جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: منتديات الجامعة و البحث العلمي :: منتدى البحوث العلمية والأدبية و الخطابات و السير الذاتيه الجاهزه |
الجمعة 1 مايو - 21:09:45 | المشاركة رقم: | |||||||
عضو نشيط
| موضوع: التوازي ولعبة المرآة في رواية الرماد الذي غسل الماء التوازي ولعبة المرآة في رواية الرماد الذي غسل الماء التوازي ولعبة المرآة في "الرماد الذي غسل الماء" مقاربة سميائية الدكتور:حسين فيلالي (جامعة بشار) تعتبر الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة العربية حديثة النشأة، إذ يتفق المؤرخون لهذا الجنس الأدبي على أن الرواية الجزائرية لم تبدأ تتشكل معالمها الفنية إلا مع بداية السبعينيات وقد تميزت هذه الفترة بظهور أعمال عديدة تمحورت أغلب موضوعاتها حول التحولات الاجتماعية والسياسية للدولة الجزائرية الفتية. وقد يلاحظ الدارس أن الكثير من هذه الأعمال الروائية قد غلبت المضمون على الشكل فسقطت في الخطابية والدعائية، ففقدت صوتها، وتحولت في أغلبها إلى خطب سياسية لا تختلف لغتها عن لغة السياسي بل صارت ترجيعا لصوته. - ولعل مرد ذلك حسب رأينا يرجع إلى: - غياب النموذج المثال. - عدم ترك مسافة بين الرؤيا الإبداعية وبين الأحداث الواقعية. - الفهم الخاطئ لجنس الرواية كفن له خصائص: لغة تختلف عن لغة التخاطب اليومي، وتخييل قصصي . - ولقد أفرزت مرحلة السبعينيات والثمانينيات أسماء عديدة سرعان ما بدأ البعض منها ينسحب، ويختفي من الساحة الأدبية لتبقى أسماء معدودة ومعروفة تواصل الكتابة، كالطاهر وطار، و ابن هدوقة، وعبد المالك مرتاض، وعلاوة بوجادي، إسماعيل غموقات، شريف شناتلية، علاوة وهبي، وجلالي خلاص، والسايح لحبيب، ومرزاق بقطاش، محمد مفلاح، وعرعار محمد، وواسيني لعرج، محمد ساري. ولعل الدارس يجد صعوبة كبيرة، إذ هو حاول رسم منحنى تطور العديد من التجارب الروائية الفنية في الجزائر، ذلك أن هذه الأخيرة ظلت تتأرجح بين الصعود حينا، والنزول أحيانا كثيرة حتى عند المؤسسين، وهو ما يدعو الباحث إلى التساؤل، ويدفعه إلى الوقوف عند هذه الظاهرة التي لم تقتصر على جيل دون غيره. فالباحث في الرواية الجزائرية قد يراهن على تجربة من التجارب، وينتظر نضوجها، بل إضافاتها لكن سرعان ما يخسر الرهان، إذا تبقى التجربة الأولى- في الغالب- هي أنضج تجارب الكاتب هي البداية والنهاية، وعندها يتوقف منحنى التطور. - و لعل اللغة الفنية تبقى الغائب الأول في العديد من التجارب الروائية سواء عند الرواد أو الجيل الجديد وهو ما حرم الرواية الجزائرية من تجاوز المحلية. - لقد ألفينا اهتمام كتاب الروائية عندنا ينصب على المضمون الذي يكون في الغالب إيديولوجيا حتى بعد مرحلة التأسيس. - وليس توظيف الإيديولوجي مما يؤخذ على الأديب، أو يرد عليه، فنحن لا نتصور عملا فنيا بدون إيديولوجية إلا على مستوى أذهان المنظرين الجاهلين لماهية الفن المتحدثين من خارج التجربة الإبداعية. - إن ما ندعو إليه هو إبداع يصهر الإيديولوجي في بوتقة الفني بحيث لا يشعر المتلقي أنه أمام خطاب سياسي مغلف