وما الشِّعْرُ حُبٌ شاغِفٌ وصَبابةٌ | فَحَسْبُ. ولكنْ حكمةٌ وتأمُّلُ! |
جذبْتُ به نَحْوي الفَواتِنَ فَتْرَةً | من العُمْرِ. ثم انْجابَ عَنِّي التَّدَلُّلُ! |
فقد أَطْفَأَت دُنْيايَ مِن وقْدَةِ الصِّبا | وَوَلَّى شَبابٌ كان يَسْطو ويَجْهَلُ! |
وأَصْبَحَ شِعْري يَنْشُدُ الحَقَّ جاهراً | وما عادَ يُشْجِيهِ الهوى والتَّغَزُّلُ! |
* * * |
أراني. وما أَرْضى لِشِعْري تَدَلُّهاً | ولا ظَمَأً لِلْكأْس. فالْكأْسُ يَسْطِلُ! |
وحُسْنُ الغَواني يَسْتَطِيلُ على الوَنى | ويُعْرِضُ عنه.. وهو شِلْوٌ مُجَدَّلُ! |
وقد صِرْتُهُ فالشِّعْرُ عِنْدي مُقَدَّسٌ | فما أَرْتَضِيهِ. وهو يَهْوِي فَيَسْفُلُ! |
ولا أَرْتَضِيهِ عانِياً مُتَزَلِّفاً.. | ولا حاقِداً يَفْرِي حَناياهُ مِنْجَلُ! |
سَمَوْتُ به للنَّجْمْ أَغْشى مشارِفاً | تُطِلُّ على كَوْنٍ به الحَقُّ فَيْصَلُ! |
تُطِلُّ به غُرُّ المَشاعِرِ والنُّهى | عليك بِسَلْسالٍ زُلالٍ فَتَنْهَلُ! |
وتَرْوِي غَليلاً كَانَ لِلْمَجْدِ ظامِئاً.. | فَلاقاهُ لا يُكْدِي. ولا يَتَبَذَّلُ! |
فَقُلْتُ هُنا طابَ المُقامُ لِوامِقٍ | إلى كلِّ ما يُسْدي. ولا يَتَعَلَّلُ! |
ولاقَيْتُ فيه مَعْشَراً مُتَرَفِّعاً | فما فِيهِ أَوْحالٌ. ولا فيه جَنْدَلُ |
بَلى فيه إِبْرِيزٌ نَقِيٌّ.. ولُؤْلُؤٌ | سنِيٌّ. ورَوْضٌ عَبْقَرِيٌّ.. وجَدْوَلُ! |
* * * |
وحَفُّوا بِرُوحِي فاسْتَجابَتْ فإِنَّهُمْ | كِبارٌ بِما يَبْدو وما يَتَغَلْغَلُ..! |
بَهالِيلُ. هذا حاتِمٌ في سَخائِهِ | وعَنْتَرَةٌ هذا. وهذا السَّمَوْأَلُ! |
وقالوا. لقد آنَسْتَ رَبْعاً مُرَحِّباً | بمن جاءه واسْتَكْرَمُونِي.. وأَجْزَلوا! |
فطِبْتُ بِهم نَفْساً.. وطِبْتُ بِهِمْ نَدىً | فقد ضَمَّني صَحْبٌ كِرامٌ.. ومَنْزِلُ! |
وأَلْفَيْتُ إِلهامِي بِهِمْ مُتَأَلِّقاً.. | تَعَزُّ بِهِ مِنْهُمْ جَنُوبٌ وشَمْأَلُ! |
فَلَوْ أَنَّني أَطْرَيْتُ لم أَكُ كاذِباً | ولا مادِحاً مَنْ غابَ عنه التَّفَضُّلُ! |
ولم أَتَمَرَّغْ في الرِّياءِ وأَغْتَدِي | بما قُلْتُ.. بِئْسَ المادِحُ المُتَوسِّلُ! |
ألا ساءَ مَنْ يُزْجِي القَوافِيَ حُلْوَةً | إلى قَزَمٍ جَدْواهُ شَوْك وحَنْظَلُ! |
هنا الشِّعْرُ مَجْدٌ.. لا رِياءَ ولا هَوىً | مَقِيتٌ. فما يَخْزى. ولا يَتَسَوَّلُ! |
سما مِنْهُ رَهْطٌ لِلنُّجومِ فَهلَّلُوا | وأَهْوى بِه للدَّرْكِ رهْطٌ فَأَعْوَلُوا! |
تَبارَكْتَ لاقي مِنْكَ مَجْداً وعِزَّةً | مُحِقٌ. ولاقى الخِزْيَ والهُونَ مُبْطِلُ! |
سَجَدْتُ امْتِناناً لِلنَّدى مِنْكَ والعُلا | فما كُنْتُ مِمَّنْ خالَفُوكَ فَزُلْزِلُوا! |
وما كُنْتُ مِمَّنْ جَدَّفُوا.. فَتَعَثَّروا | وما مِنْهموا إلاَّ العَمِيُّ المُضَلَّلُ! |
وأَغْراهُموا الزَّيْفُ الرَّخِيصُ فَأَوْغَلوا | بِهِ من قِفارٍ لَيْس فيهِنَّ مَوْئِلُ! |
فما الوَفْرُ إلاَّ الآلُ ما فِيهِ مَشْرَبٌ | ولا المَجْدُ إلاَّ الجَدْبُ ما فِيهِ مأْكَلُ! |
كلا اثْنَيْهما يُرْدِي إذا كانَ سَيِّداً | على رَبِّهِ.. والسَّالِمُ المُتَبَتِّلُ! |
ولكنَّ مَجْداً أَبْتَغِيهِ.. وثَرْوَةً.. | لَدَيْكَ هُما مَجْدِي وَوَفْرِي المُجَلِّلُ! |
ستَعْتَزَّ نَفْسي بالمُعَجَّلِ مِنْهُما.. | ويُرْضي رُفاتي من المَعادِ.. المُؤَجَّلُ! |
تَمَجَّدتَ رَبَّي.. إنَّي مُتَطَلِّعٌ.. | إلى اثْنَيْهما.. أَنْتَ الكَرِيمُ المُؤَمَّلُ! |