سارة رشيدان: نقلة مهمة في تطوير التعليم
على الرغم من تعالي الأصوات المطالبة بتدريس الفلسفة والتفكير الناقد من مثقفي البلد الواعين بأهميتها؛ فإن هذا القرار عندما صدر من وزارة التعليم كان مفاجأة جميلة جدًّا؛ بل ربما هو برأيي أهم نقلة حدثت في تطوير مناهج التعليم بالمملكة في العقود الأخيرة، وبخاصة مناهج المرحلة الثانوية. جرأة تدريس الفلسفة باسمها مباشرة بعد محاولات سابقة لتقديم التفكير الناقد تكشف أن القائمين على وضع سياسات التعليم أدركوا الضرر المترتب على غياب هذه المادة عن مناهجنا منذ بدء التعليم؛ مع العلم أن الفلسفة وجدت بشكل محدود في بعض أنواع التعليم الجامعي، أو ما فوق جامعي؛ حضرت في فلسفة التربية، وربما حضرت كمخالف يجب الرد عليه في تخصصات جامعية أخرى؛ لكنها غابت تمامًا عما قبله حتى صدور هذا القرار. تدريس الفلسفة اليوم حدث بعد أن اكتشف أنها ضرورة يحتاجها المتعلم أو المتعلمة لوعي قضايا الفكر العامة والخاصة بهما، ستصنع الفلسفة مُحاوِرًا متمكنًا يجيد عرض أفكاره، والتفاعل السويّ مع أفكار الآخرين من دون شعور بالعجز عن محاورة المختلف عنه صديقًا أو عدوًّا، معلمًا أو متعلمًا. سيقودنا هذا إلى التخلص من ثقافة التلقين الهشة والدخول إلى عالم الحوار الرحب.
في السنوات الست الأخيرة كنت قريبة جدًّا مما يطرح في حلقة الرياض الفلسفية (حرف) وهي بلا شك نواة الفلسفة في بلدنا، الحلقة أنشأها قراء باحثون في الفلسفة، واستمرت بنادي الرياض الأدبي حتى اليوم في تقديم طروحاتها الفلسفية والفكرية، وقبل سنتين منها انطلق إيوان الفلسفة في نادي جدة الأدبي، وكان ولا يزال الحوار الفلسفي متصلًا بين المدينتين وبرعاية عقول شابة آمنت بالفلسفة.
قبل أيام قرأت عن حلقة فلسفية جديدة تنشأ شمال المملكة، والحقيقة أن هذا الجهد اللافت أعطى صورة عظيمة عن قدرة ووعي شبابنا انتقلت إلى العالم، الذي يستغرب وجود الفلسفة بهذا العمق في إطار ثقافة طال تجريمها لها. التحديات التي واجهت الشباب في طرحهم الفلسفي كثيرة، سواء ما تعرضوا له من هجوم مخالفيهم، أو تُهَم وُجِّهت لهم؛ لكن اللافت أنهم تجاوزوها ولا يزالون يذللون بحماسهم الصعاب في استقطاب الحضور المهتم، والمحاضر الجيد. أيضًا الفلسفة تُقَدَّم للجنسين، وتُقدَّم لمختلف الأعمار ودرجات الثقافة، فأحدثت تواصلًا للوعي الجمعي المثقف المتابع لها أو لبعض طروحاتها، وبخاصة فلسفة الأخلاق كمثال. أظن التحدي الذي يواجه الفلسفة اليوم هو قلة عدد المشتغلين بها، مع رغبة عارمة في تعلُّمها وتقديمها. والتحدي الأهم أننا يجب أن نفتح أقسامًا في الجامعات لتصبح الفلسفة علمًا قائمًا بذاته، يدعم اجتهادات الشباب أبطال الفلسفة.
عضو الحلقة الفلسفية