{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)} [المزمل] {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلً} : بث سبحانه الطمأنينة في قلب رسوله وهدأ من روعه في بداية الرسالة حين خاف وطلب من أهله أن يزملوه ويدثروه بثيابه فرقاً من الوحي, فلما اطمأن قلبه وعلم أنه مرسل مصطفى ونبي مجتبى بدأت التربية الإيمانية بالأمر بقيام الليل, فكان الأمر في البداية بقيام الليل كله إلا القليل ثم الأمر بقيام نصف الليل تقريباً أو الزيادة عليه وترتيل القرآن وتدبره فهو أحرى بثبيت الفؤاد وتربية الإيمان. وفي هذا بيان واضح لأول دروس التربية الإيمانية للأمة والخطوة الأولى من خطوات الإيمان العملي وطلب الثبات على الإيمان وهي التربية على التزام قيام الليل وترتيل القرآن وتدبر معانية في هذه الصلاة تحديداً. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)} [المزمل].
قال السعدي في تفسيره: المزمل: المتغطي بثيابه كالمدثر، وهذا الوصف حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أكرمه الله برسالته، وابتدأه بإنزال [وحيه بإرسال] جبريل إليه، فرأى أمرا لم ير مثله، ولا يقدر على الثبات له إلا المرسلون، فاعتراه في ابتداء ذلك انزعاج حين رأى جبريل عليه السلام، فأتى إلى أهله، فقال: " زملوني زملوني " وهو ترعد فرائصه، ثم جاءه جبريل فقال: " اقرأ " فقال: " ما أنا بقارئ " فغطه حتى بلغ منه الجهد، وهو يعالجه على القراءة، فقرأ صلى الله عليه وسلم، ثم ألقى الله عليه الثبات، وتابع عليه الوحي، حتى بلغ مبلغا ما بلغه أحد من المرسلين. فسبحان الله، ما أعظم التفاوت بين ابتداء نبوته ونهايتها، ولهذا خاطبه الله بهذا الوصف الذي وجد منه في أول أمره. فأمره هنا بالعبادات المتعلقة به، ثم أمره بالصبر على أذية أعدائه ، ثم أمره بالصدع بأمره، وإعلان دعوتهم إلى الله، فأمره هنا بأشرف العبادات، وهي الصلاة، وبآكد الأوقات وأفضلها، وهو قيام الليل. ومن رحمته تعالى، أنه لم يأمره بقيام الليل كله، بل قال: { { قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا } } . ثم قدر ذلك فقال: { { نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ } } أي: من النصف { {قَلِيلً} ا } بأن يكون الثلث ونحوه. { { أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} } أي: على النصف، فيكون الثلثين ونحوها. { {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} } فإن ترتيل القرآن به يحصل التدبر والتفكر، وتحريك القلوب به، والتعبد بآياته، والتهيؤ والاستعداد التام له.
#أبو_الهيثم #مع_القرآن