جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: منتديات الجامعة و البحث العلمي :: مراكز دراسات أخرى |
الإثنين 4 مايو - 1:08:49 | المشاركة رقم: | |||||||
جوهري
| موضوع: الطريق إلى الأندلس الطريق إلى الأندلس إن التحدث عن التاريخ الإسلامي يجعلنا نتحدث عن جزء مهم من التاريخ الإسلامي وهو تاريخ الأندلس، ولكن لماذا نتحدث عن تاريخ الأندلس بالتحديد؟ السبب في ذلك أن تاريخ الأندلس يشمل أكثر من ثمانمائة سنة كاملة، وتحديدًا من سنة 92هـ/ 711م إلى سنة 897هـ/ 1492م، أي ثلثي التاريخ الإسلامي، فكيف لا نتحدث عنه إذن؟! لماذا سميت هذه البلاد ببلاد الأندلس؟ وعن سبب تسميتها بالأندلس نسبة إلى قبائل الفندال أو الوندال، فسميت هذه البلاد بفانداليسيا، ومع الأيام حُرّف إلى أندوليسيا فأندلس. ولكن ما هي علاقة المسلمين بالأندلس؟ اتجه إليها المسلمون لنشر الدين الإسلامي في هذه البقاع. وهناك اعتراض من قائل يقول: لندع الناس يعبدون ما يشاءون، لماذا نشغل أنفسنا وننشر رسالتنا هناك؟ والجواب: أن الله سبحانه وتعالى جعل للمسلم رسالة عليه أن يؤديها، فهذه هي رسالته في الدنيا والآخرة، فقد قال الله سبحانه وتعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]. وقد يولد ذلك عند بعض الناس استنتاجًا بأن الإسلام انتشر بحدّ السيف، ولكن كيف وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ} [البقرة: 256]؟! وأن رسالة المسلمين هي نشر الحب والتسامح والعدل بين الناس؛ فنجد المسلم لا يقتل طفلاً ولا شيخًا ولا امرأة، ولا يقطع شجرة، فكيف - إذن - انتشر بحدّ السيف؟! متى فُتحت الأندلس؟ في سنة اثنتين وتسعين من الهجرة، ويتوافق تاريخ فتح الأندلس مع فترة من فترات الدولة الأموية، وتحديدًا في خلافة الوليد بن عبد الملك - رحمه الله - الخليفة الأموي الذي حكم من سنة 86 هـ/ 705 م إلى 96هـ/ 715 م. الأوضاع في الأندلس قبل الفتح الإسلامي: إن الأندلس قبل الفتح الإسلامي كان يسودها الضعف والانحلال وانتشار الظلم وكثرة الثورات، كل هذه الأوضاع تجعلها في حاجة للإسلام؛ لكي يخلصها مما هي فيه من ظلم وفساد؛ لأن الدول العظمى التي تتحكم في الأمم تجعل الظلم قاعدة من القواعد التي ترسّخها في العالم، ولهذا تحتاج إلى الإسلام؛ لأنه دين الرحمة والتسامح ونشر العدل بين الناس. وتدعي بعض الدول أن ما فعله المسلمون بالأندلس كان اعتداءً على الحرية، وأن ما يفعلونه بالشعوب هو الحرية، ولكن هذا الزعم غير صحيح، فإن ما قام به المسلمون هو نشر العدل والمساواة بين الناس، وعدم المساس بحرية غير المسلمين، أما ما تفعله الدول الأخرى من اعتداء على حقوق المسلمين، ووصفهم بالإرهابيين، ووضعهم في المعتقلات هو - بلا شك - الاعتداء على الحرية. مزيد من التفاصيل مقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فموضوع هذه الصفحات هو الحديث عن حِقبة من التاريخ الإسلامي هي من أهم الحِقَب في تاريخ المسلمين. إنها " تاريخ الأندلس ". وقد يسأل سائل: لماذا الحديث عن التاريخ أصلًا؟! فكثير من الناس يلوم على المسلمين كثرة الخوض في الحديث عن التاريخ، يقولون: أنتم تبكون على اللبن المسكوب، هذا ماضٍ قد انتهى، فلنعش في حاضرنا، ولننظر إلى مستقبلنا. والواقع أن هذه الآية مقلوبة تمامًا؛ لأننا إذا نظرنا إلى كتاب الله سبحانه وتعالى نجد أمرًا عجبًا، نجد أن ثلث القرآن الكريم جاء في صورة قصص، وهو أمر لافت للأنظار، فإذا كان ثلث القرآن الكريم قصصًا فإن هذا ولا ريب يشير إلى أسلوب رباني فريد من نوعه في التربية. وإنني أرى أن مناهج التربية يجب أن يأتي ثلثُها في صورة قصص، حتى تحاكي أسلوب الخالق سبحانه وتعالى في تربية الخلق أجمعين. وإلا فلماذا ينزل ثلث القرآن الكريم قصصًا؟ ولماذا يكون هذا هو أسلوب المولى سبحانه وتعالى في القرآن الكريم - وفي هذا الثلث بالذات - في تعليم الناس وتربيتهم، وإرشادهم إلى الطريق القويم؟ إن الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم قصّ قصصًا كثيرة، قصّ قصص الصالحين والطالحين، وقصص الأنبياء ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم قصص الذين خرجوا عن منهجه سبحانه وتعالى، وكيف عاقبهم عز وجل، وكيف كانت نهايتهم وخاتمهم... والقرآن الكريم ككتاب هو في الحقيقة منهج حياة، فيه كثير من الآيات التي تشير إلى منهج المسلم في تَلَقّي القصص، يقول سبحانه وتعالى: [فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ]{الأعراف:176}. ويقول في آية أخرى: [لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] {يوسف:111}. فقد خصّ سبحانه وتعالى العبرة بطائفة معينة فقال: [لِأُولِي الأَلْبَابِ] أي: لأصحاب العقول والأفهام. إذن حينما نقصّ القصص بصفة عامة، سواءً القصص القرآني أو التاريخ الإسلامي أو التاريخ غير الإسلامي - حينما نقصّ هذا القصص لا بدّ أن نأخذه من خلال هذا الفهم وهذا المنطلق، منطلق الدراسة والتفكر والتدبّر والنظر في الأمور. فليس غرضنا في هذا الصفحات في هذا الموضوع - تاريخ الأندلس - تحريك العواطف، ولا إلهاب المشاعر، ولا مجرد البكاء على ما سبق من الحضارات، أو البكاء على اللبن المسكوب، أو غيره، وإنما هي دعوة إلى التفكر، دعوة إلى التدبّر والتأمل، دعوة إلى أخذ العبر والدروس. وهي أيضا طريق نبدأ فيه سويًا بالتنقيب عن صفحة من صفحات التاريخ الإسلامي، صفحة تاريخ الأندلس، وهي وإن كانت غير كافية لتغطية كل تاريخ الأندلس بكل أحداثه وتفصيلاته، إلا إنها تضع أرجلنا على الطريق لدراسة هذا التاريخ العظيم هو وغيره - بمشيئة الله - من تواريخ أخرى لاحقة. وأسال الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، إنه ولى ذلك والقادر عليه، وهو نعم المولى ونعم النصير. وفي بداية حديثنا عن تاريخ الأندلس وفي محاولةٍ لتحليل التاريخ تحليلًا دقيقًا، نحاول أن نقلّب صفحاتٍ، ونُظهر أحداثًا قد علاها التراب أعوامًا وأعوامًا، نحاول أن نظهر ما حاول الكثيرون أن يطمسوه، أو يخرجوه لنا في صورة باطل وهو حق، أو إظهار الحق وكأنه باطل. فكثير من الناس يحاولون أن يزورواْ التاريخ الإسلامي، وهي جريمة خطيرة جدّ خطيرة يجب أن يتصدّى لها المسلمون. سنن الله في خلقه في بداية الحديث أيضًا يهمنا أن نتعرف على سنن الله في خلقه، وسننه سبحانه وتعالى في أرضه، فلله سنن ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، كما يقول سبحانه وتعالى: [فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلًا] {فاطر:43}. فهذا أمر الله سبحانه وتعالى قرره في كتابه وجعله من سننه الثوابت، وكمثال عملي على ذلك نجد أن الماء يغلي عند درجة مائة مئوية، وسيظل يغلي عند هذه الدرجة إلى يوم القيامة، فمن رحمته سبحانه وتعالى أن ثبّت لنا هذا الأمر؛ إذ لو كان الماء يغلي اليوم عند درجة ثلاثين - مثلا - وغدًا عند درجة خمسين، وبعد غد عند سبعين فلن تستقيم حياة الناس مع هذا الأمر، ولن تستقر أمورهم؛ لأن كل يوم مغاير للآخر، وكل شكل فيه تبدّل وتحوّل لم يُعهد. والله سبحانه وتعالى وضع قواعدَ محكمةً وسُننًا ثابتةً. فالنار تحرق وستظل تحرق إلى يوم القيامة، إلا أن هناك استثناءات لا ينبني عليها، فتلك النار التي من أهم خصائصها الإحراق لم تحرق إبراهيم عليه السلام، وهذا استثناء، والمؤمن الكيّس الحصيف لا يبني على الاستثناءات، ولا يتخذها قواعد، إنما يبني على قواعد أصولية ثابتة راسخة. فهل يستطيع المؤمن في حياته أن يبني على الاستثناء ويضع يده - مثلا - في النار؟ ثم يقول: قد يحدث لي مثلما حدث مع إبراهيم عليه الصلاة والسلام، هذا غير جائز على الإطلاق، ولا يصح أن يتفوّه به أحد. إذن، هي ثوابت الله التي لا تتبدل ولا تتغير، وقِسْ على ذلك ما شئت، فالإنسان والحيوان بصفة عامةٍ لا يستطيع أن يعيش بدون طعام أو بدون شراب، ولو عاش أي إنسان دون طعام وشراب أيامًا كثيرة فمآله لا محالة إلى الموت. كذلك وبالمثل فإن سنن الله تعالى في تغيير الأمم هي سننٌ ثابتة، فقد جعل اللهُ عز وجلّ لتغيير الأمم وتبديلها من الفساد إلى الصلاح، ومن الصلاح إلى الفساد سننًا ثابتةً لا تتغير، فإن أنت سرت في طريق معيّن كانت الخاتمة معلومة وواضحة جدًا ؛ إذ هي ثابتة عند الله سبحانه وتعالى. وحينما تقرأ التاريخ، وحينما تُقلِّب في صفحاته تشاهد سنن الله سبحانه وتعالى في التغيير والتبديل، فالتاريخ يكرّر نفسه بصورة عجيبة، حتى والله لكأنك تقرأ أحداثًا حدثت منذ ألف عام أو أكثر، فتشعر وكأنها هي هي، نفس الأحداث التي تتم في هذا الزمن، مع اختلاف فقط في بعض الأسماء أو المسمّيات. فأنت حين تقرأ التاريخ كأنك تقرأ المستقبل بأحداثه وتفصيلاته؛ ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد قرأه لك بسننه الثوابت، وحدد لك كيف ستكون العواقب، وما نهاية هذا الطريق الذي ستبدؤه وتتبعه. والمؤمن الحصيف لا يقع في أخطاء السابقين، والمؤمن العاقل الواعي هو الذي يكرر ما فعله السابقون من المحامد والإيجابيات، فيفلح بفلاحهم واقتدائه بهم، وهو نفسه الذي لا يقع في أخطاء من عارض منهج الله سبحانه وتعالى، أو وقع في خطأ مقصود كان أو غير مقصود. بني أمية ( 40 - 132 هـ= 660 - 750 م ) وحسناتهم الدولة الأموية كغيرها من الدول الإسلامية لها الأيادي البيضاء والفضل الكبير على المسلمين في شتى بقاع الأرض، ونظرة واحدة على عدد المسلمين الذين دخلوا الإسلام في زمن حكمها تكفي للرد على الافتراءات والمزاعم التي حِيكت في حقها، فهذا إقليم شمال إفريقيا بكامله دخل الإسلام في عهد بني أمية، ابتداء من ليبيا وحتى المغرب، وإذا كانت الفتوح الإسلامية لهذه البلاد قد بدأت في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه فإن هذه البلاد قد ارتدّت على عقبها ثم فُتحت من جديد في عهد بني أمية، ومع إقليم شمال إفريقيا كانت أفغانستان وأيضا جمهوريات جنوب روسيا، كل هذه البلدان وغيرها وصلتهم رسالة الإسلام ودخلوا فيه في زمن بني أمية، فقد كان الجهاد في أيامهم أمرًا طبيعيًا جدًا، وهو في كل أيام العام صيفًا وشتاءً، يخرج إليه الناس وكأنهم ذاهبون إلى أعمالهم، وإضافة إلى ذلك أيضًا فقد دُوّنت السنة النبوية في مدتهم، وحُكِّم شرع الله وطُبّق في دولتهم، ومع كل هذا فإنا لا نقرّ بتبرئتهم من كل خطأ أو عيب؛ فالنقص والخطأ شيمة البشر، ومن المؤكد أن هناك أخطاء كثيرة في تاريخ بني أمية، لكن - بلا شك - كل هذه الأخطاء تذوب في بحر حسناتهم، وبحر أفضالهم على المسلمين، فقد امتدّ حكم بني أمية اثنين وتسعين عامًا، من سنة 40 هـ= 660 م إلى سنة 132 هـ= 750 م وكان أول خلفاء بني أمية الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ورضي الله عن أبيه أبي سفيان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك الخليفة الذي لم يسلم من ألسنة كثير من الناس، فطعنوا في تاريخه وفي خلافته رضي الله عنه، ولقد كذبوا، فليتنا نصل إلى معشار ما فعله معاوية بن أبي سفيان للإسلام والمسلمين. وإن كان هذا ليس هو مجال الحديث عن بني أمية إلا أن هذه المقدمة البسيطة قد تفيد - بمشيئة الله - في الحديث عن الأندلس، فبعد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه تتابع الحكامُ الأُميون وكان أشهرهم عبد الملك بن مروان رحمه الله، ومن تبعه من أولاده، وكان منهم الوليد وسليمان ويزيد وهشام، وقد تخللهم الخليفة الراشد المشهور عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، وهو خليفة أموي من أبناء الدولة التي يطعنون فيها وهو الذي ملأ الأرض عدلًا ورحمةً وأمنًا ورخاءً... أما الجانب السيئ من تاريخ دولة بني أمية فإنه يكمن في السنين السبع الأخيرة فقط من تاريخهم، تلك التي كان فيها كثير من المآسي، وكثير من الاختلاف على المنهج الإسلامي، وكانت سنّة الله تعالى فحين فسد الأمر في بني أمية قامت دولة أخرى وهي دولة بني العباس، أما الأندلس وفتح الأندلس فيبقى حسنة من حسنات بني أمية. أوروبا قُبَيْلَ الفتح الإسلامي للأندلس من المفيد جدًا أن نتعرف على حالة أوروبا والوضع الذي كانت عليه - خاصة بلاد الأندلس - عند الفتح الإسلامي وكيف كان؟ وكيف تغيرّ هذا الوضع وهذا الحال بعد دخول أهل هذه البلاد في الإسلام؟ الواقع أن أوروبا في ذلك الوقت كانت تعيش فترة من فترات الجهل الفاضح والتخلّف البالغ، فكان الظلم هو القانون السائد، فالحكّام يمتلكون الأموال وخيرات البلاد، والشعوب تعيش في بؤسٍ كبير، والحكّام بنوا القصور والقلاع والحصون، بينما عامة الشعب لا يجد المأوى ولا السكن، وإنما هم في فقر شديد، بل إنهم يباعون ويشترون مع الأرض، وبالنسبة للفرد نفسه، فالأخلاق متدنية والحرمات منتهكة، وبُعدٌ حتى عن مقومات الحياة الطبيعية، فالنظافة الشخصية - على سبيل المثال - مختفية بالمرة، حتى إنهم كانوا يتركون شعورهم تنسدل على وجوههم ولا يهذبونها، وكانوا - كما يذكر الرحّالة المسلمون الذين جابوا هذه البلاد في هذا الوقت - لا يستحمّون في العام إلا مرة أو مرتين، بل يظنون أن هذه الأوساخ التي تتراكم على أجسادهم هي صحة لهذا الجسد، وهي خير وبركة له!! وكان بعض أهل هذه البلاد يتفاهمون بالإشارة، فليست لهم لغة منطوقة أصلًا فضلًا عن أن تكون مكتوبة، وكانوا يعتقدون بعض اعتقادات الهنود والمجوس من إحراق المتوفى عند موته وحرق زوجته معه وهي حية، أو حرق جاريته معه، أو من كان يحبه من الناس، والناس يعلمون ذلك ويشاهدون هذا الأمر، فكانت أوربا بصفة عامّة قبل الفتح الإسلامي يسودها التخلف والظلم والفقر الشديد، والبعد التام عن أي وجه من أوجه الحضارة أو المَدَنية... وقبل الفتح الإسلامي لأسبانيا بسنة أو تزيد قام أحد رجال الجيش واسمه لُذريق بالاستيلاء على السلطة وعزل الملك غَيْطَشَة، وغداة الفتح الإسلامي كان لُذريق هو حاكم البلاد، لكن أتباع الملك السابق ومؤيديه لم يرضوا عن هذا الحكم الجديد، وكانوا يتحينون الفرصة لاستعادة ملكهم، ووجدوها في الفتح الإسلامي ووهموا أن المسلمين طلاب غنائم فلن يستقرّوا في إسبانيا لكنهم لم يجدوا لهذا الوهم إشارة، فالمسلمون حَمَلَة عقيدة يعملون على نشرها وإعلائها. كانت أسبانيا - إذن - قبل الفتح الإسلامي تشكو الاضطراب والفساد الاجتماعي، والتأخر الاقتصادي وعدم الاستقرار، نتيجة السياسة ونظام المجتمع السائد. لكن هذا لا يعني أن هذه السلطة لم تكن قادرة على الدفاع، كما لا يعني انعدام قوتها السياسية والعسكرية، بل كان بإمكانها أن تصد جيشًا مهاجمًا وتحاربه وتقف في وجهه. أقام القوط في أسبانيا دولة اعتبرت أقوى الممالك الجرمانية حتى أوائل القرن السادس الجرماني، وبقيت بعد ذلك تتمتع بقوة عسكرية مدربة وقوية، تقارع الأحداث وتقف للمواجهات... < لماذا تاريخ الأندلس؟ قد يبرز هنا سؤال آخر، لماذا تاريخ الأندلس بالذات؟ لماذا ندرس تاريخ الأندلس دون غيره؟ فنقول: إن تاريخ الأندلس يشمل أكثر من ثمانمائة سنة كاملة، ثمانمائة سنة من تاريخ الإسلام، وتحديدًا من سنة 92 ه، 711 م إلى سنة 897 هـ= 1492 م أي ثمانمائة وخمس سنين، هذا إذا أغفلنا التداعيات التي أعقبت ما بعد 897 هجرية، فهي إذن فترة ليست بالهيّنة من تاريخ الإسلام. فمن العجيب إذن ألا يعرف المسلمون تفاصيل فترة هي أكثر من ثلثي التاريخ الإسلامي، هذا أمر. والأمر الآخر أن تاريخ الأندلس لكبر حجمه وسعة مساحته، مرت فيه كثير من دورات التاريخ التي اكتملت ثم انتهت، فسنن الله في تاريخ الأندلس واضحة للعيان، فقد قامت فيه كثير من الأمم وارتفع نجمها، وسقطت فيه أيضا كثير من الأمم وأفل نجمها، كثير من الدول أصبحت قوية، ومن ثم راحت تفتح ما حولها من البلاد، وكثير من الدول سقطت وهوت، وأصبحت في تعداد الدول المنهزمة والتي نسمع عن مثلها في هذه الآونة، أيضًا ظهر في تاريخ الأندلس المجاهد الشجاع، وظهر في تاريخها الخائف الجبان، ظهر في تاريخ الأندلس التقي الورع، وظهر في تاريخ الأندلس المخالف لشرع ربه سبحانه وتعالى، ظهر في تاريخ الأندلس الأمين على نفسه وعلى دينه وعلى وطنه، وظهر في تاريخ الأندلس الخائن لنفسه ولدينه ولوطنه، ظهرت كل هذه النماذج، وتساوى فيها الحكام والمحكومون والعلماء وحتى عوام الناس. وما من شك أن دراسة مثل هذه الأمور يفيد كثيرًا في استقراء المستقبل للمسلمين. هل سمعت عما جرى في الأندلس؟ والآن، تُرى كم من المسلمين يسمع عن موقعة وادي بَربَاط؟ تلك الموقعة التي تُعدّ من أهمّ المواقع في التاريخ الإسلامي، فالموقعة التي فُتحت فيها الأندلس تُشَبّه في التاريخ بموقعتي اليرموك والقادسية، ومع ذلك فإن الكثير من المسلمين لا يسمع من الأساس عن وادي برباط. وتُرى، هل قصة حرق السفن التي يُقال أنها حدثت في عهد طارق بن زياد - رحمه الله - هل هي حقيقة أم من نسج الخيال؟ كثير من الناس لا يعلم حقيقة وتفاصيل هذه القصة، وكيف حدثت؟ إن كانت قد حدثت، وإذا لم تكن حدثت في الأصل فلماذا انتشرت بين الناس؟! ثم، من هو عَبْدُ الرَّحْمَن الدَّاخِل رحمه الله؟ وكم من الناس يعرف تاريخه؟ ذلك الرجل الذي قال عنه المؤرخون: لولا عبد الرحمن الداخل لانتهى الإسلام بالكلية من بلاد الأندلس. ومن هو عَبْدُ الرَّحْمَن الناصر؟ أعظم ملوك أوروبا في القرون الوسطى على الإطلاق. ماذا تعرف عن حياته؟ كيف وصل إلى هذه الدرجة العالية؟ وكيف أصبح أكبر قوة في العالم في عصره؟ يوسف بن تَاشْفِين رحمه الله القائد الرباني، صاحب موقعة الزَلَّاقَة، كيف نشأ؟ كيف ربّى الناس على حياة الجهاد؟ كيف تمكّن من الأمور؟ بل كيف ساد دولة ما وصل المسلمون إلى أبعادها في كثير من الفترات؟ أبو بكر بن عمر اللمتوني، من يسمع عن هذا الاسم؟؟ من يسمع عن هذا المجاهد الذي دخل الإسلام على يده أكثر من خمس عشرة دولة إفريقية؟! إنه أبو بكر بن عمر اللمتوني، من يسمع عنه؟ من يسمع عن أبي يوسف يعقوب المنصور، صاحب موقعة الأَرْكِ الخالدة، تلك التي دُكّت فيها حصون النصارى وانتصر فيها المسلمون انتصارًا ساحقًا؟ من يسمع عن دولة المرابطين المجاهدة؟ ومن يسمع عن دولة الموحّدين وكيف قامت؟ من يسمع عن مسجد قرطبة؟ ذلك المسجد الذي كان يُعدّ أوسع مساجد العالم، ثم كيف حُوّل إلى كنيسة ما زالت قائمة إلى اليوم؟ من يسمع عن مسجد إشبيلية؟ من يسمع عن جامعة قرطبة والمكتبة الأموية؟ من يسمع عن قصر الزهراء ومدينة الزهراء؟ من يسمع عن قصر الحمراء؟ وغيرها من الأماكن الخالدة التي أمست رسومًا وأطلالًا، وهي اليوم في عداد أفضل المناطق السياحية في إسبانيا وتُزار من عموم الناس سواء مسلمين أو غير مسلمين. ثم من يسمع عن موقعة العِقَاب؟ تلك التي مُني فيها المسلمون بهزيمة ساحقة، رغم تفوقهم على عدوهم في العدد والعدة، وكأن حُنَيْن عادت من غابر التاريخ لتروي أحداثها في موقعة العقاب، تلك الموقعة التي قال عنها المؤرخون: بعد موقعة العقاب لم يُر في الأندلس شابٌ صالحٌ للقتال. من يعلم أن عدد المسلمين الذين هلكوا في هذه الموقعة الضخمة قد تجاوز ثمانين ألف مسلم؟ كيف سقطت الأندلس؟ وما هي عوامل السقوط التي إن تكررت في أمّة من المسلمين سقطت لا محالة بفعل سنن الله الثابتة. ثم كيف وأين سطعت شمس الإسلام بعد سقوط الأندلس؟ كيف جاء غروب شمس الإسلام في الأندلس في غرب أوروبا متزامنًا مع إشراقها وسطوعها في القسطنطينية شرق أوروبا؟ ما هي مأساة بَلَنْسِيَّة؟ وكيف قُتل ستون ألف مسلم في يوم واحد؟ وما هي مأساة أوبذّة؟ وكيف قُتل ستون ألف مسلم آخرين في يوم واحد؟ ما هي مأساة بَرْبُشْتُر، وكيف قُتل أربعون ألف مسلم في يومٍ واحدٍ، وسُبي سبعة آلاف فتاة بكر من فتيات بَرْبُشْتُر؟ وإننا لنشاهد هذه الأحداث الغابرة تتحدث الآن عن نفسها في * البوسنة والهرسك وغيرها من بلاد المسلمين... ماذا كان ردّ فعل المسلمين، وكيف تصرفوا، وكيف قاموا من هذه المآسي المفزعة، أسئلة كثيرة وكثيرة، لو استطعنا الإجابة عنها لعرفنا كيف ننهض الآن ونقوم. إن تاريخ الأندلس بصفحاته الطويلة - أكثر من ثمانمائة سنة - يُعدّ ثروةً حقيقية، وثروة ضخمة جدًّا من العلم والخبرة والعِبرة، ومن المستحيل في هذه الدراسة أن نلمّ بكل أحداثه وتفصيلاته، بل لا بدّ وأن نُغفل منه بعض الجوانب، ليس تقليلًا من شأنها وإنما اختصارًا للمساحة. ومن الواجب على الجميع أن يبحث في هذا التاريخ، تاريخ الأندلس، تاريخ ثمانمائة سنة؛ إذ هو يحتاج أكثر وأكثر مما أفردنا له، فلا بدّ من القراءة والاستزادة من المصادر التاريخية وغيرها. وتاريخ الأندلس هذا يُعدّ جزءًا ضئيلًا جدًا من تاريخ الدولة الإسلامية ذات الألف وأربعمائة عام من الزمن، وذات الأبعاد الجغرافية الهائلة من المساحة، فانظر أيها المسلم إلى العمل الذي يجب أن تفعله، ولا تركن أبدًا إلى الدَّعة والكسل، لا تركن أبدًا إلى السكون، فأمامك طريق طويل جدًا حتى تتعرف على سنن الله سبحانه وتعالى. طبيعة الجهاد في الإسلام الموضوعالأصلي : الطريق إلى الأندلس // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: RAOUFfe
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |