صدور كتاب "نظرية الشعر لدى أبي العلاء المعري" لمؤلفه المرحوم الأستاذ محمد الدناي

قراءة: الدكتور خالد التوزاني
صدر مؤخرا (2013) ضمن منشورات جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، كتاب جديد للأستاذ المرحوم الدكتور محمد الدناي، يحمل عنوان: "نظرية الشعر لدى أبي العلاء المعري بين التصور والإنجاز"، وقد جاء الكتاب في ثلاثة أجزاء: "حقيقة الشعر"، و "تحولات الإنجاز ورحلة الكتابة"، و”شعرية المنجز: تأثير الانتساب وورطة البدائل". وقد قدَّم لهذا الكتاب السيد رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فضيلة الأستاذ الدكتور السرغيني فارسي، حيث أثنى على الجهد المبذول في الكتاب، معتبرا المؤلف الأستاذ المرحوم محمد الدناي من أهم الأساتذة الباحثين الذين بصموا الحياة الجامعية، وأثروا الساحة الثقافية بالمغرب وخارجه، فضلا عن دوره في التأطير والتسيير، مما يفرض وجوب الاحتفال بهذا العالم المدقق والباحث الرصين والمؤطر المتميز، وذلك من خلال نشر بعض أعماله العلمية تعميما للفائدة، ووفاءً لرجل أعطى الكثير للجامعة المغربية وأسهم في تكوين أجيال من الباحثين الأكاديميين.
يأتي كتاب "نظرية الشعر لدى أبي العلاء المعري بين التصور والإنجاز" في سياق الجهود العلمية المتميزة كمًّا وكيفًا، والتي كان يبذلها الأستاذ المرحوم الدكتور محمد الدناي، وقد حظيت أعماله العلمية باهتمام كبير في كل المؤتمرات والندوات العربية والدولية التي شارك فيها، مما جعله محط تقدير من قبل الأساتذة والطلاب على حد سواء، خاصة وأنه كان – رحمه الله- يتمتع بخصال العالم الكبير؛ من سعة في الاطلاع، وبُعد في النظر، وتدقيق في الفكر والمنهج، فضلا عما كان يطبع شخصيته القوية من دماثة في الخلق، ورحابة صدر وهمة عالية، جعلته محبوبا من لدن الجميع.
اعترافا بالجهود العلمية التي قام بها الأستاذ المرحوم الدكتور محمد الدناي، قامت جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس بنشر كتابه "نظرية الشعر لدى أبي العلاء المعري بين التصور والإنجاز" احتفاءً بهذا العالم الجليل ووفاء له وإسهاما في تداول أفكاره وإبداعاته، مما يجسد دور الجامعة المغربية في الإشعاع العلمي على المستوى المحلي و الوطني والدولي.
سيلاحظ القارئ في هذا الإصدار الجديد دقة العالم المحقق؛ حيث جودة الأفكار وبراعة الأسلوب وحسن التنسيق بين مكونات الكتاب بأجزائه الثلاثة، مما يؤسس لمنهج في الكتابة الدقيقة التي تحترم المتلقي وتبني النتائج تدريجيا، في سفر ممتع وطويل مع أبي العلاء المعري.
يدافع العلامة المرحوم الدكتور محمد الدناي في هذا الكتاب الموسوعي عن خصوصية النظرية الشعرية عند شاعر فيلسوف تفرغ للشعر نظماً وتنظيراً وتقعيداً، كما حاول أن يقف فيه على معالم هذه النظرية ضمن السياق الفكري والمعرفي اللذين أنتجا شعر المعري وجعلا منه ثمرة لمختلف التفاعلات والتحولات التي شهدها عصره. ولقد استدعى لدعم هذه الأطروحة وتعزيزها كماًّ هائلاً من النصوص التي استخرجها من بطون المصادر، وتظهر قيمة هذا العمل أكثر، إذا علمنا أن المتن الشعري العلائي يُعد في تاريخ الشعر العربي أوّل متن لشاعر واحد، تضافرت في صوغه دواوين متعددة ومتمايزة، مع حمل كل ديوان لبصمة حقبة زمنية محددة.
وقد خَلُصَ المؤلف المرحوم الدكتور محمد الدناي من رحلته الطويلة في عوالم الشعرية العلائية إلى أن نظرية الشعر لدى المعري مقترح نقدي استمد من التصور أبعاده المجردة ونحا نحو الإنجاز، فاستجاب الشعر مدة، ثم تمرَّد أبو العلاء المفكر على أبي العلاء الشاعر وغريزته فغاب الموزون المجود غيبة طويلة، أطالها الصمت والرضى بالنظم الصادق الضعيف، وبألغازه الكاذبة الصادقة، قبل أن يُعلن أدبُ الجهاد في أواخر حياته عودَة الشعر المجود مستحييا إلى الظهور. وبين محطات الاستجابة والغيبة والعودة هذه تتحدد دلالة نظرية الشعر العلائية في تأرجحها بين التصور والإنجاز، فعلاقة هذه النظرية بما أنجزه المعري في رحلته الشعرية الطويلة علاقة متغيرة وغير ثابتة تحدد طبيعتها المرحلةُ التي ينتمي إليها المنجز.
قراءة الدكتور خالد التوزاني