التدبُّر ببعض الآيات في خلال رمضان ...........
{بسم الله الرحمن الرحيم } الحمد لله التوقف على قوله تعالى { { فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} } [ المائدة: 83 - 85 ] وأنت ترى في هذه الآية أن الله بمجرد قول النصاري الخاشعين لله الباكين له جازاهم جنات تجري من تحتها الأنهار ولكن أي قولٍ هو؟!! إنه قول صدر من قلبٍ حيي بالإيمان ,. إنه قول صدر من قلب امتلأ بخشية الله ,.إنه قول صدر من قلب صادقٍ فوافق صدق ما في قلوبهم صدق قولهم, إنه قول صدر من قلب عرف الحق فاختار أعلا مقامات الإيمان بالفور , إنه قول صدر من قلبٍ خالطته بشاشة الإيمان في أعماقه , إنه قول ....إلخ. أيها العباد المؤمنون , لا شك أن كلاً منا يحب أن يدخل جنة الفردوس الأعلا بكل سهولة بمجرد قول نقوله ولكن لكي يتقبَّله الله منا هل حقَّقنا خشية الله في السر والعلن وفي ظاهرنا وفي باطننا؟! قال تعالى { {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} } [ المائدة:27 ]) وهذه هي نقطة الانطلاق المهمَّة التي لابد لكل عبد مؤمنٍ صادقٍ أن ينطلق منها ولذلك جاء في الأحاديث التي تحثُّ على الاستفادة من صيام شهر رمضان كالآتي:-. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» » [رواه البخاري ومسلم ] . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» » [ رواه البخاري ومسلم] إذاً لابد أن نأتي بقلوبٍ مملوءة من الإيمان والاحتساب ليغفر الله لنا في هذا الشهر المبارك ولنكون من العتقاء من النار كما في الحديث "، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة» (رواه الترمذي وصححه الألباني.. والخيبة كل الخيبة أن ينسلخ رمضانٌ ولم نستفد منه غفران الذنوب ولا العتق من النار ولا الموافقة بليلة القدر إلى غير ذلك من رحمات الله وبركاته التي تتنزَّل فيه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « «رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة» » [رواه الترمذي وصححه الألباني] وقال الله تعالى { {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } } [ المؤمنون : 60 ] كالذي حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمر بن قيس، عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قالت عائشة: " «يا رسول الله (والذين يأتون ما أتوا وقلوبهم وجلة) هو الذي يذنب الذنب وهو وجل منه؟ فقال: لا ولكن من يصوم ويصلي ويتصدق وهو وجل» ". وحدثنا سفيان بن وكيع، قال، ثنا أبي، عن مالك بن مغول، عن عبد الرحمن بن سعيد، عن عائشة أنها قالت: "يا رسول الله (الذين يأتون ما أتوا وقلوبهم وجلة) أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر؟ قال: لا يابنة أبي بكر، أو يابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه". إذاً المؤمن كما ترى جمع بين تجويد الأعمال والشفقة والخوف من الله ومن سخطه وعقابه أما المنافق أو ضعيف الإيمان جمع بين عدم تجويد الأعمال والأمن فكيف يستويان عند الله؟! ففي سورة الأحقاف ضرب الله مثلاً بين رجلين أحدهما بار لوالديه فدعا ربه بمثل هذا الدعاء العظيم { {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} } [ الأحقاف: 15 ] ففال عنه الله { { أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} } [الأحقاف: 16 ] والآخر عاق لوالديه تمرد على نصائحهما وأبى أن يؤمن بل أجاب { { مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} } [ الأحقاف: 17 ] وقال عنه الله وعن أمثاله { { أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} } [ الأحقاف: 18 ] كتب عمر إلى ابنه عبد الله : أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل، فإنه من اتقاه وقاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره زاده، فاجعل التقوى نصب عينيك وجلاء قلبك وكتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله "عليك بتقوى الله فإنها هي التي لا يقبل غيرها , ولا يرحم إلا أهلها , ولا يثاب إلا عليها , وإن الواعظين بها كثير , والعاملين بها قليل " وأخيراً أوصي إخواني المسلمين أن يتحروا ساعات الإجابة كعند فطره وعند ثلث الليل الآخر وبين الآذان والإقامة وعند السجود وبعد العصر في يوم الجمعة وهو منتظر صلاة المغرب في مسجده وأن يستفيد من دعاء الوالد ودعائه في السفر إن سافر وعند الحرم وغير ذلك من أوقات الإجابة كعند نزول الأمطار وعند التحام المعارك مع الأعداء. فليدع بمثل هذا الدعاء اللهم تقبل منا صالح الأعمال واعفو عنا السيئات وارحمنا وثبِّتنا على الحق واختم علينا بحسن الخاتمة وارزقنا توبة نصوحاً قبل الممات ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا يا الله وادخلنا جنة الفردوس الأعلى مع الأبرار إنك أنت المولى والقادر على ذلك.
أبو عبد الله عبد الفتاح آدم المقدشي