان من سنة 822 إلى 828م. 5- الطاهري: نسبة إلى طاهر بن عبد الله والي خراسان من 844 إلى 862م 6-النوحي: نسبة إلى نوح بن ناصر من الأسرة السامانية التي حكمت ما وراء النهر بين الفترة (942-954م). لقد كانت صفائح الورق كصفائح البردي تلصق ببعضها، وتباع بشكل لفّات يقطعها من يستعملها بالشكل الذي يناسبه، أو أن صانعي الورق كانوا يقطعونها بحجم واحد، ويجعلونها بشكل ربطة فيها خمسة وعشرون صحيفة تسمى (دست) وهي كلمة فارسية ترجمت إلى العربية بكلمة (كف)([5]). إن الخطاط يتفنن في نوع الورق كما يتفنن في جودة خطّه، فهو يختار القلم والحبر والدواة، والورق كما يشاء، وحينما لا يكون الورق جيداً فإن الخطاط يقوم بصقله وتلميعه وسدّ المسامات فيه حتى لا ينتشر الحبر، فيحافظ الحرف على حجمه. وقد استعمل الخطاطون عدة أساليب لصقل الورق، منها: 1-أن يدهن الورق بزلال البيض (البياض) دهناً جيداً، ثم يمسح بخرقة ناعمة نظيفة. 2-أن يصقل الورق بعظم العاج وهذه الطريقة البسيطة قد درج عليها الخطاطون في بغداد ودمشق وغيرهما، مما جعلهم يخلّدون على صحائف هذا الورق بدائع خطوطهم، ولوحاتهم، وأشعارهم التي أصبحت بالنسبة لمن جاء بعدهم، لوحات تراثية رائعة. وقد استعمل العرب والمسلمون طرائق مختلفة لصقل الورق وتلميعه وعدم السماح له بامتصاص الحبر السائل. منها: أنه بعد أن يصبح بشكل رقائق، يُملس ليكون بثخانة واحدة، ثم تُفرك هذه الصفائح بخليط من الجريش الناعم، والنشاء المبلّل بعد سحقه وتليينه في الماء البارد، ومن ثم تحريكه في ماء يغلي، حيث تملأ الفراغات الموجودة على صفحائح الورق بهذه المادة الممزوجة، ثم تُصقل على لوح خشبي بمصقل من العقيق، أو من الزجاج، وهذه العملية تسمى "المعالجة"([6]). وكان صانعوا الورق يلوّنونه بألوان مختلفة، وبحسب اللون الرائج أو على طلب الزبون، لكن طريقة التلوين تختلف عن صباغة الورق الملون حالياً، فالورق الحديث يلوّن مع العجينة، كان استعمال الورق الملون قليلاً فهم يلوّنون الكمية المطلوبة منهم، وبإحدى الطريقتين التاليتين: الطريقة الأولى: أن تغمس هذه الصفائح في أحواض سائلة ملونة باللون المطلوب، عدة مرات، حتى تتشرب الصفائح هذه الألوان، ثم تجفف وتُصقل بمصاقل خاصة. الطريقة الثانية: أن تفرك هذه الصفائح بمادة صبغيّة([7]). 6- المحو واللطلع امتاز الخطاطون العظام بمحو الحرف الزائد أو النقطة حالما وقعوا في الخطأ، وذلك قبل أن يمتص الورق الحبر، وذلك بقصد محوه. وكانت لهم عدة طرائق لمحو تلك الأخطاء منها: 1-أن يمسحه بإصبعه حالما وقع في الخطأ. 2-أن يتركه حتى يجف فيحكّه ثم يصقل الورق بأداة خاصة ويكتب الحرف من جديد. 3-أن يقوم الخطاط بلطع الحرف الذي أخطأ فيه، وهذه الطريقة قديمة، وشائعة عند خطّاطي العرب قبل غيرهم. وقد دوّنوها في أبياتهم، فقد كتب أبو نواس أبياتاً من الشعر لجارية راسلته، وقد ظهر آثار المحو واللطع في رسالتها، فقال: أكثري المحو في الكتاب ومحيّـ ه بريق اللسان لا بالبنان وأمرّي الخزام بين ثناياك العذاب المفلّجات الحسان إنني كلما مررت بسطر فيه محو لطعته بلساني فأرى ذاك قبلة من بعيد أسعدتني وما برحت([8])مكاني وكان الخطاطون يعتزون بمحابرهم فينمِّونها ويعطرونها، بأجمل الزخارف، وأحسن العطور، كالمسك والزعفران، وذلك ليسهل عليهم اللطع عند الخطأ، فلا يستكرهون رائحة الحبر. ولشدة حبهم للخط، وكراهية الخطأ فيه كانوا يمحون الخطأ بكُمّ ثوبهم. (كتب إبراهيم بن العباس كتاباً، فأراد محو حرف منه فلم يجد سبيلاً، فمحاه بكُمّه. فقيل له في ذلك، فقال: المال فرع، والقلم أصل، فهو أحق بالصون منه، وإنما بلغنا هذه الحال واستفدنا الأموال بهذا القلم والمداد)([9]). وهذا يعني أن الخط فن في مقدمة الفنون التي كانت تدرّ ربحاً وجاهاً للخطاطين. 7- سكين الخطاط كل أداة لبري الأقلام تسمى (مبري) أو (مبراة) لكن الخطاطين يستعملون السكين كأداة فريدة ومتميزة عن بقية أدوات الخط التي يعتزون بها لتجويد الخط، فهم يعيرون ويهدون من أقلامهم ومحابرهم وأحبارهم وأوراقهم لأصدقائهم وتلاميذهم، لكنهم لا يفعلون ذلك بالسكين إلاّ ما ندر. ولهم أمزجة مختلفة في اقتناء السكين التي تناسبهم، وقد وضعوا لها مواصفات منها: 1-أن لا تكون صغيرة ولا كبيرة. 2-أن تكون قبضتها تملأ اليد. 3-أن تكون متوسطة الحجم. وقد وصفها أحد الخطاطين فقال: (ينبغي أن تكون لطيفة القدّ، معتدلة الحد)([10]). والسكين رفيقة الخطاط في حلّه وترحاله، وقد وصفها الخطاطون الشعراء في أشعارهم، وتحدثوا عنها بما يشفي غليلهم، فهي التي تحدد لهم نوع الخط وحجمه، وهي التي ترافقهم في الحل والسفر. البــــاب الـــرابع :الخطا0طون العظام 1-ابن مقلة.. 2-ابن البواب.. 3-ياقوت المستعصمي.. 4-الحافظ عثمان 5-هاشم البغدادي.. 6-حامد الآموي.. ابن مقلة272-328هـ / 866-940م بلغ الكتاب أوجه في العصر العباسي، وانتشرت صناعة الورق وتفننوا في قطّ القلم، وحددوا له أنواعاً لكل خط، والتقى الأدباء والفنانون في دكاكين الوراقين بالفنانين والخطاطين. وكثرت الخطوط، وكثر الخطاطون، فكان لا بد من وضع المقياس الثابت للخط، لإدراك صحيحه من سقيمه، فكان فارس هذا الميدان شاب عاش عيشة البسطاء، ومن عائلة بسيطة رغم أنها كانت مشهورة بالخط وقد توارثته قبله وبعده. هذا الخطاط الذي كان فيصلاً لمن قبله وبعده، هو أبو علي محمد بن علي ابن حسن([11]) بن مقلة([12]). مولده ونشأته ولد ابن مقلة (في بغداد بعد عصر يوم الخميس في عشرين من شهر شوال سنة 272هـ – 866م)([13]). (ومقلة اسم أمه كان أبوها يرقّصها فيقول: يا مقلة أبيها، فغلب عليها)([14]). وكان هذا الاسم يرافق العائلة بأسرها، كما أن الخط قد رافقها فقد (كان أخوه مليح الخط، وأبوه أيضاً، وله ولأخيه ذرية كانوا ممن يحسنون الخط، لكنهم لم يبلغوا محمد بن مقلة)([15]). وكان أخوه الحسن (أبو عبد الله) منقطعاً إلى بني حمدان سنين كثيرة يقومون بأمره أحسن القيام، وقد أخطأ ياقوت الحموي حين نسب لسيف الدولة أنه فقد خمسة آلاف ورقة من خط أبي علي بن مقلة وهي في الحقيقة لأبي عبد الله الحسن بن علي بن الحسن بن عبد الله بن مقلة([16]). ذلك لأن أبا علي بن مقلة لم يطأ حلب. أخذ أبو علي عن كبار علماء عصره في بغداد علوم الأدب واللغة (وروى عن أبي العباس ثعلب، وأبي بكر بن دريد)([17]). فكان من نتيجة همته العالية وطموحاته المتواصلة أن صعد سلّم ريادة الخط، فكان رائد الخط العربي في العصر العباسي، كما صعد سلّم السياسة فكان وزيراً أكثر من مرة، وقد أودت به طموحاته إلى السقوط، فقد قطعت يده التي كان يخط بها، كما دخل السجن بسبب سياسته الهوجاء فقضى حياته فيه، ومات بين جدرانه بائساً. في الوزارة صحيح أن ابن كثير قال عنه: كان في أول عمره ضعيف الحال، قليل المال)([18]) إلاّ أنه استطاع أن يغير تلك الحال البائسة إلى أفضل حال. وأن ينثر المال حتى في غير أماكنه كما ينثر التراب، فقد كان في أول أمره أن أصبح جابياً لخراج بعض أعمال بلاد فارس، فتغيرت أحواله من سيء لحسن، ومن حسن لأحسن، وبلغت سمعته الحسنة الخليفة المقتدر، فلما شغر منصب الوزارة التي كان يتسلمها علي بن عيسى، سمّي للخليفة ثلاثة ممن يرشحهم هذا المنصب وهم: (الفضل بن جعفر بن الفرات، وأبو علي بن مقلة، ومحمد بن خلف النيرماني، فقيل للخليفة المقتدر: أما ابن الفرات فقد قتلنا عمه الوزير أبا الحسن وابن عمه، وصادرنا أخته ولا نأمنه، وأما ابن مقلة فحدث غرٌّ لا تجربة له بالوزارة ولا هيبة له في قلوب الناس، وأما محمد بن خلف النيرماني فجاهل متهوّر ولا يدفع عن صناعة الكتابة والمعرفة)([19]). وأحب ابن مقلة أن يكون وزيراً للمقتدر، وبذل في سبيل ذلك ما يملك من دهاء وخبرة في السياسة، فأُرسل إلى الأنبار ومعه خمسون طائراً لنقل الأخبار([20]) التي كانت تحدث سريعاً، وتكاد تهدد جسم الدولة لكثرة الأحداث والفتن، فكانت الأخبار تأتيه على أجنحة الأطيار، فقيل للخليفة: (هذا فعله ابن مقلة فيما لا يلزمه، فكيف إذا اصطنعته؟) فولاّه المقتدر الوزارة على ما سمع عنه. استلم ابن مقلة الوزارة فقرّب منه أصدقاءه وأقاربه، (فكان يعينه في تدبير أمور الوزارة أبو عبد الله البريدي لمودّة كانت بينهما)([21]) وكان ذلك سنة (316هـ) وبعد سنتين وأربعة أشهر أمر الخليفة أن يقبض عليه وأن تصادر أملاكه، ثم نفاه إلى بلاد فارس، وأحرق داره ليلاً، ونهب الناس ما فيها من حديد وأثاث وحجارة ليلاً([22]). وفي عيد الأضحى سنة (320هـ) استوزره الإمام القاهر بالله، وبقي وزيراً له إلى أول شعبان سنة (321هـ) حيث بلغ الخليفة أن ابن مقلة قد تعاون مع ابن بليق للفتك بالخليفة، فاستتر واختفى عن أعين الناس، وكان ابن مقلة قد ضاق ذرعاً بالخليفة، وراح ينشر بين الناس دعاية سيئة ضده لخلعه (وطاف البلاد متنكراً يؤلّب الناس عليه)([23]). ويبدو أن هذه التحركات المريبة التي كان يتحركها ابن مقلة ضد الخليفة القاهر قد أعجبت الخليفة الذي جاء بعده وهو الراضي بالله، فلما تولى الخلافة الراضي بالله في السادس من جمادى الأولى سنة (322هـ ) جعله وزيراً بعد ثلاثة أيام من توليه الخلافة([24]). إسرافه وبذخه حين نتتبع حياة ابن مقلة نجده ولد فقيراً، وعاش مطلع شبابه حياة هي أقرب منها للبؤس من الرخاء والنعيم، لكننا نجده عاش عيشة الوزراء المتخمين والملوك، بعد أن بلغ مبلغ الرجال وأصبح وزيراً. كما نلاحظ أنه قد جمع مالاً كثيراً من خلال ولايته في فارس، وتولّيه الوزارة ثلاث مرات لثلاثة من الخلفاء. وكانت له صور من البذخ لم يسبقه إليها غيره، فخلال توليه الوزارة الأولى (كان يصرف لشراء الفاكهة خمس مائة دينار في كل يوم جمعة)([25]). وكان يحب تربية الحيوانات والطيور، ويعتني بزراعة الأشجار المثمرة، وقد تحدث ابن كثير عن بستانه الذي ملأه أشجاراً وطيوراً وحيوانات فقال: (كان له بستان كبير جداً، عدة أجربة- أي فدان)([26]). وكانت الشبكة التي يغطي بها البستان من الحرير، وتحتها صنوف الطيور مما يتجاوز الوصف([27]). تحدث عن هذا البستان ومحتوياته ابن الجوزي فقال: (كان يفرخ فيه الطيور التي لا تفرخ إلاّ في الشجر، كالقماري، والدباسي، والهزار، والببغ، والبلابل، والطواويس، والقبج، وكان فيه من الغزلان وبقر الوحش، والنعام، والإبل، وحمير الوحش)([28]). وكان يعمل في هذا البستان عمال وخدمة للشجر والطيور والحيوانات وقد شاهد أحد هؤلاء العمال ازدواج طائر بحري على طائر بري، ولاحظهما ملاحظة دقيقة، فلما أيقن تفريخهما، أسرع إلى ابن مقلة وبشّره (بأن طائراً بحرياً وقع على طائر بري فازدوجا وباضا وأفقسا، فأعطى من بشّره بذلك مائة دينار ببشارته)([29]). وقد ذم ابن كثير بذخ ابن مقلة، وأشار إلى زوال تلك النعمة التي كان ينعم بها وقال: (هذه سنة الله في المغترّين الجاهلين الراكنين إلى دار الفناء والغرور)([30]) وذكر أبياتاً لأحد الشعراء المعاصرين له، يذم فيها بذخه حين بنى قصره الشهير وبستانه. يقول فيها: قل لابن مقلة لا تكن عجلاً واصبر فإنك في أضغاث أحلام تبني بأحجُر دور الناس مجتهداً داراً ستهدم قنضاً بعد أيام ما زلت تختار سعد المشتريّ لها فكم نحوسٍ به من نحس بهرام إن القران وبطليموس ما اجتمعا في حال نقضٍ ولا في حال([31]) إبرام حقاً لقد لاقى ابن مقلة إبان ولايته ووزارته نعيماً لا يكاد يوصف، ولم يكن عاقلاً في سياسة تلك النعمة، فانقلبت عليه وبالاً ونقمة، وجعلته عبرة لم يعتبر. محنة ابن مقلة من مصائب الأمراء أنهم لا ينزلون العلماء والأدباء منازلهم ويعتبرونهم كبقية الدهماء، ويجرون عليهم القانون الذي يجري على المجرمين والسوقة، وهذا ما جرى لابن مقلة حين رفع يده يعلن الرفض، وقال بلسانه: لا ثم لا. وكان يومها وزيراً للخليفة الراضي بالله. لقد كانت بين ابن مقلة والمظفر بن ياقوت وحشة وأحقاد، وكان ابن ياقوت مستشاراً للخليفة ومقرّباً من مجلسه. فحاك ابن ياقوت مؤامرة ضد ابن مقلة، وأمر غلمانه بالقبض عليه إذا مرّ في دهليز دار الخلافة، وأقنع الغلمان أن الخليفة راض عن عمله، فلما مرّ ابن مقلة في الدهليز هجم عليه ابن ياقوت والغلمان فاعتقلوه وقبضوا عليه، وذلك يوم الاثنين 14 جمادى الأولى سنة (324هـ – 936)([32]) ثم أرسل ابن ياقوت بياناً للخليفة لسبب الاعتقال عدّد فيه ذنوبه وأخطاءه التي تستدعي ما فعله به. ووافق الخليفة على تقرير ابن ياقوت وعزل ابن مقلة عن الوزارة، وقلّدت لعبد الرحمن بن عيسى الذي راح يهين ابن مقلة، ويضربه بالمقارع، ويكيل له ألوان التعذيب من التعليق بالحبال والضرب وغير ذلك، ثم أفرج عنه. وراح ابن مقلة يتردد على ابن رائق وكاتبه، وأخذ يتذلل لهما لاستعادة أملاكه وضياعه وأملاك ولده أبي الحسين، فواعده، فلما يئس من تلك المواعيد، راح يتهم ابن رائق في كل مكان، ثم راح يكتب للخليفة مثالب أمير أمرائه، ويطلب منه أن يقبض عليه، وأنه إذا ما أعاده إلى الوزارة، وقُبض على ابن رائق فإنه سيقدم للخليفة ثلاثة ملايين دينار. ثم راح يراسل (بجكم التركي) يُطعمه في موضع ابن رائق، وكتب إلى (وشمكير) بمثل ذلك وهو بالري، لكن الخليفة لم يكن راضياً عن تصرفات ابن مقلة المريبة، وكان يعده بإعادة أملاكه كمواعيد أمير أمرائه([33]) لأنه غير راض عمن راسلهم ابن مقلة خارج بغداد. وذهب ابن مقلة إلى الخليفة، فاعتقله وحبسه في حجرة ثم استدعى ابن رائق، وأخبره بما جرى، وطلب ابن رائق من الخليفة قطع يد ابن مقلة اليمنى التي راسل بها (بجكم التركي) و(شمكير) وخصوم الخليفة وخصومه. وأرجئ الأمر إلى وقت لاحق، حيث عقد الخليفة لهما مجلساً مخضراً، ودار كلام كثير، أمر الخليفة في نهايته قطع يد ابن مقلة اليمنى، وأن يعود إلى السجن. وقد ذكر بعض المؤرخين أن الخليفة قد استفتى الفقهاء فأفتوا بقطع يده([34]) ولعل تلك الفتوى بسبب كثرة ما يملكه من مال وضياع وما فعله في بستانه الكبير من تربية الطيور والحيوانات، وأن ذلك كسب غير مشروع يستحق عليه العقوبة. لكن الخليفة الراضي ندم على ما فعل، فأمر الأطباء بملازمته ومداواته في السجن حتى يبرأ، ففعلوا([35]). يقول ثابت بن سنان الطبيب: (كنت إذا دخلت عليه في تلك الحال يسألني عن أحوال ولده أبي الحسين، فأعرفه استتاره وسلامته، فتطيب نفسه، ثم ينوح على يده ويبكي ويقول: خدمت بها الخلفاء وكتبت بها القرآن الكريم دفعتين، وتقطع كما تقطع أيدي اللصوص؟ فأسلّيه وأقول له: هذا انتهاء المكروه، وخاتمة القطوع فينشدني ويقول: إذا ما مات بعضك فابك بعضاً فإن البعض من بعض ([36]) قريب وكان من صفات ابن مقلة أنه كان قاسياً عاطفياً عصبي المزاج، سريع الانفعال، عصامياً، فرغم أن يده قد قطعت فإنه كان يطمع أن يعود وزيراً ليفعل الأفاعيل وينتقم من غيره، وكان لا يتوانى من نقد غيره نقداً جارحاً، والنيل منه نيلاً لاذعاً. لقد خرج من السجن مقطوع اليد، لكنه استمر يخط بهذه اليد المقطوعة خطوطاً جميلة كالتي كان يخطها وهو معافى، وكان يربط على يده عوداً (قصبة) ويكتب ما يريد بنجاح كبير([37]). وتسرّبت أقواله القاسية بحق ابن رائق وغيره، وأخذ يكتب للخليفة الراضي يستعطفه ويطلب منه أن يجعله وزيراً مرة رابعة، وكان مما كتبه له: (إن قطع اليد ليس مما يمنع الوزارة)([38]). لكن الخليفة لم يلتفت إلى طلبه، بل زاد ذلك من غيظ خصمه ابن رائق، حيث أمر (بجكم التركي) أحد المقرّبين من ابن رائق بقطع لسان ابن مقلة، ورمي بالحبس مدة طويلة، كان فيه مهملاً، لا يخدمه أحد، ولا يقدم إليه ما يلزمه، (فكان يستقي الماء لنفسه من البئر، فيجذب بيده اليسرى جذبة، وبفمه الأخرى)([39]). ولم يرض الأدباء والشعراء للواقع الأليم الذي عانى منه ابن مقلة، نتيجة معارضته لوزير أو لأمير الأمراء في الدولة، فنظموا القصائد التي تستنكر تلك الفعلة التي أقدم عليها الخليفة من قطع يده ولسانه، فقد قال أحد الشعراء: وقالوا: العزل للوزراء حيض لحاه الله من أمر بغيض ولكن الوزير أبا علي من اللائي يسئن من([40]) المحيض. كما ندد الصولي بالذين قطعوا يده للقضاء على مواهبه الفنية، أو ليخرسوا لسانه بالقمع والإرهاب والقطع فقال: لئن قطعوا يمنى يديه لخوفهم لأقلامه لا للسيوف الصوارم فما قطعوا رأياً إذا ما أجاله رأيت الردى بين اللها([41]) والغلاصم وفي الحقيقة أن أزلام الخليفة استطاعوا إسكاته وتنحيته عن الساحة السياسية، فهل استطاعوا إزاحته عن عرش المجد والخلود الذي اعتلاه بفنه وخطّه وذوقه؟ الموضوعالأصلي : الورق // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: GHAZIELE
| |||||||
الإثنين 18 مايو - 21:58:06 | المشاركة رقم: | |||||||
جوهري
| موضوع: رد: الورق الورق ه وآثاره شهد المؤرخون والباحثون لابن مقلة في جودة الخط وحسنه، فقد كان في عصره شيخ خطاطي بغداد، فلم يدركه أحد ممن عاصره، ولم يسبقه إلى طواعية القصبة له لاحق حتى قرون تلته. وقد ترك لنا رسالة بعنوان: "رسالة في علم الخط والقلم"([42]) ورجع إليها الأستاذ معروف زريق حين كتب كتابه (كيف نعلم الخط العربي) واعتبرها من مراجعه. وقد أسهب الباحثون في ذكر جوانب إبداعه في الخط. فقد جاء في كتاب ثمار القلوب ما يلي: (كتب ابن مقلة كتاب هدنة بين المسلمين والروم بخطه، وهو إلى اليوم –أي زمن الثعالبي سنة 429 هـ – عند الروم في كنيسة قسطنطينية، ويبرزونه في الأعياد، ويعلقونه في أخصّ بيوت العبادات، ويعجبون من فرط حسنه وكونه غاية في فنه)([43]). ويذكر البحاثة عمر رضا كحالة أنه ترك ديوان شهر صغير يقع في ثلاثين ورقة([44]) من ذلك الشعر ما ذكره أصحاب الموسوعات الكبيرة كابن خلكان والذهبي وابن الجوزي وغيرهم، وقد قاله ابن مقلة في حالته البائسة بعد قطع يده: ما سئمتُ الحياة لكن توثّقـ تُ بأيمانهم فبانت يميني بعتُ ديني لهم بدنياي حتى حرموني دنياهم بعد ديني ولقد حُطتُ ما استطعتُ بجهدي حفظَ أرواحهم فما حفظوني ليس بعدَ اليمين لذةُ عيشٍ يا حياتي بانت يميني([45]) فبيني أما الأستاذ هلال ناجي فيقول عن آثاره: (ترك ابن مقلة مدرسة في الخط بعده، وله في الخط رسالة مخطوطة موجودة، لكن أثاره الخطية ضاعت، ولم يبق منها سوى مصحف واحد محفوظ في متحف هراة بأفغانستان)([46]). ونقل الذهبي خطأ وقع فيه ابن النجار حين اعتبره شاعراً أديباً وأنه (وفد على ملك الشام سيف الدولة، ونسخ له عدة مجلدات)([47]). فابن مقلة لم يدخل حلب ولا نزل بلاد الشام البتة. صفاته وطباعه في الحقيقة أننا حينما نقف على سيرة ابن مقلة نجده عنيفاً في حبه، عنيفاً في بغضه، يكيل لمن يبغضه الصاع، ويهيل لمن يرضى عنه بلا كيل. كان يتحدث عن نفسه مراراً فيقول: (إذا أحببتُ تهالكت، وإذا أبغضتُ، أهلكتُ، وإذا رضيتُ آثرتُ، وإذا غضبتُ أثّرتُ)([48]). لقد كان من حبه للخط أنه يمسح بالحبر ثوبه إن وجد في يده أو قلمه شيئاً من ذلك، وهذا من حبه لمهنة الخط، فقد كان يأكل يوماً. فلما غسل يده، وجد نقطة صفراء من حلو على ثوبه [ففتح الدواة] وأخذ منها الحبر وطمس مكان الحلو بالقلم وقال: (ذاك عيب، وهذا أثر صناعة) يريد صناعة الخط، وأنشد: إنما الزعفران عطر العذارى ومداد الدواة عطر([49])الرجال وكان يقول: (يعجبني من يقول الشعر تأدّباً لا تكسبّاً، ويتعاطى الغناء تطرّباً لا تطلّباً)([50]). وحين نجده في هذه المقولة عفيفاً، نجده في موقف آخر عنيفاً، فقد تحدث الحسن بن مقلة عن سبب قطع يد أخيه فقال: (كان سبب قطع يد أخي كلمةً. كان قد استقام أمره مع الراضي، وابن رائق، وأمرا بردّ ضياعه، ودافع ناس فكتب أخي يعتب عليهم بكلام غليظ، وكنا نشير عليه أن يستعمل ضد ذلك فيقول: والله لا ذللتُ لهذا الوضيع. وزاره صديق ابن رائق، ومدبّر دولته، فما قام له)([51]). وذكر الذهبي أن ابن النجار ساق فصلاً طويلاً يدلّ على تيهه وطيشه، وكان من ذلك الطيش أنه كان إذا ركب يأخذ له الطالع جماعة من المنجمين، ليأمن المركب والطريق. وذكر ابن كثير أنه حين عزل في زمن الخليفة الراضي (صودر منه ألف ألف دينار)([52]). وهذا المبلغ وغيره لا نشك في أنه جمعه بطرق غير مشروعة، وله سوابق الرقاع الكثيرة في مجلسين، ولو كانت كلّها تخصك لقضيتُها. فقبل جعفر يده)([53]). ولا شك أن ابن مقلة كان يقضي حوائج الناس، ويدير شؤون وزارته خير إدارة، ولعله في ذلك كان يطمح إلى أعلى من الوزارة، فقد كان يتظاهر أمام من يعرفونه بالعظمة، وعلو المقام، وكان يرى في نفسه المقدرة على إدارة أكبر الأمور، وكان ينظم ذلك شعراً فيقول: وإذا رأيت فتى بأعلى رتبة في شامخ من عزّة المترفّع قالت لي النفس العزوف بقدرها ما كان أولاني بهذا([54]) الموضع ولعل تلك الآمال هي التي أوردته المهالك. ولو بقي ابن مقلة كاتباً خطاطاً لنال من المجد أكثر مما ناله في الوزارة، والذي نشاهده من خلال سيرته أنه طلب المجد بغير الخط فناله في الخط وسقط في السياسة.
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |