بلاغة القرءان في ذِكر الذهب والفضة وفي ذكر الأموالإن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) (يا أيها الذين اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)
قال محمد البشير الابراهيمي رحمه الله:
" والقرآن هو المثل الأعلى للبلاغة، كما أنه الحجّة في تقرير المقاصد الإنسانية العالية، وإذا تأملنا القرآن واستعرضنا نظمه الكريم وجدناه يذكر الذهب والفضّة في معارض خاصة ويذكر المال أو الأموال في معارض أخرى تخالفها ... يذكر الذهب والفضّة غالبًا في مقامين من مقام الافتتان بالزائف وجزائه في الآخرة، وفي مقام الترغيب فى الجنّة بذكر أنواع النعيم الباقي الذي ألف الناس نوعه في الحياة الدنيا، فيذكر الذهب والفضّة فيما زيّن حبه من متاع الدنيا {وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ}، {لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ}، {فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ}، ويذكرهما في التذكير بسوء عقبى الافتتان بهما وكنزهما وعدم تصريفهما في النفع والخير {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}، كما يذكرهما في أصناف النعيم الأخروي الباقي ترغيبًا للناس في العمل الذي يفضي بهم إلى الجنّة كما هي سنّة القرآن في أسلوب الترغيب بالميول النفسية، ووصف نعيم الجنّة الباقي بما يماثله من نعيم الدنيا الفانية {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ}، {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ}، {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ}، {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ}.
أما المال والأموال فإنما يذكرهما في المعارض الفطرية الثابتة والسنن النفسية الراسخة، مثل {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}، {وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ}، {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، من آيات كثيرة كلها تدخل في باب تقرير السنن الكونية وآيات الله في الأنفس والآفاق.
وانظر- أعزك الله- لو قال قائل في غير القرآن: الورق والبنون زينة الحياة الدنيا، أكان كلامه يعدّ إلّا من أسخف السخف؟ أو قال: إنما ورقكم وأولادكم فتنة، أكان هذا الكلام يحسب إلّا من حكمة الزط في غرائز البط؟ أو قال: جاهدوا في سبيل الله بورقكم وأنفسكم، أكان ينظم إلّا في عداد القَعَدة المثبطين عن الجهاد؟ ومن بلاغة القرآن المعجزة أن يستعمل المال في مقام والأموال في مقام أعلى منه كالجهاد، لأنّ الجمع فيه قصد الشمول من المال الذي هو اسم جنس، واسم الجنس شامل كاسم الجمع ولكن الجمع أشمل منهما، ولما كان الجهاد يحتاج إلى النبال والقسي، والحبال والعصيّ، والرحال والرواحل، والأقتاب والأحلاس، والوص، والزاد والعلوفة، وكلها متمولات، حَسُنَ في قانون البلاغة وأسلوب الترغيب أن يعبر في آيات الجهاد بالأموال."
المصدر :آثار الشيخ البشير الابراهيمي (4-388)