جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: المقالات والمواضيع |
الأربعاء 15 أبريل - 13:56:13 | المشاركة رقم: | |||||||
جوهري
| موضوع: إبراهيم درغوثي تجربة الكتابة وسؤال التأصيل عمر حفيظ / تونس إبراهيم درغوثي تجربة الكتابة وسؤال التأصيل عمر حفيظ / تونس 1- إبراهيم درغوثي، صاحب تجربة بالمعنى الذي أدارعليه جورج باطاي Georges Bataille مفهوم التجربة. فالتجربة عند باطاي هي سفر الإنسان إلى أقصى ممكنه، ومن شروط ذاك السّفر التنكّر لكلّ سلطة أو قيمة تحدّ من ذاك الممكن. التجربة، إذن، سؤال مستمرّ يعرّض القيم كلها إلى السؤال ويلغي كلّ يقين ثابت ويدفع الذات إلى مواجهة هشاشتها وهشاشة الوجود. وهو ما يعني أنّ الكتابة ستكون انفتاحا مستمرّا على الألم. فكلّما كان الأدب منفتحا على الألم كان إنسانيا، لأنّه – وقتها – سيكون أكثر جرأة في طرح الأسئلة التي يراد لها أن تُكبَت وأن تُرجأ إلى أن يحين وقتها الذي لن يحين. الأسئلة التي تؤجّل باستمرار هي التي تجعل الأدب إنسانيا عندما يطرحها. والمتأمّل تجربة درغوثي في الكتابة – قصة ، رواية - يمكنه أنّ يدرك بيسر أن الخلفية التي توجّه فعل الكتابة، خلفية ترفض تأجيل الأسئلة أو إرجاء الخوض فيها. فالرواية، عند درغوثي، ليست حكاية تُحكى، وإنّما هي حفر في الذاكرة المطمئنة وغوص على الغريب والمفاجئ بل العجائبي في ما عُدّ مألوفا أو بلا معنى. وهو ما يعني أنّ هاجس تأصيل الرواية، في سياقاتها القريبة والبعيدة، مكين، بل إنّه هاجس يكشف عن وعى ترسّب فيه أنّ للأدب وظيفةً، هي إعادة بناء الإنسان على نحو يجعله عصيا على الاختزال في بعد واحد أو في صورة نمطية. ولئن كانت هذه السمات عامّة، في أدب درغوثي، فإنّنا سنكتفي بالنّظر في روايتين اثنتين هما : -الدراويش يعودون إلى المنفى - وراء السّراب ... قليلا 1-1- الدراويش أو كتابة الإملاء : في "الدراويش" يعودون إلى المنفى وهي أولى روايات إبراهيم درغوثي يفتضح أمر الكتابة على نحو يجعلنا نتساءل عن عقد القراءة المفترض. فكلّ كتابة أو نوع كتابيّ يفترض عقد قراءة ما، بل إنّ عقد القراءة قد يختلف من نمط إلى نمط داخل النوع الكتابي الواحد. فالرّواية نوع كتابي ولكنّ عقد القراءة يختلف من رواية السيرة أو التاريخية إلى رواية العجائيية... لكن لماذا الحديث عن عقد القراءة ؟ لأنّ هذه الرواية تطرح تحدّيا مزدوجا على القارئ. ووجه الازدواج في هذا التحدّي أنّ الرواية تحجب وتكشف في آن معا.ففي عنوان لافت هو "قبل البداية" يكتب درغوثي حكاية الكتابة. ويمكننا أن نكثّف هذه الحكاية في الاستعارة التالية : الكتابة / صراع وألم الصّراع يخوضه طرفان أو أطراف متعدّدة وقد يكون ذاك الصراع متكافئا وقد لا يكون ثم إنه ينتهي إلى نتيجة ما، وكثيرا تستعمل فيه أسلحة وحيل متنوّعة... والكتابة في هذه الرواية صراع. يقول الروائي " لم أكن أريد قبل هذا اليوم كتابة هذه الرواية لأنّه، وكما تعلمون ومنذ أن أحرق الرّعاع في مدن وقرى الأندلس كُتب ابن رشد واتّهموه بالزندقة والكفر إلى أن حكم علماء الأزهر بحرق كتاب "ألف ليلة" في قاهرة المعزّ في أواخر القرن العشرين بتهمة إفساد الذّوق العام، وأنا أخاف القلم والقرطاس(1). هذا الكلام للروائي، لكائن اجتماعي تاريخي هو إبراهيم درغوثي الذي كتب رواية " الدراويش يعودون إلى المنفى " ولكن هذا الذي كتب ليس هو هو، لأنّه لم يكن يريد أن يكتب أو أن يتحمّل المسؤولية أو أن يخوض صراع الكتابة وآلامها، ولكنّه كتب لأنّ درويشا هدّده بالقتل. إذن، كتب درغوثي حتّى لا يقتل. ولكنّه كتب وهو يتشظّى قال الدرويش : " إن لم تكتب هذه الرواية سأقتلك شرّ قتلة (2) بدأ درويش في ذبح الروائي وترك له جرحا كبيرا في عنقه. ولأمر ما كان الجرح في العنق. لماذا لم يجرحه في يده أو صدره أو ظهره ؟ الجرح في العنق بسبب الكتابة. إذن الكتابة ديْن في عنق الروائي، ديْن بالقوّة : إن لم تكتب الرّواية هذه المرّة أسكنت في جمجمتك رصاصة أمريكية (3) وقد جاء درويش وفي يده مسدّس Made in USA هذه الروّاية مكتوبة تحت التّهديد. والرّوائي ليس إلا ناسخا، فكيف نقرؤها، إذن ؟ القراءة لعبة من جنس لعبة الكتابة. ولو لم تكن كذلك لما احتجنا إلى التّحديد الأجناسي (شعر، قصة، رواية، رسالة) ولئن كان درغوثي قد حدّد جنس كتابته (رواية) فإنّه قد أربك التّحديد بهذا النصّ الموازي : قبل البداية. هذا وجه من وجوه اللّعب الجاد. وأيّ قول بأنّه يمكننا أن نقرأ رواية الدراويش كما نقرأ أيّ رواية أخرى، إنّما هو قول مردود، لأنه يلغي تعدّد النصوص واختلافها وأمارات فرادتها ويردّها إلى النّموذج المفرد، كما أنّه يلغي وظائف النصوص الموازية. أما الوجه الثاني، في الازدواج. فهو الإفصاح عن قانون من قوانين الكتابة. وهو أن أي كتابة إنّما هي إعادة كتابة Ré-écriture وههنا يكون للرّواية أن تحجب وتكشف. فليس في المراجع التي عوّلت عليها الرواية ما يمكن أن يعقد صلة بين الكتابة المفترضة والمتحقّقة. فالمراجع كلّها قديمة، وهذه الرّواية هي رواية السوبر ماركت والامبراطور رونالدريغن والأبواب البلورية التي تنفتح تلقائيا وفرانسوا مرتال. الرواية، إذن، تعابث الزّمن والقارئ ودرغوثي يحاول أن يكتب الزّمن في شكل شذرات تعبيرا عن رفضه لكتابة الاسترسال، كتابة الاطمئنان والوضوح واليقين. وهذا يعني أنّ هذه الرّواية لا يقين لها، ولا تدعو إلى يقين. وإنّما هي تزرع الشك وتضع العالم بأسره في حالة أزمة، لأن غايتها هي أن تطرح السؤال لا أن تقدم أجوبة. ما أسئلة هذه الرواية إذن ؟ لعل أهمّ الأسئلة التي تطرحها هذه الرواية هو التالي : هل خرج العرب من عصر معرفي إلى آخر أو ما اسم العصر المعرفي الذي يعيشه العرب الآن ؟ هذا السؤال مشتق ممّا تصرّح به الرواية : موميا + عرب = مومياء + عبد الناصر = مومياء + السّادات = حرب أكتوبر + عصر الانفتاح والصلح الانفرادي "وطز" في العرب البائدة والعرب العاربة والعرب المستعربة والآراميين والأغريق ومملكة سبأ (4) الزمن المعرفي الذي يعيشه العرب هو زمن المومياء. ولذلك فإن النّفي الذي أشرنا إليه سابقا نفي الصّلة بين الكتابة المفترضة والمتحقّقة لأنّ مراجع الكتابة قديمة وهذه الرواية تكتب الآن وهنا يصبح – أي النفي – ضربا من الاستعجال بل من اللّغو. صحيح أنّ الرواية تكتب الآن وهنا وأنّ مراجعها قديمة. وهذا يومئ – شكليا - إلى وجود مفارقة. ولكنّها مفارقة مقصودة لأنّها تروم أن تكشف حجم الانفصام الذي يعيشه هؤلاء المتدروشون من الماء إلى الماء، والرواية تعني العرب. فزمن:" إذا بلغ الفطامَ لنا صبيّ / تخرّ له الجبابر ساجدينا ". قد ولى . يقول السارد : والنّعمان يطعم بيديه الشريفتين الحسناء الأمريكية من كبد الجمل (...) ويطرب، فيقوم ليرقص بالسيف ويطلب من السائحة التي أطعمها كبد الجمل أن تشاركه الرقص، ويضرب الأرض برجليه في خفّة وعزم وتضرب الساحة برجليها الأرض ضربات خفيفة. ويدقّ النّعمان الأرض. وتدقّ السائحة الأرض ويدقّ الأمريكان الأرض (5) وعندما يدقّ الأمريكان الأرض "يخرج من جوفها مارد أسود اللون كريه الرائحة (6) ويقول النعمان " أنفطي حيث شئت فخراجك لي (7) إذن، ما اسم الزمن المعرفي الذي يعيشه العرب اليوم ؟ هذا هو السؤال الذي تطرحه الرواية السّاخرة من سذاجتنا. الرواية لم تجب وليس من شأنها أن تجيب وإنّما ظلّت تسخر. وليس أفضل من السّخرية جوابا على ذاك السّؤال، لأنّ الجواب الصريح هو أن زمننا هو زمن الحداثة المعطوبة، بتعبير محمّد بنيس. حداثتنا معطوبة. والمعاطب لا يفضحها إلا الأدب والرواية تحديدا لأنّها تُبنى بأليات التّمطيط والتّوسيع والتّفصيل. لقد انتهت هذه الروّاية إلى أننا جعلنا من الماضي خصما حقيقيا لزمننا الحديث ( فخسرنا الماضي والحاضر، في آن معا إنّ طموح هذه الرّواية كبير وهو تأصيل الذّوات في زمنها المعرفي ومحاولة تخليصها من عقدة الماضي وعقدة الآخر كذلك. وهو مايعني أنّها تطالب ضمنيا بنقد مزدوج، نقد الذّات وهويتها ونقد الآخر ومشاريعه. فدون نقد مزدوج سنظلّ معتقلين هنا أوهناك ،في ماضينا أو عند الغزاة .وهذا ما حذّرت منه الرّواية وتفاءلت بنقيضه: حنى الرجال الرؤوس ودخلوا إلى الكهف ودخلت النّساء وراءهم ودخل درويش وراء الجميع وأغلق باب الحجر. نهاية مركبة،وقد سبق أنّ أشرنا إلى أنّ هذه الرواية تزرع الشك والحيرة والقلق ... نهاية مركبة لولا أنّ درغوثي جعل شمس يوم جديد تشرق في الخارج والأطفال يجرون في شوارع القرية والسّماء تمتلئ بطائرات ورق بيضاء وزرقاء وحمراء. 1-2- وراء السّراب قليلا أو كتابة المكان : في رواية "وراء السّراب قليلا"(9) يؤسّس إبراهيم درغوثي لكتابة أخرى، هي كتابة المكان. ونحسب أنّ الفروق بين حضور المكان في الروّاية وكتابة المكان روائيا، كثيرة ومتعدّدة. فالمكان، في الرواية، عنصر بان للحكاية. وسواء كان مرجعيا أم متخيّلا، فإنّه لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة المكان يكتب روائيا. فالمكان، عند ما يكتب روائيا، يتحوّل إلى ذاكرة تلغي النّسيان وتمحو الزّمن أو يغدو استعارة تُشتقّ منها قيم رمزية وصور للذّات والآخر، في آن معا. فـ"قرط حدشت" هي المكان الذي سعى درغوثي إلى كتابته روائيا، في رواية "وراء السّراب قليلا". "قرط حدشت" هي المدينة الجديدة. أو اسم لأيّ مدينة جديدة. وفي الرّواية هي الاسم المشتقّ من مناجم الرّديف وأم العرائس والمتلوي. مدينة جديدة تنشأ من لحم أبنائها وعرقهم لتعاد كتابة أسطورة الخلق روائيا: هذه الأجساد من طين هذه الأرض أو هذه الأرض هي عجين تلك الأجساد. "فقرط حدشت" هي الاسم الآخر للرديف وأم العرائس والمتلوي. ولكنّها الاسم الفينيقي لقرطاجة كذلك. حكاية "قرط حدشت"، إذن، هي حكاية قرطاجة الضّاربة بجذورها في الأسطورة، أسطورة التأسيس، وما تلا التأسيس من مرويات سرديّة هي التي تشكّل هويّة المكان. فمن أزمنة علّيسة إلى أزمنة فيليب توماس يمتد خطّ سرديّ يستعصي على الاختزال والتلّخيص. ولكنّ درغوثي يحاول في "وراء السّراب... قليلا" أن يكتب جزءا من هذا المكان الذي اختلطت فيه الأجساد و تبلبلت الألسن. فعجين طين الأرض في هذا المكان غير ما عجن به في مكان آخر وليس صدفة أن يهدي الروائي روايته هذه إلى صهره محمد بن فطوم، (وهو عامل منجمي) وإلى رفاقه عمال المناجم في قفصة وتونس وفي كلّ بقاع الأرض(10) وليس صدفة كذلك أن تفتح هذه الرّواية لنفسها نافذة على الشّعر. فالعتبة الثانية، بعد الإهداء، مقطع من قصيدة لمحمود درويش بعنوان " قال المسافر للمسافر"، من ديوان لماذا تركت الحصان وحيدا.(11) وكان درغوثي قد اختار أن يستحضر من هذه القصيدة مقطعا بعينه، يمكن أن نسميّه مقطع الكتابة، بل تمجيد الكتابة باعتبارها مدخلا إلى التأسيس وحضور الذات في الزمان والمكان أي في التاريخ. - وفي الصحراء قال الغيب لي : أكتب ! فقلت : علي السّراب كتابة أخرى فقال : اكتب ليخضرّ السّراب فقلت : ينقصني الغياب وقلت : لم أتعلّم الكلمات بعد فقال لي : اكتب لتعرفها وتعرف أين كنت، وأين أنت وكيف جئت، ومن تكون غدا ضع اسمك في يديْ واكتب لتعرف من أنا، واذهب غماما في المدى... فكتبت، من يكتب حكايته يرث أرض الكلام ويملك المعنى تماما. الخلفية التي وجّهت الاختيار، إذن، هي الإيمان بالكتابة باعتبارها استعارة للحياة (من يكتب حكايته يرث / أرض الكلام ويملك المعنى تماما) ولكن أيّ كتابة أو كتابة ماذا ؟ في "وراء السراب قليلا" يتداخل الأسطوري والواقعيّ والتاريخيّ والمتخيّل وتختلط الألسن وتتمازج العادات والأعراف والثّقافات وتتهاوى الحدود بين المقدّس والمدنّس وتُختزل العصور والأحقاب، وتظلّ قرط حدشت هي أرض الكلام، بعبارة درويش. ففي الفصلين الأول والثاني تتوزّع الحكاية بين ماضي "عزيز السّلطاني" وحاضره، والحديث عن "فاطمة" وموت أبيها ومحلّة الباي التي جاءت لتثأر للتركمان الذين ذُبحوا قبل أن يجمعوا الأتاوات والمكوس لخزانة الإيالة وصناديقها الفارغة (21) لم تجمع المحلّة شيئا. أمّا درغوثي، فقد جمع أطراف الحكاية في الفصلين الأول والثاني ونظمها في خيط هو شعار أولئك الرّافضين للظلم :"هاالباي من بيّاه" جملة احتجاج أثيرة يتردّد صداها داخل الرواية، كما أنّها تلخّص سيرة المكان وتكثّف استعارة العناد ومطاولة المحن التي شهدتها "قرط حدشت" وبلاد الجريد وقفصة. في ذينك الفصلين تعاد كتابة التاريخ متخيّلا وتستأنس الرواية بالخرافة والحكاية الشّّعبية لتخييل الواقع. فتتضافر الدّلالات وتكتمل حكاية أولى لتبدأ ثانية، سيشرع السّارد في تقديمها على امتداد أربعة فصول (من الفصل الثالث إلى الفصل السّابع) هي حكاية الأرواح المنسيّة في أعماق الأنفاق أو حكاية المكان يتحوّل إلى ذاكرة أو علامة لا فرق بينها وبين العلامة اللّغوية، في القدرة على التدلال. "قرط حدشت" أو القرية الحديثة، المكان الذي خلقه الأوروبيون خلقا واختلط فيه الخلق اختلاطا،من طرابلس – ليبيا إلى بلاد السّوس في المغرب إلى واد سوف في الجزائر، إلى مالطيين وإسبان وروس وبربر وفرنسيس... وغيرهم. فقدر المكان، أنّه نشأ حول نفق أو أنفاق. والنفق علامة على أنّ حياة ما كانت هنا. كانت حياة وتبدأ الآن حياة أخرى. حياة مدفونة في الأنفاق، مجهولة، غريبة، تلفّها رهبة وغموض. غموض الوجود له معادل رمزيّ هو ظلام النفق. فأمام باب النّفق يستشعر الداخلون هشاشة الوجود، ويتحوّل المكان إلى شِقٍّ وهو مخلوق له نصف رأس وعين واحدة ورجل واحدة، ثمّ يتحوّل إلى لوحة تشبه لوحة غرنيكا لبيكاسو، خيول برؤوس آدمية وبقايا أخشاب وقطرات دم وضوء خافت ولا داخل ولا خارج... تلك لوحة بيكاسو، أمّا المكان، في الرّواية، فكتل من العظام الآدمية والحيوانية مكدّسة فوق بعضها، رؤوس بغال وأقحاف رؤوس بشر وفكوك سفلية وعظام لأذرع وأرجل و... وفي الجهة الأخرى من المغارة (...) هيكل عظميّ قائم على رجليه. كانت بقايا ثياب قد تكدّست تحته وفانوسه مرمّي على جنبه ورأسه مائل قليلا إلى الوراء كالمتّكئ على الجدار (31) ذاك ما بقى من الرجال الذّين ابتلعهم جبل "الوصيّف" فأكثر من خمسمائة عامل في العام الأوّل من القرن الماضي أصبحوا ولم يمسوا. وقد بقيت أصوات أولئك الرّجال مكتومة في باطن الجبل يسمعها، إلى اليوم، من يدخل النّفق أو من يجيد الإنصات إلى نداء الأرض وصوت الأبدية. خمسمائة عامل، في يوم واحد. هي ذي هشاشة الوجود. وليس وجودنا إلا آثار أقدام فوق رمال متحرّكة، وجود محو، تماما كما الكتابة. فكلّ كتابة هي كتابة تطريس أو هي كتابة محو. الكتابة. إذن، هي الحياة. والحياة هي الكتابة. لهذا السبب، يكتب درغوثي ويكتب آخرون ونكتب جميعا. وبسبب هشاشة الوجود كان شعار ميلود الطرهوني الطرابلسي : " اللي جابه النّهار يدّيه الليل" بل إنّه كان يحتج على من يحتجّ عليه قائلا : من يضمن لي منكم أنني لن أترك مخّ رأسي غدا على صخور النفق" (14) من أين تعلّم ميلود الطرهوني هذا ؟ المكان هو الذي علّمه أن يتحدّى الموت. وعلّمه أن يحبّ "حسيبة النائلية" وهي مومس في ماخور ولكنّ الطرهوني يحبّها. عجيب هذا المكان، يموت فيه الرّجال داخل الأنفاق ويموتون من أجل مومس كذلك. في الهزيع الأخير من ليلة الأحد 5 مارس 1907 هاجم "الطرابلسيّة " حيّ "القبائل" من الجهات الأربع(...) وفي رمشة عين غادر أكثر من ألف رجل (من الجزائريين) باب النّفق والتحقوا بساحة المعركة مسلّحين بالهروات والبنادق والديناميت والمسدّسات (15) . مات كثيرون وكاد لويس الذي أحبّ عائشة أن يموت كذلك. ولكنّ حكمة الشيخ المقرئ أنقذته. فقد أدخل الشيخُ لويس إلى الإسلام وأمر بختنه تمهيدا للبناء بعائشة. علاقة غريبة تُشتّق منها أسطورة "شدّاد" الذي أحبّ عائشة هو أيضا فتركته. ولكنّه لم يتراجع ومزّق ثيابه ومشى في السّوق عريان السوأة (61) . للمكان، إذن، أساطيره وسلطته. أسطورة الشقّ وأسطورة "ّشدّاد" وأساطير أخرى تنسجها ذاكرة مسكونة بالفجيعة. أما السّلطة، فسلطة الحياة والموت يتداخلان كما لم يتداخلا في أي مكان آخر. فالنفق هو الحياة في هذا المهمه من الأرض، جبال جرداء رمادية ترتع بين شقوقها العقارب والأفاعي وبنات آوى ووديانها سحيقة تنبت في مستنقعاتها أشجار الطرفاء والطلح والعرعار ويجري ماؤها آسنا يطنّ فوقه البعوض والناموس(17) والنّفق هو الموت الذي لا يغفل كذلك. موت خمسمائة عامل طواهم النسيان ولكن المكان الذي شهد التضحية يحوّلهم إلى علامات في ملحمة، ويتحوّل، هو، بهم إلى ذاكرة. الملحمة التي أشرنا إليها هي ملحمة إبراهيم "زلميته". كنية ناشئة من تحريف لـAllumette، هذا الرجل صورة من صور النار التي تطهّر وتخلّص، رجل من جبال الريف من المغرب كان يعمل بمناجم الحديد بسانت اتيان Saint Etienne بفرنسا ثم جاء إلى "قرط حدشت" ليتحوّل إلى شقّ أهلك خلقا كثيرا من أعوان فرنسا ومخبريها وجنودها. كان إبراهيم ّزلميتهّ نقابيا وهو الذي ألهم الثلاثة آلاف عامل أن يضربوا عن العمل كما ألهمهم النقابي الإيطالي "زاري" أن يقولوا : لم يخلق الربّ هذه الدنيا من أجل شخص واحد وإنما أعطى للجميع حقوقا متساوية. وهي ملحمة الكائن والمكان يتجاوبان، فيجد الكاتب (الروائي) في تجاوبهما، من الأحداث والصور، ما به يمتّن الصلة بين الرواية والتاريخ. فالرواية حكاية بلا معنى ما لم تسر فيها حرارة التّاريخ والتّاريخ رماد لا نار فيه ما لم تحركه الرواية. إن الرواية، في تجربة إبراهيم درغوثي، ضرب من النضال الفـني الجمالي لانحيازها الدائم إلى خانة الإنساني ودفاعها المستمر عن أصالة هذا الكائن المحاصر بالممنوع والمرعب واللاخلاقي والمبتذل... أي بالنقصان الدائم. ونحسب أن رواية درغوثي -مهما كان عنوانها- واعية بذاك النقصان الدائم وهي تروم التخفيف منه، فيما هي تبتدع لنفسها أشكالا كتابية جديدة. عمر حفيظ – تونس المصادر : 1 – ايراهيم درغوثي / الدراويش يعودون إلى المنفى : رواية / دار رياض الريس الطبعة الأولى / لندن / كانون الأول / ديسمبر 1992 2) ابراهيم درغوثي، وراء السراب قليلا (رواية) دار الإتحاف للنشر، تونس 2002 المراجع : (1) رواية " الدراويش " ص13 (2) نفسه، ص 13 (3) نفسه، ص18 (4) الرواية، ص 76 (5) نفسه، ص 107 (6) نفسه، 108 (7) نفسه، ص 109 ( بنيس، الحداثة المعطوبة، دار توبقال المغرب، 2005، ص 90 (9) ابراهيم درغوثي، وراء السراب قليلا (رواية) دار الإتحاف للنشر، تونس 2002 (10) رواية وراء السراب ... قليلا ، ص 5 (11) محمود درويش، لماذا تركت الحصان وحيدا (شعر) نشر رياض الريس 1995. ص 110 (12)الرواية، ص 15 (13) الرواية، ص 123 (14) نفسه، ص 131 (15) نفسه، ص 142 (16) الرواية، ص 176 (17) الرواية، ص 109 الموضوعالأصلي : إبراهيم درغوثي تجربة الكتابة وسؤال التأصيل عمر حفيظ / تونس // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: السان سيرو وان
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |