التربية أولاً ومن ثم التعليم..!
AA بعد يومين يعود أبناؤنا، بعد إجازة ليست بالقليلة، إلى مقاعد الدراسة؛ ليتابعوا ما قد بدأوه في رحلة العلم والمعرفة. يتوجّه أبناؤنا نحو مكانٍ قد تضاعفت مسؤولياته مع تراجع دور الأسرة التربوي، فتحوّلت المسؤولية بالكامل نحو المدرسة لتعويض غياب الأسرة، بعد أن كانت تتقاسم الدور التربوي مع الأسرة. ولكن ماذا يمكن أن يحدث إن أهملت المدرسة دورها التربوي على حساب المهمة التعليمية؟! التربية قبل التعليم.. هذا ما كنّا نسمعه داخل أسوار مدارسنا، فكان المعلّم يُسمّى «المُربّي». وكان حقاً مربياً موجهاً مرشداً ومساعداً لطلبته قبل أن يكون معلماً. ومع الاضطراب الحاصل في المنظومة القيمية يبدو أن العالم الحديث اليوم يتعامل مع ذلك الاضطراب ونتاجاته من مشكلات بالعلاج والمسكّنات، فبحث لتخفيف الأعراض التي تخفف الألم وتقلل الخطر، وغابت عنّا الحلول الوقائية الكامنة في التربية المدرسية السليمة. إنّ البيئة المدرسية التربوية السليمة تكمن مخرجاتها في الممارسات الإيجابية، مثل الانضباط وتحمّل المسؤولية، والانتماء والولاء، والمشاركة الإيجابية، واحترام الأنظمة والتقبّل، والقدرة على ممارسة الحوار الموضوعي والنقد الذاتي. فالتربية في المدارس منذ الطفولة هي الوقاية، هي الرقابة الذاتية، هي الانضباط، هي ممارسة الأمانة والصدق والإخلاص في العمل واحترام حقوق الإنسان، وتجنب الممارسات المخالفة للدين والقوانين. وأي ضعف في الدور التربوي للمدرسة تكون نتيجته كثافة في البرامج والحملات العلاجية لسد الفجوة الكبيرة بين القيم التي يؤمن بها الإنسان وبين ممارساته، وغالباً ما يكون تأثير العلاج ضعيفاً! تحتاج مدارسنا إلى التربية قبل التعليم، تحتاج إلى إبراز دور المرشد الاجتماعي والاختصاصي النفسي عملاً لا قولاً، فعديد المشكلات السلوكية والاجتماعية يمكن للمدرسة أن تقتلها في مهدها قبل أن تنمو إن قامت المدرسة بدورها التربوي التاريخي، الذي بدأ بها منذ إنشاء المدرسة. فأصبح هوية لها. ستكون المدرسة منارة للأبناء والجيل القادم إذا ما اهتمت في غرس القيم الإنسانية النبيلة أكثر من اهتمامها بتجديد طبعات الكتب وابتكار الاستراتيجيات التعليمية، فما أهمية التعليم إن لم يحصّن الأخلاق ويقوي منظومة القيم؟! فقد فضّلوا التربية على التعليم! هنا تكون المدرسة (التربية والتعليم) هي الأساس الأول ليس لاكتساب المعارف والمهارات فقط، وإنما قبل ذلك اكتساب السلوك والمهارات الأخلاقية والتفكير الإيجابي والاتجاهات البناءة، وذلك من خلال ثقافة دينية تقدم بطريقة تنعكس على السلوك، ومن خلال طرق تعليمية وتربوية تركز على بناء شخصية الطالب بكل جوانبها.