برداء أدبي رث لا يستر عورة المعاني. - لقد كان على الأدب الجزائري أن ينتظر مرحلة التسعينيات، ليسجل حضوره القوي، على مستوى الكتابة الروائية مع الشاعرة أحلام مستغانمي في روايتها ذاكرة الجسد، التي لقيت نجاحا خارج الجزائر، لفت إليها أنظار الدارسين الجزائريين وزاد الاهتمام بها- نقدا، وانتقادا- بعد فوزها بجائزة الأديب نجيب محفوظ. - وما كان لأحلام أن تتبوأ هذه المكانة لولا اشتغالها في المقام الأول على لغة سردية فنية، وتخييل قصصي ، ولعلي لا أجانب الصواب إذا قلت: إن قوة ذاكرة الجسد تكمن في لغتها الفنية. وقد يكون هذا ما جعل البعض يستكثر على الأدب الجزائري هذا العمل الرائد، ويشكك في مقدرة الروائية الجزائرية، بل سارع البعض إلى نسبه إلى شعراء بحجة أن لغة القص التخييلي في ذاكرة الجسد تجنح إلى الشعرية. وأفتح قوسا هنا لأشير إلى الفهم الخاطئ لمفهوم مصطلح الشعرية عند بعض الدارسين العرب حيث اعتقدوا أن الكلمة آتية من الشعر، فراحوا يبحثون عن لغة الشعر في الرواية، والقصة بحجة تداخل الأجناس الأدبية الذي عدوه محمده، فضلوا، وأضلوا،و قد نسوا أن الأجناس الأدبية نشأة متداخلة، ولعل الإشكالية لا تزال قائمة في تاريخ الأدب، فهناك من يعتبر الشعر قد انبثق من رحم النثر. - وسواء انبثق النثر من الشعر أو العكس فإن استقلال الأجناس نعتبره فتحا في تاريخ الأدب، فمبدأ الاستقلالية نراه أكثر ايجابية من مبدأ الضم، والاحتواء،أو التداخل الذي يميع الأصل، ويغيب خصوصية الجنس. و لم تكن تجربة أحلام الروائية الوحيدة في الجزائر التي اهتمت باللغة الفنية بل هناك تجربة روائيين لم يلتفت إليهما النقد، ولم ينالا حقهما من الدراسة كما نالت أحلام، ونقصد بذلك الروائي عزا لدين جلاوجي الذي نقف عنده في هذه الدراسة، والروائي لحبيب السايح الذي سنفرد له دراسة خاصة به مستقبلا. إن هذه التجارب الثلاث تشكل ظاهرة فنية في الرواية الجزائرية جديرة بالدراسة. - إن المتتبع لتجربة الروائي عزالدين جلاوجي بدء من سرادق الحلم والفجيعة ومرورا بالفراشات والغيلان، ورأس المحنة، وانتهاء بالرماد الذي غسل الماء يقف على ذلك الاهتمام باللغة الفنية كمكون رئيس من مكونات السرد الروائي. - يقول ابن رشيق في كتاب العمدة: وكان الكلام كله منثورا فاحتاجت العرب على التغني بمكارم أخلاقها وطيب أعرافها وذكر أيامها الصالحة وأوطانها النازحة فتوهموا أعاريض جعلوها موازين الكلام فلما تم لهم وزنه سموه شعرا. البرامج السردية إن الملفت للنظر في تجربة الكاتب عزا لدين جلاوجي، هو ذلك التوازي الذي تشتغل عليه جل أعماله، حيث نقف على برنامجين متوازيين، يشتغل عليهما السرد الروائي، ففي الفراشات والغلان يسير برنامج الغيلان بالتوازي مع برنامج الفراشات حتى وإن خدعنا في البداية بالواو العاطفة بين الفراشات والغيلان، واعتقدنا أنها واو رابطة، فإننا سرعان ما ندرك خطأ هذا الاعتقاد ونحن نلج المتن الروائي، إذ نكتشف أن هذه الواو حققت على مستوى الدلالة نوعا من المفارقة، ولهذا اقترحنا تسميتها بالواو الفارقة . وهذا التوازي نجده في الروايات الأخرى: سرادق الحلم، والفجيعة،ورأس المحنة،و الرماد الذي غسل الماء التي سنقف عند بعض جمالياتها في هذه الدراسة. سيميائية العنوان: أول ما يواجه القاري في هذه الرواية عنوانها: الرماد الذي غسل الماء،فيبدأ يقلب هذه الجملة /العنوان، ويفكك إشاراته اللغوية حتى يستطيع إعادة تركيبه والولوج إلى دلالاته. فالعنوان يتكون من الوحدات التالية : الرماد الذي غسل الماء يتكون العنوان من أربعة إشارات لغوية دالة، وفاعلة بحيث لا نجد ما يمكن أن نسميه بالفضلة بالمصطلح النحوي، والتي يمكن أن نستغني عنها دلاليا مما يصعب مهمة القاري, ويدفعه إلى إعادة ترتيب عناصر العنوان. إعادة ترتيب العنوان: الرماد غسل الماء: -1 تبقى هذه الجملة ناقصة، إذ لا يمكن للقاري الاستغناء عن اسم الموصول (الذي) كما لا يمكنه أن يتصرف في أسلوب الكاتب بالحذف، ولعل اسم الموصول سمي موصولا لأنه يصل ما قبله بما بعده على مستوى البنية النحوية. واسم الموصول لابد له من صلة وعائد، فصلة الموصول (يغسل الماء) هنا عائدة على الرماد وقد ساعدت دلاليا على إزالة إبهام جملة الرماد الذي. - الذي غسل الماء الرماد:2 هذه الجملة تبقى مساوية للعنوان الأصلي في الدلالة: الرماد الذي غسل الماء حتى وإن تغيرت بنيتها النحوية، فالفعل يبقى واحد، والفاعل هو هو. فالنتيجة هي أننا أمام اسم متصدر للجملة(الرماد)، وما تبقى من إشارات لغوية تابعة له في المعنى أي أن الجملة واصفة للرماد، والوصف يتبع الموصوف على مستوى البنية النحوية، ويزيد من تعريفه على مستوى الدلالة. فالعنوان إذن يضعنا أمام مفارقة من خلال التركيز على فعل الرماد، وليس على الرماد. وهو بهذا يضيق مجال القراءة، ويحد من حرية الدارس إذ أن الاسم/الرماد لم يبق في حدود الإطلاق، وإنما قيد الوصف فعل الموصوف وخصه بفعل المحو. وكأني هنا بالروائي يوحي للقاري باستبعاد رمز الرماد المعروف في الثقافة العربية المرتبط بفعل إيجابي "كثير الرماد"، والذي هو كناية عن الجود. هكذا يضعنا الروائي أمام مفارقة دلالية من خلال العنوان الرماد الذي غسل الماء، ويسلبنا ما نعرفه من دلالة عن رمز الرماد، ويرغمنا على اللجوء إلى إعادة صياغة سؤال العنوان. فكيف يتحول الرماد الذي هو رمز من رموز الفناء، والضعف، إلى عنصر فاعل فعلا ايجابيا؟ وكيف يغسل الرماد الماء، وهو فاقد للحياة، بل هو اثر من آثار الفناء؟ من هنا تبدأ الرواية في استفزاز القارئ، وتجعله يعيد النظر في قراءة العنوان. وإذا حاولنا توزيع مفردات العنوان حسب انتمائها إلى حقل دلالي ما فإننا لا نجد سوى طريقة وحيدة هي: الحقل الدلالي الأول: نجد فيه عنصرين: الماء يغسل فالماء رمز الحياة، ومن وظيفته فعل الغسل. الحقل الدلالي الثاني نجد فيه عنصر وحيد هو: الرماد وهو رمز الفناء والسكونية. و يبقى من العنوان: اسم الموصول الذي يسميه النحويون اسم الموصول الخاص ولا اعتبار له دلاليا بمفرده لأنه يحتاج إلى صلة وعائد كما لا اعتبار لدلالة الجملة/العنوان بدونه فهو يخصص الرماد ويسمه بخاصية المحو(الرماد الذي غسل الماء). إن بنية عنوان الرواية (الرماد الذي غسل الماء) تخرق الترتيب المنطقي للأشياء، وتقلب المعني المتعارف عليه لفعل الماء، فتجعل الرماد رمز الفناء والسكونية يسلب الماء أحد أهم خصائصه، وهي الحركة والحياة. وهكذا ينتصر فعل الموت في العنوان على الحياة، حتى وإن كانت الرواية لا تذكر الموت بالاسم الصريح، وإنما تتشكل صورته لدى القارئ كفعل يمتد في الزمان، والمكان، والإنسان من خلال سير السرد الروائي. ونحن ندخل متن الرواية ينتقل الرماد/الموت إلى عين الرماد والعين هنا رمز الحياة الذي يتحول عبر الرواية إلى رمز للموت (فمنذ أن هزت جريمة القتل الشنعاء فرائص عين الرماد...). وينتشر الموت وينتقل إلى المكان فنقرأ في الرواية(ومدينة عين الرماد كالمومس العجوز تنفرج على ضفتي نهر أجدب أجرب...). وبعد أن زحف الموت على عنصر الحياة وهو العين/ الماء، وعم المدينة رمز الحياة والحضارة تكون قد تشكلت صورته النهائية من خلال تدرج فعله في عناصر الحياة : - عين الرماد - مدينة عين الرماد ويسري فعل الموت/الرماد في عتبات النص ويتغلغل في المتن من خلال انتصار رمز الرماد/الموت على رمز الماء/الحياة عتبات النص/خارجيات النص: يسمى بعض النقاد النصوص الخارجة عن المتن بعتبات النص، وقد تتوفر العتبات على إشارات تصلح لأن تكون مفاتيح للولوج إلى باحة النص. إن القاري لرواية الرماد الذي غسل الماء يجد نفسه أمام إهداءين يتصدران الرواية أحدهما عام، والآخر خاص يمكن اعتبارهما امتدادا لفعل ثنائية العنوان الرماد/الماء. الإهداء العام: (يا بشراه...يذبحنا التتار البيض كل مساء، فتجري منا الأرض دموعا ودماء...إلى الأشجار التي وقفت بكبرياء في جنين والفلوجة متحدية زوابع أعداء الإنسانية...) يتضمن الفعل يذبحنا دلالة صريحة لفعل القتل الجماعي، وتأتي إشارة (كل مساء لتوسع من دائرة القتل وتجعله يتجدد. ثم ينتقل الإهداء من التعميم إلى التخصيص ومن التصريح إلى التلميح (الأشجار الواقفة في جنين والفلوجة...). هكذا تبقى ثنائية العنوان الرماد/الماء امتدادا لفضاء الفلوجة، ولجنين وتبدو الرسالة الموجهة للقاري واضحة الشفرات، ففعل الرماد/الموت يزحف، يمتد من الفلوجة إلى جنين، وهكذا تتشكل خريطة الرماد/ الموت من بحر العرب حتى سيناء كما يصرح بذلك النص. الإهداء الخاص: إلى فلذة الكبد، ودفقه الفؤاد علاء الدين الذي أشرق ليملأ البيت حبورا ثم رحل ذات صباح دون استئذان، موعدنا الجنة. لا يحتاج القاري إلى ذكاء أو براعة تأويل ليصل إلى دلالة هذا النص/ الإهداء وربطه بفعل العنوان الرماد/الموت.فالنص هنا يركز على الرسالة بل مضمون الرسالة، ويبعثها عارية المعاني، بل هي من المعاني المطروحة في الطريق كما يقول الجاحظ. العتبة/المفصل: جاءت هذه العتبة مخالفة للعتبتين السابقتين، ومشابهة لهما، فهي من جهة لم تسم كسابقتيها المناصات الخارجية (الإهداء العام- الإهداء الخاص)، وإنما جاءت مبتورة التسمية، تدخل القارئ مباشرة في أجواء النص (حبيبي وأنا أتدحرج في مهاوي الأيام، أنكث ضفائر العمر الحزين... تتحداني براثن الليالي الحالكات.. لم أعد أشعر بدفء الحب يحضن قلبي الصغير.. ما عدت أتنشق شذاه يدغدغ الفرح في جوانحي... بحثت عنك كثيرا... قلبت حتى ابتسامات الأطفال وتجاعيد الكبار.. وحلم الأبكار ينتظرن عاشقا على شرفات العمر.. طاردتك خلف زقزقات العصافير الرمادية، وبين ثنايا الصبا يهب حزينا منكسا على مدينتنا البائسة.. ساءلت عنك البراءة في وجوه الصغار والدموع المضطربة على شرفات العيون... والأحلام المقبورة في نفوس المقهورين وكنت دائما أراك خيط دخان ينفلت من بين أصابعي البضة المرتجفة... وتظل تبتعد إلى أعلى يشيعك الحلم في عيني وفي قلبي الصغير عسى أن ألقاك يوما ما.. في مكان ما. وها البأس يا سيدي يتغشاني غمامة رمادية... فمنذ أن هزت جريمة القتل الشنعاء فرائص عين الرماد والناس لا حديث يتجاذبونه أطرافه إلا عنها..). هذا النص جاء بين خارجيات النص وبين المتن، وهو يختلف عن المنصات الأخرى كما ذكرت من حيث: المرسل/الراوية، والوظيفة. العلاقة بين النص المفصل، وبين المتن. فالراوي في المناصات الأخرى يتحدث بصيغة الجمع بينما تتحدث الراوية هنا بصيغة المفرد، وتخصص المتلقي بصفة حبيبي، سيدي. نشعر من البداية أن فعل العنوان يسري في النص المفصل من خلال الجمل التالية: أنا أتدحرج في مهاوي الأيام... أراك خيط دخان... اليأس يا سيدي يتغشاني غمامة من رماد... يمد أكفانه إلى حلمي وقلبي... إن هذه الجمل تشترك في عنصر السلبية، إذ يحاول الناص من خلالها إشراك المتلقي، وإشهاده على انهيار الشخصية/ الراوية. ولعل جملة اليأس يتغشاني غمامة من رماد.. تمثل امتداد فعل العنوان في النص، إذ ستمطر هذه الغمامة موتا يفيض، ويغمر خريطة النص الروائي. ونحن ندخل متن الرواية ينتقل الرماد رمز الموت إلى جزء حيوي من المدينة (عين الرماد). والعين هنا رمز الحياة الذي يتحول عبر الرواية إلى رمز للموت (فمنذ أن هزت جريمة القتل الشنعاء فرائص عين الرماد...). وينتشر الموت، وينتقل إلى حيز أكبر، فنقرأ في الرواية (ومدينة عين الرماد كالمومس العجوز تنفرج على ضفتي نهر أجدب أجرب...). ولعل النهر الأجدب الأجرب ينتمي إلى حقل الرماد، ويشترك معه في ففعل الموت. وبعد أن زحف الموت على عنصر الحياة وهو العين/ الماء، وعم المدينة رمز الحياة، والحضارة، تكون قد تشكلت صورته النهائية الرمزية من خلال تدرج فعله في عناصر الحياة : الرماد الذي غسل الماء. ولعل الماء المقصود هنا، هو ماء الحياة الذي يتجاوز البعد البيولوجي للكائن الحي، فيشمل البشر، وما له علاقة بهم من عمران وغيره. ودليلنا هو أن ترتيب الرماد في بنية الجملة في الرواية من متصدر متبوع في العنوان (الرماد الذي غسل الماء) إلى تابع في متن الرواية: - عين الرماد - مدينة عين الرماد - لم يغير في دلالته المركزية حتى وإن تغير ترتيبه في بنية الجملة فأصبح تابعا (مضاف إليه) لا متبوعا، ولكن هذا التابع في البنية النحوية يظل متبوعا على مستوى الدلالة، ولا يعرف ما قبله إلا به. فالرماد في جملة عين الرماد يظل متصدرا للدلالة فهو المعرف لما قبله (عين) وهو الذي يخرجه من التنكير، إلى المعرفة، فلفظة عين تظل مبهمة ما لم يتدخل الرماد ليزيل الإبهام: عين الرماد. وفي الجملة الثانية يتراجع ترتيب الرماد مرتبتين: - مدينة عين الرماد. ومع ذلك تبقى الجملة مبهمة نكرة (مدينة عين) ما لم يتدخل الرماد (مدينة عين الرماد). - إن تحول الرماد/الموت من متصدر لبنية العنوان معرفا نحويا بنفسه (الرماد)، إلى معرفا لغيره عبر المتن الروائي أي مضافا إلى عين الرماد، أو مدينة عين الرماد يجعله يشكل النواة المركزية التي تتفرع عنها كل الدلالات الأخرى في الرواية. ولعلنا نستأنس هنا بمقولة كانط (يسهل عليك أن تكشف شيئا ما بعد أن يكون قد أشير عليك في أي اتجاه ينبغي أن تنظر لكي تراه.). ولعل رواية الرماد الذي غسل الماء تشير علينا أن ننظر إليها وفق بنية التوازي التي تشتغل عليها ثنائية الحياة/ الموت والتقديم، والتأخير في بنية الجملة لا يأتي عبثا وإنما غالبا ما يأتي لعلة بلاغية ودلالية. إن الرواية ستظل تشتغل على ثنائية الحياة/ الموت، ويظل الموت يزحف على كل أثر من آثار الحياة في الرواية. الحاشية/المرآة: تأتي الحاشية في التراث العربي لتوضيح معنى، أو تزيل غموضا، أو تضيف رأيا، أو تعليقا على رأي، وهي على العموم من خارجيات النص. لكن الروائي يجعل الحواشي هنا جزءا من المتن، متعلق وجودها بوجود النص الأصلي نفسه، ويعطيها وظيفة هامة،هي وظيفة التعريف. فالروائي يوقف سير السرد، ويكسر خطيته ليضع أمام القارئ حاشية/ مرآة تعكس إما صورة الشخصية، وإما صورة المكان وإما صورة الزمان. صورة الشخصية. حاشية2: (لا أحد يدري بالضبط من أين جاءت لعلوعة..فقد ملكت على الجميع نفوسهم، وقلوبهم، وشغلتهم بجمالها، فصارت حديث مجالسه، وسمرهم،ولكنها هي تذكر جيدا أنها درجت صغيرة في ضاحية، منعزلة في ضواحي مدينة عين الرماد، وتذكر جيدا ذلك الصباح الذي كانت برفقة أمها في السوق تجمعان فضلات الخضر، والفواكه لتعودا بها مساء إلى بيتهما القز ديري المعزول... ولم تمض إلا أشهر حتى صارت لعلوعة حديث الناس، والقصور، والجرائد، والقنوات... وتحدث عنها مسؤول كبير قائلا: لقد رفعت راية الوطن في دول العالم وقيل ممثل الثقافة حينها.) إن الحاشية هنا تغدو بمثابة وثيقة تعريف إضافية للشخصية، فهي الكاشفة لما هو مخفي من صورتها . الماقبل /المابعد: نسجل في هذه الحاشية خبرين متوازيين متعلقين بالشخصية، يمكن أن نطلق عليهما خبر الماقبل، وخبر المابعد. خبر الماقبل تمثله جملة (لا أحد يدري بالضبط من أين جاءت لعلوعة). هذا الخبر يؤدي وظيفة هامة يمكن أن نطلق عليها وظيفة التنكير،و التحفيز، تنكير جزء من حياة الشخصية، وتحفيز القارئ على البحث عما هو مجهول من حياتها. وخبر المابعد تمثله جملة (فقد ملكت على الجميع نفوسهم وقلوبهم، وشغلتهم بجمالها، فصارت حديث مجالسهم، وسمرهم). هذا الخبر يؤدي وظيفة التعريف بالشخصية التي صارت حديث الناس. وهكذا يظل خبر (لا احد يدري,...) يعمل في توازي مع خبر(شغلتهم بجمالها.. لم تمض إلا أشهر حتى صارت لعلوعة حديث الناس، والقصور، والجرائد، والقنوات...) وإذا كان ما بعد المجيء معروفا لدى الجميع (فقد ملكت على الجميع نفوسهم وقلوبهم، وشغلتهم بجمالها، فصارت حديث مجالسه، وسمرهم).فإن ما قبل المجيء يظل سرا تحتفظ به الشخصية حتى تتدخل الحاشية/المرآة فتكشف ما لا تود الشخصية البوح به عبر السرد الروائي، وتعكس السر، وتفضحه (هي تذكر جيدا أنها درجت صغيرة في ضاحية، منعزلة في ضواحي مدينة عين الرماد، وتذكر جيدا ذلك الصباح الذي كانت برفقة أمها في السوق تجمعان فضلات الخضر، والفواكه لتعودا بها مساء إلى بيتهما القز ديري المعزول.) إن لعلوعة التي صارت نجمة تتحدث عنها وسائل الإعلام، ويحج إليها الولاة والوزراء والجنرالات والأثرياء كما يقول النص الروائي نراها هنا تبوح بماضيها الذي لا يعرفه غيرها، فكأنها تقف أمام مرآة تحدث نفسها أو هي في حالة لا وعي، غير قادرة على التحكم في ما ينبعث من العقل الباطن. ولعل المرآة هنا تصبح كاشفة للداخل وليس للخارج فهي بمثابة التنويم المغنطيسي الذي يحرر اللاوعي. صورة المكان والزمان. حاشية :3 (ومدينة عين الرماد كالمومس العجوز، تنفرج على ضفتي نهر أجدب أجرب تملأه الفضلات التي يرمي بها الناس والتي تتقاذفها الرياح..تتدحرج فيها البنايات على غير نظام ولا تناسق يسد عليها الريح من الجنوب أشجار غابة صغيرة..تعاود الانحدار مرة ثانية على جبل صغير تشقه طريق معبد، تنزوي قريبا منها عين الرماد الأصلية...و تمتد المدينة من الجهة الأخرى مرتفعة قليلا ثم مستوية ثم هابطة إلى أسباخ نخرة..و تمتلئ مدينة عين الرماد بالحفر، وببرك المياه القذرة... إلى جانب من جنوبها تمتد مساحة كبيرة مستوية تلتصق بالمدينة ثم تغوص في الغابة...وحدها هذه الجهة تقوم بها بنايات أنيقة منظمة أقامها الفرنسيون يوم أسسوا المدينة التي سموها La belle ville المدينة الجميلة.) إن الروائي يضع في هذه الحاشية/ المرآة صورتين متوازيتين، أو مرآتين متوازيتين، تعكس الأولى وجه حاضر المدينة، والأخرى ماضي المدينة. المرآة الأولى تمثل هذا المرآة الحاضر الذي يمتد إلى المستقبل: - تنفرج على ضفتي نهر أجدب أجرب. - تملأه الفضلات. - تتدحرج فيها البنايات على غير نظام ولا تناسق. - تنزوي قريبا منها عين الرماد الأصلية. - تمتلئ مدينة عين الرماد بالحفر وببرك المياه القذرة. هكذا يقدم الراوي أوصافا متعددة لوجه حاضر المدينة، ويترك الراوي هذه الوصاف تشع بمعاني يمكن من خلالها أن يشكل المتلقي الصورة النهائية لوجه للمدينة.و كأننا بالكاتب عجز عن إيجاد وصف يرتضيه لمدينة عين الرماد، أو أحجم عن فعل ذلك، فراح يفصل في أوصافها، ويشرك القارئ في التسمية النهائية للمدينة، والتي لن تكون سوى المدينة القبيحة. ولعل وصف المدينة بالمومس العجوز إيحاء بما وصلت إليه من القبح بحيث لم تعد تستطيع أن تجذب حتى الشواذ. المرآة الثانية العيش خارج الزمن الخاص. إذا كان الروي في المرآة الأولى قد قدم تفصيلات لأوصاف مدينة عين الرماد، اضمر فيها رسالة موجهة إلى القارئ يمكن أن تقرأ على أن المدينة تتجه نحو الموت، فإن الحنين إلى الزمن الماضي يظل قابعا في أعماق الراوي حتى وإن كان هذا الزمن هو الزمن الكولونيالي (... إلى جانب من جنوبها تمتد مساحة كبيرة مستوية تلتصق بالمدينة ثم تغوص في الغابة...وحدها هذه الجهة تقوم بها بنايات أنيقة منظمة أقامها الفرنسيون يوم أسسوا المدينة التي سموها la belle ville المدينة الجميلة.). وهكذا يتم التوازي بين المكان المتضمن للزمن الحاضر (المدينة القبيحة) والمكان المتضمن للزمن الماضي والتي تعبر عنه جملة المدينة الجميلة (la belle ville). إن الراوي بهذا الشعور يظل رهين الزمن الماضي، فهو في الواقع يعيش في الحاضر بإحساس الماضي. هذا الإحساس يتولد عنه الشعور بالاكتئاب، ويجعل الراوي مشدودا إلى زمن هو في الواقع خارج زمنه المعيش، ولعل هذا ما جعل البعض يعرف الاكتئاب على أنه العيش بإحساس الماضي في الزمن الحاضر. المكان الرمز: عبر السرد الروائي يتم تشكيل المكان الذي تجري فيه الأحداث، وذلك بالانتقال من الجزء إلى الكل: - الرماد - ثم عين الرماد - ثم مدينة عين الرماد. فالرماد كما سبق وأن ذكرنا يزحف على عنصر الحياة/الماء، ويغمر العين، ويمتد فعل الرماد إلى المدينة رمز الحضارة، ويسري في شرايينها. وإذ يحقق الرماد فعل الانتشار يتم عندها فعل التسمية، تسمية المكان (مدينة عين الرماد). هكذا ندخل الرواية، وقد اعتقادنا أننا قبضنا على صورة المكان الرئيسي الذي تدور فيه الأحداث (مدينة عين الرماد)، ورسمنا أبعاده، وصفاته. إن وهم القبض على المكان الجغرافي يظل يرافقنا إلى نهاية الرواية حيث تصدمنا الحاشية الأخيرة رقم 90 فتبدد ما تصورناه عن المكان: (عمد علماء الثار إلى البحث عن مدينة عين الرماد فلم يجدوا لها أثرا فاجزموا أنها لا تعدو أن تكون قصة نسجت خيوطها. مخيلة أحد الأدباء..). من هنا يبدأ سؤال البحث عن المكان يتجدد، فعلماء الآثار لم يجدوا مكانا ماديا ملموسا، فاجزموا أنه لا وجود لما يسمى بمدينة عين الرماد لأنهم حكموا على وجود المكان من خلال قرائن مادية، ومعايير خاصة بهم. وتظهر الراوية التي اختفت عبر مسار السرد الروائي لتنهي الرواية كما بدأتها، وتجيب على سؤال المكان، ونكتشف أنها هي القائمة بالحكي، العالمة بأسرار الحكاية على غرار شهرزاد سيدي (هاذي عين الرماد... وهي ليست شبرا من الجغرافيا ولا حفنة من دواب البشر كما تتوهم بل هي امتداد من الأرض رهيب وهدير من الغثاء تجمد على سطح الأرض...حتى صرت أينما تولوا فثم عين الرماد..). إن الراوية تعلن في النهاية أن مدينة عين الرماد ليست ذات أبعاد جغرافية بل هي امتداد من الأرض بحيث تتحول مدينة عين الرماد إلى رمز لكل مدينة تتصف بصفات مدينة عين الرماد. المصادر والمراجع 1. عزالدين جلاوجي، رواية الرماد الذي غسل الماء،ط1، 2005، دار هومة، الجزائر. 2. ينظر على سبيل المثال عبد الله الركيبي تطور النثر الجزائري الحديث- المؤسسة الوطنية للكتاب-1963 ص:199 3. شلوميت ريمون - التخيييل القصصي- الشعرية المعاصرة- ترجمة- لحسن حمامة –دار الثقافة الدار البيضاء –ط.1/1995 4 - ينظر كتابنا السمة والنص السردي- منشورات أهل القلم- الجزائر 2003 الموضوعالأصلي : التوازي ولعبة المرآة في رواية الرماد الذي غسل الماء // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: ايهاب محمدمسعود
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |