جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: قسم التاريخ و الحضارة الاسلامية :: شخصيات عالمية |
الأربعاء 29 أبريل - 21:14:05 | المشاركة رقم: | |||||||
جوهري
| موضوع: الفوائد الجليّة في القصّة البهيّة الفوائد الجليّة في القصّة البهيّة حسين أحمد سليم تتجلّى الفوائد الكثيرة في قصّة العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع) و لقائه بالنّبي موسى (ع) عند مجمع البحرين غير المحدّد جغرافيّا... و هو ما نستقريء سياق و تفاصيل هذه القصّة العجيبة الغريبة من خلال إبحارنا التّفكّريّ و التّفسيري العقلاني في مطاوي و رموز و أسرار و كهوف الآيات الواردة في سورة الكهف في القرآن الكريم, والتّي تُعنى تحديدا في هذه القصّة المباركة... و التي تتجلّى في هذه الآيات المباركة... "60 وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60), 61 فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61), 62 فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62), 63 قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63), 64 قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (64), 65 فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65), 66 قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66), 67 قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67), 68 وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68), 69 قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69), 70 قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70), 71 فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71), 72 قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72), 73 قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73), 74 فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74), 75 قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75), 76 قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76), 77 فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77), 78 قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78), 79 أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79), 80 وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80), 81 فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81), 82 وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)"... {و إذ قال موسىٰ لفتاه لا أبرح حتىٰ أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} (سورة الأعراف الآية رقم 60). قصّة النّبي موسى (ع) مع العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع) ذكر أسبابها رسول الله النّبي محمّد (ص) في قوله: قام موسى (ع) خطيبا في بني إسرائيل فسُئل أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. قال: فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك... و في المعنى الإجمالي للآية المباركة: تطلّعت همّة النّبي موسى (ع) للقاء ذلك النّبي العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع), مهما كلّفه الأمر من صعاب، فإستعان بفتاه يوشع بن نون قائلا له: لا أزال أمضي حتّى يجتمع البحران فيصيرا بحرا واحدا، بسير قريب، أو أسير أزمنا طويلة فإنّي بالغ مجمع البحرين لا محالة حتّى أجد ذلك العالم, العبد الصالح, العالم, الخضر (ع)... و من الفوائد الجليّة في هذه الآية: أنّ رحلة العالم في طلب الإزدياد من العلم، و إغتنام لقاء الفضلاء و العلماء و إن بعدت أقطارهم، و ذلك في دأب السّلف الصّالح، و بسبب ذلك وصل المرتحلون إلى الحظ الرّاجح، و حصلوا على السّعي النّاجح، فرسخت لهم في العلوم أقدام، و صحّ لهم من الذّكر و الأجر و الفضل أفضل الأقسام... و أنّ المسافر لطلب علم أو جهاد إذا إقتضت المصلحة الإخبار بمطلبه، و أين يريد، فإنّه أكمل من كتمه. فإنّ في إظهاره فوائد من الإستعداد له، و إتّخاذ عدّته، و إتيان الأمر على بصيرة, و إظهار الشّوق لهذه العبادة الجليلة... و الإستعانة على الرّحلة في طلب العلم بالصّاحب و الخادم, فقد إتّخذ النّبي موسى (ع) فتاه يوشع تلميذا و خادما، و الفتى هو الشّاب في كلام العرب... و التّعبير بـ{فتاه} و إضافته إليه, كما يقال: غلامه, و فيه فائدة و هي: شدّة ملازمة يوشع للنّبي موسى (ع) حتّى وصف بالفتى، و التّعبير بـ: {فتى} فيه تأديب للّسان، و عدم جرح المشاعر... و يُقال للخادم فتى على جهة حسن الأدب، و ندبت الشّريعة إلى ذلك في قول النّبي (ص): «لا يقل أحدكم عبدي و لا أمتي و ليقل فتاي و فتاتي» فهذا ندب إلى التّواضع... و أنّه لا بأس على العالم و الفاضل أن يخدمه المفضول في الحضر و السّفر, لكفاية المؤن، و طلب الرّاحة، و دليله من القصّة, حمل فتاه غداءهما... و في قوله: {لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} فيه توطين للنّفس على تحمّل التّعب الشّديد و العناء العظيم في السّفر لأجل طلب العلم، و ذلك تنبيه على أنّ المتعلّم لو سافر من المشرق إلى المغرب لطلب مسألة و احدة لحقّ له ذلك... و فيه كذلك بيان علوّ همّـة النّبي موسى (ع) و شدّة رغبته في الإستزادة مـن العلم... و في قوله, أيضا: {لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا}, التّصميم و توحيد الهمّة و تفريغ النّفس من المشاغل لطلب العلم... و كأنّ في سبب تصميم النّبي موسى (ع) على بلوغ حاجته مهما كلّف الأمر إشارة إلى أنّ فتاه إستعظم هذه الرّحلة، و خشي أن تنالهما فيها مشقّة تعوقهما عن إتمامها... و لذلك كأنّه أراد بإعلان تصميمه أن لا ييأس فتاه من محاولة رجوعهما، و أن يشحذ عزيمة فتاه ليساويه في صحّة العزم حتّى يكونا على عزم متّحد... فمن أراد الصّاحب في السّفر لطلب العلم فليختر أولي العزائم العوالي... و قال تعالى: {فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتّخذ سبيله في البحر سربا}, (سورة الأعراف الآية رقم 61). و المعنى الإجمالي للآية المباركة: عندما أوحى الله للنّبي موسى (ع): {إنّ لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال النّبي موسى (ع): يا ربّ فكيف لي به؟ قال تعالى: تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثَمَّ، فأخذ حوتا فجعله في مكتل... ثمّ إنطلق و إنطلق معه فتاه يوشع بن نون حتّى أتيا الصّخرة وضعا رؤوسهما فناما، و إضطّرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فإتّخذ سبيله في البحر سربا... و السّرب هو النّفق الذي يكون في الأرض للضّبّ و نحوه من الحيوانات ذلك أنّ الله سبحانه, أمسك عن الحوت جر ية الماء، فصار عليه مثل الطّاق... فشبّه مسلك الحوت في البحر مع بقائه و إنجياب الماء عنه بالسّرب الذي هو الكوّة المحفورة في الأرض... فلمّا إستيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فإنطلقا بقيّة يومهما و ليلتهما...}... و من الفوائد الجليّة في هذه الآية: نسبة النّسيان إليهما نسبة حقيقيّة و إن كان يوشع هو الموكل بحفظ الحوت و مراقبته إلاّ أنّ النّبي موسى (ع) هو القاصد بهذا العمل, فكان يهمّه تعهّده و مراقبته... و هذا يدلّ على أنّ صاحب العمل أو الحاجة إذا و كَلَه إلى غيره, لا ينبغي له ترك تعهّده... {فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غدآءنا لقد لقينا من سفرنا هـٰذا نصبا}, (سورة الأعراف الآية رقم 62). فالمعنى الإجمالي للآية المباركة: فلمّا جاوزا مجمع البحرين الذي جعل موعدا للملاقاة, {قال لفتاه آتنا غداءنا} وهو ما يؤكل بالغداة، و أراد النّبي موسى (ع) أن يأتيه بالحوت الذي حملاه معهما... لقد لقينا من سفرنا هٰذا تعبا و إعياء... و هنا تبرز الإشارة بقوله: سفرنا هذا إلى السّفر الكائن منهما بعد مجاوزة المكان المذكور... فإنّهما لم يجدا النّصب حتّى جاوزا المكان الذي أمره الله به... و من الفوائد الجليّة في هذه الآية: إتّخاذ الزّاد في الأسفار، فهذا النّبي موسى (ع) نبي الله و كليمه من أهل الأرض قد إتّخذ الزّاد مع معرفته بربّه، و توكّله على ربّ العباد... {لقد لقينا في سفرنا هذا نصبا}... فيه دليل على جواز الإخبار بما يجده الإنسان من الألم و الأمراض، و أنّ ذلك لا يقدح في الرّضا، و لا في التّسليم للقضاء لكن إذا لم يصدر ذلك عن ضجر و لا سخط... و إستحباب إطعام الإنسان لخادمه من مأكله، و أكلهما جميعا، لأنّ ظاهر قوله: {آتنا غداءنا} إضافة إلى الجميع... و أنّ المعونة تنزل على العبد على حسب قيامه بالمأمور به، و أنّ الموافق لأمر الله يعان فلا يسرع إليه النّصب و الجوع... ذلك أنّ النّبي موسى (ع) لم يجد النّصب إلاّ بعد مجاوزته مجمع البحرين, و أمّا سفره الأوّل فلم يشتكِ منه مع طوله، لأنّه سفر على الحقيقة, و هكذا سفر القلب و سيره إلى ربّه لا يجد فيه من الشّقاء و النّصب ما يجده في سفره إلى بعض المخلوقين... {قال أرأيت إذ أوينآ إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت و مآ أنسانيه إلاّ الشّيطان أن أذكره و إتّخذ سبيله في البحر عجبا}, (سورة الأعراف الآية رقم 63). و في المعنى الإجمالي للآية المباركة: تعجّب فتى النّبي موسى (ع) و قال للنّبي موسى (ع), ممّا وقع له من النّسيان هناك مع كون ذلك الأمر ممّا لا ينسى، لأنّه قد شاهد أمرا عجبا و موضع التّعجّب: أن يحيا حوت قد مات و أكل شقّه، ثمّ جعل الـحوت لا يـمسّ شيئا من البحر إلاّ يبس حتّـى يكون صخرة: أرأيت ما دهاني، أو نابني في ذلك الوقت و المكان الذي أوينا إليه و هو الصّخرة التي كانت عند مجمع البحرين، إذ لم أذكّرك بأمر الحوت، و ما أنساني ذكره لك إلاّ الشّيطان... و من الفوائد الجليّة في هذه الآية: إستخدام البراعة في أسلوب الإعتذار من قبل الفتى يوشع بن نون و ذلك من وجوه: فلمّا تقدّم طلب النّبي موسى (ع) للغداء بعد أن مسّه التّعب و الجوع لم يشأء فتاه أن يُفاجئه بالجواب مباشرة بل مهّد لذلك بممهّدات و منها: البدء بإستخدام أسلوب الإستفهام التّعجّبي: (أرأيت).. و هذا الأسلوب جار على ما هو المتعارف بين النّاس أنّه إذا حدث لأحدهم أمر عجيب قال لصاحبه أرأيت ما حدث لي؟ كذلك ههنا كأنّه قال: أرأيت ما وقع لي منه إذ أوينا إلى الصّخرة، فحذف مفعول أرأيت لأنّ قوله: {فإنّي نسيت الحوت} يدلّ عليه... و مراده بالإستفهام: تعجيب النّبي موسى (ع) ممّا إعتراه هناك من النّسيان مع كون ما شاهده من العظائم التي لا تكاد تنسى، يريد بذلك: تهويله و تعجيب صاحبه منه و أنّه ممّا لا يعهد و قوعه لا إستخباره... و من التّمهيد قوله: {إذ أوينا إلى الصّخرة}, ففيه أدب التّمهيد لتقديم العذر، فإنّ الإيواء إليها و النّوم عندها ممّا يؤدّي إلى النّسيان عادة... و من حسن الإعتذار بيانه أنّ النّسيان الذي وقع لي ليس بتقصير منّي أو إهمال، بل هو بسبب الشّيطان و وسوسته... و أنّ من مداخل الشّيطان إعاقة الإنسان عن طلب العلم، فالشّيطان كان يسوءه إلتقاء هذين العبدين الصّالحين، و ما له من أثر في بثّ العلوم الصّالحة، فهو يصرف عنها و لو بتأخير و قوعها طمعا في حدوث العوائق... {و ما أنسانيه إلاّ الشّيطان}, فيه جواز إضافة الشّرّ و أسبابه إلى الشّيطان، على وجه التّسويل و التّزيين، و إنّ كان الكلّ بقضاء الله و قدره... و في إيقاع النّسيان على إسم الحوت دون ضمير الغداء مع أنّه المأمور بإيتائه قيل: للتّصريح بما في فقده إدخال السّرور على النّبي موسى (ع) مع حصول الجواب... {قال ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا علىٰ آثارهما قصصا * فوجدا عبدا من عبادنآ آتيناه رحمة من عندنا و علّمناه من لدنّا علما}, (سورة الأعراف الآيتان رقم : 63 و 64). و المعنى الإجمالي للآية المباركة: أيّ قال النّبي موسى (ع) لفتاه أمر الحوت و فقده هو الذي كنّا نطلب، فإنّ الرّجل الذي جئنا له ثم... فرجعا يقصّان آثارهما لئلاّ يخطئا طريقهما... {فوجدا عند الصّخرة خضرا على طنفسة خضراء على كبد البحر مُسجّى بثوبه، قد جعل طرفه تحت رجليه، و طرفه تحت رأسه، فسلّم عليه النّبي موسى (ع)، فكشف عن وجهه و قال: هل بأرضك من سلام؟! من أنت؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم}... و هذا العبد المذكور في هذه الآية الكريمة هو العبد الصّالح, الخضر (ع) بإجماع العلماء، و دلالة النّصوص الصّحيحة على ذلك من كلام النّبي محمّد (ص). و قد آتيناه النّبوّة، و علّمناه ممّا يختصّ بنا و لا يعلم إلاّ بتوفيقنا و هو علم الغيوب، و موافقة الحقّ عند الله و لو كانت مخالفة لظاهر الشّرع... و من الفوائد الجليّة في هذه الآية: العلم اللدني هو علم الوحي المستمدّ من كتاب الله و سنّة رسوله (ص)، و في هذا دليل, أنّه لا طريق تعرف بها أوامر الله و نواهيه، و ما يتقرّب إليه به من فعل و ترك إلاّ عن طريق الوحي... و الآيات و الأحاديث الدّالّة على هذا لا تحصى... و الذي فعله العبد الصّالح, الخضر (ع), ليس في شيء منه ما يناقض الشّرع, فإنّ نقض لوح من ألواح السّفينة لدفع الظّالم عن غصبها ثمّ إذا تركها أعيد اللوح جائز شرعا و عقلا... و لكنّ مبادرة النّبي موسى (ع) بالإنكار بحسب الظّاهر. و قد وقع ذلك و اضحا, فإذا جاء الذي يسخرّها فوجدها منخرقة تجاوزها فأصلحها... و أمّا قتله الغلام فلعلّه كان في تلك الشّريعة. و أمّا إقامة الجدار فمن باب مقابلة الإساءة بالإحسان... {قال له موسىٰ هل أتّبعك علىٰ أن تعلّمن ممّا علّمت رشدا * قال إنّك لن تستطيع معي صبرا * و كيف تصبر علىٰ ما لم تحط به خبرا}, (سورة الأعراف الآية رقم 65). و المعنى الإجمالي للآية المباركة: قال النّبي موسى (ع) للعالـم, العبد الصّالح, الخضر (ع): هل أتبعك علـى أن تعلّـمن من العلـم الذي علّـمك الله ما هو رشاد إلـى الـحقّ، و دلـيـل علـى هدى؟ قال العالـم: إنّك لن تطيق الصّبر معي، و ذلك أنـّي أعمل ببـاطن علـم علّـمنـيه الله، و لا علـم لك إلاّ بالظّاهر من الأمور، فلا تصبر علـى ما ترى من الأفعال... و كيف تصبر يا موسى علـى ما ترى منّـي من الأفعال التـي لا علـم لك بوجوه صوابها، و تقـيـم معي علـيها، و أنت إنّـما تـحكم علـى صواب الـمصيب و خطأ المخطئ بـالظّاهر الذي عندك، و بـمبلغ علـمك، و أفعالـي تقع بغير دلـيـل ظاهر لرأي عينك علـى صوابها، لأنّها تبتدأ لأسبـاب تـحدث آجلة غير عاجلة، لا علـم لك بـالـحادث عنها، لأنّها غيب، و لا تـحيط بعلـم الغيب خبرا... و من الفوائد الجليّة في هذه الآية: أنّه: لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم و إن كان قد بلغ نهايته، و أن يتواضع لمن هو أعلم منه... و ليس في ذلك ما يدلّ على أنّ الخضر (ع) أفضل من النّبي موسى (ع)، فقد يأخذ الفاضل عن الفاضل و قد يأخذ الفاضل عن المفضول إذا إختصّ أحدهما بعلم لا يعلمه الآخر، فقد كان علم النّبي موسى (ع) علم الأحكام الشّرعيّة و القضاء بظاهرها، و كان علم الخضر (ع) علم بعض الغيب و معرفة البواطن... و أنّ النّبي موسى (ع) سأل العالم, العبد الصّالح, الخضر (ع), سؤال الملاطف، و المخاطب المستنزل المبالغ في حسن الأدب، بقوله: هل أتّبعك؟ أيّ: هل يتّفق لك و يخفّ عليك؟ و هذا أدب من آداب طالب العلم مع شيخه و معلّمه أن يلاطفه في الكلام... و أنّ النّبي موسى (ع) جعل نفسه تبعا للخضر (ع) له لأنّه قال: {هل أتّبعك}. فالمتعلّم تبع للعالم و إن تفاوتت المراتب... و أنّه إستأذن في إثبات هذا التّبعيّة فإنّه قال: هل تأذن لي أن أجعل نفسي تبعا لك و هذا مبالغة عظيمة في التّواضع... و أنّ قوله: {هل أتّبعك} يدلّ على أنّه يأتي بمثل أفعال ذلك الأستاذ لمجرّد كون ذلك الأستاذ آتيا بها. و هذا يدلّ على أنّ المتعلّم يجب عليه في أوّل الأمر التّسليم و ترك المنازعة و الاعتراض... ز أنّ قوله: {أتّبعك} يدلّ على طلب متابعته مطلقا في جميع الأمور غير مقيّد بشيء دون شيء... أنّه قال: {هل أتّبعك على أن تعلّمني} فأثبت كونه تبعا له أوّلا ثمّ طلب ثانيا أن يعلّمه و هذا منه إبتداء بالخدمة ثمّ في المرتبة الثّانية طلب منه التّعليم... و أنّه قال: {هل أتّبعك على أن تعلّمني} فلم يطلب على تلك المتابعة على التّعليم شيئا كان قال لا أطلب منك على هذه المتابعة المال و الجاه و لا غرض لي إلاّ طلب العلم... و يؤخذ من الآية جواز التّعاقد على تعليم العلم، و أنّه إلتزام يجب الوفاء به... و فيه المسافرة مع العالم لإقتباس فوائده أخذا من قوله: {هل أتّبعك}... و أنّه قال على أن: {تعلّمني} و هذا إقرار له على نفسه بنقص العلم و على أستاذه بالعلم... فالذّلّ للمعلّم، و إظهار الحاجة إلى تعليمه من أنفع شيء للمتعلّم... و أنّ قوله: {تعلّمني ممّا علّمت} معناه أنّه طلب منه أن يعامله بمثل ما عامله الله به و فيه إشعار بأنّه يكون إنعامك عليّ عند هذا التّعليم شبيها بإنعام الله تعالى عليك في هذا التّعليم و لهذا المعنى قيل أنا عبد من تعلّمت منه حرفا... أنّه قال: {ممّا علّمت} و صيغة من للتبعيض فطلب منه تعليم بعض ما علمه الله، و هذا أيضا مشعر بالتّواضع كأنّه يقول له لا أطلب منك أن تجعلني مساويا في العلم لك، بل أطلب منك أن تعطيني جزأ من أجزاء علمك، كما يطلب الفقير من الغنيّ أن يدفع إليه جزأ من أجزاء ماله... أنّ قوله: {ممّا علّمت} إعتراف بأنّ الله علّمه ذلك العلم. فالعلم نعمة منه سبحانه يجب شكرها... و أنّ قوله: {رشدا} أيّ: علما مرشدا للخير، فكلّ علم يكون فيه رشد و هداية لطريق الخير، و تحذير عن طريق الشّرّ، أو و سيلة لذلك، فإنّه من العلم النّافع، و ما سوى ذلك فإمّا أن يكون ضارّا، أو ليس فيه فائدة... و أنّ النّبي موسى (ع) مع هذه المناصب الرّفيعة و الدّرجات العالية الشّريفة أتى بهذه الأنواع الكثيرة من التّواضع و ذلك يدلّ على كونه (ع) آتيا في طلب العلم بأعظم أنواع المبالغة، و هذا هو اللائق به لأنّ كلّ من كانت إحاطته بالعلوم أكثر كان علمه بما فيها من البهجة و السّعادة أكثر فكان طلبه لها أشدّ و كان تعظيمه لأرباب العلم أكمل و أشدّ... و في قوله تعالى: {إنّك لن تستطيع معي صبرا} فيه دليل على أنّ الأنبياء لا يقرّون على منكر، و لا يجوز لهم التّقرير... و فيها أيضا أصل من أصول التّعليم: أنّه ينبّه المعلّم المتعلّم بعوارض موضوعات العلوم الملقّنة لا سيّما إذا كانت في معالجتها مشقّة... و أنّ من ليس له قوّة قي الصّبر على صحبة العالم، و حسن الثّبات على ذلك، فليس بأهل لتلقّي العلم. فمن لا صبر له لا يدرك العلم، لقول الخضر (ع) معتذرا للنّبي موسى (ع) بذكر المانع من الأخذ عنه... إنّك لن تستطيع معي صبرا... أنّ السّبب الكبير لحصول الصّبر إحاطة الإنسان علما و خبرة بذلك الأمر الذي أمر بالصّبر عليه، و إلاّ فالذي لا يدريه، أو لا يدري غايته و لا نتيجته و لا فائدته و ثمرته ليس عنده سبب الصّبر ، لقوله: { و كيف تصبر على ما لم تحط به صبرا} فجعل الموجب لعدم صبره عدم إحاطته خبرا بالأمر... و أنّ المعلّم إن رأى أنّ في التّغليظ على المتعلّم ما يفيده نفعا و إرشادا إلى الخير. فالواجب عليه ذكره فإنّ السّكوت عنه يوقع المتعلّم في الغرور و النخوة و ذلك يمنعه من التّعلّم... {قال ستجدني إن شآء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا}, (سورة الأعراف الآية رقم 66). و المعنى الإجمالي للآية المباركة: عندما قال الخضر (ع): كيف تصبر يا موسى علـى ما ترى منـّي من الأفعال التـي لا علـم لك بوجوه صوابها؟ أجاب النّبي موسى (ع): ستـجدنـي إن شاء الله صابرا علـى ما أرى منك و إن كان خلافـا لـما هو عندي صواب، و لا أعصي لك أمرا أيّ: و أنتهي إلـى ما تأمرنـي، و إن لـم يكن موافقا هواي... و من الفوائد الجليّة في هذه الآية: التّواضع الشّديد من النّبي موسى (ع) و إظهار للتّحمل التّامّ، و كلّ ذلك يدلّ على أنّ الواجب على المتعلّم إظهار التّواضع بأقصى الغايات، و أمّا المعلّم فإنّ رأى أن في التّغليظ على المتعلّم ما يفيده نفعا و إرشادا إلى الخير. فالواجب عليه ذكره فإنّ السّكوت عنه يوقع المتعلّم في الغرور و لنخوة و ذلك يمنعه من التّعلّم... و في قوله: {إن شاء الله} دليل على أنّ أفعال العباد واقعة بمشيئة الله تعالى... و تعليق الأمور المستقبلة التي من أفعال العباد بالمشيئة، و أن لا يقول لشيء إنّي فاعل ذلك غدا إلاّ أن يقول: {إن شاء الله}... {قال فإن إتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتّىٰ أحدث لك منه ذكرا * فإنطلقا حتّىٰ إذا ركبا في السّفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا * قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرا * قال لا تؤاخذني بما نسيت و لا ترهقني من أمري عسرا}, (سورة الأعراف الآيات رقم: 67 حتّى 80). و المعنى الإجمالي للآية المباركة: قال الخضر (ع) للنّبي موسى (ع): فإن إتّبعتنـي الآن و رأيت منّي شيئا خفي عليك وجه صحّته فأنكرت في نفسك فلا تفاتحني بالسّؤال حتّى أكون أنا الفاتح عليك بحاله في الوقت الذي ينبغي إخبارك به... فإنـّي قد أعلـمتك أنـّي أعمل العمل علـى الغيب الذي لا تـحيط به علـما...{فإنطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت بهما سّفينة فكلّموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر (ع) فحملوه بغير نول، فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلاّ و الخضر (ع) قد قلع لوحا من ألواح السّفينة بالقدّوم، فقال له النّبي موسى (ع): قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا... }, أيّ: لقد جئت شيئا عظيـما، و فعلت فعلا منكرا... عندئذ قال الخضر (ع) للنّبي موسى (ع) معرضا باللوم بما إلتزم: أتقرّ أنّي قلت إنّك لا تستطيع معي صبرا؟ فإعتذر النّبي موسى (ع) لا تؤاخذني فإنّ ذلك وقع على وجه النّسيان، و لا تعسّر عليّ في المعاملة و إصفح عنّي... و من الفوائد الجليّة في هذه الآية: في قول النّبي موسى (ع): {أخرقتها لتغرق أهلها} كمال شفقة النّبي موسى (ع)، و نصحه للخلق، فلم يقل {لتغرقنا} فنسي نفسه، في الحالة التي لا يلوي فيها أحد على أحد... أنّ النّسيان لا يقتضي المؤاخذة لا في حقّ الله، و لا في حقّ العباد، و أنّه لا يدخل تحت التّكليف... و أنّ عمل الإنسان في مال غيره إذا كان على وجه المصلحة و إزالة المفسدة جائز، و لو بلا إذن حتّى و لو ترتّب على عمله إتلاف بعض مال الغير، كما خرق الخضر (ع) السّفينة لتعيب، فتسلم من غصب الملك الظّالم... في قوله: {لا تؤاخذني بما نسيت...} فيه براعة الإعتذار، بيان ذلك: أنّ النّهي مستعمل في التّعطّف و إلتماس عدم المؤاخذة، لأنّه قد يؤاخذه على النّسيان مؤاخذة من لا يصلح للمصاحبة لما ينشأ عن النّسيان من خطر، و لذلك بنى كلام النّبي موسى (ع) على طلب عدم المؤاخذة بالنّسيان، و لم يبن على الإعتذار بالنّسيان، كأنّه رأى نفسه محقوقا بالمؤاخذة. فكان كلاما بديع النّسيج في الإعتذار... و فيه الحكم بالظّاهر حتّى يتبيّن خلافه لإنكار النّبي موسى (ع). و فيه حجّة على صحّة الإعتراض بالشّرع على ما لا يسوغ فيه و لو كان مستقيما في باطن الأمر. لأنّ النّبي موسى (ع) إنّما إعترض بظاهر الشّرع لا بالعقل المجرّد... {فإنطلقا حتّىٰ إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكيّة بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا * قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرا * قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا}, (سورة الأعراف الآيات رقم: 81 حتّى 83). المعنى الإجمالي للآية المباركة: قال: {ثمّ خرجا من السّفينة فبينما هما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر (ع) غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر (ع) رأسه بيده فإقتلعه بيده فقتله...} فلمّا شاهد النّبي موسى (ع) هذا أنكره أشدّ من الأوّل، و بادر قائلا: {أقتلت نفسا زكيّة}, أيّ صغيرة لم تعمل الحنث، و لا عملت إثما بعد فقتلته {بغير نفس}, أيّ بغير مستند لقتله لقد جئت بشيء منكر، و فعلت فعلا غير معروف... فقال له الخضر (ع) معاتبا و مذكّرا: { ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرا}؟ فقال له النّبي موسى (ع): إن سألتك بعد هذه المرّة عن شيء فأنت معذور بتركك صحبتي. فقد بلغت إلى الغاية التي تعذر بسببها في فراقي... و من الفوائد الجليّة في هذه الآية: أنّ الضّرر الأشدّ يزال بالضّرر الأخفّ، و يُراعى أكبر المصلحتين بتفويت أدناهما، و هي قاعدة عظيمة من قواعد أصول الفقه، فإنّ قتل الغلام شرّ، لكن بقاءه حتّى يفتن أبويه عن دينهما أعظم شرّا منه، و بقاء الغلام من دون قتل و عصمته و إن كان يظنّ أنّه خير، فالخير ببقاء دين أبويه و إيمانهما خير من ذلك، فلذلك قتله الخضر (ع)... و أنّ موافقة الصّاحب لصاحبه, في غير الأمور المحذورة, مدعاة و سبب لبقاء الصّحبة و تأكّدها، كما أنّ عدم الموافقة سبب لقطع المرافقة... {فإنطلقا حتّىٰ إذآ أتيآ أهل قرية إستطعمآ أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ فأقامه قال لو شئت لإتّخذت عليه أجرا * قال هـٰذا فراق بيني و بينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}, (سورة الأعراف الآيات رقم: 84 حتّى 85). المعنى الإجمالي للآية المباركة: قال: {فإنطلقا حتّى إذا أتيا أهل قرية إستطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ فأقامه}, قال: مائل، فقال الخضر (ع) بيده هكذا فأقامه، فقال النّبي موسى (ع): قوم آتيناهم فلم يطعمونا و لم يضيفونا {لو شئت لإتّخذت عليه أجرا * قال هٰذا فراق بيني و بينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}, أيّ: سأخبرك بما يؤل إليه عاقبة أفعالي التي فعلتها فلم تستطع على ترك المسألة عنها و عن النّكير على فيها صبرا... و من الفوائد الجليّة في هذه الآية: في الآية الأولى دليل على سؤال القوت، و أن من جاع وجب عليه أن يطلب ما يردّ جوعه. و الإستطعام سؤال الطعام، و المراد به هنا سؤال الضّيافة، بدليل قوله: «فأبوا أن يضيفوهما» فإستحقّ أهل القرية لذلك أن يذمّوا، وي نسبوا إلى اللؤم و البخل، كما وصفهم بذلك, النّبي موسى (ع) و وصفهم نبيّنا (ص)... و يظهر من الآيات أنّ الضّيافة كانت واجبة على من كان قبلنا، و أن الخضر (ع) و النّبي موسى (ع) إنّما سألا ما وجب لهما من الضّيافة، و هذا هو الأليق بحال الأنبياء، و منصب الفضلاء و الأولياء... في قوله تعالى: {لإتّخذت عليه أجرا} فيه دليل على صحّة جواز الإجارة، و هي سنّة الأنبياء و الأولياء... من الأخلاق الحميدة مقابلة الإساءة بالإحسان ذلك أنّ الخضر (ع) فعل ما فعل في قرية مذموم أهلها و قد تقدّم منهم سوء صنيع من الإباء عن حقّ الضّيف مع طلبه، و لم يهمّ فيها مع أنّها حرية بالإفساد و الإضاعة بل باشر الإصلاح لمجرّد الطّاعة و لم يعبأ (ع), بفعل أهلها اللئام... و يستفاد من إنكار النّبي موسى (ع) فيما سبق وجوب التّأنّي عن الإنكار في المحتملات، و ترك الإعتراض على المشايخ و تأويل ما لا يفهم ظاهره من أفعالهم و حركاتهم، و أقوالهم... أنّه ينبغي للصّاحب أن لا يفارق صاحبه في حالة من الأحوال و يترك صحبته حتّى يعتبه، و يعذر منه، كما فعل الخضر (ع) مع النّبي موسى (ع)... قال: {أمّا السّفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها و كان ورآءهم ملك يأخذ كلّ سفينة غصبا}... المعنى الإجمالي للآية المباركة: هذا تفسير ما أشكل أمره على النّبي موسى (ع)، و ما كان أنكر ظاهره، و قد أظهر الله الخضر (ع) على حكمة باطنة، فقال: إنّ السّفينة إنّما خرقتها لأعيبها لأنّهم كانوا يمرّون بها على ملك من الظّلمة {يأخذ كلّ سفينة} صالحة, أيّ جيّدة {غصبا} فأردت أن أعيبها لأردّه عنها لعيبها، فينتفع بها أصحابها المساكين الذين لم يكن لهم شيء ينتفعون به غيرها... و من الفوائد الجليّة في هذه الآية: أنّ المسكين يطلق على من يملك شيئا إذا لم يكفه، و أنّه أصلح حالا من الفقير... في إضافة الخضر (ع) عيب السّفينة إلى نفسه رعاية للأدب، لأنّها لفظة عيب، فتأدّب بأن لم يسند الإرادة فيها إلاّ إلى نفسه، فلا يضاف إليه سبحانه و تعالى من الألفاظ إلاّ ما يستحسن منها دون ما يستقبح، و إقتصر عليه فلم ينسب الشّرّ إليه، و إن كان بيده الخير و الشّرّ والضّرّ و النّفع، إذ هو على كلّ شيء قدير، و هو بكلّ شيء خبير... قال: {و أمّا الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينآ أن يرهقهما طغيانا و كفرا * فأردنآ أن يبدلّهما ربّهما خيرا منه زكـاة و أقرب رحما}, (سورة الأعراف الآيات رقم: 87 حتّى 88). المعنى الإجمالي للآية المباركة: و أمّا الغلام الذي قتلته فكان كافرا مطبوعا على الكفر، و كان أبواه مؤمنين {فخشينا}, أيّ خفنا أن يغشى الوالدين المؤمنين {طغيانا} عليهما {و كفرا} لنعمتهما بعقوقه و سوء صنيعه، و يلحق بهما شرّا و بلاء، أو يقرن بإيمانهما طغيانه و كفرة، فيجتمع في بيت واحد مؤمنان، و طاغ كافر أو يعديهما بدائه و يضلّهما بضلاله فيرتدّا بسببه و يطغيا و يكفرا بعد الإيمان، فأردنا أن يبدلّهما ربّهما خيرا منه زكاة, أيّ: أردنا أن يرزقهما الله تعالى ولدا خيرا من هذا الغلام زكاة, أيّ: دينا و صلاحا. {و أقرب رحما}, أيّ يكون هذا البدل أقرب عطفا و رحمة بأبويه بأن يكون أبرّ بهما و أشفق عليهما و الرحّم الرّحمة و العطف... و من الفوائد الجليّة في هذه الآية: و يستفاد من هذه الآية تهوين المصائب بفقد الأولاد وإ ن كانوا قطعا من الأكباد، و من سلّم للقضاء أسفرت عاقبته عن اليد البيضاء. و لو بقي كان فيه هلاكهما، فالواجب على كلّ إمرئ الرّضا بقضاء الله تعالى، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه له فيما يحبّ... قال: {و أمّا الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة و كان تحته كنز لهما و كان أبوهما صالحا فأراد ربّك أن يبلغآ أشدّهما و يستخرجا كنزهما رحمة من ربّك و ما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطـع عليه صبرا}... المعنى الإجمالي للآية المباركة: و أمّا الجدار الذي أقمته فكان لغلامين صغيرين في المدينة، و قد خبّأ أبوهما الصّالحين تحته مالا لهما فأراد ربّك أن يبلغا أشدّهما و يستخرجا كنزهما بأنفسهما من تحت الجدار، و لولا أنّي أقمته لإنقضّ و خرج الكنز من تحته قبل إقتدارهما على حفظه و الإنتفاع به... و هذا الذي فعلته في هذه الأحوال الثّلاثة، إنّما هو من رحمة الله بمن ذكّرنا من أصحاب السّفينة، و والديّ الغلام و ولديّ الرّجل الصّالح، و ما فعلته عن أمري, أيّ: لكنّي أمرت به و وقفت عليه. {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا}, أيّ: ذلك المذكور من تلك البيانات التي بيّنتها لك و أوضحت وجوهها تأويل ما ضاق صبرك عنه و لم تطق السّكوت عليه... و المعنى الإجمالي للآية المباركة: قال: {و كان أبوهما صـٰلحا} فيه دليل على أنّ الرّجل الصّالح يحفظ في ذرّيّته و تشمل بركة عبادته لهم في الدّنيا و الآخرة بشفاعته فيهم، و رفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنّة، لتقرّ عينه بهم... و ختاما... ففي قصّة النّبي موسى(ع) و الخضر (ع) من الفوائد أنّ الله يفعل في ملكه ما يريد, و يحكم في خلقه بما يشاء ممّا ينفع أو يضرّ, فلا مدخل للعقل في أفعاله و لا معارضة لأحكامه, بل يجب على الخلق الرّضا و التّسليم, فإن إدراك العقول لأسرار الرّبوبيّة قاصر فلا يتوجّه على حكمه لم و لا كيف, كما لا يتوجّه عليه في وجوده أين و حيث، و أنّ العقل لا يحسن و لا يقبح و أنّ ذلك راجع إلى الشّرع: فما حسّنه بالثّناء عليه فهو حسن, و ما قبّحه بالذّمّ فهو قبيح. و أنّ لله تعالى فيما يقضيه حكما و أسرارا في مصالح خفية إعتبرها كلّ ذلك بمشيئته و إرادته من غير وجوب عليه و لا حكم عقل يتوجّه إليه, بل بحسب ما سبق في علمه و نافذ حكمه, فما أطّلع الخلق عليه من تلك الأسرار عرف, و إلاّ فالعقل عنده واقف. فليحذر المرء من الإعتراض فإنّ مآل ذلك إلى الخيبة... الموضوعالأصلي : الفوائد الجليّة في القصّة البهيّة // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: RAOUFfe
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |